قراءة في السياسات السكانية ونتائج تعداد عام 2010م

لقد أثارت نتائج التعداد الكثير من التساؤلات فيما يتعلق بإجمالي عدد السكان والذي توقع المراقبون أن يزيد عن الثلاثة مليون نسمة أو ربما يصل إلى الأربعة. كما جاءت النتائج غير متوقعة فيما يتعلق بنسبة العمالة الوافدة ، فبالرغم من سياسة التعمين المتبعة وبرامج التدريب والتأهيل وتشجيع الشباب على العمل في جميع المهن والوظائف والقطاعات إلا أن نسبة العمالة الوافدة قد سجلت ارتفاعا ملحوظا حيث وصلت إلى (27.6%) مقابل (24.0%) في تعداد عام 2003م .

أعلن مؤخرا عن النتائج الأولية للعد الفعلي للسكان والمساكن والمنشآت التي تم تنفيذها خلال الفترة من 12 إلى 21 ديسمبر 2010 . وكما أشارت إليه النتائج الأولية فقد بلغ إجمالي عدد المساكن حسب تعداد 2010 م، (546) ألف مسكن مقارنة بـ (431 ) ألف مسكن في تعداد 2003 م. وبلغ عدد الأسر (401) ألف أسرة، منه (259) ألف أسرة عمانية وبما يعادل (64.6%)، مقارنة بـ (343) ألف أسرة في تعداد 2003 منها (225) ألفا وبما يعادل (65.6%) أسرة عمانية. وبلغ إجمالي سكان السلطنة (2.694) مليون نسمة، منهم (1.951) مليون عماني، و(743) ألف وافد بما يعادل (27.6%) من إجمالي السكان. وذلك مقارنة بـ (2.341) ألف نسمة حسب تعداد 2003، منهم (1.782) ألف عماني و(559) ألف وافد.
قراءة في نتائج تعداد 2010
لقد أثارت نتائج التعداد الكثير من التساؤلات فيما يتعلق بإجمالي عدد السكان والذي توقع المراقبون أن يزيد عن الثلاثة مليون نسمة أو ربما يصل إلى الأربعة. كما جاءت النتائج غير متوقعة فيما يتعلق بنسبة العمالة الوافدة ، فبالرغم من سياسة التعمين المتبعة وبرامج التدريب والتأهيل وتشجيع الشباب على العمل في جميع المهن والوظائف والقطاعات إلا أن نسبة العمالة الوافدة قد سجلت ارتفاعا ملحوظا حيث وصلت إلى (27.6%) مقابل (24.0%) في تعداد عام 2003م .
وقد أشار معالي احمد بن عبدالنبي مكي وزير الاقتصاد الوطني نائب رئيس مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة المشرف العام للتعداد إلى أن الجهاز الميداني واجه بعض الصعوبات المتعلقة بتعاون بعض السكان الوافدين مما كان له الأثر السلبي على النتائج العامة للتعداد . ومن بين الأسباب التي ذكرها أيضا هو تزامن فترة العد مع الأعياد والإجازات ومغادرة أعداد من الوافدين لقضاء الإجازات بأوطانهم ، وتهرب عدد كبير من العمالة الوافدة من الإدلاء ببياناتهم كونهم هاربين من كفلائهم . كذلك أشار المشرف العام للتعداد إلى صعوبة عد العاملين بمعسكرات ومخيمات العمال؛ بسبب ظروف ومواعيد عملهم وطبيعة نشاطهم الأدائي، خاصة وأن معظمهم من العاملين بقطاع المنشآت. ولكن وبرغم المعوقات والصعوبات التي ذكرها معاليه إلا أن ذلك لا يبرر تلك النتائج غير المتوقعة للتعداد، فعملية الإعداد استمرت أشهر بل أن العملية أُجلت لمزيدا من الاستعداد، والميزانية بلغت الملايين من الريالات العمانية وفاقت عن المبلغ المعتمد كما أشار معاليه، والكوادر التي أدرات التعداد كانت أغلبها من حملة الشهادات الجامعية، ومن ثم حق للمواطن العادي أن يتساءل عن مدى واقعية تلك الأرقام ، وهو يشهد ازدحاما يوميا في الطرق وغلاءً فاحشا في الإيجار وضغطا على الإسكان والخدمات وقلة في فرص العمل وتدني في الأجور. فهل فعلا كل هذه المشكلات يسببها عددا لا يتجاوز الثلاثة مليون من البشر بالمقارنة مع الملايين التي تقطن في دول أخرى وتعيش استقرارا في المتغيرات الديمغرافية والخدمات !؟
أنه من الطبيعي جدا أن تكون هناك نسبة خطأ بسيطة في النتائج، وخصوصا مع عملية عد بهذا الحجم ولكن كلما قلت نسبة الخطأ كلما دل ذلك على نجاح العملية. إلا أن ما أثار المراقبين فعلا هو ذلك الاختلاف الكبير بين نتائج التعداد المعلنة وسجلات القوى العاملة، وأشار البعض إلى أن مراجعة بسيطة لعدد المواليد والوفيات في سجلات وزارة الصحة أو مراجعة سجلات الإدارة العامة للأحوال المدنية ستكشف المزيد من المفاجآت !! إذن أرقام وحقائق بالفعل غير متوقعة، وما يجعل الأمر أكثر غرابة هو عدم وضوح رؤية تجاه التعاطي معها، مما يعني أن الاسترخاء في التعاطي الرسمي والمجتمعي مع مقتضياتها وتداعياتها القادمة حتما سيضاعف الجهود ؛ لإصلاح أي خلل يحدث مستقبلا !! فلم تعد زيادة أعداد الأجانب هي مجرد عامل نفسي أو تنافسي في سوق العمل، فمؤشرات التنمية لدينا لا تقبل أن نصدق بضرورة الحاجة لهذا الحجم المتزايد من العمالة الوافدة وفي المقابل عدم توفر فرص عمل لمخرجات التعليم في البلاد!!
