التجديد الإسلامي والنهوض الحضاري

الدكتور محمد أبو هلال

التجديد هاجس إسلامي، يتلمسه المسلم منذ أكثر من قرن، إلا أنه لم يطأ ساحته، ولم يقترب من حماه، وسيظل المسلم مسكوناً بهذا الهاجس أزمنة آتية، حتى يعي أن المشكلة ليست في غيره، بل فيه، بيد أن هذا لا يمنع من تقليب الأمر على وجوهه، وإعادة النظر فيه بتغيّر الأحوال، وفي هذه الحقبة التي يشهد فيها العالم العربي غلياناً سياسياً واسعاً؛ من المهم أن نعيد طرح الموضوع من جديد؛ خاصة مع مفكر وأكاديمي متخصص في الدراسات الإسلامية، وقادم من البلاد التي انطلقت منها الاحتجاجات، والتي استطاعت أن تسلك طريقها في التغيير السياسي، جاء هذا اللقاء مع الدكتور محمد أبو هلال من تونس، حول التجديد والنهوض الحضاري لدى المسلمين، وقد ألقى المشهد العربي الراهن بظلاله على هذا الحوار، وأترك القارئ معه.

خميس: الدكتور محمد أبو هلال أهلاً بك وسهلا في بلدك عمان.

العلاقة بين عمان وتونس –كما هو معروف– علاقة وطيدة؛ سواء على المستوى الثقافي أو الديني أو المذهبي أو اللغوي، وأنتم تؤكدون –بحضوركم إلى عمان– على هذه العلاقة، وتسعون إلى أن تساهموا –ليس في تونس وعمان فقط، بل على مستوى العالم العربي والإسلامي– على تطوير الرؤية من نواحي مختلفة، اليوم سيكون حديثنا حول الفكر الإسلامي، إذ إن هذا الفكر هو أحد الركائز المهمة في التفكير العام، والذي لا يمكن أن نتجاوزه دون أن نحلله إن أردنا فعلاً أن ننطلق إلى مستقبل أفضل.

دعني أبدأ معك من فكرة التجديد ذاتها، ما هو التجديد؟ وهل فعلاً الأمة بحاجة لبروز مثل هذا المصطلح؟ هل له آليات لترجمته؟ أو نحن بعد هذا التطور المعرفي والمنهجي في العلوم لا زلنا مأسورين بالتراث ونستعل أدوات تراثية بما فيها مصطلح التجديد؟

أبو هلال: أهلاً وسهلاً، أنا سعيد جداً بوجودي في عمان لأول مرة، وسعيد بالمشاركة في هذا البرنامج، لا شك أن هناك حلقات وطيدة بين تونس وعمان، وبين كل الدول العربية والإسلامية، هناك سهولة كبيرة في التعامل وتبادل الأفكار والتواصل، هذا يؤكد وجود وحدة ثقافية ومبادئ وتاريخ مشترك يسهل التواصل، ولاشك أن تبادل الرأي مفيد للجميع، إذن في هذا الإطار نحن نلتقي ونتكلم في موضوع التجديد، منذ أكثر من قرن تعالت أصوات كثيرة تتحدث تارة عن الإصلاح، وتارة عن التجديد، وتارة عن التحديث، وكل هذه مفاهيم ومصطلحات ربما تختلف في بعض معانيها ولكنها تتفق على شيء واحد وهو أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحتاج إلى إعادة نظر فيما هو موجود، وتحتاج إلى تحسين الفكر وتطويره، ومن ثم تطوير المجتمع.

