أفغانستان وعمان: إنطباعات شخصية لإختلافات عميقة

فترض فوستر وغيره أن أغلب الإناث من الطبيبات يعملن على نظام جزئي مما يورث أعباء على الطاقم الطبي، حتى من لا يتفق مع هذا الرأي يعترف بأن معدل فترة عمل الطبيبات في الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل يقل عن 47 ساعة في الأسبوع مقابل 53 ساعة يؤديها الذكور، إضافة إلى استقبالهن لنسبة أقل من المرضى تصل إلى 10%، ويقضي معظمهن وقتا أقل في برامج التأهيل ومشاريع البحث، كما لا تنضم معظمهن إلى التخصصات التي تتطلب العمل في ساعات محددة.

medical

أصل المقال

SQU Med J, August 2010, Vol. 10, Iss. 2, pp. 272-275, Epub. 19th Jun 10

الكاتب: مؤنس الششتاوي

ترجمة: عاصم الصقري

إلى المحرر:

تستعرض رسالة كين فوستر المعنونة “أفغانستان وعمان: انطباعات شخصية لاختلافات عميقة” والمنشورة في المجلة الطبية لجامعة السلطان قابوس في عدد إبريل 2010م بعض الاختلافات بين عمان وأفغانستان فيما يتعلق بنظام الرعاية الصحية مع إلقاء الضوء على وضع الاستقرار السياسي ومدى توفر مصادر الدخل وآلية صنع القرار، والتي تعد جميعها جوانب في صالح السلطنة.

إلى جانب ذلك تطرقت رسالة الدكتور فوستر إلى نقاش صريح استعرض فيه العديد من الأسئلة المتعلقة بثقافة تأهيل المتخصصين في المجال الصحي في كلا من عمان وأفغانستان. وبسبب ازدياد أعداد الخريجات الإناث من كلية عمان الطبية بصحار يطرح فوستر سؤالا فحواه “من يلتحق بالكلية من الأساس؟” في سياق يلوم فيه المجتمع بدلا من نظام التعليم العالي، وفي ذلك فرصة لوضع قراء المجلة الطبية لجامعة السلطان قابوس أمام الصورة الكاملة. تشير إحصائيات وزارة الصحة –وهي الجهة الرئيسية التي توفر خدمات الصحة في عمان- إلى أن 59.6% من القوى العاملة العمانية في الوزارة هم من فئة الإناث. وأعداد الإناث في الحقيقة يفوق أعداد الذكور في كل مجالات العلاج والرعاية الصحية (جدول 1) عدا المتخصصين والاستشاريين؛ فأعدادهم متساوية إلى حد ما (208 من الذكور، و203 من الإناث). وتفوق أعداد المقبولات والخريجات في الكليات (شهادة البكالوريوس) في الكليات الصحية الحكومية والخاصة خارج السلطنة وداخلها وشهادات الدبلوم والدبلوم العالي في مؤسسات التأهيل التابعة لوزارة الصحة تفوق أعداد الذكور عدا الطلبة الذين يدرسون الطب في جامعة السلطان قابوس (شهادة البكالوريوس)، ويظهر الانحياز جليا في المجلس العماني للاختصاصات الطبية والذي ترعاه وزارة الصحة. وقد قلبت هذه الحركة النسائية للقطاع التخصصي الصحي في عمان من موازين سيطرة الذكور على المجال خلال السنوات الأخيرة. ويمكن إيجاد هذه المفارقة في أماكن أخرى من العالم؛ ففي السبعينيات مثلت نسبة الطبيبات الأمريكيات 10% مقارنة إلى ثلث واحد من أعداد الأطباء اليوم، أما أعدادهم في محاضرات الطب في الكليات فهو النصف.