وبقراءة سريعة للأرقام المعلنة فأنه يمكن تفسير النتائج باحتمالين. الأول يتعلق بحقيقة هذه الأرقام، فأما أن يكون هناك خطأ في نتائج التعداد ناتج عن خلل في عملية الإعداد أو التطبيق أو إن النتائج الحقيقة غير معلنة !!. والاحتمال الثاني هو أن تكون الدولة – ذات الاقتصاد النفطي المزدهر – قاصرة فعلا عن تحقيق الحد الأدنى من سبل العيش الكريم لهذا العدد القليل من السكان في ظل وجود مدينة تعاني من مشكلات التحضر وهي لم تبلغ المليون نسمة، ومواطن تجاوز الخامسة والعشرين من عمره ويحمل درجة جامعية ولم يحظى بفرصة عمل مناسبة!! وبين الاحتمال الأول والثاني كان لابد من البحث خلف ما يقف حول هذه الأعداد والمتغيرات ومدى مصداقيتها، وهي السياسات السكانية المتبعة في السلطنة وعلاقتها بنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت والذي تطبقه السلطنة للمرة الثالثة في تاريخيها.
السياسات السكانية
تتبع كل دولة من دول العالم سياسة معينة لتنظيم سلوك سكانها من الناحية الديمغرافية حاضراً ومستقبلاً، وتشير المصادر إلى أن السياسة السكانية هي مجموعة من الإجراءات والمخططات والبرامج التي تهدف إلى التأثير في المتغيرات السكانية والتركيب الهيكلي للسكان من الناحية الكمية والعمرية والنوعية وذلك بما يتناسب وحاجات المجتمع ومتطلبات نموه ورفاهية مواطنيه.
وبينما تستهدف السياسات السكانية معالجة مشكلة الزيادة السريعة في عدد السكان في بعض الدول، فإنها أيضا تشمل على برامج لتنشيط نمو السكان في دول أخرى وخصوصا تلك التي تعاني من نقص في فئة الشباب ومن هم في سن العمل. كما تهدف السياسات السكانية أيضا إلى تحسين مستوى معيشة السكان ورفاهيتهم، وتضييق الفجوة الحضارية بين الريف والمدينة، وتسعى إلى تنظيم هجرة السكان وحركتهم والتوزيع المكاني المتوازن للسكان وتنظيم حركة وتوزيع القوى العاملة ومساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وتمكينها اجتماعيا. وبينما تعتمد الدول الغربية مبدأ الشفافية في إعلان السياسات السكانية إلا أنها غير معلنة وغير محددة في دول العالم النامي أو ما يعرف بدول العالم الثالث. وتختلف أهداف السياسة السكانية من دولة لأخرى. كما أن هناك فروق في مستوى وضع وتنفيذ السياسة السكانية والنشاطات المرتبطة بها.
السياسات السكانية ومعدلات النمو السكاني في السلطنة
لا يخفى على الباحث في المجال الديمغرافي أن هناك مجموعة من البرامج والخطط التي طبقتها الحكومة العمانية، تسعى من خلالها إلى توجيه المتغيرات السكانية حسب رؤية مستقبلية محددة وذلك على ضوء نتائج تعداد 1993 م والذي أظهرت ارتفاعا في نسبة السكان العمانيين من هم أقل من 15 سنة – حيث كانوا يشكلون نصف عدد السكان البلاد تقريبا وبنسبة بلغت( 51.6% ) – وارتفاع في نسبة الخصوبة والمواليد وعدد أفراد الأسرة ونسبة الأمية في المجتمع . ومع هذه المؤشرات المرتفعة كان لابد من خطط التنمية الحكومية أن تضع في الحسبان الرؤية المستقبلية للمتغيرات الديمغرافية، فمن هم أقل من 15 سنه سيصبحون في بضع سنوات شباب وفي سن العمل ومن ثم فإنهم بحاجة إلى فرص تعليمية وفرص عمل أكثر وخدمات اجتماعية مختلفة، مع ما يرافق ذلك من طفرة في البناء وطلب كبير على المساكن والمنشآت. كما أن ارتفاع نسبة الأمية يعني أن هناك فئة من السكان غير منتجة بكفاءة ومن ثم ستكون نسبة الإعالة مرتفعة.