لا شك أن مجتمعاتنا تنتمي إلى حضارة عرفت ازدهاراً عظيماً في القرون السابقة، ولكن منذ أربعة أو خمسة قرون عرفت هذه الحضارة ركوداً، وفي المقابل برزت حضارة أخرى هي الحضارة الغربية، ووقف المسلمون منها مواقف مختلفة، هناك من حاول الاستفادة منها، وقد استفدنا منها بعض الأشياء لا شك في ذلك، ولكن الحضارات لا تنقل ولا تقلد، لا يمكن أن نستقبل حضارة بأنماط تفكيرها وفلسفتها وأخلاقها ومبادئها، ونأخذها من بيئتها وتربتها، ونضعها في مكان آخر، هذه عملية غير ممكنة، كل نهوض حضاري يتطلب جهوداً ذاتية يقوم بها أبناء تلك الحضارة، يستلهمون ثقافتهم وتراثهم وتاريخهم ودينهم، وبالإمكان أيضاً وضروري الاستفادة من تجارب الحضارات الأخرى، نحن الآن نعيش هذا الوضع في بلادنا العربية والإسلامية، تكثر الأصوات من هنا وهناك؛ تنادي بالإصلاح أو النهوض أو التقدم أو الثورة أو التحديث، كل هذه الأصوات لها مشروعيتها، المهم أن تلتقي وتتحاور، وأن تنادي بأمور واقعية تلقى صداها في البيئة، وأن يتجاوب معها الناس، بمعنى لا فائدة أن ندعو إلى أفكار أو مشاريع لا يتقبلها الناس ولا يتفاعلون معها، لأنهم يجدون أنفسهم غرباء عنها، مثلما هو شأن الدعوات العلمانية الصرفة، التي أرادت أن تقطع صلتها مع التراث الإسلامي ومع الثقافة العربية الإسلامية، لا بد أن نتواصل مع شعوبنا ومثقفينا، ولا يكون ذلك إلا بأن نأخذ تراثنا وديننا مأخذ الجد، وأن ننطلق منهما ونستلهمهما، ونحاول أن ننظر في ربطهما بالعصر الحديث وبمقتضيات الحضارة الحديثة.

خلاصة القول هو إن دعوات التجديد قوية في الوقت الحاضر في البلاد العربية، ولها ما يبررها، وهي تحقق نتائج يمكن أن نقول إنها طيبة، ولكنها محتاجة إلى أن تؤسس عملها على دراسات معمقة، وعلى قواعد منهجية علمية، حتى لا تكون مجرد نوايا طيبة، أو مجرد جهود فردية يقوم بها البعض فقط.

خميس: أمسك الخيط من كلامك، عن موضوع العلمانية، الجدل مستمر حولها، أريد أذكر –ربطاً بالموضوع– قصة حدثت ذات يوم مع أحد علماء تونس، وهو الشيخ سالم ابن يعقوب أحد علماء جربة، كان ذات مرة مع تلاميذه، فسألهم السؤال التالي: ما رأيكم في العلمانية؟ ولكونه فقيهاً، رد تلاميذه بالتنقيصٍ من شأن العلمانية، واستبعاد أن تكون العلمانية حلاً في ديار المسلمين، فرد عليهم بما معناه: أن العلمانية ليست كلها شر، ولو حكمت التصورات الدينية على ما آلت عليه الآن لما استطاع أحدكم أن ينشر رؤيته بحرية إلا بعد أن تمر بكثير من الغربلة، ولربما لن يظهر الكتاب أو المقال الذي تعبرون فيه عن رؤاكم.

لو تتفضل علينا وتتحدث عن العلمانية وعن وقعها وموقعها في ديار الإسلام.

أبو هلال: العلمانية في حد ذاتها حركة مشروعة، لأنها ظهرت بفعل وضع خاص كانت تعيشه المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، وفيما جاء بعدها؛ عصر الأنوار والنهضة، في هذه الفترة كانت أوروبا تعيش تحت وطأة الدين المتمثل في مؤسسة وهي الكنيسة، الكنيسة لم تكن مجرد صوت للدين، وإنما كانت سلطة تمارس نفوذها على العقل والروح، وعلى الدنيا والآخرة، ووصل بها الأمر إلى بيع صكوك الغفران للناس بمقابل مالي، في هذا الوضع الذي كانت فيه الكنيسة تخنق الحركة والعقل والحياة، كان لا بد من أن يظهر موقف يسعى إلى التخلص من هذه الهيمنة، هذا الموقف الجديد وقع التعبير عنه فلسفياً وسياسياً بفكرة العلمانية أو العلمنة، ظهرت الدعوة إليها ثم أخذت تتعاظم شيئاً فشيئاً في أوروبا، ثم دعت إلى علمنة الدولة، وتخليص الدولة من نفوذ الكنيسة وسلطتها، ثم تفاقمت هذه الدعوة وأصبحت تنادي بعلمنة المجتمع، بمعنى أن الحياة الاجتماعية يجب أن تكون حرة من تدخل الدين، فهناك فضاءات عمومية متعددة مثل: الإعلام والصالونات الثقافية والجامعة والنوادي، هذه يجب أن تكون مستقلة تماماً ومنفصلة عن النفوذ الديني، وبقيت للدين مساحة وحيدة هي الحياة الشخصية أو الحرية الشخصية، هذه حرية مقدسة في المجتمعات الأوروبية؛ مجتمعات ما بعد النهضة، وبإمكان المرء أن يكون –إذا أراد–متديناً، ويتدين على الطريقة التي تعجبه، وبإمكانه أن لا يكون متديناً، فبقي الفضاء الوحيد للدين هو المجال الشخصي.

