بين الحرية المفرطة لحركة التدوين وتقيد الجرائد المحلية ..أين سيصل التدوين معنا في السلطنة؟؟

حُرية التعبير وانطلاق الكلمة بدون قيود أو بدون المرور على (الفلترة( تعد أحد أهم الميزات التي توفرها المدونات ونظراً لتوفر هذه الميزة نجد ذلك الإقبال الكبير من المدونين. وعلاوةً على ذلك فإن المدون هو من يقود دفة النقاش والحوار عبر مدونته بعيدا عن التشدق أو اللمز واللكز في الحديث واختلاط الحابل بالنابل والذي نراه جليا في الكثير من المنتديات الحوارية. إلا أنني لا أنسف رقي بعض الحوارات الدائرة في تلك المنتديات.

590309

في ضوء الكتابة الأنترنتية التي ظهرت في الآونة الأخيرة بشكل مكثف ..ظهر نوع جديد من الكتابة أطلق عليه مصطلح “المدونات” والتي أصبحت متداولة معنا في السلطنة منذ سنتين تقريبا وقد أطلق أصاحبها على أنفسهم مصطلح الصحفيون الجدد ..هناك الكثير من المحاور التي تدور حول ظهورها وسط الكتاب المحلين… فكان لنا حوار مع الكثير من المدونين.

الأسباب

في البداية كان سؤالنا حول أسباب ظهور المدونات وتداولها معنا في السلطنة ؟
صاحب مدونة” سجدة في اتجاه الأمل” الشاعر منتظر الموسوي قال حول هذا المحور: “بطبيعة الحال تختلف الأسباب من كاتب لآخر .. بالنسبة لي شخصياً ألجأ للمدونة حتى تكون متنفساً لي أخرجُ عبرها إلى عالم الوجود والأفق في الأوقاتِ التي أكون فيها محاصراً بالظلام فالمدونة تمثل الروح الأخرى لي .. وهي أيضاً لوحةً أعرض من خلالها مستجداتي الثقافية و الشعرية من قصائد أو لقاءات صحفية و تلفزيونية وبالتالي من خلال المدونة أتواصل مع العالم الخارجي سواءً الإقليمي أو الأبعد من ذلك .. المدونات فتحت باباً للتواصل مع الكتاب في الدول الأخرى والتعرف على تجاربهم و التعرف على تجاربنا أيضاً” وشاركنا الكاتب هلال البادي صاحب مدونه “أرني عينك” حول الموضوع والذي أشار في مشاركته بعدم وجود أسباب واضحة حول لجوء الكتاب إلى فتح مدونات عندما قال:” لا أعتقد أن هناك أسبابا واضحة لأن يفتتح أحدهم مدونة خاصة به، بالأخص في بلد كالسلطنة، فالغالب أن من افتتحوا مدونات وهم كثر، كان جراء وجود تقنيات في الإنترنت ومواقعها تسهل إنشاء مثل هذه المدونات، لكن هل هناك رؤية أو فكرة أو رسالة من وراء تلك المدونات فغالبا لا يعتمد أحدهم إلى إيجاد تلك المبررات في إنشاء مدونة، ولكنها الموضة الإنترنتية التي تغريهم بذلك .

هذا كلام يبدو تعميميا، فثمة مدونات ـ وإن بدأت بلا هدف أو رؤيا، شكلت ظاهرة فيما بعد، أقصد أنها أصبحت تقوم بأدوار معينة، كمجابهة الرقابة التي قد تفرضها الصحف ضد ما يكتبها أصحاب تلك المدونات، أو تحاول أن تبث رسالة ثقافية واجتماعية كما هو الحال في مدونة “أكثر من حياة” للمترجم أحمد المعيني، وهي المدونة الوحيدة التي تتضح معالمها فعليا في السلطنة، ولها أهداف ورؤى واضحة، ورسالة تقوم بها.

