نافذة على الأعمال العمانية : الحنانات المتعددة الجنسيات.. أي (دريشة) رُفعتْ .. وأي (طابوقة) وُضعتْ .. !!

إلا أن خط سير الحبكات ومواضيع التناول فيه كان عاديا للغاية ، ولم يطرح جديدا إلا على مستوى استجداء الضحكة العمانية وإن حاول في بعض الحلقاتطرح بعض المفاهيم المتعلقة بالمجتمع العماني إلا أنه في الغالب لم يتمكن كُتاب العمل مالك المسلماني وأمل السابعي من الوصول إلى نقاط الإقناع الفعلية كوميديا , الدهشة التي تفتح الأفواه هنا أيضا أن تتر العمل يحمل أسماء لها باع طويل وعريض في كتابة النصوص الكوميدية كجمال سالم الذي صاغ حاير طاير بكل روعته , إلى جانب وجود الكاتب والمسرحي والناقد السينمائي المتخصص عبدالله خميس ضمن ورشة العمل .. فما الذي جعل توين فيلا بهذا الهُزال الواضح والأسماء هذه مجتمعةه به ؟!! هل هناك شئ لا نعرفه حول وجود هذه الأسماء فعليا في العمل أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟!.

 

 

 

 

 

 

ارتضت لنا شركة المؤنس وارتضى لنا تلفزيون السلطنة وارتضى لنا المِزاج الأنثوي العام المنتشر في السلطنة منذ فترة , أن تجتمع (الحنانات) – والحنانات مصطلح تعود حقوق ملكيته لأحدهم ويُقصد به معشر الجنس الناعم , المفرد حنانة , وأتى اشتقاقا من الحنان الذي غالبا ما تكون الأنثى مصدره – جميع من سبق ارتضوا لنا أن تجتمع الحنانات في مكان واحد , في ( توين فيلا ) أنيقة . فبجنسياتها المتعددة تستعرض هذه الحنانات في رمضان حنانها الضاحك لمجرد الضحك , وفي عديد من الحلقات كان هناك سؤالٌ يرمي بنفسه دائما , هل كانت الحنانات مُضحكة فعلا أم أنها تحاول أن تنتزع مِن مَن يشاهدها الضحكة انتزاعا ؟

توين فيلا أقرب ما يكون انقلاباً وقد لا يكون بالضرورة انقلابا أبيضاً في الدراما العمانية فالبعض يراه أسودا والبعض يراه رماديا , أما أنا فأراه انقلابا لشاحنة الدراما التي تحمل (درامات) !! , فالمفاهيم والأطر التي لطالما مارستها الجهات الرقابية في التلفزيون بمقصاتها و(مجزّاتها) على الأعمال الدرامية يبدو أنها تهاوت وانقلبت أمام مبنى توين فيلا , بدءًا من الاسم الأعجمي ( توين فيلا) مرورا بالقمصان النسائية ال ( كت ) وصولا إلى المصطلحات الأجنبية التي استخدمت بوضوح في حوار العمل , نهاية بحركات القفز والنّط البَنّاتي , كل هذه المحاذير والقضبان فجأة لم تعد موجودة وليس بالضرورة أن تكون هذه النقاط الرقابية مفيدة في مسألة زرع الوعي الجمعي ، ولكن هنا اطرح الاستغراب من سقوطها فجأة في توين فيلا , والغريب والذي يفتح أفواه الاستغراب عن آخرها أن الأطر الحديدية يبدو أنها سقطت فقط وفقط عن توين فيلا ولم تسقط عن بقية الأعمال ، ففي أعمال درامية أخرى تُعرض أيضا هذه السنة لا يزال سور اللغة الأجنبية العظيم مثلا غير قابل للهدم حتى في أبسط الإصطلاحات اليومية ككلمة ( ألو ) .. فهل كانت مقصات الرقابة معطوبة عندما مر نص توين فيلا عليها ؟ أم أن من يُمسك بالمقص كان في إجازة ؟ أم أن المقصّ والقاص تم قولبتهم لدواعي ديوانية ؟ وإلا فمن أين جاء توين فيلا بالإستثناء العابر للمكاتب ؟ ولماذا ظهرت بقية الأعمال الدرامية كأنها ابنة (الخدّامة) أو كأنها من مواليد السبعة أشهر – على حد التعبيرات الحناناتية – ؟ كلها أسئلة (تعقّ) نفسها وبقوة .. فلا مبرر على الإطلاق لإزدواجية المعايير هذه إلا إذا كان توين فيلا قد رُفع عنه القلم من فوق .