إذاً لقد كانت الحكومة في تحدى مع المستقبل السكاني للبلاد، فكيف ستوفر جل الخدمات الضرورة لهذا العدد المتنامي في فترة زمنية تتراوح بين 15 إلى 20 عاما !؟ و لذلك كان لابد من سياسة سكانية تساعد الدولة آنيا في الحد من الانفجار السكاني ومعدلات الخصوبة المرتفعة والتي تقابلها محدودية في الموارد … ومستقبلا في التغلب على البطالة والضغط على الخدمات، وذلك أسلم لها من تزايد سكاني سريع يجعلها خلال سنوات قليلة، أو في حالات ظهور أزمات نفطية حادة – لا قدر الله – ، تواجه المشكلات التي تنجم عن التضخم السكاني وعدم توازنه مع الموارد المتاحة. وكنتيجة لذلك أشارت نتائج تعداد 2010م إلى أن انخفاض نسبة السكان العمانيين أقل من 15 سنة، أدى إلى ارتفاع نسبة من هم في سن العمل (15-64 سنة) من (56.2%) سنة 2003 م إلى (61.3%) سنة 2010 م ، مما يعني أن الحكومة العمانية نجحت إلى حد ما في معالجة مشكلة الانفجار السكاني الذي أظهرته نتائج تعداد عام 1993م ولكنها أصبحت تعاني مشكلة أخرى وهي ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل !! .
المباعدة بين الولادات وإجمالي عدد السكان
من أهم البرامج السكانية التي اعتمدتها الحكومة العمانية هو برنامج المباعدة بين الولادات والذي يهدف في ظاهره إلى تحسين صحة الأمهات والأطفال والأسر ويخفي في مضمونه سياسة سكانية تهدف إلى التقليل من الطفرة التي يشهدها المجتمع في الخصوبة ومعدلات المواليد والانفجار السكاني الذي ربما تكون له نتائج سلبية على المدى البعيد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية ومدى توفر الخدمات. كما أن الجهات المسؤولة تجنبت – من خلال تطبيقها لهذا البرنامج – الموقف الديني والنظرة الاجتماعية اللذان يعارضان عملية تنظيم النسل ونجحت في التطبيق من خلال الدخول إلى المجتمع من باب أن المباعدة بين الولادات هي جزءً مكملا للخدمات الصحية التي تقدم لرعاية الطفولة والأمومة . وبشكل عام يقاس معدل الخصوبة بعدد الولادات للمرأة الواحدة، أما معدل الخصوبة العام فهو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد الإناث في سن الحمل (15-45 سنة). ومعدل الخصوبة الكلي، هو متوسط عدد الولادات للمرأة الواحدة أثناء فترة الإنجاب. ويتم اعتماد معدل الخصوبة الكلي كمؤشر نظراً لسهولة حسابه ودقته ولذلك فقط نجح برنامج المباعدة بين الولادة في إنقاص معدل الخصوبة الكلي في السلطنة. وكنتيجة لهذه السياسة استطاعت الحكومة – منذ التعداد الأول في 1993 وإلى التعداد الثالث في 2010 – إحداث شيء من التغيير الديموغرافي في البلاد في وخصوماخصوصا فيما يتعلق بالتركيب العمري للسكان والتقليل من المعدلات المرتفعة في الخصوبة الكلية والمواليد وهذا ما أكده معالي أحمد بن عبد النبي مكي وزير الاقتصاد الوطني المشرف العام على التعداد في مؤتمره الصحفي ، حيث أشار إلى أن نسبة السكان العمانيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة قد انخفضت من (51.6%) عام 1993م إلى (40.6 %) عام 2003 م، ثم إلى (35.2%) عام 2010 م.
المرأة العمانية كمحور أساسي للسياسات السكانية
شكلت المرأة العمانية محورا أساسيا في السياسة السكانية غير المعلنة ، ولا يخفى على أحد الاهتمام المتزايد بمكانة المرأة في المجتمع والذي قطعت فيه السلطنة شوطا كبيرا بالمقارنة مع دول المنطقة وربما اعتبرهالبعض اهتماما مبالغا فيه مقارنة بحجم الانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه البلاد. ومن ثم فإن هذه السياسات الحكومية نجحت في إعطاء المرأة مزيدا من فرص التعليم الجامعي والعالي ، وتوجيه المرأة إلى العمل وبامتيازات خاصة وبمناصب مرموقة. جل ذلك ساهم في انتقال المرأة العمانية في محيط الأسرة البسيط إلى محيط المجتمع الكبير وما صاحب ذلك من تأخير في سن الزواج وانشغال المرأة بمهام الدراسة والعمل وتأخير الإنجاب أو إتباع سياسة المباعدة بين الولادات، ومن ثم فقد قل عدد أبناء المرأة الواحدة في عمان من عدد يحوم حول العشرة إلى عدد قد لا يزيد عن الخمسة . وكنتيجة ذلك فقد صرح المشرف العام على التعداد بأن متوسط عدد أفراد الأسرة العمانية انخفض من (8) أفراد بتعداد 2003 م ليصل إلى (7.5) فرد. كما أشار أيضا إلى أن انخفاض نسبة السكان العمانيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة يعتبر دليلا على انخفاض معدلات الخصوبة الكلية للمرأة العمانية، والذي جاء نتيجة الاستثمار بالتعليم وارتفاع المستويات التعليمية وبخاصة لدى النساء. وأكد أيضا على أن التطور الاجتماعي للمرأة العمانية ونمو الوعي العام لديها وإقبالها على التعليم قد رفع من مستوى مساهمتها في العمل من (8.6%) عام 1993 م إلى (22.2%) عام 2003 م ثم إلى (27 %) عام 2010م.
