المثقف والسلطة

كتب بواسطة عوض اللويهي

 

يتوفّر الآن في معرض مسقط الدولي للكتاب كتاب “المثقف والسلطة: التأثير والتأثّر” الذي يحتوي على أوراق العمل المقدمة في الندوة التي أقامتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع لجنة الفعاليات الثقافية بمهرجان مسقط بتاريخ 20يناير 2016م، وقد قام بتحريره عوض اللويهي، مما جاء في مقدمته:

“نقف عزيزي القارئ في هذا الكتاب على قضية ظلت فترة من الزمن مثار نقاش وجدل وعقدت لأجل هذه القضية ندوات وألفت كتب كثيرة، هذه القضية هي العلاقة بين المثقف والسلطة، ومنبعها جاء مع قيام الدولة الحديثة، وقضية النهضة في الثقافة العربية، وما تبع ذلك من محددات وشروط، وما أتى بعد ذلك من تحيزات وتحزبات أيديولوجية أفرزت أنماط متعددة ومتعددة لطبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة… ولأجل المساهمة من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في طرح هذا الموضوع على المستوى المحلي هنا في السلطنة، نظرًا لما تشكله هذه العلاقة من التباس وغموض خصوصًا بعد الأحداث التي مرت بالبلد عقب أحداث 2011م، وما أفرزته تلك الأحداث من وقائع وما تبعها من معالجات ما زال أثرها بارزًا في يومنا هذا.”

 

وعرّف علي حرب في “جدلية العلاقة في ما يتعدّى ثنائية المثقف أو السياسي: الجدل والتحول” المثقف من حيث المهنة على أنه : ” هو من يشتغل في القطاع الفكري. قد يكون فيلسوفًا أو عالمًا أو أديبًا أو كاتبًا أو فنانًا… بهذا المعنى يشكل المثقفون عمال الفكر وشغيلة المعرفة، المنتجين للمعاني والنصوص أو للصور والرموز، قد يكون النتاج نظرية أو مقولة أو قصيدة أو رواية أو لوحة أو صحيفة.”

 

وعن علاقة المثقف بالسلطة السياسية قال حرب: “علاقة المثقف بالسلطة السياسية هي علاقة مركبة ومزدوجة، بقدر ما هي ملتبسة وإشكالية من حيث وجوهها المختلفة ومستوياتها المتعددة. هناك المثقف الوالي الذي يُسوِّغ للحاكم مشروعيته ويدافع عن سياساته. وما أكثر المثقفين في العالم العربي الذين يلتحفون بالحكام، ومن بينهم طغاة، لكي يمشوا في ركابهم ويبرّروا لهم أخطاءهم ومساوئهم. على الطرف الآخر يقف المثقف المنشقّ، ومثاله عالم اللغة، المفكر والمناضل الأمريكي نعوم تشومسكي الخارج على بلده، الناقد لنظامه ومشاريعه وسياساته. وبين هذين الطرفين تتراوح النماذج، بين محايد ومستقل، أو مستشار ومتعاون، أو ناقد ومعارض، أو مُنظِّر ومنخرط. والمثقف المحايد وغير المنضوي، وهو من يكتفي باستخدام علمه ومعارفه في تحليل السياسات من دون إتخاذ موققف أو إصدار حكم في ما يخص الأنظمة والسلطات.”

 

وفي حديثه عن إرهاب الحقيقة قال: ” الأجدى أن نكسر منطق التملّك والتحكم أو القبض والتيقّن، فلا أحد يملك الحقيقة أو يحتكر الطريق إليها، بحيث تعامل الحقيقة بمفردات الفتح والخلق أو الصناعة والتحويل أو التأليف والبناء، وبحيث تدار بلغة السياسة والاستراتيجية واللعبة. أجل إنها لعبة ولكن ليس بمعنى الغصب والتشبيح أو الشعوذة، بل بمعنى الجدارة والاستحقاق أو الفعالية والحضور. ولذا فالحقيقة ليست ما نمتلكه لكي نقصي أو نرهب بعضنا البعض. إنها ما نقدر على خلقه وإنتاجه أو ما نحسن إنجازه وأداءه، على سبيل التداول والشراكة والتبادل مع الغير.”