هذا في التجربة الأوروبية لكن حتى في هذه التجربة يجب أن نلاحظ وجود فروق، فهناك مجتمعات أوروبية سارت على النحو الذي وصفت منذ حين، وهذا ينطبق بصفة كبيرة على المجتمع الفرنسي، ولكن هناك مجتمعات أخرى لم تمض في هذا الطريق كله، مثلاً المجتمع الألماني أو المجتمع البريطاني ترك للدين حيزاً في الفضاء العمومي، فالدولة –على سبيل المثال– في ألمانيا تقتطع من الناس ضريبة إجبارية تعطيها للكنيسة، لأن الناس يذهبون إليها، يؤدون الصلاة ويأخذون منها بعض الحلول، والكنيسة مؤسسة تحتاج إلى مصاريف، والدولة نفسها تقوم بهذا الدور. في بريطانيا الملكة هي رئيسة الدولة ورئيسة الكنيسة، هناك وحدة للسلطتين الدينية والسياسية. فصورة العلمنة ليست واحدة في المجتمعات الأوروبية، والعلمانية ليست فكرة مقدسة، العلمانية فكرة فلسفية وسياسية، دعت إليها الظروف التي وصفتها منذ حين، وتبنتها المجتمعات الأوروبية بدرجات ومضامين مختلفة.

خميس: ما شأن العلمانية في بلادنا العربية والإسلامية؟.

أبو هلال: نحن نعرف أن الإسلام عبر تاريخنا الطويل لم يتحول إلى سلطة تضطهد الناس وتقمعهم وتحاصرهم، وتعد عليهم أنفاسهم، كان الإسلام هو الأرضية التي يعيش في إطارها الناس ويتعايشون، ويتبادلون المصالح والعلاقات، الإسلام يتدخل لتحسين الحياة وتنظيمها، إلا أن الفكرة والنظم المعبرة عن الإسلام بنيت في ظروف تاريخية معينة، كان فيها الوعي البشري قد تقدم، ولكنه بلغ نقطة معينة تجاوزها في الوقت الحاضر، فاستمرت هذه النظم والنظريات في العمل وفي نفس الوقت تغيّر المجتمع ومصالحه ورؤاه، فحصل نوع من التضارب والتصادم، لم يعد الإنسان المعاصر يجد في الفكر الإسلامي التقليدي كل الحلول التي يرتضيها في مجال حياته السياسية والاقتصادية والثقافية إلى آخره، إذن في هذا الإطار من عدم التوافق نشأت فكرة العلمانية عندنا، وهي عندنا –كما في أوروبا– تميزت بنزعات مختلفة، فهناك العلمانية المتفردة التي تتخذ من الدين موقفاً عدائياً، وتريد أن تحاصر الدين وتحصره في زاوية ضيقة، وإذا أمكن أن نتخلص منه سيكون أفضل، وهناك من يدعو إلى هذا الأمر مثل اليسار المتطرف في عدد من البلدان العربية والإسلامية، وهناك من يدعو إلى علمانية معتدلة لا تتنكر للدين جملة وتفصيلاً، ولكن تقول إن هناك مجالات للدين أن يتدخل فيها، وهناك مجالات أخرى ليس له أن يتدخل فيها، فهذه النزعة العلمانية تدعو إلى تحرير شيئين من التدخل الديني: الأول الدولة أو الحكم أو السياسة، والثاني المعرفة.

