جدلية الظاهرة الموسيقية والنص

يصبح الأمر بلا منازع ان النص ظاهرة سماعية , على اعتبار ان المكتوب منه ما هو الا مجرد صورة رمزية واسقاط لعملية النطق في الورق. كما ان التشابه من حيث ان الموسيقى والنص كائنين مسموعين ولديهما مجال لاحداث فارق زمني بين الوحدة الصوتية والأخرى يؤكد بشكل أو بآخر انه – اي النص – ليس الا شكلا موسيقيا.

music- nass

بين الموسيقى والنص تنشأ حالة توائم وتناسب وكأن أحدهما يمثل جسدا يلبس الآخر الذي يبدو كالثوب. وبسبب هذه الحالة أُعتبرت الموسيقى جنسا مختلفا عن النص ولكنهما يتكاملان لينتجان قالبا مُغَنّى. ومن هذا المنطلق جرت العادة أن يوصف نص كهذا بأنه حامل لظاهرة موسيقية. وخلف الظاهرة الموسيقية التي يتحدثون عنها بحيرة مليئة بالاسئلة !

بالبداية لنُثِر تساؤلا عن أصل النص , عمّا اذا كان الأصل فيه أن يكون مسموعا أو مقروءا. أما اعتباره مسموعا يحدث اشكالا وحرجا لمن يعتبرونها مجرد ظاهرة لأنه يتجاوز حدودها ليكون موسيقى فعليه كما صاغها التعريف. فالتعريف التقليدي للموسيقى ينص على انها سيل من المقاطع الصوتية قد تنفصل أحيانا عن بعضها بحاجز زمني قصير.

يصبح الأمر بلا منازع ان النص ظاهرة سماعية , على اعتبار ان المكتوب منه ما هو الا مجرد صورة رمزية واسقاط لعملية النطق في الورق. كما ان التشابه من حيث ان الموسيقى والنص كائنين مسموعين ولديهما مجال لاحداث فارق زمني بين الوحدة الصوتية والأخرى يؤكد بشكل أو بآخر انه – اي النص – ليس الا شكلا موسيقيا.

لا يُحسَم الأمر عند تلك النقطة , عندما تطفو قضية على السطح كإشكالية الوحدات الصوتية , ففي حين ان الكلمات تشكل مجموع الوحدات التي يتكون منها النص فإن الموسيقى لها وحدات صوتية قد لا تصل بطولها للامتداد الصوتي للكلمة الذي يأخذ مدى أوسع. ولعلك تلاحظ بأن الكلمة بذاتها هي خليط من مقطعين صوتيين أو أكثر.

ويطرح السؤال نفسه مرة وأخرى , هل النص شكل لنمط موسيقي لم نكتشفه بعد ؟

تبدو الاجابة على هكذا سؤال معقدة حينما تكتشف أيضا ان كلمة الموسيقى قد اُستُعِيرَت وحسب لتمثيل الوضعية العروضية بأي نص شعري , فعندما يتحدثون عن موسيقى النص فإنهم يقصدون النمط العروضي المستخدم في تشكيل بنية النص , وعندما يتحدثون ساعتها عن علاقة الموسيقى بالنص فيكتفون بالقول أنه يحوي ظاهرة موسيقية وحسب !

وعلى هكذا رؤية , تميل الكفة هذه المرة مجددا لمناصري المقولة : ان النص ليس موسيقى وحينما يشعر برغبة لأن يكون غيتارا يقوم بالعزف , فهو غيتار وليس موسيقى !

بعيدا عن شغب الأسئلة , لنبحث عن معنى ” ظاهرة موسيقية ” ككل , وانها أبسط ما تكون ان تعني : ظاهرة ذات علاقة بالموسيقى , كالايقاع مثلا , الذي يمكن أن نشبهه في الوظيفة من الناحية العملية بعملية تسجيع أواخر المقاطع النصية.

يحق لنا حقا حينها , أن نصف نصا ما بأنه يحمل ظاهرة موسيقية , لأنه في الحقيقة يحاكي فنيا وعمليا اجراء موسيقي معين.

وعلى كثرة الذين يتفقون أن مسألة الموسيقى بالنص مجرد ظاهرة , يحاول الآخر اثبات العكس بالتحدث عن حقيقة ان الوحدة الصوتية ممثلة بالكلمة يمكن عمليا أن تُنطق في مجالين صوتيين مختلفين. وهذه المجالات من قبيل المد الصوتي والتكرار وغيرها.

مما يحل الاشكال الذي تحدثنا عنه في بداية المقال – مؤقتا – حتى يأتي المنطق ليلعب لعبته , ويثير مسألة أخرى وهي ان النص الموسيقي ما هو الا نسخة معدلة ليست بذات قيمة عند اللغويين , ويتملصون منها. وتبدو لهم كالموسيقى التقليدية التي لايمكن استقاء اشارات شاعرية او معنوية منها , اذ كلمة ( سماء ) ليست هي ( سماااااء) فالثانية لا تعني ما يعنيه اللفظ السليم , وانها مجرد صوت خال من المعنى حيث لا وجود له في المعجم اللغوي !

والمعركة لم تنتهي وما ذكرناه بالأعلى هي صورة من معركة محيرة لا يدل فيها أي شئ على انتصار رأي معين , هي حالة من الجدل كُتب لها الاستمرار , ولعل فرعا علميا جديدا يقضي بدراسة مكان الموسيقى من النص قد يثبت رأيا .. وأقول ربما !!

14/ 09 / 2010

العدد الثامن ثقافة وفكر

عن الكاتب

حاتم سالم عبدالله

كاتب ومدون عماني