 

وذكر الدكتور عبدالله بن خميس الكندي في “المثقف والسلطة عبر وسيط إعلامي: جدلية المفاهيم والممارسات” الآتي: ” أثرت العلاقة الشائكة بين المثقف والسلطة على أداء وسائل الإعلام الجماهيرية التي فقدت دورها كوسيط “موضوعي” و”مستقل” عن أي من القوتين المتصارعتين؛ فالمثقف الذي يتهم السلطة بالفساد والسطوة والاحتكار وغيرها من الاتهامات، والسلطة التي تتهم المثقف بالخيانة والتبعية والأحادية وغيرها من قائمة الاتهامات. لم تتمكن وسائل الإعلام الجماهيرية من العمل باستقلالية إزاء أي من القوتين (المثقف والسلطة) بفعل أنشطة التملك والاستقطاب والتعبئة التي اعتمدتها السلطات المختلفة للسيطرة على تلك الوسائل وتوظيفها لتحقيق أهدافها، في مقابل الأصوات المتعالية للمثقفين في حقهم في الوجود عبر وسائل الإعلام الجماهيرية وتقديم رؤاهم وتصوراتهم المختلفة. وبسبب هذا التجاذب أصبحت وسائل الإعلام الجماهيرية أكثر من مجرد وسيط بين طرفي العلاقة؛ المثقف والسلطة، بل أصبحت الإشكالات وكأنها ترتبط في الأساس بوسائل الإعلام الجماهيرية. ويكفي هنا الإحالة إلى مفهوميّن مثّلا إشكالات حقيقية في العلاقة بين المثقف والسلطة هما: التعددية، والتنوع. حيث يرتبط المفهومين بالسلطة (على اختلاف أنواعها) والمثقف في المقام الأول، ثم تتمثل وتنعكس درجاتها ومستويات القناعة بهما في وسائل الإعلام الجماهيرية.”

 

وقد ذكر خميس بن راشد العدوي في ختام ورقته “المثقف والسلطة الدينية في الدولة” أنه “مع بداية الألفية الثالثة بدأ يظهر تيار من المثقفين يفكرون دينيًا وسياسيًا بشكل مختلف عن التيار التقليدي، سواء على المستوى الديني أو السياسي، وقد اتصف بصفات ما.” وعدّد فيما بعد صفات هذا التيار وذكر منها: ” بدأ يقدم أطروحات تنظيرية دينية سياسية تواكب تطور الدولة الحديثة، وبما يساعدها على النموّ الفكري في المجتمع، وخلق ثقافة المجتمع المدني الذي ينضوي تحت الدولة وفق بنيتها الدستورية والقانونية، رافضًا الإسلام السياسي الذي أثّر على المجتمع العماني فأوجد الجماعات التي قد تهدد بنية الدولة الحديثة. بعكس ما يقدمه الطرح الديني التقليدي –في عموم العالم الإسلامي- المتأثر بالإسلام السياسي، الذي يتّجه بالمجتمع نحو سلفيّة ما عادت تصلح لزماننا فضلًا عن المستقبل، فإن هذا التيار من المثقفين الدينيين أصبحوا يقدمون رؤيتهم التجديدية التي تصبوا نحو المستقبل.”

ويضيف: ” وإذا كانت الدولة قد رعت الرؤية الدينية المتمثلة في طرحها التقليدي السائد عمومًا في العالم الإسلامي، فإنها أيضًا لن تجد محيصًا من رعاية هذا التيار، وضمه ضمن بنائها المؤسسي والقانوني، لا سيما مع نشأة مؤسسات المجتمع المدني.”

 

واختتم فصل “الجذور الثقافية المؤثرة في بناء الدولة الحديثة: نموذج سلطنة عمان” الذي أعدّه خالد الوهيبي بالتالي: ” الدولة العمانية الحديثة نشأت وتكونت منذ حكم جلالة السلطان قابوس سنة 1970م، وجذورها ترجع إلى الموروث الثقافي/ الاجتماعي العماني  عبر التاريخ، ومستجدات العصر وعلومه وحضارته، وهذه المعادلة القائمة على الموازنة بين هذين المحددين أمنت شبكة أمان للدولة طوال 45سنة الماضية. ”

وأضاف: ” الموروث يمثل مرحلة زمنية من الماضي وطبيعة مرتبطة بالإقليم، فمن الطبيعي أن لا يتوافق أحيانًا مع مستجدات العصر التي تمثل مكونًا مختلفًا، ومستجدات العصر لم نساهم في صنعها وتطورها، واستيرادها مجردة من واقعها الاجتماعي الذي نشأت وتطورت فيه ويُصعِّب من تركيبها في نسق واحد مع موروث ثقافي نشأ في ظروف اجتماعية مغايرة.”

وكان آخر ما قاله: ” ولتركيب قيم ومستجدات العصر على الموروث الثقافي/ الاجتماعي لا بد أن يكونا على درجة معقولة من الانسجام والتقارب وإلا كان مصيرهما التصادم والتنافر بمرور الزمن، فهما مكونان من عصور مختلفة وثقافات متنوعة، لذا لابد من تطويرهما معًا لتحقيق هذا التقارب. “

الثالث والتسعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

عوض اللويهي