جدول 1

القوى العاملة التي تم توظيفها في وزارة الصحة عام 2008م

الفئة المجموع نسبة الإناث
الأطباء (طبيب عام) 623 61.5
الأطباء (طبيب اختصاصي/ استشاري) 411 49.4
طبيب أسنان 100 55.0
صيدلي 120 75.8
ممرض 6,014 88.3
طبيب العلاج الطبيعي 101 60.4
طبيب أشعة 316 60.8
أخصائي مختبرات 618 70.7
مساعد صيدلي/ موزع 583 66.7
أخصائي أسنان 195 55.9
مدرب طبي 127 81.1
أخصائي أغذية 134 99.3
مدرس/ مدرب في مؤسسات وزارة الصحة 87 71.3
ممرض 2482 67.5

يفترض فوستر وغيره أن أغلب الإناث من الطبيبات يعملن على نظام جزئي مما يورث أعباء على الطاقم الطبي، حتى من لا يتفق مع هذا الرأي يعترف بأن معدل فترة عمل الطبيبات في الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل يقل عن 47 ساعة في الأسبوع مقابل 53 ساعة يؤديها الذكور، إضافة إلى استقبالهن لنسبة أقل من المرضى تصل إلى 10%، ويقضي معظمهن وقتا أقل في برامج التأهيل ومشاريع البحث، كما لا تنضم معظمهن إلى التخصصات التي تتطلب العمل في ساعات محددة. ينطبق هذا كله إلى حد ما على عمان لأن العمل ضمن ساعات الدوام الكامل هو أساس العمل في وزارة الصحة، ففي أحد إحصائيات 2008 لوحظ أن هناك نقصا في الأعمال التي تتطلب أن يكون الطبيب جاهزا لأي استدعاء ضروري في أي وقت وذلك في تخصصات مثل: الطب والجراحة والطوارئ والتخدير وجراحة الأنف والأذن والحنجرة، وتظهر المشكلة بشكل جليّ حينما نجد أن 88% من المتخصصين في التمريض إناث، وتجري مراحل التعمين لتزداد النسبة عاما بعد عام لتصل على 90% في بعض المناطق وبمعدل 66% عام 2009. وتشترط الممرضات على أن تعمل في مناطق قريبة من منازلهن ونتيجة لذلك يخرجن من العمل مبكرا. وخلال سنة أو سنتين من بدء مشوار عملهن التطبيقي تأخذ الواحدة منهن عدة إجازات مرضية وإجازات أمومة، إلى جانب مطالبة البعض على مرونة ساعات العمل أو تفضيل العمل في النهار فقط لتناوب الممرضات (خصوصا الأجنبيات البعيدات عن عائلاتهن)، مما يثير الاستياء والغضب بينهن مخلفا آثارا على جودة الأداء الطبي للمرضى في مستشفيات وزارة الصحة.

nurse

إلا أن آخرين -وأنا منهم- يرون إلى الموضوع بإيجابية، لاحظ الباحث الدكتور ماكنستري من جامعة إدنبرة أن هناك قبولا –كما هو الحال في عمان- لدى الإناث للانضمام إلى التخصصات التي عادة ما يتجنبها الذكور مثل الرعاية الأساسية وطب الأطفال وطب الولادة. وتشير البروفيسورة في الكلية الجامعية للطب بلندن جاين ديكر مخالفة الرأي بقولها: “هناك أدلة واضحة على الأطباء من الإناث لهما الأفضلية على الذكور في أعداد المنضمات إلى كليات الطب وفي أدائهن في الاختبارات. وبدلا من التركيز على أعداد الذكور والإناث أظن انه من الأفضل التركيز على توفير فرص عمل تفيد الأطباء مستقبلهم المهني. فيجب أن نلقي بأعباء اللوم على أحد تماما مثل ما يقترحه هؤلاء الخبراء، فرغم أن تزايد أعداد الطالبات والخريجات من التخصصات الطبية يبعث على القلق إلا أنه لا بد أن تكون الأولوية لأفضل المترشحين في المجال مهما كان جنسهم. لكن لا بد من توفير نظام مرن لساعات العمل، ونظام رعاية للطفل فوري، ونظام عمل جزئي في برامج التأهيل ليتسنى للإناث أن تقضي وقتا مع عائلاتهن ولضمان مستقبلهن المهني.