لكن هذه الدعوة هل هي مناسبة لوضعنا؟ هل بإمكان الحكم في البلاد العربية والإسلامية أن يتخلص تماماً من تأثير الدين؟ وهل من المفيد أن يفعل ذلك؟ هذا سؤال نطرحه، أنا شخصياً أرى أن هذا التوجه ليس مفيداً، فهناك في الدين قيم ومثل ومبادئ نخسر كثيراً إن نحن تنكبنا عنها في ميدان السياسة، وبالنسبة إلى المعرفة؛ يجب أن نميّز بين صنفين من المعرفة: المعرفة العلمية المحضة، هذه –في رأيي– لا يجب أن يتدخل فيها أي اعتبار عقائدي أو مذهبي أو أيدولوجي، وهناك المعرفة الإنسانية أو المعرفة الاجتماعية التي للدين والأيدولوجيا والمذهب والرأي الشخصي دخل فيها، فهذه المعرفة حين نكتب في المجتمع والأخلاق والتاريخ لا بأس أن تكون آراؤنا أو بعض آرائنا مطعمة بتوجهات دينية، ولا يمكن أن يكون الأمر إلا كذلك، إذن فعلينا حين نتحدث عن العلمانية أن نلاحظ ما فيها من أطياف مختلفة، وبالإمكان أن نستفيد منها في بعض الجوانب، لكننا لا نستطيع أن نأخذ بها جملة وتفصيلاً، بدليل أن العلمانية إلى حدِّ الآن لم تنجح في أي بلد عربي أو إسلامي، تركيا على سبيل المثال اتبعت المنهج العلماني وبعد ثلاثين أو أربعين سنة ظهر تيار يناقض هذه الدعوة، وأصبح هو الغالب في هذا البلد، وكذلك الشأن في بلدان أخرى، أذكر مثالاً على ذلك تونس؛ في وقت من الأوقات كان الصوت الوحيد الذي يعلو في تونس هو صوت العلمانية والعلمانيين، ولأن هؤلاء لم يدركوا الحدود التي يجب أن يقفوا عندها، ولم ينتبهوا إلى أن بإمكانهم الإستفادة من هذه الفلسفة دون الإغراق فيها، أو دون السقوط في التقليد المطلق للغرب، ولأنهم لم يفعلوا ذلك أرى أنهم يتردون اليوم ويفشلون في الانتخابات.

خميس: جيد ما تفضلت به، أستطيع القول إنه إجمالاً لا يختلف الكثيرون –حتى من يحمل الرؤية الدينية– مع هذا الكلام، ولكن كما يقال المشكلة تكمن في التفاصيل، فإذا كان الدين الإسلامي بطبيعته الديناميكية والحيوية قادراً على أن يتفاعل مع معطيات الحضارة بمختلف مراحلها، وإذا قلنا على الجانب الفقهي إن الفقهاء هم بذاتهم من ينادون بالتجديد، وظهرت عندنا بوادر إصلاحية في أرجاء الوطن العربي والإسلامي، ولكن عندما ننظر إلى الواقع نجد تخلفاً حضارياً، فنحن عالة شبه تامة على غيرنا، ليس على نطاق الحياة المادية اليومية فقط، وإنما أيضاً على نطاق الفكر، لم نتمكن إلى حدِّ الآن من توليد مناهج ونظم، فضلاً عن أن تكون لدينا مدارس منهجية وفكرية.

أين تكمن المشكلة؟ عندما ننظر إلى سياقنا المعرفي والتاريخي نجده في طريق، وعندما ننظر إلى واقعنا نجده في طريق آخر، أليست المشكلة دينية؟ سأتفق معك على أنها ليست مشكلة الدين، ولكن دينية بمعنى ما تشكلت عليه عقول المسلمين من رؤى عبر تاريخهم وتراكمات معرفية، دعنا نكون صريحين، أليست المشكلة هنا؟.

