شباب الوفاء.. لكم الإجلال

في البدء.. لا أريد الحديث في هذا المقام عن أمسية تأبين نسر الحارة العمانية “مازن الطائي” بمقدار ما أود التعبير عن الشعور الذي انتابني وأنا أخرج من حرم النادي الثقافي مساء يوم تأبينه.. ذلك الشعور الذي أثلج صدري برؤية درة من الشباب العماني الوفي النبيل؛ وهم يعملون بصمت أخَّاذ كالنمل، ويديرون دفة تخطيطهم بثبات كالنحل؛ دون رغبة في الظهور أو مدعاة للإشهار؛ حتى أنهم آثروا الجلوس في الصفوف الخلفية حتى لا يسند الجهد لشخص منهم.. كان الأهم في روحهم الجميلة واعتقادهم الوقَّاد هو إخراج جهدهم وعملهم بما يرضي أباهم النسر في ذلك اليوم؛ لينم قرير العين هانئا بوفائهم وبرهم.. فهنيئا لك أرض عمان – ماطر ووابل- بهذا الجيل الجديد.. وثبتهم الله لمبتغاهم.

“حفظ الله عمان”.. عبارة محمولة في أعناقنا سائرون على نهجها؛ لنترجمها قولا وعملا.. هكذا كانت تنطق سيماء وجوههم الحالمة.. “حفظ الله عمان والهوية العمانية” الصامدة كالنسر وسائرون على نهجه النسور الصغيرة لتحمل الراية من بعده، وتنصب اللواء في أعماق جذور الأرض لتعانق علياء السماء، فتواصل المسيرة التي تجمعوا لأجلها وهي “حب عمان والوفاء لها”.

تمنيت حينها لو يصطفون أمامي صفا واحدا فاشدد على أياديهم، وأقبل هاماتهم، وانحني لهم.. إجلالا وإكبارا وروعة وجمالا.

***

أذكر ذات يوم بعد أن علقتُ على موضوع جريء طرحه أحدهم في موقع الحارة العمانية.. رمقني معقبا: “والله إنهم شباب لو رأيتهم لأنحنيت لهم إجلالاً وإكباراً”.. ثم ابتسم لي مردفا لكأنهم الشباب الذين وصفهم أبو حمزة الشاري “شباب مكتهلون في شبابهم”. كنتُ أجهلهم –حقاً- ولكن بعد اللقاء الذي جمعني بهم يوم تأبين نسرهم؛ ازددت يقينا إن جناحي النسر لا زالا يرفرفان بيننا بقلبه وروحه.. وإن القادم أجمل في تلك السمات التي تحمل معاني الروح العربية بأبهى أصالتها، والقيم الإسلامية بأسمى عراقتها، وفي تلك الرؤى التي تنم عن روعة جذورها.. لمحتهم من بين ذلك الجبل الصامد الصامت أمام رياح أزمنة العولمة… لأبث لأرضي وفضائها معلنة هاجسي: إن رحل عنَّا النسر الكبير الذي احتضن بجناحيه النسور الصغيرة مستلهما قوته منهم؛ فإنهم ماضون على نهجه، وسائرون في علو رايته.

وأيقنت إن هؤلاء قد صيروا الطموح لنسرهم يكبر، حتى استطاع أن يفرد جناحيه بثقة في أروقتهم ومساحاتهم.. وما هذا إلَّا دليل على أن الهوية العمانية صامدة صمود جبالها لأنها محفورة في نفوسهم، ومنحوتة في عقولهم.. وتيقنت أن هناك نسورا وفية حرة تحلق على قمم الجبال العمانية الشماء لتطرز رسالة عمان الخالدة بأحرف من نور “حفظ الله الوطن عمان”، ولترفرف في علياء سمائها، وفاء وحبا وولاء وانتماء للجذور التي نصبت لأجلها.. فهنيئا لك عمان، وتيه فخرا واعتزازا بشبابك الأحرار الأوفياء – شباب الحارة العمانية ورواد أروقتها- الذين يبحثون عن الحقيقة.

فكيف لي بعدها أن أخفي سعادتي وانتشائي عند مرأى جواهر متألقة من الشباب –ذكور وإناث- يعملون يدا بيد وبصمت هادئ أخاذ –؟؟!!!.. فبوركت بكم أرضكم وازدان بكم فضاؤكم- في رحاب أمنا الغالية “عمان”.