وأضاف حول الأسباب قائلا:”بعضهم يفتتح مدونات شخصية لنشر كتاباته التي قد ينشرها في الصحافة كما أفعل شخصيا، أو يبث خواطره الاجتماعية والسياسية والثقافية، دون وجود توجه واضح أو هدف معين، وبعضهم يفتتح المدونة لأنه كره الرقابة بشتى أنواعها، فالمدونات فرصة للقضاء على رقباء الصحافة والإنترنت، وحتى رقباء اللغة.. فالمدونات تحرر من قبل كتابها بذاتهم دون أن يكون هناك رقيب إلا أنفسهم” أما أحمد الخروصي صاحب مدونة “سحر القلم” قال:” تُعدّ المدونات الإلكترونية نافذة جديدة تُفتَح للكُتَّاب, فقد أصبحت هذه المدونات ملجأ كبيرا لعدد هائل من المدونين. نجد بعض المدونات المتخصصة في مجالات معينة كالمدونات المختصة بالقراءة أو بأحوال الطقس أو الأجهزة الإلكترونية أو المدونات الشخصية وهي الأكثر انتشارا
.

حُرية التعبير وانطلاق الكلمة بدون قيود أو بدون المرور على (الفلترة( تعد أحد أهم الميزات التي توفرها المدونات ونظراً لتوفر هذه الميزة نجد ذلك الإقبال الكبير من المدونين. وعلاوةً على ذلك فإن المدون هو من يقود دفة النقاش والحوار عبر مدونته بعيدا عن التشدق أو اللمز واللكز في الحديث واختلاط الحابل بالنابل والذي نراه جليا في الكثير من المنتديات الحوارية. إلا أنني لا أنسف رقي بعض الحوارات الدائرة في تلك المنتديات.

وأردف بعدها :”حيث تعتبر المدونة هي بيت للكاتب, وعلى هذا الكاتب أن يحافظ على سمعة بيته وذلك من خلال طرح المواضيع البناءة والتي تسمن وتغني من جوع, حتى تصبح هذه المدونة عامرةً بالزائرين الإيجابيين. وبذلك نرتقي بمستوى أدب الكتابة وأدب الحوار والذي بدوره سيقودنا إلى حل الكثير من الأمور المعقدة…”وأرجع الكثير من المدونين بأن الأسباب ترجع إلى تقيد الجرائد المحلية بسياسة صارمة حول مواضيع النشر لذا تعتبر المدونات هي المتنفس للتعبير عن ما يجول في خواطرهم وهذا ما تأكد عليه صاحبة مدونة مسقطية الهوى عندما قالت:” رغم أننا نردد عبارة جلالته حفظه الله بعدم مصادرة الفكر ، إلا إننا في الواقع لا نراها في جرائدنا المحلية . وأرى أن جيل الشباب من أمثالي لا يرون أن الصحافة الحالية تمثلهم أو تعكس ما يفكرون فيه. الصحافة لدينا تغيرها بطيء ولغتها واحدة لم تتغير وهذه الرتابة لا تتناسب ومعطيات العصر الحالي، فالفضاء مفتوح على مصراعيه من خلال الانترنت أو حتى الفضائيات. فأنا شخصيا أتابع الصحافة العربية في الدول الشقيقة بشكل يومي وأتشوق لقراءتها في كل يوم. بينما حين يتعلق الأمر بقراءة الصحافة المحلي أراني أمسك بالجريدة من باب واجب معرفة ما يدور في بلدي ولكن ليس من باب الشغف والتطلع لما يكتب فيها .. وأنا أقول هذا آسفة متمنية أن يتغير حال الصحافة يوما ما ، فأربعين عاما وقت كافي للنضج ووقت كافي للتغير نحو الأفضل وليس الرجوع للوراء لقد صادفت مقالات في الصحف المحلية القديمة أكثر جرأة بمراحل بما ينشر اليوم ( فما السبب يا ترى ؟ ) ألا يجدر بنا في هذا الوقت أن نكون أكثر ثقة بأنفسنا ويجدر بنا أن نكون أكثر صراحة مع المجتمع ، الذي لم يعد يعتمد على استقاء المعلومة من المصدر المحلي وإنما يبحث ويتحرى من مصادر خارجية أكثر صراحة وجرأة ونقدا للذات . لا استطيع أن ألوم الصحافة لأننا لا نملك صحافة مستقلة بشكل كامل . فالصحف وإن كانت صحفا خاصة تكاد تكون وجها آخر لعملة الصحافة الحكومية. كشابة لا أعول شخصيا على أحد ولا أطالب الصحافة أن تعبر عني إن كانت تنأى بنفسها عن ذلك . فالخيارات كثيرة ومجانية، وأبسط مثال على هذا ” المدونات ” . بإمكان أي فرد إنشاء مدونة عبر الانترنت يكتب فيها ما شاء وهي مجانية ولا تحتاج إلى ممول . المدونة منحتني الفرصة لأكتب بحرية عن كل شيء دون رقابة ومحظور وتظل الرقابة الشخصية على نفسي هي التي تراقبني وتمنعني من الولوج إلى محظورات لا ارتضيها على نفسي وعلى غيري..

