الفتاة المغدورة

كتب بواسطة إبراهيم بن سعيد

 

 

كبد الليل تقطعت بنحيبي

أنيني ملأ أركان الأرض

حاصرني هواء الوحشة

وأنا غرقى في الدموع.

 

صدى حزني ينادي الحبيب الغادر:

 

أيها الحبيب الخائن

طعنتني وهربت

وخلّفتني أرتجف في دمي.

 

قناع الحب

نزعته عن وجهك

في وجه ضراعتي

كشّرت أنياب الذئاب.

 

تذبل توسّلاتي عند أذنك الصماء

يتلاشى ندائي المستغيث

ولا يوقظ صوتي الحار

في قلبك أي صدى.

 

فليسقط كل ما يواريك

وليبرز قبح أحشائك.

 

كم ردّدتَ عليّ:

لا تخافي

لست ذئبًا

أنا زوج الغد

أقسم بالله

أنت روحي وحبي

لك إخلاصي

وبدونك أموت.

 

والآن

لا أراك ميتًا إلا تجاهي

تهرع بعيدًا لتختبئ عني

لأن وجهي شاهد عارك وإثمك.

 

أنفد الحب من دمك يا ترى؟

أم فسد الإخلاص؟

ها أصبحت تعوي أنت الآخر

والدم يصبغ أنيابك.

 

لكن لعنة الحملان المغدورة

تحلّ على الذئاب الغادرة

مشردة تعيش في البراري

لا تعرف غير حياة القتال

لأن من زرع الخوف

يصبح الخوف سلطانه.

 

أتفر عني؟

ابنك في أحشائي

أناديك باسمه وأنا أمه

ونذالة نفسك

توليني ظهرها البارد.

 

يدق في صدري

وجيب الرعب

والعالم بثقل وعيده

يخنق أنفاسي.

 

آه يا نفسي

وقعنا بحفرة ضيقة

والوجود شاسع،

اللص ادعى أنه أمين البستان

سرق الثمر الغض

ولما بدأت تتكشف جريمته

ولّى هاربا من الذعر.

 

آه ما أهنأك أيتها الأرض

ليتني وأنا ابنتك كنت مثلك

من يسألك كيف أنجبت أشجارك ؟

من أبوها ؟

ومن يجرؤ على اتهامك بالخطيئة ؟

 

2.

 

أمي

الظلام أطبق على صدري

يدي المذعورة تطرق بابك بخفوت

فلا توصدي قلبك.

 

امتلأتُ بالغثيان

تسكنني رعدة البرد

أشعر أن العالم ميت

وأني جننت.

 

احتضنيني أماه

أخاف أن يقتلني الخوف.

 

أماه

أيتآمرون على قتلي ؟

أيرسمون خطط عذابي ؟

هل عقابهم أكبر

من وحوش خوفي وألمي ؟

 

أماه

هل أُوصدت أبواب الغفران

بعد سقوطي ؟

 

أماه

أقامت القيامة وحان الحساب

بعد وقوعي ؟

 

آه يا جسدي

يا كياني

في أرضك الصغيرة

ينمو دليل إدانتي وبراءتي.

 

أماه من أوصاك باحتقاري؟

ثمرة الحياة أزهرت داخلي

أنا هنا في طور الإزهار

أول مرة في حياتي

أتعثر في طريق أمومتي

هل تتخلى الأشجار عن بناتهن الآن ؟

أم يلاحقنهن باللعنات ؟

 

3.

 

أبي

عندما كنت أتعثر صغيرة في الدروب

كنت تهرع نحوي بأحضانك

ها تعثرت في طريق الحب

فلماذا تشهر خنجرك في وجهي ؟

 

أبتاه

أترجمني بالخطيئة لأني الأنثى لا الذكر ؟

ألأني ضعيفة يحتشد حولي الناس

بسيوف ألسنتهم ؟

ألهذا تتركني وحيدة

في العراء ؟

 

أبتاه

أتشعر بالخزي مني في قلبك ؟

أليس الخزي أكبر

حين تطردني من قلبك

ترميني لتنهشني كلاب الناس في الطرقات

ولا تحميني ؟

 

أبتاه لماذا تتخلى عني؟

لماذا تهجرني ؟

أتكره أن أناديك

يا أبي ؟

 

أحقًا يا أبي تريد قتلي؟

أتريد أن أتبع خطيئتي ؟

أتحب أن أرحل بعيدًا ولا تراني؟

فهل تعرف حقًا أين ينتهي بي الطريق؟

 

أترسلني إلى القاع يا أبي

أفي الدناسة تريد أن أعيش ؟

أم تحب أن تراني في ليالي الطرقات

أعتاش من جسدي ؟

 

أبي

جسدي بعضٌ منك

هذه طبيعتي تستجيب للحياة

هل أخنقها بيدي

لتشعر العائلة بالشرف ؟

 

أيغتسل الشرف بدمي ؟

يا له من وحش إذًا.

