على الرَّف:رواية الأرامل!

تصور الرواية مقداراً من الألم واليأس يثقل نفس القاريء، كيف لإنسان أن يصل إلى درجة من اليأس يقرر فيها وفاة أعز الناس إليه لأنه مَّل بداخله من انتظاره؟ كيف له أن يقرر بأن هذه الجثة المفقودة الملامح ستكون جثة عزيز عليهة؟ أي قمع عانته تلك الشعوب لتجبررب أصحابها على إجهاض الأمل!؟

widows2

رواية الأرامل رواية يتنبأ فيها الكاتب بما سيحدث في الأيام التالية من حياته، رواية كتبها صاحبها لابنه كي لا يحزن ويواجه الحياة رغم بؤسها بقوة، نشرت الرواية باسم مستعار وهو “ايريل دورفمان”؛، لتحكي لنا عن اختفاء آلاف الرجال وبعض النساء لأسباب سياسية، يمكنك أن تتخيلها تشيلي أو أي بلد آخر من بلدان من أمريكيا الجنوبية، لا يهم أين تحدث تحديداً فالرواية تحكي وجع البشر بسبب البشر، ,لا تكمن الحبكة في اختفاء هؤلاء الرجال واختطافهم من قبل البوليس السري وحسب بل في نساء هؤلاء المفقودين! لا أحد يستطيع الجزم ما إذا كان المفقودين أحياء أم أموات! لا أحد يستطيع أن يجزم بأي شيء هناك!

تحكي الرواية عن قرية خَرَجَ رجالها –على فترات متباعدة- ولم يعودوا، ولم يبقى فيها إلا قوات الأمن، لم يخرج الجميع طوعاً بل إجبار البعض على مصاحبة أو مرافقة شخصيات مجهولة أرغمتهم على ذلك، وكان النهر الذي يصل للقرية من الجبال يحمل بين فترة وأخرى جثة رجل ما! تشوهت ملامحه فيصبح التعرف علية صعباً أو لنقل مستحيلاً، تلك التشوهات بالجثث كانت نتيجة التعذيب “ربما” قبل القتل، أو”ربما” بسبب البقاء لأسابيع في النهر، أو “ربما” من الجوع، أو “ربما” بسبب الاصطدام بصخور النهر إذا فرضنا بأن الجثة سقطت من أعالي الجبال!

أصبحت القرية خالية إلا من النساء اللاآتي ينتظرن عودة من لا يعود! وقد بلغ بهن اليأس إلى إدعاء تعرفهن على الجثث، لتجد إحداهن تقرر أنها جثة زوجها الذي اختفي منذ عام مضى، وتصر الأخرى بأنه والدها وتعد لإقامة طقوس العزاء والدفن له، رغم أن وجه الجثة لم يعد سوى مادة كانت ذات يوم وجهاً وأضحت “متفسخة متلاشية، بما تعرضت له من سحق وارتطام وتنقيع”*.

توقع هذه التصرفات العجيبة رجال الأمن في حيرة، الصمت المخيم على الأرامل مخيف، وحين تقرر إحداهن أن الجثة تخص زوجها أو ابنها فلا مجال لثنيها عن أخذ الجثة وإقامة مراسم العزاء والدفن له، ضاربة بعرض الحائط كل التدابير الأمنية، فرغم صعوبة اكتشاف أسباب وفاة الجثث لتعدد الآثار التي تحتويها، إلا أن فالأسباب لم تعد مهمة لزوجة قررت أن زوجها قد مات وهذه الجثة الممزقة ستكون جثته!

تصور الرواية مقداراً من الألم واليأس يثقل نفس القاريء، كيف لإنسان أن يصل إلى درجة من اليأس يقرر فيها وفاة أعز الناس إليه لأنه مَّل بداخله من انتظاره؟ كيف له أن يقرر بأن هذه الجثة المفقودة الملامح ستكون جثة عزيز عليه؟ أي قمع عانته تلك الشعوب لتجبر أصحابها على إجهاض الأمل!؟

لم يعد أحد! لم يسبق أن عاد أحدهم فأي أمل قد تحلم به أرملة! تتصاعد حدة الموقف حين يرفض رجال الأمن تسليم الجثث للأرامل لعدم وجود دليل جازم بهوية صاحبها!

“الأرامل” تصور الحرمان الذي لم يكن من العائلة والبيت والحياة بل أمتد ليطال قبور هؤلاء المفقودين الذين لا يعرف أين أو كيف ماتوا!؟

كاتب الرواية فُقِدَ أيضاً في ظروف غامضة وبقت مسودة الرواية للابن الذي ولد بعد اختفاء والده ونشرها باسم مستعار! الرواية التي صدرت ترجمتها عن دار نينوي تقع في 154 صفحة من القطع الحجم المتوسط، وقد كتبها صاحبها بين عامين 1941 و1942 وكأنه يتنبأ باختفاءه هو الآخر.

العدد التاسع ثقافة وفكر

عن الكاتب

إيمان فضل

كاتبة عمانية