تأثيرات المدونات.

وحول تأثير المدونات على الرأي العام أو الثقافة العامة قالت الفاضلة صفاء الدغشي صاحبة مدونة”حانة الأوجاع “بأن التأثير أصبح واضحا ,حيث أصبحت قنوات التلفاز والإذاعة تستعمل أفكار المدونين , وهناك الكثير من البرامج التي تناقش مواضيع المدونات على مستوى عربي . وعندما شاركنا الفاضل يعقوب الحارثي حول الموضوع ركز حول قضية الطائفتين حيث أن تأثير قراء الإنترنت أكثر تأثير من لا يميل للقراءة الأنترنتية وأردف بعدها قائلا: بخصوص الثقافة بشكل عام نعم له تأثير واسع خاصة بسبب سهول الحصول على المعلومات العامة أما على الصعيد الثقافي الخاص أو التخصصي لا أظن أن له الدور الكبير. وأكد لنا الخروصي على التأثير العام من خلال المدونات حينما قال:” بالتأكيد المدونات لها أثرها على الثقافة العامة وعلى الرأي العام أيضاً. تنوع المدونات يأتي معه تنوع الجمهور, فهناك المدونات السياسية والتي عادة ما تعمل على تعبئة الرأي العام واستنهاضه بطريقة أو بأخرى. وهناك المدونات المعرفية والتي تسهم في كم المعلومات الثقافية للشخص, وهذا النوع من المدونات يعتبر هو الاستغلال الأمثل لعملية التدوين, فهناك على سبيل المثال بعض المدونات التي تطرح كل ما هو متعلق بالقراءة وملخصات للعشرات من الكتب, فمثل هذه المدونات يصب نفعها بالدرجة الأولى على المتابع لهذه المدونات, قِس على ذلك المدونات المختصة في أمور معرفية أخرى. كل هذا يصب في الإيجابية الشبه مطلقة للمدونات ومدى إسهامها في النهوض بمستوى الوعي الثقافي والفكري للمجتمع”. وجاء البادي برأي مخالف عن رأي الآخرين حول تأثير المدونات حيث قال: “حتى الآن لا أظن أن للمدونات أي تأثير على الرأي العام ولا حتى المنتديات الإلكترونية، ولاسيما مع الكثرة الكثيرة من كتاب المدونات والإنترنت، إذ ما زال مجتمعنا العماني يعيش في الإطار الواقعي الورقي، بل في الواقع الشفاهي، وكأنه لم يدخل بعد في حيثيات الثورة المعرفية، ولم يتعرف بعد على ماهية المواطنة أو الحقوق المدنية والواجبات والحقوق التي له وعليه، ما زال يعيش في النظام “القطيعي” حيث السلطة تستمد قوتها من أفراد، لا من قانون موجود أو من نظام قائم، ولذلك فالمدونون يعيشون مبتورين عن الناس مهما كانوا معروفين لديهم، بمعنى أن كلامهم مهما تم تداوله لا يشكل أي تأثير سوى تأثير الثرثرة المجانية، ولكن من ناحية السلوكيات أو محاولة التغيير فإن هذا أمر بعيد حتى الآن، والأمر يقاس بشكل أكبر عند المؤسسات التي قد يتعرض لها بعض المدونين أو حتى القوانين التي لم تعد صالحة أو يمكن مناقشتها وتغييرها، التي لا تعترف مطلقا بالإنترنت ولا بكتابها ولذلك مهما تكلموا ومهما ناقشوا ولو بلغة منطقية دقيقة فإن صوتهم يذهب ولا صدى يعود”. صاحبة مدونة مسقطية الهوى :أكدت على أن التأثير يأتي من خلال المتابعة وبما أن التدوين ما زال يتميز بعدد قليل من المتابعين حيث أن في نظرها ما زال التأثير غير موجود نوعا ما ولكن نأمل بأن يكون للتدوين تأثير على الرأي العام.