أثر السياسات السكانية وفعاليتها في مؤشر التحضر
يُعرّف التحضر بأنه الاتجاه المتزايد لسكان الريف للإقامة في المدن ، والتحضر هو مرحلة تاريخية تمر بها أغلب المجتمعات، وتتأثر في تطورها بتطور أسلوب الإنتاج، والتقسيم الاجتماعي للعمل. والتحضر في حد ذاته هو عمليه طبيعية ما لم يكن بمعدلات مرتفعة والتي وصلت إلى معدلات مرتفعة جدا وخطيرة في بعض الدول. وخطيرة كما يحدُث في بعضِ الدُّول.
[جُملة مقترحة بديلة]
وتواجه العديد من دول العالم مشكلة التحضر أو الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والتي تؤدي إلى تضخم المدن وريفها وبروز مشكلة السكن وشح المياه والتزاحم على فرص العمل والخدمات وسواها ، فضلاً عن هجوم المدن على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مباني وعمارات للسكن وزيادة التلوث في البيئة. إلا أن السياسات السكانية في السلطنة نجحت إلى حد ما في الحد من مشكلة الهجرة الداخلية وذلك من خلال تنمية الأرياف وتوصيل الخدمات الأساسية كالتعليم والطرق والخدمات الصحية .. ولكنها فشلت في القضاء على المركزية في بعض الخدمات كتخليص المعاملات الحكومية وتوفير فرص عمل خارج المدن الرئيسية مما شكل عبئا سكانيا على المدن وخصوصا محافظة مسقط التي تعاني من شح في السكن – وما نتج عنه من ارتفاع في الإيجارات وأسعار بيع الأراضي – وتواجه ازدحام كبيرا في المرور وضغط على الخدمات نتيجة هجرة عدد كبير من سكان السلطنة المنتمين إلى سن العمل. كما أن هجرة المواطنين إلى مسقط له آثار سلبية على الأرياف وبخاصة إهمال الأراضي الزراعية بسبب نقص اليد العاملة وتعويض ذلك بالعمالة الوافدة. وقد بينت نتائج التعداد أن نــسبة المــساكن الحديثة (الشقق والفيلات) حققت بين عامي 2003 م و2010 م ارتفاعا ملموسا (من 40.9 % إلى 48.6%). كما أن نسبة المساكن الموصولة بشبكات المياه ونقاط المياه الحكومية والمياه المعبأة كمصدر لمياه الشرب ارتفعت من (75.3 %) عام 2003م إلى (87.7 %) الأمر الذي ينعكس إيجابا على المستويات الصحية لسكان المدن في السلطنة ولكنه ينعكس سلبا على المناطق الريفية البسيطة، مما يشجع على هجرة داخلية أكبر وربما إلى ارتفاع في العمالة الوافدة العاملة في الأرياف.
خاتمة
ختاما يجب الإشارة إلى أهمية السياسات السكانية في المحافظة على التوازن الديمغرافي للمجتمع ولكن يجب أن تكون هذه السياسات مدروسة ومعلنة وواضحة المعالم للسكان ويصاحبها وعي مجتمعي بأهميتها والبرامج التي تتبعها . وبرغم النجاحات التي حققتها برامج السياسة السكانية في السلطنة إلا أن أثرها في الحيلولة دون نمو المدن وتضخمها واكتظاظ السكان فيها كان ضعيفاً، وهذا ما أكدته نتائج تعداد عام 2010م ، فقد حافظت أغلب المحافظات والمناطق على وزنها النسبي من حيث عدد السكان، مما يؤكد ضرورة صياغة سياسات خاصة بالتوزيع السكاني المكاني، واضحة .. تتحدد فيها بشكل كمي الأهداف والمتغيرات السكانية والأدوات والإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه السياسة. كما يجب أن تكون هذه السياسات مدروسة بشكل جيد وتتناسب مع حجم النمو الاقتصادي والتوسع في الإنتاج وهذا ما فشلت فيه البرامج المعتمدة، حيث أشارت نتائج التعداد إلى أن نسبة الوافدين من إجمالي السكان ارتفعت عما كانت عليه في عام 2003م، حيث وصلت إلى (27.6% ) مقابل (24.0%) في عام 2003م. ومن الضروري أيضا دمج السياسة السكانية في خطة التنمية الشاملة، بحيث يتم الاهتمام بكل قطاع من القطاعات الأساسية من خلال آثار المغيرات السكانية عليها، لا من حيث ما إذا كانت هذه المتغيرات تشكل عقبة أمام التنمية الشاملة أم لا، وذلك بوصفها مؤشر لتخطيط القوى البشرية.
إن الترابط بين السياسات السكانية والتنمية الشاملة يتطلب أن تكون السياسة السكانية معلنة وواضحة المعالم لا أن تكون في الظل، كما يتطلب أيضا تعزيز سياسات التنمية وتطويرها بحيث تستطيع استيعاب الزيادة السكانية الحالية والمتوقعة في المجتمع. وهذا يؤدي بدوره إلى خلق ظروف اقتصادية واجتماعية تشجع إلى التحول إلى أسرة أصغر حجماً .. ذات كفاءة إنتاجية مناسبة، وبالتالي يكون هناك توائم بين النمو السكاني وفرص العمل والخدمات.