أبو هلال: لا أعتقد أنها هنا، هي ربما بشكل ما هنا، ولكن ليست هنا فقط، المشكلة عامة، هناك ملاحظة قالها الكثيرون؛ وهي أن العربي أو المسلم الذي يدرس ويتخرج، حين يكون في بلده فإن مردوده يكون ضعيفاً، وقد لا يكون له مردود، بينما حين ينتقل إلى مجتمع أوروبي أو غربي فإنه يفجر طاقته، ويظهر ما لديه من إمكانات، ما معنى ذلك؟ معناه أن الفرد لا يستطيع أن يفعل إلا في ظل مجموعات تساعده على الفعل، إذن فالمشكلة ليست في الفرد، أنا زرت عدة دول أوروبية، وزرت اليابان، رأيت الناس هناك كيف يفكرون ويتنافسون ويدرسون، ولم ألاحظ أي تميز لهم عنا في المستوى الفردي، وبإمكان الأفراد منا أن يكونوا متفوقين تفوقاً كبيراً على الأفراد منهم، المشكلة هي في الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي العام، بإمكان المرء أن يكون مفيداً وخلاقاً ومتطلعاً إلى الأفضل إن وضعته في مجتمع يساعده على ذلك، ويوفر له الفرص لتقديم ما عنده، وبإمكانه أن يتجمد، بل يصبح سلبياً إن وضعته في مجتمع آخر.

خميس: من أوجد هذا المجتمع الذي لدينا؟.

أبو هلال: سأذكر هذا. هناك ملاحظة أخرى لاحظها الكثيرون، تتمثل في أن حدثاً ما وقع في الآونة الأخيرة، في بلد عربي مسلم صغير هو تونس، صغير من حيث الحجم، وقعت ثورة في تونس، هذا الحدث الذي لم تصنعه النخبة، ربما لم تفكر فيه النخبة، وإنما صنعه الشعب؛ خاصة الشباب، سرعان ما انتقل إلى بلد ثانٍ وثالث ورابع، وانتقل إلى أوروبا والولايات المتحدة، وهناك استلهام لهذا المثال، ماذا أريد أن أقول؟.

أريد أن أقول إننا نستطيع أن نكون طلائعيين ومتقدمين، نستطيع أن نلهم العالم، شريطة أن نسلك الطريق المؤدية إلى ذلك، وأن لا يبقى ذلك في مستوى بعض الأفراد، وإنما يتحول إلى مستوى المجتمع ككل، نحن إذن محتاجون إلى أن نطور نظامنا الاجتماعي بحيث يصبح محضناً لفكرة التجديد، ولكل طاقة خلاقة، أعتقد أننا بدأنا نسلك هذه الطريق، لكي نمضي فيها نحتاج إلى توظيف كل إمكاناتنا، في السابق كانت مكونات المجتمع العربي يتصادم بعضها مع بعض، ويلغي بعضها بعضاً، فالشباب يتصادمون مع الشيوخ، وكل طرف من الطرفين يحاول أن يكبل الآخر ويلزمه، وكانت التقاليد تتصادم مع قيم الحداثة، وكل منهما يحاول أن يلغي الآخر، كان الأغنياء والفقراء أيضاً تتضارب مصالحهم، والمثقفون الذين ينتمون إلى تيارات ومشارب مختلفة يشوه بعضهم البعض الآخر، ويحاول أن يلغي وجوده، حتى المفكرون الفرادى، حين يأتي مفكر يبطل ما قاله سلفه ويحاول أن يؤسس من جديد، هذه العقلية ليست عقلية بنائية، نحن نحتاج إلى أن يعترف بعضنا ببعض، وإلى أن يثمّن بعضنا بعضاً، ويثمّن جهوده، ويعتبر أن بإمكانه أن يبني على ما أنجزه غيره، هذه الرؤية الإيجابية البنائية هي وحدها القادرة على أن تضعنا في الطريق السوي.

م

الرابع والعشرون سياسة

عن الكاتب

خميس بن راشد العدوي

كاتب ومفكر اسلامي