حنين إلى زنجبار

طفت بمعالم زنجبار مرورا ببيت الساحل وقصر العجائب الذي صار بعد النكبة بيت الخرائب بعد أن سرق أثاثه ودنس تراثه وتذكرت كيف كان هذان المعلمان سدة الحكم وسرة التاج العماني منهما تصدر المراسيم إبراما ونقضا ورفعا وخفضا ثم صارا أثرا بعد عين وذهبت ريح السموم بما بقي من آثار سابقيه الا من رسوم خجولة لسلاطين آل سعيد واحتفاء مبالغا فيه بابنتهم التي تنصرت –السيدة سالمة-.

zanzibar2

لعل أصدق وصف لحال نزوح العمانيين عن زنجبار ما وصف به لسان الدين ابن الخطيب حال ألبيرة في إحاطته بأخبار غرناطة حيث قال(ولم تزل الأيام تخيف ساكنها، والعفاء يتبوأ مساكنها،… ، حتى شملها الخراب، وتقسم قاطنها الاغتراب، وكل الذي فوق التراب تراب.)

كثيرا ما شدني الحنين إلى زنجبار مع انه ليس لي جذور ولا عروق ولا أغصان بها لكنه الانتماء للوطن الثاني الذي قطنه العمانيون منذ أقدم العصور وما زالت بلابل فكري ترسم لزنجبار صورة الفردوس بما فيها من بساط اخضر وجمال أخاذ تفجرت بسببه ينابيع الشعر في صدر أبي مسلم مما كتب له الخلود الأدبي والذيوع الاممي.

ورحت ارسم في مخيالي صورة لتلك الجزيرة التي اتخذها سعيد بن سلطان عاصمة لملكه بعد أن أزعجه تفرق العمانيين وتشرذمهم فما تكاد فتنهم تغور حتى تفور وتعب الرجل من جلاد الوهابية ومن لف لفهم كالقواسم الذين قتلوا أباه وكانت قرصنتهم تمخر في عباب الخليج فسادا وإفسادا.

ذهب السيد إلى زنجبار فرأى أرضا بكرا لا عوان فيها فرفرفت نفسه فرحا براحة طالما نشدها في عمان فلم يجد لها طعما فأنشأ مملكته التي امتدت امتداد طموحه الذي كان لا يقف عند حد.

وعبثا أحاول أن ارسم خارطة لمملكة العمانيين في أفريقيا المترامية الأطراف لكنني مع ذلك استطيع أن اردد بكل فخر*القول المأثور: إذا قرعت طبول السلطان في زنجبار رقصت عليه أبناء البحيرات الأفريقية.(

ورغم القوة البحرية التي كانت تحت إمرة السيد سعيد فقد اتصف بالحذر الشديد، فاقتصر تواجده على السواحل ولم يغامر بالتوسع في الداخل سواء كان ذلك على الساحل الشرقي للخليج أو بالنسبة للساحل الأفريقي. ولكن التجار العُمانيين توغلوا في داخل أفريقيا ووصلوا إلى ما يعرف حاليا بأواسط كينيا والبحيرات الأفريقية، وتاجروا مع الأهالي ونشروا الإسلام وكانوا أول جسر ثقافي ربط بين العرب وأفريقيا الاستوائية.

وان كان السيد سعيد بن سلطان قد استطاع أن يكون هذه الدولة الواسعة، واستطاع أن يؤسس أسطولا تجاريا وحربيا قوياً تمكن من خلاله المحافظة على هذه الدولة، فانه أيضاً تمكن من إقامة علاقات دولية قوية سواء مع مصر أو مع بعض الدول الأوربية أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.-

وما زلت أمني النفس بزيارة هذه الدوحة الخضراء حتى تم لي ذلك سنة 2009م فنزلت بزنجبار بعد أن طوح بي الطيران الكيني ذات اليمين وذات الشمال ف(ترانزيت) في دبي وآخر في نيروبي, وذاك بسبب توقف الطيران العماني عن الرسو بمطار زنجبار في تلك الفترة.

نزلت بزنجبار وتذكرت المتنبي وشعب بوان فكنت غريب الوجه واليد واللسان ودفعت رسوم التأشيرة فكانت تلك بداية الغربة التي أحسستها.