population-six-billion-1


 

قراءة في السياسات السكانية ونتائج تعداد عام 2010م

أعلن مؤخرا عن النتائج الأولية للعد الفعلي للسكان والمساكن والمنشآت التي تم تنفيذها خلال الفترة من 12 إلى 21 ديسمبر 2010 . وكما أشارت إليه النتائج الأولية فقد بلغ إجمالي عدد المساكن حسب تعداد 2010 م، (546) ألف مسكن مقارنة بـ (431 ) ألف مسكن في تعداد 2003 م. وبلغ عدد الأسر (401) ألف أسرة، منه (259) ألف أسرة عمانية وبما يعادل (64.6%)، مقارنة بـ (343) ألف أسرة في تعداد 2003 منها (225) ألفا وبما يعادل (65.6%) أسرة عمانية. وبلغ إجمالي سكان السلطنة (2.694) مليون نسمة، منهم (1.951) مليون عماني، و(743) ألف وافد بما يعادل (27.6%) من إجمالي السكان. وذلك مقارنة بـ (2.341) ألف نسمة حسب تعداد 2003، منهم (1.782) ألف عماني و(559) ألف وافد.

قراءة في نتائج تعداد 2010

لقد أثارت نتائج التعداد الكثير من التساؤلات فيما يتعلق بإجمالي عدد السكان والذي توقع المراقبون أن يزيد عن الثلاثة مليون نسمة أو ربما يصل إلى الأربعة. كما جاءت النتائج غير متوقعة فيما يتعلق بنسبة العمالة الوافدة ، فبالرغم من سياسة التعمين المتبعة وبرامج التدريب والتأهيل وتشجيع الشباب على العمل في جميع المهن والوظائف والقطاعات إلا أن نسبة العمالة الوافدة قد سجلت ارتفاعا ملحوظا حيث وصلت إلى (27.6%) مقابل (24.0%) في تعداد عام 2003م .

وقد أشار معالي احمد بن عبدالنبي مكي وزير الاقتصاد الوطني نائب رئيس مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة المشرف العام للتعداد إلى أن الجهاز الميداني واجه بعض الصعوبات المتعلقة بتعاون بعض السكان الوافدين مما كان له الأثر السلبي على النتائج العامة للتعداد . ومن بين الأسباب التي ذكرها أيضا هو تزامن فترة العد مع الأعياد والإجازات ومغادرة أعداد من الوافدين لقضاء الإجازات بأوطانهم ، وتهرب عدد كبير من العمالة الوافدة من الإدلاء ببياناتهم كونهم هاربين من كفلائهم . كذلك أشار المشرف العام للتعداد إلى صعوبة عد العاملين بمعسكرات ومخيمات العمال؛ بسبب ظروف ومواعيد عملهم وطبيعة نشاطهم الأدائي، خاصة وأن معظمهم من العاملين بقطاع المنشآت. ولكن وبرغم المعوقات والصعوبات التي ذكرها معاليه إلا أن ذلك لا يبرر تلك النتائج غير المتوقعة للتعداد، فعملية الإعداد استمرت أشهر بل أن العملية أُجلت لمزيدا من الاستعداد، والميزانية بلغت الملايين من الريالات العمانية وفاقت عن المبلغ المعتمد كما أشار معاليه، والكوادر التي أدرات التعداد كانت أغلبها من حملة الشهادات الجامعية، ومن ثم حق للمواطن العادي أن يتساءل عن مدى واقعية تلك الأرقام ، وهو يشهد ازدحاما يوميا في الطرق وغلاءً فاحشا في الإيجار وضغطا على الإسكان والخدمات وقلة في فرص العمل وتدني في الأجور. فهل فعلا كل هذه المشكلات يسببها عددا لا يتجاوز الثلاثة مليون من البشر بالمقارنة مع الملايين التي تقطن في دول أخرى وتعيش استقرارا في المتغيرات الديمغرافية والخدمات !؟

أنه من الطبيعي جدا أن تكون هناك نسبة خطأ بسيطة في النتائج، وخصوصا مع عملية عد بهذا الحجم ولكن كلما قلت نسبة الخطأ كلما دل ذلك على نجاح العملية. إلا أن ما أثار المراقبين فعلا هو ذلك الاختلاف الكبير بين نتائج التعداد المعلنة وسجلات القوى العاملة، وأشار البعض إلى أن مراجعة بسيطة لعدد المواليد والوفيات في سجلات وزارة الصحة أو مراجعة سجلات الإدارة العامة للأحوال المدنية ستكشف المزيد من المفاجآت !! إذن أرقام وحقائق بالفعل غير متوقعة، وما يجعل الأمر أكثر غرابة هو عدم وضوح رؤية تجاه التعاطي معها، مما يعني أن الاسترخاء في التعاطي الرسمي والمجتمعي مع مقتضياتها وتداعياتها القادمة حتما سيضاعف الجهود ؛ لإصلاح أي خلل يحدث مستقبلا !! فلم تعد زيادة أعداد الأجانب هي مجرد عامل نفسي أو تنافسي في سوق العمل، فمؤشرات التنمية لدينا لا تقبل أن نصدق بضرورة الحاجة لهذا الحجم المتزايد من العمالة الوافدة وفي المقابل عدم توفر فرص عمل لمخرجات التعليم في البلاد!!