سلبيات التدوين

وفي محورنا حول سلبيات التدوين: أتفق الكثير منهم على عدم وجود خطط واضحة , والفوضى السائدة هي من أكبر سلبيات التدوين وهذا ما أشار إلية البادي عندما قال: “ربما عدم وجود مخطط واضح لدى كتاب الإنترنت عموما، والمدونين بشكل خاص، يكون هو السلبية الأهم.. طبعا هناك الفوضى وهناك عدم اليقين، وهناك المجانية كذلك هي ما يؤثر سلبا في المدونات، ويجعل المدونين الحقيقيين بلا تأثير واضح، هذا إن أيقنا بوجود هؤلاء المدونين الحقيقيين، فالغالب أنهم مجرد هواة لا فكرة واضحة في أذهانهم. وهذا ما أكد عليه الموسوي عندما قال: “واقعاً السلبية الوحيدة التي أراها هي ما أشرت إليه مسبقاً وهي الحرية المفرطة .. يجب أن يبقى كل شئ في حدود المعقول حتى يكون هناك اتزان و إذا فقدَ هذا الاتزان رجحت كفة على أخرى وذلك غير مُحبَّبْ.. على الكاتب أن يعي المعنى الأساسي للمدونة لأنها فعلاً سلاح ذو حدين” وجاءت صاحبة مدونة مسقطية الهوى تناقض البادي والموسوي حول سلبيات المدونة حيث قالت بأن مسألة التدوين ليس لها سلبيات وتعتبر المدونات مجال لتعدد الأفكار وهذا يعتبر مجال للإيجابية في الموضوع وأضافت بعدها:” رغم اختلافي مع الكثيرين في ما يكتبون. وما يزعجني حقا هو تعميمنا وبثنا لأفكار موحدة وكأن كل الوطن يتكلم بهذه اللغة ! وهذا غير صحيحا. وللأسف ترى المنتديات تمارس دورا إقصائيا لبعض الأفكار إن لم يستهويها أو يتقبلها المشرف على الموقع . بينما المدونات فهي المساحة الايجابية التي تجعلنا نرى الصورة بشكل أوضح ، لنكتشف أن الوطن تسكنه عقول مختلفة وأطياف عديدة ، يستوجب علينا احترامها وتقبلها، بشرط أن لا تتعدى احدها على حريات الآخر بالقمع أو الإقصاء” .

النظرة المستقبلية

وفي محورنا الأخير حول النظرة المستقبلية للتدوين قالت الدغيشية: “أتوقع أن تصبح الظروف الإنترنتية في المستقبل متعلقة ثلاثة أرباعها بالمدونات .. وأن تصبح كل نظرة مطروحة من شخص واحد مؤمن بها .. وان تثير الشخصية الواحدة قضايا تناقش إعلامياً وصحافياً وشخصياً.. ستصبح المدونات سيّر ذاتية عشوائية لا تحتاج إلى تسلسل زمني…أما البادي أشار فقط بأن مستقبل التدوين مرتبط بالإنترنت والإنترنت متحرر ومتغير لا يستطيع أن يتكهن بالمستقبل وأردف بعدها:” لا أستطيع القول بأن المدونات والمدونين في عمان بالذات يمكن لهم أن يحدثوا أي تغيير في ثقافة المجتمع، وفي بناء السلطة ذاتها، لكنني أستطيع أن أتفاءل بالغد، وأعتقد أن كثيرا من معتقداتنا حول هذه التقنيات في غضون عشر سنوات أو أقل ستبدأ هي أيضا بالتغير…”وصاحبة مدونة مسقطية الهوى تتمنى بزيادة عدد المدونات وأن تكون هناك رعاية واهتمام أكثر بالمدونات. وأكد الموسوي على أن البداية المستقبلية لتدوين بأنها ظهرت منذ ظهورها لأول مرة ولكن يأمل أن لا يأتي يوم وتختفي فيه المدونات لأسباب مختلفة منها الحرية المفرطة.وقال الخروصي حول هذا الموضوع: كل هذه المعطيات تؤكد الحضور القوي للمدونات ونجاحها وتؤكد أيضا على المستقبل المشرق لعملية التدوين الإلكتروني.

بين النظرة التفاؤلية للمدونات وتخوف الكثير من الحرية المفرطة للمدونين… كيف سيصبح حال التدوين بعد زيادة المتابعين لها وهل سيتأثر الرأي العام برأي المدونين؟؟ هذا ما سيكشفه لنا المستقبل في عالم الإعلام الجديد…

العدد الحادي عشر ثقافة وفكر

عن الكاتب

رقية بنت سليمان الرواحية

.
.
.
.