ومن القضايا التي أثارها كين فوستر قضية التعليم الجامعي في المنطقة هوالتركيز على المحتوى وعلى نقل المهارات المقولبة إلى المتدرب بدلا من التركيز على “التفكير النقدي”. وأنا معه في هذه النقطة وأؤكد على أن التفكير النقدي يعني التفكير السليم بكل بساطة، فهو يساعد على المقارنة والتحليل وعلى نقد المعلومات، خاصة عندما يكون كم المعلومات في أدبيات علم معين هائل مما يتطلب قدرا كبيرا من عمليات تقييم المعلومات عوضا من مجرد أخذها، وتتراوح مراحل التقييم من سلبي إلى إيجابي ومن مقبول إلى مرفوض أو ما بين ذلك.

هذا ولا يعني التفكير النقدي “انتقادا ” بالضرورة، فللكلمة معنى سلبي، لذا فالمصطلح الوصفي الأفضل هو “التفكير التقييمي”، ويعني التفكير المبني على التفكير المليّ الذي يركز على تفسير المعلومة أو الحجة أو المناقشة وتحليلها وتقييمها بمنظومة من المهارات التي ترشد مسار الأفكار ومسلمات ثم تحديد ما يجب فعله. وبذا يصنع الفرد قراره بناء على “التفكير التقييمي” لتحليل ما يؤمن به بطريقة متعمقة في التفكير المليّ. عند حل المشكلات يأتي الطلبة بأفكار جديدة (بالإبداع) ومقومة (بالنقد)، ورغم أن الأفكار الإبداعية تأتي في المقدمة إلا أنه من الضروري أن تبنى على قاعدة من التفكير النقدي لأن التقييم الحكيم في التفكير النقدي من شأنه تفادي الإبداع المصحوب بالتحمس الزائد الناتج عن الأفكار التي تحوم حولها الأسئلة للوصول إلى أفعال لا حكمة فيها.

وهناك قضية ثالثة أثارها فوستر وهي توفير أقسام سريرية في جميع المؤسسات الصحية في السلطنة معتمدة على “مسار طبي موحّد” للوصول إلى إجابات على الأسئلة المتكررة التي تثار من خلال العلاج السريري. وقد كان رأي فوستر صائبا عندما ركّز على الفجوة بين الممارسة السريرية المبنية على البحوث وعلى ما يفعله الأطباء على أرض الواقع. وسابقا بدت هذه الفجوة وكأنها مستأصلة تماما بعد نشر نتائج البحوث في المجلات الدورية بعد الخضوع لمراجعة أشخاص متعددينن ولكن حسب كتاب (إيتال) للكاتب (جريمشو) فإن لدى الأطباء أقل من ساعة أسبوعيا لقراءة أحد الدوريات بغض النظر عن إيجاد وقت لنقد أي شيء نشر فيها، ويعاني الأطباء المهتمون بتطوير مهاراتهم من عقبات تنظيمية ومشاكل جماعية وفردية التي تضاف إلى الكم الهائل من المعلومات عليهم ومشكلة توقعات المريض.

وتعد المعلومات على الإنترنت من الأسس التي لها أثرها على الطب الأحيائي لسهولة التوزيع والوصول، ويرجع ذلك إلى سهولة الاستخدام والاستقلالية المعرفية ووجود برمجيات لخوادم قواعد بيانات المرضى، ولتوفر لمتصفحات البيانات ودعمها للنصوص والوسائط المتعددة. وتسهل التقنيات المبنية على تشفير البيانات عملية تأمين الوصول إلى أنظمة قواعد البيانات العريضة، مما يجنب الأطباء الخضوع لتكاليف لا طائل لهم بها. وتضيف هيلي بأن هناك فائدة عظيمة لمجتمع البحث والمعرفة عندما تجمع البيانات وتضاف إمكانية مشاركتها وتحليلها، إضافة إلى تأكيدها على مسؤولية الأطباء على سرية وخصوصية المعلومات.

(1) مؤنس الششتاوي، مدير دائرة التخطيط، وزارة الصحة، مسقط، سلطنة عمان، البريد الإلكتروني: drmoness@gmail.com.

العدد الخامس سياسة

عن الكاتب

عاصم الصقري

مترجم عماني