وبقراءة سريعة للأرقام المعلنة يمكن تفسير النتائج باحتمالين. الأول يتعلق بحقيقة هذه الأرقام، فأما أن يكون هناك خطأ في نتائج التعداد ناتج عن خلل في عملية الإعداد أو التطبيق أو إن النتائج الحقيقة غير معلنة !!. والاحتمال الثاني هو أن تكون الدولة – ذات الاقتصاد النفطي المزدهر – قاصرة فعلا عن تحقيق الحد الأدنى من سبل العيش الكريم لهذا العدد القليل من السكان في ظل وجود مدينة تعاني من مشكلات التحضر وهي لم تبلغ المليون نسمة، ومواطن تجاوز الخامسة والعشرين من عمره ويحمل درجة جامعية ولم يحظى بفرصة عمل مناسبة!! وبين الاحتمال الأول والثاني كان لابد من البحث خلف ما يقف حول هذه الأعداد والمتغيرات ومدى مصداقيتها، وهي السياسات السكانية المتبعة في السلطنة وعلاقتها بنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت والذي تطبقه السلطنة للمرة الثالثة في تاريخيها.

السياسات السكانية

تتبع كل دولة من دول العالم سياسة معينة لتنظيم سلوك سكانها من الناحية الديمغرافية حاضراً ومستقبلاً، وتشير المصادر إلى أن السياسة السكانية هي مجموعة من الإجراءات والمخططات والبرامج التي تهدف إلى التأثير في المتغيرات السكانية والتركيب الهيكلي للسكان من الناحية الكمية والعمرية والنوعية وذلك بما يتناسب وحاجات المجتمع ومتطلبات نموه ورفاهية مواطنيه.

وبينما تستهدف السياسات السكانية معالجة مشكلة الزيادة السريعة في عدد السكان في بعض الدول، فإنها أيضا تشمل على برامج لتنشيط نمو السكان في دول أخرى وخصوصا تلك التي تعاني من نقص في فئة الشباب ومن هم في سن العمل. كما تهدف السياسات السكانية أيضا إلى تحسين مستوى معيشة السكان ورفاهيتهم، وتضييق الفجوة الحضارية بين الريف والمدينة، وتسعى إلى تنظيم هجرة السكان وحركتهم والتوزيع المكاني المتوازن للسكان وتنظيم حركة وتوزيع القوى العاملة ومساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وتمكينها اجتماعيا. وبينما تعتمد الدول الغربية مبدأ الشفافية في إعلان السياسات السكانية إلا أنها غير معلنة وغير محددة في دول العالم النامي أو ما يعرف بدول العالم الثالث. وتختلف أهداف السياسة السكانية من دولة لأخرى. كما أن هناك فروق في مستوى وضع وتنفيذ السياسة السكانية والنشاطات المرتبطة بها.

السياسات السكانية ومعدلات النمو السكاني في السلطنة

لا يخفى على الباحث في المجال الديمغرافي أن هناك مجموعة من البرامج والخطط التي طبقتها الحكومة العمانية، تسعى من خلالها إلى توجيه المتغيرات السكانية حسب رؤية مستقبلية محددة وذلك على ضوء نتائج تعداد 1993 م والذي أظهرت ارتفاعا في نسبة السكان العمانيين من هم أقل من 15 سنة – حيث كانوا يشكلون نصف عدد السكان البلاد تقريبا وبنسبة بلغت( 51.6% ) – وارتفاع في نسبة الخصوبة والمواليد وعدد أفراد الأسرة ونسبة الأمية في المجتمع . ومع هذه المؤشرات المرتفعة كان لابد من خطط التنمية الحكومية أن تضع في الحسبان الرؤية المستقبلية للمتغيرات الديمغرافية، فمن هم أقل من 15 سنه سيصبحون في بضع سنوات شباب وفي سن العمل ومن ثم فإنهم بحاجة إلى فرص تعليمية وفرص عمل أكثر وخدمات اجتماعية مختلفة، مع ما يرافق ذلك من طفرة في البناء وطلب كبير على المساكن والمنشآت. كما أن ارتفاع نسبة الأمية يعني أن هناك فئة من السكان غير منتجة بكفاءة ومن ثم ستكون نسبة الإعالة مرتفعة.

