أوجه التشابه بين العراق والسودان

ولكن لماذا السودان ؟ يجيب على هذا السؤال آفي ديختر وزير الأمن الإسرائيلي في محاضرة نشرتها الصحف العبرية في 10/10/2008 حول سؤال عن الاهتمام الإسرائيلي بشؤون السودان عندما قال ( الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية لأنه بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة أقليمية قوية وإنه يجب أن لا يسمح لهذا البلد – رغم بعده عنا – بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن استثمرت في ظل أوضاع مستقرة فستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب ، ولذلك كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة وهذا من ضروروات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي )

sudan6

” 1 ”

لقد جاءت مذكرة إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير للمرة الثانية لتؤكد أن قدر العرب أن لا يستفيدوا من دروس التاريخ التي تأتيهم غالية الثمن ، ويبدو أن عدم الاستفادة من الدروس يغري الغير بتقديم المزيد منها مهما كانت كلفتها على العرب ، وفي الذهن طبعا مصير العراق ولا أقول مصير الرئيس صدام حسين لأن صدام فرد كما هو الفريق عمر حسن البشير فرد، إذ أن القضية أكبر من شخص، وما أريد للعراق – وقد تحقق – هو ما يراد للسودان وسوف يتحقق، وليس الرئيس البشير إلا شماعة لتغطية مخططات تقسيم وتفتيت السودان

لقد ترك العرب السودان يواجه مصيره وحده تماما مثلما تركوا العراق يواجه مصيره وحده ولا يخفى الحال التي وصلت إليها المنطقة العربية من جراء احتلال العراق من تشتت وتشرذم وخسائر مالية ضخمة أثقلت ميزانيات الدول على حساب الشعوب، مما أعطى فرصة لإسرائيل أن تنفرد بالساحة، وإذا ظهرت قوة تحاول أن توازن في ميزان القوى مثل إيران يتم اتهامها بأنها العدو وليس إسرائيل

” 2 ”

الحقيقة تقول إن الغرب لا يهمه شعب دارفور ولا أطفاله بقدر ما يهمه النفط الموجود في باطن أرضه والمعادن والحديد واليورانيوم ، ولا يهمه أن يكون السودان قويا موحدا، والحقيقة تقول أيضا إن وجود سودان قوي وموحد ليس مرغوبا به دوليا لاعتبارات كثيرة ، فالمخطط واضح وهو في طور التنفيذ الآن فالجنوب السوداني في سبيله أن يكون دولة مستقلة وهو ما يمثل ثلث السودان والمسألة مسألة وقت فقط والعام المقبل سيكون عام الحسم في ذلك وهو عام الإستفتاء على استقلال الجنوب كما نصت اتفاقية المصالحة ، ومن هنا فإن مذكرة رئيس المحكمة الجنائية الدولية أوكامبو بإلقاء القبض على الرئيس البشير ستؤدي إلى بلبلة واضطراب داخلي يجعل من تصويت الجنوبيين على الانفصال أمرا مؤكدا وهو ما أكدته تصريحات الجنوبيين بأنهم سيصوتون من أجل الانفصال، كما أن حركة العدل والمساواة سارعت إلى تأييد صدور مذكرة الاعتقال الثانية مما يشير إلى أن صدور هذه المذكرة في الوقت الحالي بالذات سوف يعرقل جهود المصالحة في السودان

أما دارفور فيراد لها أن تكون دولة مستقلة والظروف مهيئة لذلك بوجود معارضة تشبه المعارضة العراقية أيام الرئيس صدام حسين وبوجود اتصالات قوية بينها وبين إسرائيل مما يجعل من انفصال الإقليم عن الوطن الأم أمرا شبه مؤكد على المدى البعيد ، وكذلك شرق السودان ، والسيناريو جاهز وما مسألة مذكرة القبض على الرئيس البشير إلا خطوة ضمن السلسلة الطويلة التي بدأت من الجنوب ومرورا بدارفور والآتي قاتم السواد ولا يبشر بخير

ولكن لماذا السودان ؟ يجيب على هذا السؤال آفي ديختر وزير الأمن الإسرائيلي في محاضرة نشرتها الصحف العبرية في 10/10/2008 حول سؤال عن الاهتمام الإسرائيلي بشؤون السودان عندما قال ( الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية لأنه بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة أقليمية قوية وإنه يجب أن لا يسمح لهذا البلد – رغم بعده عنا – بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن استثمرت في ظل أوضاع مستقرة فستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب ، ولذلك كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة وهذا من ضروروات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي )

إن كلام الوزير الإسرائيلي هذا يغني عن إيراد المزيد من التصريحات والمواقف التي تظهر النية الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في تفتيت السودان ومن بعد السودان سيأتي الدور على الآخرين،لأن الأنظمة العربية اعتادت على التحرك في اللحظات الأخيرة وبعد فوات الأوان فلم يعد هناك أي قدرة على مواجهة أي مشكلة من منابعها أو حتى اقتلاع جذورها ومن ثم لا أمل في الإصلاح طالما استمرت هذه الطريقة في التعامل مع المجتمع الدولي

sudan7

” 3 ”