توين فيلا خلق نوع من الإتجاه المفتوح على محاولات إيجاد شكل غير مألوف على قوانين حمورابي الإعلامية، وهو ما شكّل صدمة لذهنية المشاهد العماني المصدوم ،والمبتعد أساساً عن الاشتغال التلفزيوني الرسمي والخاص , ومن الطبيعي أن طوال الفائت من سنين العمل التلفزيوني الدرامي الذي تمت فيه زراعة الفصل بين ما هو خارجي ( العالم من حولنا ) عن الداخلي ( عمان ) , وكأن مجتمعنا تحت قبة مفصولة عن ما حوله , من الصعب أن يستوعب المشاهد هذا التغير المفاجئ ،ويشاهد فتيات رشيقات أنيقات يتحدثن بغنج ودلال بلهجات مختلفة بملابس البيت أمام ناظريه , فالمجتمع العماني لم يتم تعويده على هكذا مشاهد , لا سيما أنه كان يعيش حالة إحباط داخلية من جراء الأخبار التي تسربت بوجود جزء خامس للدرايش التي ناضل الشارع العماني الرافض لها كثيرا عبر وسائل الإعلام البديل ؛لإسقاطها لتأتي الأخبار الأخيرة بأن درايش خارج حسبة الأعمال وتوين فيلا داخل الحسبة كمنتج منفذ .. وبعد مشاهدة أول خمس حلقات من توين فيلا صار لسان حال المشاهد يقول : ” أي (دريشة) رُفعت وأي (طابوقة) وُضعت ” !! .

العمل به ثقل من ناحية الأسماء المشاركة فيه , رمز محلي بحجم صالح زعل والذي كان دوره أساسيا ولكنه لا يحمل ذلك الثقل الذي يُمكّن صالح من استخدام مهاراته وأدواته فيه , فكان بإمكان أي ممثل آخر أن يؤدي هذا الدور , فخرية خميس الرمز المحلي الآخر التي كان الدور بمثابة امتداد لأعمالها الكوميدية ( الصُرُاخية ) الخليجية مؤخرا ،والتي أيضا لم تأتِ بقالب شخصية زوينة التي أدتها بشيء جديد على النمط الذي تؤديه في الغالب إلا بزيادة مستويات الانفعال الكوميدية المبالغ فيها في بعض الأحيان، وكأن الصراخ والصوت العالي أصبح مرادف لا بد منه لمفهوم الكوميديا العمانية منذ أيام الشايب خلف حتى الأن .

أسماء كالعمانية بثينة الرئيسي ( أمل ) الممرضة , السورية ديمة الجندي ( رولا ) صاحبة صالون نسائي , الإماراتية أمل محمد ( خولة ) المذيعة , البحرينية وفاء مكي ( آلاء ) الطالبة , والعمانية وفاء البلوشي ( شيخة ) الابنة المخبولة , كلها كانت محل خلط جديد ولكنه ليس بمفيد , نضيف إليه اسم كبير كالقطري غازي حسين ( سعيد / الذيب ) , فريق النجوم هذا جاء في قالب استعراضي خالٍ في الكثير منه من الكوميديا ، وأقرب إلى عشوائية التحرك في ظل سيناريوهات أقرب إلى الإسكتشات المسرحية منها إلى القوالب الكوميدية التلفزيونية , وقد يكون لتشريح الشخصيات وموقعها من الحبكة دور في مسألة التوازن المفقود بين الأداء الذي يأتي متكلفا في مجمله وبين طبيعة الشخصية نفسها , وكأن القصد كان حشر مجموعة من الأسماء الكبيرة الرنانة على المستوى الخليجي في عمل عماني حشرا والسلام بدون النظر إلى دواعي الاستفادة والإضافات التي ستعطيها هذه الأسماء لماهية العمل .