إذاً لقد كانت الحكومة في تحدى مع المستقبل السكاني للبلاد، فكيف ستوفر جل الخدمات الضرورة لهذا العدد المتنامي في فترة زمنية تتراوح بين 15 إلى 20 عاما !؟ و لذلك كان لابد من سياسة سكانية تساعد الدولة آنيا في الحد من الانفجار السكاني ومعدلات الخصوبة المرتفعة والتي تقابلها محدودية في الموارد … ومستقبلا في التغلب على البطالة والضغط على الخدمات، وذلك أسلم لها من تزايد سكاني سريع يجعلها خلال سنوات قليلة، أو في حالات ظهور أزمات نفطية حادة – لا قدر الله – ، تواجه المشكلات التي تنجم عن التضخم السكاني وعدم توازنه مع الموارد المتاحة. وكنتيجة لذلك أشارت نتائج تعداد 2010م إلى أن انخفاض نسبة السكان العمانيين أقل من 15 سنة، أدى إلى ارتفاع نسبة من هم في سن العمل (15-64 سنة) من (56.2%) سنة 2003 م إلى (61.3%) سنة 2010 م ، مما يعني أن الحكومة العمانية نجحت إلى حد ما في معالجة مشكلة الانفجار السكاني الذي أظهرته نتائج تعداد عام 1993م ولكنها أصبحت تعاني مشكلة أخرى وهي ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل !! .

المباعدة بين الولادات وإجمالي عدد السكان

من أهم البرامج السكانية التي اعتمدتها الحكومة العمانية هو برنامج المباعدة بين الولادات والذي يهدف في ظاهره إلى تحسين صحة الأمهات والأطفال والأسر ويخفي في مضمونه سياسة سكانية تهدف إلى التقليل من الطفرة التي يشهدها المجتمع في الخصوبة ومعدلات المواليد والانفجار السكاني الذي ربما تكون له نتائج سلبية على المدى البعيد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية ومدى توفر الخدمات. كما أن الجهات المسؤولة تجنبت – من خلال تطبيقها لهذا البرنامج – الموقف الديني والنظرة الاجتماعية اللذان يعارضان عملية تنظيم النسل ونجحت في التطبيق من خلال الدخول إلى المجتمع من باب أن المباعدة بين الولادات هي جزءً مكملا للخدمات الصحية التي تقدم لرعاية الطفولة والأمومة . وبشكل عام يقاس معدل الخصوبة بعدد الولادات للمرأة الواحدة، أما معدل الخصوبة العام فهو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد الإناث في سن الحمل (15-45 سنة). ومعدل الخصوبة الكلي، هو متوسط عدد الولادات للمرأة الواحدة أثناء فترة الإنجاب. ويتم اعتماد معدل الخصوبة الكلي كمؤشر نظراً لسهولة حسابه ودقته ولذلك فقط نجح برنامج المباعدة بين الولادة في إنقاص معدل الخصوبة الكلي في السلطنة. وكنتيجة لهذه السياسة استطاعت الحكومة – منذ التعداد الأول في 1993 وإلى التعداد الثالث في 2010 – إحداث شيء من التغيير الديموغرافي في البلاد خصوصا فيما يتعلق بالتركيب العمري للسكان والتقليل من المعدلات المرتفعة في الخصوبة الكلية والمواليد وهذا ما أكده معالي أحمد بن عبد النبي مكي وزير الاقتصاد الوطني المشرف العام على التعداد في مؤتمره الصحفي ، حيث أشار إلى أن نسبة السكان العمانيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة قد انخفضت من (51.6%) عام 1993م إلى (40.6 %) عام 2003 م، ثم إلى (35.2%) عام 2010 م.

المرأة العمانية كمحور أساسي للسياسات السكانية

شكلت المرأة العمانية محورا أساسيا في السياسة السكانية غير المعلنة ، ولا يخفى على أحد الاهتمام المتزايد بمكانة المرأة في المجتمع والذي قطعت فيه السلطنة شوطا كبيرا بالمقارنة مع دول المنطقة وربما اعتبره البعض اهتماما مبالغا فيه مقارنة بحجم الانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه البلاد. ومن ثم فإن هذه السياسات الحكومية نجحت في إعطاء المرأة مزيدا من فرص التعليم الجامعي والعالي ، وتوجيه المرأة إلى العمل وبامتيازات خاصة وبمناصب مرموقة. جل ذلك ساهم في انتقال المرأة العمانية في محيط الأسرة البسيط إلى محيط المجتمع الكبير وما صاحب ذلك من تأخير في سن الزواج وانشغال المرأة بمهام الدراسة والعمل وتأخير الإنجاب أو إتباع سياسة المباعدة بين الولادات، ومن ثم فقد قل عدد أبناء المرأة الواحدة في عمان من عدد يحوم حول العشرة إلى عدد قد لا يزيد عن الخمسة . وكنتيجة ذلك فقد صرح المشرف العام على التعداد بأن متوسط عدد أفراد الأسرة العمانية انخفض من (8) أفراد بتعداد 2003 م ليصل إلى (7.5) فرد. كما أشار أيضا إلى أن انخفاض نسبة السكان العمانيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة يعتبر دليلا على انخفاض معدلات الخصوبة الكلية للمرأة العمانية، والذي جاء نتيجة الاستثمار بالتعليم وارتفاع المستويات التعليمية وبخاصة لدى النساء. وأكد أيضا على أن التطور الاجتماعي للمرأة العمانية ونمو الوعي العام لديها وإقبالها على التعليم قد رفع من مستوى مساهمتها في العمل من (8.6%) عام 1993 م إلى (22.2%) عام 2003 م ثم إلى (27 %) عام 2010م.