طفت بمعالم زنجبار مرورا ببيت الساحل وقصر العجائب الذي صار بعد النكبة بيت الخرائب بعد أن سرق أثاثه ودنس تراثه وتذكرت كيف كان هذان المعلمان سدة الحكم وسرة التاج العماني منهما تصدر المراسيم إبراما ونقضا ورفعا وخفضا ثم صارا أثرا بعد عين وذهبت ريح السموم بما بقي من آثار سابقيه الا من رسوم خجولة لسلاطين آل سعيد واحتفاء مبالغا فيه بابنتهم التي تنصرت –السيدة سالمة-.

وزرت فيما زرت منطقة جوزاني ولعلها المنطقة الوحيدة في زنجبار التي يمكن وصفها بأنها غابة توجد بها الحيوانات البرية كالثعالب والخنازير البرية والتي يقال ان جمشيد آخر سلاطين زنجبار كان يحب اصطيادها وبالتالي يحق لنا أن نشيعه وهو يغادر زنجبار والأسى يملأ فؤاده بترديدنا لقول أم عبدالله الصغير لابنها لما ضيع ملك غرناطة فسقطت بسقوطها آخر معاقل المسلمين بالاندلس:(ابك مثل النساء ملكا مضاعا* لم تحافظ عليه مثل الرجال)

وليس جمشيد آخر سلاطين زنجبار بالمعنى الحقيقي بل آخر سلاطينهم كما يصفه بعض المؤرخين- وأظنه المغيري -هو برغش حيث قال عنه بأنه آخر سلاطينهم اسما ومعنى.

وهذا يشي بأن البقية لم يكونوا إلا ألعوبة في يد المحتل البريطاني يحركهم كيف شاء ولم يكن لهم إلا رسم الإمارة وشارة السلطان دون ان يكون لهم مل لسابقيهم من صولة وجولة.

طفت بطبيعة الحال بقصر أو استراحة برغش التي كانت من الأبهة والعظمة بمكان ففيها كان يقضي لبانة سروره مع زوجاته وإمائه اللاتي فقن الأربعين .

كانت زنجبار خلال تلك الفترة مضاءة بالكهرباء وقد مدت فيها أنابيب الماء الى البيوت بينما كانت تشتكي سالمة من معاناتها مع الكهرباء وهي بألمانيا في ظل حكومة المستشار الحديدي باني ألمانيا بسمارك.

كانت زنجبار عندما وصلناها تجمع فقرا وغلاء فالفقر باد في الوجوه تشمه في الغادين والرائحين وتسمعه من أفواه العمانيين الذين يعانون من ضياع الهوية فلا هم عمانيون خلص ولا تنزانيين خلص بل جوازهم تنزاني وقلبهم عماني وهم يعانون من التهميش في الوظائف الحكومية ولعل ذلك بسبب الفوبيا التي تسري في الافارقة من ان يعيد الابناء ماضي الاجداد.

كثيرة هي الأحداث التي مرت بها زنجبار وكثيرة هي التحليلات التي عالجت موضوع النكبة وأسبابها لكنها بالتأكيد لم تغفل نقد الذات وان العمانيين كان لهم اسهام في سقوط ملكهم واضاعة مجدهم وليس ادل على ذلك من أن من كان عضد كرومي في الانقلاب هو عماني انقلب في الأخير على رئيسه فأرداه قتيلا.

لو بنى العمانيون أنفسهم معرفيا وبنوا لأنفسهم مؤسسات تعليمية تحافظ على هويتهم لو أنهم أشركوا إخوانهم العرب قبل الانقلاب في تدريبهم وتسليحهم بدل طلب أم كلثوم لتغني ,لو أذابوا الفوارق بينهم وبين الافارقة ولم ينظروا لهم بعين الاحتقار لو كانوا يدا واحدة على من سواهم بدل تشرذمهم وتفرقهم واهتمام كل واحد بنفسه لو لم يصبهم ما اصاب غيرهم من ترف وسرف لو كانوا كذلك لبقيت زنجبار موئلا لهم يرأزون اليه ويفاخرون به ويحكي أمجادهم التي حفرت في التاريخ بأحرف من نور.

العدد السابع ثقافة وفكر

عن الكاتب

حمد الرشيدي

.
.
.
.