تأتي تجربة الممثلة العمانية بثينة الرئيسي الكوميدية أقل من المتوقع لها ، وهي التي صنعت لنفسها اسم في الدراما الخليجية عبر مركز الأعمال الدراميه – الكويت – فظهرت بمستوى اعتيادي كوميدياً , في حين بالغت وفاء البلوشي الممثلة والمذيعة بشكل كبير عبر تقمص دور الفتاه المراهقة ( المخبولة ) ويبدو أن للخلفية الكوميدية الإخراجية التي يمتلكها المخرج محمد العوالي جانب في إضفاء صيغة المبالغة هذه على شخصية وفاء ربما لمحاولات كسب جماهيري طفولي ومراهقاتي . ثم إن طرح كركترها بالشكل إياه ولّد بعض الأصوات الشعبية الرافضة لهكذا دور على إعتبار أنه متجاوز للقالب التقليدي المستوعب في الذهنية العمانية المُحافظة .

أدوار رامي المشيخي ( وليد ) و محمد المعمري ( جمال ) فتيان ما حول الفيلا والملاحقين للحنانات الأربع بشكل هزلي , أدوارهم تحمل الكثير من نمطية الكوميديا السطحية المفتعلة وواضح تماما أن لو تم حذف شخصياتهم من العمل فلن يضر العمل شيئا ولن ينفعه أيضا .

تكمن مشكلة توين فيلا في أنه عمل كان بإمكان المشاهد العماني أن يتقبله بل ويتابعه فيما لو طُرح عبر قناة أخرى , أما أن يُطرح عبر تلفزيون السلطنة ، فهنا مكمن خلل الطرح , خصوصا أنه لم يصل إلى مستوى طموح العماني الذي لا يزال يبحث عن تكوين درامي يعكس أسئلته وهواجسه ونقدياته المتعلقة بالأداء الاجتماعي و الحكومي والمؤسساتي , العمل خفيف ومراكز الثقل فيه تكاد تكون محصورة في فكرة تعددية اللهجات بشخصياتها الخليجية والعربية ، إلى جانب وجود كادر فني عربي على مستوى عالي من الخبرة الفنية كالمخرج الأردني محمد العوالي الذي أخرج مسلسلات طاش ما طاش وسكتم بكتم ،والمخرج المنفذ السوري علي غبيص، إلا أن خط سير الحبكات ومواضيع التناول فيه كان عاديا للغاية ، ولم يطرح جديدا إلا على مستوى استجداء الضحكة العمانية وإن حاول في بعض الحلقاتطرح بعض المفاهيم المتعلقة بالمجتمع العماني إلا أنه في الغالب لم يتمكن كُتاب العمل مالك المسلماني وأمل السابعي من الوصول إلى نقاط الإقناع الفعلية كوميديا , الدهشة التي تفتح الأفواه هنا أيضا أن تتر العمل يحمل أسماء لها باع طويل وعريض في كتابة النصوص الكوميدية كجمال سالم الذي صاغ حاير طاير بكل روعته , إلى جانب وجود الكاتب والمسرحي والناقد السينمائي المتخصص عبدالله خميس ضمن ورشة العمل .. فما الذي جعل توين فيلا بهذا الهُزال الواضح والأسماء هذه مجتمعةه به ؟!! هل هناك شئ لا نعرفه حول وجود هذه الأسماء فعليا في العمل أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟!.

نتذكر هنا حلقة تتحدث عن الإذاعات الخاصة وكيفية استغلال المستثمرين للعنصر النسائي فيها للدرجة التي يصل فيها أن المستثمر يُهدي المذيعة سيارة وفيلا للوصول لغاياته !! هذه الحلقة مثلا بها طرح جريء ولكن هل هو مصداقي بتلك الدرجة أم أنه يستهدف تحطيم فكرة الإذاعات الخاصة المنافسة؟ وهل فقط هذا النوع من المستثمرين محصورين في مشاريع الإذاعات الخاصة أم غيرها ؟ هذه الحلقة مثلا فاحت منها رائحة التشفي والهجوم الخارج من المؤسسة الإعلامية الرسمية بإتجاة المؤسسات الإعلامية الخاصة كالإذاعات .