مطلوب من العرب أن يقفوا مع السودان لأن المسألة أكبر من مسألة القبض على شخص واحد هو رمز كبير في هذا البلد، وفي هذا المقام أعيد بعض الكلمات سبق لي وأن نشرتها في جريدة الشبيبة تحت عنوان هموم عربية – السودان نموذجا يوم الثلاثاء 11/9/2007 عندما قلت : لا أملك إلا أن أترحم على الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كل مرة أقرأ شيئا من كتبه أو أفكاره ، ففي كتابه ” الإسلام والإستبداد السياسي ” يقول : لو أن سوط الظلم إذا مس جسد مسكين تأوه له ألوف وسرى الألم في جلودهم فلسعها ، فبدلا من أن يصرخ للعدوان صوت فذ ، تجاوبت بالوجع والغضب أصوات جمهور غفير إذن لفكّر الظالم مرة ومرة قبل أن يفكر في الإنفراد بالضحية لينهشها

هذا الكلام ينطبق تماما على الوضع الذي تعيشه الأمة الآن، والمسألة لا تحتاج إلى كبير دليل ، فعندما تنفرد الولايات المتحدة بذبح وقتل واستباحة الأمة تحت ذرائع واهية ولا نرى ونسمع صوتا يتجرأ ويستنكر ويستقبح ما يجري فإن هذا يعطي الظالم الفرصة أن يستمر في عدوانه واستباحته للأمة، فاليوم العراق وغدا إيران أو سوريا ثم السودان ومصر وحتى أقرب الحلفاء وهكذا ، وعندما احتلت أمريكا العراق وقفت معها الدول العربية وشاركت في الغزو كل حسب حججه وبعدما حصل الذي حصل إذا بنا نسمع عن اجتماعات دول الجوار ونسمع عن خطورة الوضع في العراق وانعكاس ذلك على المنطقة ، وسمعنا مصطلحات جديدة في قاموس السياسة العربية كمعسكر الإعتدال والهلال الشيعي والمحور السني واستعداد بعض الدول للتدخل في العراق لصالح طائفة على حساب طائفة أخرى، وكأن هذه الدول تفاجأت بما حصل بعد الإحتلال ولم تكن تعلم أن احتلال العراق ومحوه من الخارطة يشكل تهديدا للمنطقة، وكأن هذه الدول لم تكن تعلم أن في احتلال العراق إضعاف للعرب والمسلمين وكأن هذه الدول لم تكن تعلم أن ذلك الغزو ليس إلا حلقة في سلسلة قادمة وكأن هذه الدول لم تكن تنظر إلى الأمام أبدا بل كانت تنظر تحت قدميها فقط

لقد استطاعت أمريكا أن تشتت العرب بعزلها مصر أولا ، ونجحت الآن في زراعة فتنة طائفية مذهبية ليس على مستوى القطر الواحد كما هو حاصل في العراق الآن ، ولكن أصبحنا نقرأ ونتابع هذه الفتنة على مستوى الدول . وعندما يموت الإحساس بالأمة الواحدة يتجرأ البعض في الظهور والمناداة بالقطرية الضيقة والمصلحة الوطنية كشعار الأردن أولا أو مصر للمصريين وأن الإهتمام يجب أن ينصب في الداخل وعلى التنمية ، وانتشرت شعارات براقة لا يستفيد منها المواطن

لقد ترك العراق يواجه مصيره منذ الحصار عليه كما ترك السودان الآن وحده يواجه مصيره ، وبعدما يقع الفأس على الرأس ويظهر الخطر الحقيقي تبدأ الإجتماعات تلو الإجتماعات ، وأظن أن علاقة العرب الآن بالوضع في السودان تشبه علاقة القاص والأديب العماني سليمان المعمري بالحداثة ، ففي نفيه عن تهمته بأنه حداثي فهو يقول إن قرابتي بالحداثة لا تتعدى كونها خالة صديق صديقي من الرضاعة ،وإذا كانت علاقة العرب بما يجري في السودان علاقة واهية وتشبه صلة قرابة المعمري مع الحداثة ، فهل يرجى خيرا للسودان أو للعرب ؟! وهل هناك صلة قرابة بهذا المستوى من البعد ؟!

إن مبدأ ( وأنا مالي ..؟) الذي تعيشه الأمة الآن هو ما نبه عليه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم ذلك ، فعندما تموت المشاعر وتتبلد الأحاسيس وينشغل الكل بقضاياه ولا يهتم أحد بمصير أخيه ، حتما سيأتي دوره في تجرع الكأس الذي شربه غيره قبلا ، فيزدرده في صمت ! ولو حدثته نفسه بالصدق لقال : إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض ، واليوم بعدما عرفنا المصير الذي آل إليه العراق والرئيس صدام حسين ، نقول هل سيتكرر المشهد ؟ وهل سيأتي يوم نقول فيه لأولادنا كان هناك دولة عربية اسمها السودان ، كما كان هناك دولة عربية إسمها العراق ؟!

كان ذلك ما كتبته عام 2007 ويا ترى هل تغير فيه شيء ؟

sudan2

” 4 ”

إن مشاكل السودان ومشاكل العرب كلها يمكن حلها بوجود شيئين الأول هو الديمقراطية والحرية للشعوب تكون نابعة من الداخل وليست مفروضة من الخارج ، والشيء الثاني هو التنمية ورفاهية الشعوب إذ ليس من المعقول أن تكون هناك دول عربية غنية وشعوبها تقتات من التسول ، وليس من المعقول أن تكون ثروات الوطن – أي وطن – في أيدي فئة قليلة والسواد الأعظم بالكاد يجد ما يسد رمقه ، ويظل الشعب في كل مناسبة وطنية يعيش على أوهام زيادة الرواتب أو إلغاء الديون أو تغيير قانون التقاعد

عندما تنعم الشعوب بالحرية وتنعم بخيرات الوطن عندها ستستمد القيادة شرعيتها من الداخل ولا خوف عليها بعد ذلك من أمريكا أو إسرائيل أو حتى من أوكامبو

العدد السادس سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com