 

آه أيها الشرف

ما دمت غاليًا وثمينًا

لماذا علقوك على جسدي الصغير ؟

لماذا لم يحملوك أيضًا معي؟

 

آه أيها الشرف

أعليّ وحدي ثقل أحمالك؟

 

كم حملتك وحرستك

بروحي ويقظتي صنتك

لكن الذئاب خدعتني باسم الحب

وافترستني.

 

ها هي ذئاب الناس

تعوي باسمك أيها الشرف

فيا لك من وحش

لم تجد سواي.

 

داخلي دليل براءتي

في أحشائي

برهان طهري.

 

آه أيها الجنين اللائذ بجسدي

يريدون اغتيالك في رحمي

يحكمون أن أرميك

على أبواب المستشفيات والملاجئ.

 

آه أيها الغض البريء

كما تخلّوا عن الأم الصغيرة

يريدونها تتخلى

عن جنينها.

 

آه وإذا أنجبتك

يحمّلونك خطيئتي

يضعون الإثم عليك

ويحكمونك بالغبن.

 

لا أحد يقبلك

لا أحد يسميك باسمك

لا أب لك

لأن الحقير هرب واختفى

ولم يبق لك سواي

أنا أمك.

 

في السجلات لا يكتبون اسمك

من كل مكان ينبذونك

ومهما بلغ نجاح حياتك يحاصرونك

حتى تلعنني

أنا أمك.

 

آه يا بني، آه يا ابنتي

يا لها من لعنة ظالمة،

 

أيها الشرف أتفترسنا نحن؟

يا لك من وحش بائس.

 

أبتاه

هذا ابني القادم داخلي

أأقتل ابني؟

 

أم أنجبه

ليلعنني ويقتلني؟

 

أأنا المجرمة وحدي حقًا

أم ذاك الذي هرب ؟

 

أبتاه

من أجل من يقتل الأب ابنته؟

من أجل من تقتل الأم ابنها؟

من أجل من يقتل الابن أمه؟

وهل يقدرون؟

 

أيها الشرف

وأنت أيها الحب الخادع

لتلاحقكما اللعنة

التي تحاصرني.

 

آه ها قد أصبح الحَمَل الوديع مذنبًا

ونجا الذئب ؟

 

آه ها يقطعون يد الأشجار

وتسلم يد السارق؟

 

4.

 

ابتعد عني

أيها العالم الكاذب

سأحمل وحدي

جسدي وجنيني.

 

أيها الذئب الحقير اللائذ بالكهوف

سحقًا لك وبعدًا

خطيئتك تلاحقك أبدًا

لأن الله العادل يعرف ويرى.

 

أيتها الأم

يا من تخليت عن ابنتك في محنتها

إنني أرحمك.

 

أيها الأب

يا من يطلب موت ابنته

كم أشفق عليك.

 

أيها الإخوة والأخوات

المتآمرون والمتآمرات على قتلي

من أجل أنفسكم وذواتكم

صارت سمعتكم عندكم

أغلى من دم الأخت،

كم أرثي لسقوطكم.

 

وداعًا يا من تريدون موتي

ماذا تطلبون لتشعروا بالشرف ؟

 

هل أنتحر من أجلكم

يا قتلتي؟

 

هل نصب العالم لي فخًا ومشنقة

ويريد إعدامي ؟

 

لكن لو مت حقًا

لو قتلت نفسي فعلاً

واختنق الجنين في رحمي

على مذبح الشرف الكاسر

هل تكسبون الراحة؟

 

أتؤمنون أنني سأختفي في قبري؟

كيف ستدفنون معي خوفي وشقائي

كيف ستكفنون وتغسلون

آلامي وأسئلتي

كيف ستمحون حقًا

ألم ذكراي؟!

 

أدب السابع والتسعون

عن الكاتب

إبراهيم بن سعيد