أثر السياسات السكانية وفعاليتها في مؤشر التحضر

يُعرّف التحضر بأنه الاتجاه المتزايد لسكان الريف للإقامة في المدن ، والتحضر هو مرحلة تاريخية تمر بها أغلب المجتمعات، وتتأثر في تطورها بتطور أسلوب الإنتاج، والتقسيم الاجتماعي للعمل. والتحضر في حد ذاته هو عمليه طبيعية ما لم يكن بمعدلات مرتفعة والتي وصلت إلى معدلات مرتفعة جدا وخطيرة في بعض الدول.

وتواجه العديد من دول العالم مشكلة التحضر أو الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والتي تؤدي إلى تضخم المدن وبروز مشكلة السكن وشح المياه والتزاحم على فرص العمل والخدمات وسواها ، فضلاً عن هجوم المدن على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مباني وعمارات للسكن وزيادة التلوث في البيئة. إلا أن السياسات السكانية في السلطنة نجحت إلى حد ما في الحد من مشكلة الهجرة الداخلية وذلك من خلال تنمية الأرياف وتوصيل الخدمات الأساسية كالتعليم والطرق والخدمات الصحية .. ولكنها فشلت في القضاء على المركزية في بعض الخدمات كتخليص المعاملات الحكومية وتوفير فرص عمل خارج المدن الرئيسية مما شكل عبئا سكانيا على المدن وخصوصا محافظة مسقط التي تعاني من شح في السكن – وما نتج عنه من ارتفاع في الإيجارات وأسعار بيع الأراضي – وتواجه ازدحام كبيرا في المرور وضغط على الخدمات نتيجة هجرة عدد كبير من سكان السلطنة المنتمين إلى سن العمل. كما أن هجرة المواطنين إلى مسقط له آثار سلبية على الأرياف وبخاصة إهمال الأراضي الزراعية بسبب نقص اليد العاملة وتعويض ذلك بالعمالة الوافدة. وقد بينت نتائج التعداد أن نــسبة المــساكن الحديثة (الشقق والفيلات) حققت بين عامي 2003 م و2010 م ارتفاعا ملموسا (من 40.9 % إلى 48.6%). كما أن نسبة المساكن الموصولة بشبكات المياه ونقاط المياه الحكومية والمياه المعبأة كمصدر لمياه الشرب ارتفعت من (75.3 %) عام 2003م إلى (87.7 %) الأمر الذي ينعكس إيجابا على المستويات الصحية لسكان المدن في السلطنة ولكنه ينعكس سلبا على المناطق الريفية البسيطة، مما يشجع على هجرة داخلية أكبر وربما إلى ارتفاع في العمالة الوافدة العاملة في الأرياف.

خاتمة

ختاما يجب الإشارة إلى أهمية السياسات السكانية في المحافظة على التوازن الديمغرافي للمجتمع ولكن يجب أن تكون هذه السياسات مدروسة ومعلنة وواضحة المعالم للسكان ويصاحبها وعي مجتمعي بأهميتها والبرامج التي تتبعها . وبرغم النجاحات التي حققتها برامج السياسة السكانية في السلطنة إلا أن أثرها في الحيلولة دون نمو المدن وتضخمها واكتظاظ السكان فيها كان ضعيفاً، وهذا ما أكدته نتائج تعداد عام 2010م ، فقد حافظت أغلب المحافظات والمناطق على وزنها النسبي من حيث عدد السكان، مما يؤكد ضرورة صياغة سياسات خاصة بالتوزيع السكاني المكاني، واضحة .. تتحدد فيها بشكل كمي الأهداف والمتغيرات السكانية والأدوات والإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه السياسة. كما يجب أن تكون هذه السياسات مدروسة بشكل جيد وتتناسب مع حجم النمو الاقتصادي والتوسع في الإنتاج وهذا ما فشلت فيه البرامج المعتمدة، حيث أشارت نتائج التعداد إلى أن نسبة الوافدين من إجمالي السكان ارتفعت عما كانت عليه في عام 2003م، حيث وصلت إلى (27.6% ) مقابل (24.0%) في عام 2003م. ومن الضروري أيضا دمج السياسة السكانية في خطة التنمية الشاملة، بحيث يتم الاهتمام بكل قطاع من القطاعات الأساسية من خلال آثار المغيرات السكانية عليها، لا من حيث ما إذا كانت هذه المتغيرات تشكل عقبة أمام التنمية الشاملة أم لا، وذلك بوصفها مؤشر لتخطيط القوى البشرية.

إن الترابط بين السياسات السكانية والتنمية الشاملة يتطلب أن تكون السياسة السكانية معلنة وواضحة المعالم لا أن تكون في الظل، كما يتطلب أيضا تعزيز سياسات التنمية وتطويرها بحيث تستطيع استيعاب الزيادة السكانية الحالية والمتوقعة في المجتمع. وهذا يؤدي بدوره إلى خلق ظروف اقتصادية واجتماعية تشجع إلى التحول إلى أسرة أصغر حجماً .. ذات كفاءة إنتاجية مناسبة، وبالتالي يكون هناك توائم بين النمو السكاني وفرص العمل والخدمات.

العدد الحادي عشر سياسة

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني