عن النقد الأدبي والواقع الثقافي

إن الاتجاهات الحديثة التي يسير إليها النقد العربي تحتاج إلى وقفة. ولعل هذه الندوة جاءت في الوقت المناسب لتبحث في الهوية النقدية التي أصبحت مشتته وخصوصا مع تعدد المدارس النقدية وظهور التوجهات الحديثة في الأدب والكتابة بشكل عام. ويأمل بعض الرواد أن تكون الندوة قد خرجت بتوصيات تسعى لتصحيح بعض المسارات الحديثة في النقد والتي بدت وكأنها تغرد خارج السرب. فالنقد أصبح يعتمد على الاجتهادات والذائقة الشخصية في كثير من ملامحه ويعتمد على الرمزية والتنظير المستحدث، بل وفي بعض الأحيان أصبح بعيدا عن المنهج الذي رسمته أغلب المدارس النقدية. وكنتيجة حتمية لذلك أصبح الناقد يطلق الأحكام جزافا وبكل صراحة ووضوح متحصناً تحت لقب ناقد، متشدقا بأنه يساير الاتجاهات الحديثة في التأليف والإبداع الكتابي.

naqd1

أقام المجلس الأعلى للثقافة والفنون بالقاهرة مؤخرا ندوة نقدية تحت عنوان النقد الأدبي والواقع الثقافي “دورة محمّد غنيمي هلال” وذلك في الفترة من 15 إلى 17 يونيو 2010م . وقد أقترن عنوان الندوة باسم الناقد الراحل محمّد غنيمي هلال تكريما له ولإسهاماته النقدية والثقافية للمكتبة العربية .وقد تضمنت الندوة العديد من الأوراق البحثية والدراسات الثقافية والأدبية لجملة من النقاد والعلماء والمفكرين من العالم العربي ناقشوا من خلالها بعضا من مشكلات وقضايـا النقد والثقافة والواقع الثقافي العربي المعاصر. وقد شارك من السلطنة في هذه الندوة الكاتبان عبدالله الحراصي ومحمد المحروقي.

وفي الحقيقة فإنني لم اطلع على أيٍ من أوراق الندوة ولكن وكما ورد في بعض الصحف العربية فقد ناقشت الندوة جملة من الأمور المهمة في الواقع الثقافي والنقدي العربي ولعل أبرزها هو عجز ثقافة الناقد عن مجاراة ثقافة النص ومن ثم فقد يلجأ الناقد إلى التعميم وإطلاق الأحكام العامة على النص والكاتب دون الغوص في مكامن النص وتفاصيله. وقد تحدث الأستاذ الدكتور أحمد درويش مقرر الندوة عن بعض مسؤوليات الناقد والتي اعتبرها مسؤولية سلطوية يجب علي الناقد من خلالها أن يمارس النقد وفق أطر محددة وواضحة، فللنقد سلطة توازي سلطة الإبداع. كما دعت الندوة أيضا إلى أن يعمل الناقد من أجل تأسيس حركة نقدية عربية حديثة بالاستفادة من الآخر مع ضرورة الوعي والفهم الجيد للتراث وعدم الترويج للقطيعة معه لا سيّما في سياق أدب يستمد أصوله ونشأته من تراث قديم. وقد تم الكشف على هامش الندوة عن إصدار مجلّة “يــاء” الالكترونية والتي تعد أول دورية عربية إلكترونية محكّمة تهتم بالدراسات النقديّة والأدبية واللغوية.

إن الاتجاهات الحديثة التي يسير إليها النقد العربي تحتاج إلى وقفة. ولعل هذه الندوة جاءت في الوقت المناسب لتبحث في الهوية النقدية التي أصبحت مشتته وخصوصا مع تعدد المدارس النقدية وظهور التوجهات الحديثة في الأدب والكتابة بشكل عام. ويأمل بعض الرواد أن تكون الندوة قد خرجت بتوصيات تسعى لتصحيح بعض المسارات الحديثة في النقد والتي بدت وكأنها تغرد خارج السرب. فالنقد أصبح يعتمد على الاجتهادات والذائقة الشخصية في كثير من ملامحه ويعتمد على الرمزية والتنظير المستحدث، بل وفي بعض الأحيان أصبح بعيدا عن المنهج الذي رسمته أغلب المدارس النقدية. وكنتيجة حتمية لذلك أصبح الناقد يطلق الأحكام جزافا وبكل صراحة ووضوح متحصناً تحت لقب ناقد، متشدقا بأنه يساير الاتجاهات الحديثة في التأليف والإبداع الكتابي.

أن الأساليب المبتكرة في طريقة التعامل مع النص أحدثت حلقات مفرغة في منظومة العلاقة بين النص والمبدع والمتلقي. فأغلب الإنتاج الكتابي الحديث أبتعد عن دائرة النقد ومال أغلب الكتاب إلى الانغلاق ورفض الحوار النقدي. وقد فضل الكثير منهم الابتعاد عن الساحة وممارسة الكتابة المنعزلة كالكتابة في المدونات الالكترونية مثلا ، بل أن البعض لجأ إلى النشر الالكتروني بعيدا عن أعين النقاد، وقد أدى ذلك إلى وجود تركم إبداعي مغيب عن الساحة الثقافية. كما أن البعض ممن يمارسون سلطة النقد لا يقبلون النقد على أنفسهم أصلا. فهم يعتبرون أنفسهم فوق كل نقد ويرفضون الحوار والرأي الآخر، وقد يهرب البعض منهم من المنتديات الحوارية العامة على الشبكة العنكبوتية إلى الصفحات الالكترونية الخاصة والمغلقة على أقلامهم فقط !!

وكوجهة نظر شخصية فأن الكاتب محق أحيانا في الابتعاد عن مواجهة الحركة النقدية والانغلاق على نفسه في ظل الممارسات النقدية الغريبة، فعندما تجد نفسك انك مرفوض وتعمل على إصلاح ما ارتكبته في المرة الأولى ثم تعود لترفض من جديد تحت طائل بيروقراطية نقدية لا تنتهي ، بيروقراطية مستحدثة بعيدة عن المنطق ، تعتمد على الكتابة المبهمة وتدّعي الرغبة في الإصلاح والتجديد .. فأنك حتما ستختفي !. في المقابل فأن الهروب من الحوار النقدي إلى المدونات والصفحات الخاصة – أن لم يكن له ما يبرره – لهو دليل على ضعف المسيرة النقدية وعدم قدرة الكاتب عن الدفاع عن منهجه وأسلوبه في النقد.

إن إيجاد بيئة نقدية حقيقية بات من مطلب الكثير من المثقفين والمبدعين. ومهما اختلفت طرق النقد وتعريفاته فأنها جميعا تتفق على أن النقد هو ميزان الأعمال الأدبية والعين المقومة لها . إذا فالحوار النقدي الهادف هو ما ينشده كل من الكاتب والنص والمتلقي. فالكاتب يحتاج إلى النقد ليحلق مع فضاءات القلم بأريحية والنص يبحث عن قيمته الأدبية والعلمية في شكله ومضمونه، بينما ينشد المتلقي ما يستند إليه في تقييم النص والوصول إلى القيمة الفكرية والإبداعية التي يحتويها أو يتميز بها نص عن غيره. و لكن .. وكنتيجة للتخبط الذي صاحب الحركة النقدية مؤخرا فقد فشل الكثير من النقاد في كيفية التعاطي مع بعض الأقلام وخصوصا الشابة والناشئة منها ، فغياب المعيار النقدي واحتكام النقاد إلى التأثيرات والمؤثرات الحديثة والمبتكرة والتي يعتمد الكثير منها على الاجتهاد الشخصي جعلت من هذه الأقلام الشابة تصدم بالواقع الذي يبحر ضد طريقة تفكيرهم الإبداعي .

إذا من المهم جدا أن يعرف الناقد ويلم بالجذور الإبداعية والتعمق في النص وماهيته وفكرته وكافة أبعاده حتى يستطيع وضع بصمته النقدية الهادفة وإلا فأن ما يقدمه قد يؤدي إلى ضعف في العملية النقدية. فالكثير من الإخفاقات لدى النقاد والتخلي عن الشكل الحقيقي للنقد بكافة أشكاله جعلت الحوار النقدي يخرج بطبيعته عن المطلوب ومن ثم رفض المبدع للنقد وانغلاقه على نفسه . نعم نحتاج إلى التجديد ولكن بشرط أن يكون هذا التجديد مدروس ومكمل للمسيرة النقدية لتاريخ الإبداع العربي.

العدد السادس ثقافة وفكر

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني