لقطة عُمانية في العيد

كتب بواسطة علي داود

 

في احتفالات العيد الوطني سنة ٢٠٠٧ بجامعة نوتنجهام البريطانية مرّ علينا شابّ قُبرصي، وبعد أن أخذ جولة سريعة في المعرض الذي أقمناه نحن الطلاب العُمانيين هناك، سألنا إذا ما كنا في بلدنا بالفعل ما زلنا ملتزمين بالعادات والتقاليد المعروضة. كانت وجهة نظره أنّ العالَم يجب أن يحترم تعدد الثقافات بدل تحويل كل الناس إلى غربيين أو أمريكيين.

تذكّرتُ هذا الموقف وأنا أتابع صور العيد على وسم  “لقطة عُمانية في العيد”، وبعض التغريدات عن رمزية الخنجر العُماني. إذ يظهر العُمانيون في كل عيد بمظهر الملتزم بالعادات والتقاليد، مع أننا ندرك جيدًا أن مظاهر العيد اليوم ليست هي نفسها كما كانت قبل عدة عقود وفي كثير من المناطق، وأنّ هذا الاختلاف سيزيد ليس جيلا بعد جيل؛ بل سنة بعد سنة.

إنه تحدّ كبير بلا شك، أن تحافظ على موروثك الثقافي كما هو في قرية عالَمية صغيرة. وربما يمكن التخفيف من هذا التحدي إذا ما سألنا أنفسنا: لماذا نريد أن نحافظ على هذا الموروث وهذه العادات والتقاليد من الأساس؟ ليس من المعقول، طبعا، أن نحافظ عليها لمجرد الحفاظ عليها. إنّ ذلك الشاب القُبرصي كان يتحدث بدافع سياسي في الأغلب، عن خرافة التقدم والتخلف، والاستغباء والاستغلال اللذيْن تمارسهما القوى الاقتصادية باسم التحضّر والحداثة، وهو أمر مفهوم جدا.

إنّ هويتنا اليوم، بمعناها الثقافي البسيط الشامل للغة والقيم الاجتماعية، آخذة في الابتعاد عن الماضي. ومواجهة مثل هذا التغيير من دون أي تغيير مصيره الفشل. إنّ تقديم  الموروث على أنه موروث سيؤدي إلى اندثاره عاجلا أو آجلا. من الطبيعي جدا أن كل نظام اجتماعي (كنظام القبائل والشيوخ) وكل نظام اقتصادي (كالزراعة والتجارة) بل وكل مناخ (حار أو بارد) ينتج مجموعة من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية التي مصيرها أن تتغير مع تغير الأنظمة التي أنتجتها. وليس من المبالغة القول إن العكس صحيح أيضا، بمعنى أن تعكس القِيمُ والعاداتُ المُتّبعة الأنظمةَ والأفكارَ المُتبعة. هويتنا لا تتحدد بالماضي بل بما نؤمن به اليوم وبما نندفع لفعله من تلقاء أنفسنا اليوم. فإذا كان الهدف هو الحفاظ على الهوية في عالَم استغلالي فعلينا أن نبتكر طرقا جديدة تجعل من بعض الموروث قِيما تُعاش كل يوم.

من البديهي أننا لا يمكن أن نحافظ على كل شيء كما كان، لأن فكرة “خذ ما يتناسب مع قِيمك واترك غيره” هي فكرة ضحلة جدا، لا تدرك حجم التغيير الحاصل في العالَم. علينا تقبّل فكرة أن بعض الموروث مصيره إلى المتاحف والجولات السياحية والثقافية فقط، مجرد آثار من الماضي، والإصرار عليه لن يؤدي إلا إلى النفور منه. وفي المقابل أن نعترف بأن الحضارة العالَمية التي علينا لحاقها في أسرع وقت ممكن خوفا وطمعا تأتي مع مجموعة قيم وعادات وتقاليد عالَمية أيضا. فالحديث عن الاستعداد للثورة الصناعية الرابعة – مثلا – دون الحديث عن تطوير منظومة التعليم والاقتصاد وتحقيق نتائج قياسية عالّمية فيه، وما يصاحب هذا التطوير من تبعات على مستويات كثيرة منها منظومة القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية، هو أمر لا يدعو إلا إلى الاستغراب.

أما عن دور الدين، الذي هو أصل الكثير من المناسبات الاجتماعية، وشريك أساسي في الكثير من قِيمها، ففي أفضل الأحوال – وهذا موضوع مختلف – سيحافظ على وجودها، والباقي ربما يتحول إلى “لقطات” فعلا.

 

السابع والتسعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

علي داود