فنيا وبالرغم من وجود مخرج بحجم العوالي , كان من الممكن أن يكون رهاناً قويا على جودة العمل الفنية ولكن لم يخلُ العمل من بعض الهفوات المتعلقة ب ( الراكور ) إلى جانب وجود هنّات لها علاقه بالإيقاع وتقليدية الكوادر وزوايا الكاميرات ، وعدم وجود مستويات إقناع عاليه في أداء الكثير من الممثلين الثانويين وحتى الأساسيين ويتضح جليا الخلط بين مفهوم الإيقاع اللازم توفره في العمل الكوميدي،وبين الإيقاع الذي كان يركض به العوالي في إخراجه .

الملفت للإنتباه أن المسلسل عندما بدأ مع الأول من رمضان خلا في حلقته الأولى مما يسمى بالحلقة التأسيسية والتي في العادة تشرح شبكة الشخصيات وعلاقتها ببعض، فكان أن شاهدنا حلقة يبدو أن محل ترتيبها بالمنتصف محل الحلقة التأسيسية الشارحة , إذ يأتي بث حلقة ( الكلاسيكو ) التي هي الحلقة التأسيسية في منتصف رمضان بدل أن تكون في الأول منه ! يبدو أن خبرة الرقابة الحمورابية التلفزيونية أسعفتها في قراءة ما , فلربما استشرفت المؤسسة الرقابية أن حلقة الكلاسيكو التي هي تأسيسية ستكون محل ردة فعل عنيفة من الجمهور إذا ما عرضت في الأول من رمضان على اعتبار أنها تحتوي مشاهد نوع ما لم يتعود عليها المشاهد ،ويكفي أن نتخيل مشاهدة الحنانات الأربع مثلا في لبس برشلونه وريال مدريد يتعاركن في الأول من رمضان وردة فعل جمهور عماني محافظ للغاية , يترقب الأعمال الرمضانية كعادته السنوية , فكان أن رمت الرقابة هذه الحلقة التأسيسة في منتصف رمضان ؛لأن وقتها ستكون عادية نوع ما مع ازدحام وتشتت المشاهدات العمانية .

العمل أراد أن يطرح تغيرا في الطرح الكوميدي المحلي بإشراك عناصر خارجية بلغات مختلفة ،ولكنه وقع في أكثر من حُفرة من بينها أن المتلقي العماني كان ولا يزال يطالب بأعمال نقدية تقترب من ملامسة واقعه المعاش ،ولا يريد إضحاكا لغايات الإضحاك ودائما ما يضع طاش ما طاش مثلا كسقف تمثيلي للبعد الكوميدي الناقد بقوة .. وحتى إن تم التسليم بعمل كوميدي لمجرد الكوميديا ،فإن توين فيلا لم يحقق أيضا هذه المعادلة . من بين الحُفر التي وقع فيها توين فيلا أن المؤسسة الإعلامية وضعته في موضع رأس حربة الأعمال الدرامية الخاصة على الشاشة ،وقد كانت تستهدف ربما بهذا التكتيك إيصال رسالة إلى المشاهد وإلى شركات الإنتاج الخاصة مفادها ” ها نحن أعطينا الفرصة الكاملة لشركات الإنتاج الخاصة يا مشاهدين فهل سيرضيكم توين فيلتهم أكثر من درايشنا ” !! ..

بقي أن نذكر وبحسب ما يتم تداوله أن الحنانات الأربع كان من المفترض في أساس الفكرة المبدئية للعمل أن تكون ذكورا أربع , فالعمل في مخططه الأوّلي حمل فكرة وجود أربع شخصيات رجالية ولكن وربما لدواعي مسألة التسويق واللعب على عناصر الجذب النسائية في الشكل التجاري ، إلى جانب مَشَاهد التوسع الحناناتي الظاهرة إعلاميا وحكوميا بشكل واسع في الأفق العماني الرسمي والخاص، كان لا بد أن تخرج بنات أفكار ناصر البدري وفريق عمله بفكرة الحنانات المتعددة الجنسيات .

أخيرا لقد أسقط المُشاهد العماني بعد نضال ( درايش ) دريشة دريشة , في حين أسقط توين فيلا نفسه طابوقة طابوقة , في تأكيد واضح أن التوين فيلا من نوعية الأعمال التي تشبه أمواس الحلاقة ذوات الاستخدام لمرة واحدة فقط ومن ثم تنتهي صلاحيتها! .

 

حميد البلوشي

Kalam123@hotmail.com

 

العدد السادس عشر ثقافة وفكر

عن الكاتب

حميد البلوشي

كاتب وإعلامي عماني