***

وبعد.. لقد غيَّر الجيل الجديد – بلا شك- التواصل عن ذي قبل.. فهذا الجيل؛ جيل التواصل الملحمي الذي جعل من الشباب أشد وعياً، وأكثر إدراكاً بما حملته لهم التقانات العلمية، والاتصالات اليسيرة، فأصبح هدفهم بعيدا عن الشكليات المؤطرة، والأحاديث الزائفة؛ فعدنا إلى جيل الجرأة الأدبية، والشجاعة الحرة على الأروقة الإلكترونية.. لكأنهم جمرة متقدة تبحث عن متنفس لها من بين الرماد.

وصارت “حفظ الله الوطن عمان” عبارة اتخذها موقع “الحارة الإلكتروني” شعارا له، فمنها تعلم شبابنا العماني الكثير، وعرَّف البسطاء والعامة أن لهم حقوقا لم يكونوا يدرون عنها، أو أنَّها كانت مغيبة عنهم بفعل تسلط الإدارات المتزحلقة المتخلفة، التي كانت ترهب وترعب، وتستخف وتضحك على عقول العامة من البسطاء.

“حفظ الله عمان” عبارة ترجمتها مجلة “الفلق الإلكترونية”، فبرغم قصر عمرها الزمني، إلَّا أنَّها استطاعت أن تستقطب باحثين أوفياء، وكتابا أجلاء، ومفكرين نبلاء من قلب عمان نقشوا حروف الولاء في أحاديثهم، وخطوا كلمات الانتماء من مداد أقلامهم، واستلهموا زهور الأمل بحلو رؤاهم.. فعرَّفت الكثير من الشعوب العربية بالواقع الثقافي العماني، وجعلت شبابنا يقفز سنوات وسنوات.

***
وفي الختام.. شكراً لكم أخوتي في أرجاء الوطن العربي قاطبة، فقد غيرتم لغة الجميع منذ أن خرجتم للتغيير، وصارت الأصوات حولنا أكثر علواً ووضوحاً، وفي كل مكان صارت المجتمعات تتحدث بانطلاق وحرية ووعي، وبلهجة قوية مثقفة لم نعهدها بيننا بهذا الشكل المفرح، ولم يعد أحد يطلب من أحد أن يخفض صوته، ولا أن يكتم مرئياته، ولا أن يتقي شر من له شر!.
شكراً لكم، فقد عرفت مجتمعاتنا العربية الشعبية البسيطة بأن لها صوتاً عالياً مسموعاً، وله وقعه المؤثر الفاعل.

شكراً لكم، فقد عرفت الشعوب في كافة أرجاء الأرض بأنَّها إذا خرجت للشوارع والساحات سلمياً، فستسمع أطراف الدنيا أصواتهم، ولن يتمكن أي مسؤول جائر من تكميم أفواههم، ولا تغيير إرادتهم، ولن يتمكن أي إعلام أجير من تزوير حقيقة رغباتهم، فالعالم برمته صار بفضل العولمة يسكن في قرية صغيرة، لا مجال فيها للتورية، ولا الخداع.
شكراً، فقد عرفت عامة شعوب العالم بأن أصل العدل هو(الديمقراطية)، التي تجعل الكل متساويين، فلا ينحني فيها قوم لقوم.
شكراً لحميتكم، فقد أدركت الشعوب بأن لقمة العيش ليست تفضلا من الحكومة تمنه عليهم عند كل منعرج.
وإن الصحة حق للفقير قبل الغني، ودون تفضل من أحد.
وإن التعليم حق لكل مواطن، لا يجب أن يختص به الخاصة.
وإن الثقافة مكفولة للجميع، بلا حدود ولا حواجز، ولا حجب.
وإن مشاريع البلد، يجب أن تكون بأيدي أمينة، وأن تكون موازية لأثمانها، وأن تكون مراقبة من ممثلي الشعب، وأن تصب في صالح الجميع.
وإن الفساد – إن حصل- فهو مدعاة للمسائلة، والمحاكمة، والتغيير، حتى في أعلى الهرم.
وإن المشاركة في خيرات البلد حق معلوم، فلا يكون فيها لا سائل ولا محروم.

شكراً جزيلا جميلا لكم – شباب الوطن العربي المحب للتغيير والإصلاح- كجمال قلوبكم.. وحلو رؤاكم، وامتنانا كريما عزيزا لكم كطيب أنسامكم.. وأثيل مبتغاكم.

العدد الثامن عشر ثقافة وفكر

عن الكاتب

عزيزة الطائي

كاتبة عمانية