ريح التغيير تعصف بالأنظمة العربية

الشأن العماني لم يك بمنأى عن ريح التغيير وهذا أمر طبيعي فمن خلال استقراء الواقع لا أحد مستثنى أو خارج حسابات التغيير وهي ظاهرة صحية لا تعكس بالضرورة ضعف الأنظمة وإنما تأكد المسار الصحيح الذي تسير عليه ودرجة الوعي الاجتماعي الذي حققته ، في يناير 2011 خرجت أول مسيرة عمانية تطالب بتحسين مستوى المعيشة والمطالبة بإصلاحات سياسية ، تعاملت الحكومة مع المطالب في البداية بنوع من الشد والجذب بيد أنها لاحقا استطاعت احتواء الريح التي بدأت تتصلب ، وعملت على تهدأتها وقامت بعدة إصلاحات في مجالات مختلفة

يبدو أن الريح التي تعصف بالعالم العربي ما زالت في أوج اشتدادها ، وكأنها تقوم بعملية ( فلترة ) بين الحين والآخر وتختلف سرعتها وتأثيرها على مدى تراكم الهواء الفاسد في تلك البلدان ، فتنقية الأجواء الملوثة يعتمد بالدرجة الأولى على ضراوة الريح وحدتها ، وبالتالي على هذه البلدان أن تتعلم كيفية احتوائها ، قبل أن تقوى مقتلعة ما يقف أمامها ، مع الحذر أن خفوتها لا يعني عدم تأثيرها بل هو كجرس الإنذار الذي ينذر بقرب الريح العاتية ، والعاقل من أخذ حذره لمواجهتها قبل أن تذهب به وتآتي بقوم آخرين يجيدون التعامل معها فتألفهم ويألفونها .

مواجهة الريح :

إن الريح التي هبت على الدول العربية كانت ريح طيبة محملة بمطالب لا تصل إلى إسقاط الأنظمة ، إلا أن التعامل معها كان باستخفاف وعنجهية واستعلاء مما جعلها تكبر وتزداد قوة يوما بعد يوم حتى اقتلعت أنظمة عاتية متجذرة ، فإحراق البوعزيزي نفسه كان بسبب الضائقة المالية والركود الاقتصادي بجانب التضييق السياسي وعدم إشراك الشعب في صناعة القرارات واستئثار ثلة من رؤوس النظام بتسيير أمور البلاد بالطريقة التي ربما قد لا تُراعى فيها مصلحة المواطن ، مع ادعاء بعض الدول بممارسة الديموقراطية والشورى ، إلا أنه كان مجرد حبر على ورق ، هذا التعامل الجاف مع الشعب ، أدى إلى القضاء على النظام التونسي على مرأى ومسمع جميع قادة العرب ، غير أن السنة الماضية لديهم هو أن الشعب لم ينضج بعد لكي نشركه في القرارات السياسية ، والمهم هو توفير الطعام والشراب له لا أكثر من ذلك ، بعد تسعة أيام من رحيل بن علي بدأت الريح تهب على مصر ، ووقع النظام المصري في نفس الخطأ الذي وقع فيه سلفه التونسي ، فتعاملوا مع المطالب بقسوة ساهمت في ازدياد قوة الريح وتماسكها والمطالبة بإسقاط النظام فأطاحت به ، في 17 فبراير 2011 انتقلت الريح إلي ليبيا على شكل انتفاضة شعبية شملت معظم مناطق البلاد لكن البداية الفعلية لهذه الثورة كانت في 14 يناير بمدينة البيضاء احتجاجا على الأوضاع المعيشية واشتبك المتظاهرون مع الشرطة ثم توارت قليلا حتى قيامها مرة آخرى بقوة أكبر وصلابة أعتى اقتلعت النظام  ، وهذا ما حصل في اليمن ويحصل في سوريا حاليا ، سيناريو متكرر بأشخاص مختلفون لا يتعلمون ولا يستفيدون من الأحداث الماثلة أمامهم رغم قصر الوقت بينها وقرب المكان .

 

 

احتواء ريح التغيير :


في المقابل نجحت بعض القيادات العربية في احتواء الريح ، وهدأت من روعها لأنها كانت تقدر قوتها وتعاملت معها بمرونة ، ساهمت في سكونها ، يجب على الأنظمة العربية أن تنظر إلى الشعب نظرة جديدة عصرية فلم تعد تلك الشعوب التي لا تعرف ما يدور حولها وما يحاك خلفها ، لم يعد الخوف يسيطر عليها بسبب بعض القصص الأسطورية لبعض القادة ، فقد أدركت أن الحاكم مجرد إنسان تم تكليفه بمهنة الحكم وأن من حق الشعوب المشاركة في تحديد مصيرها وأنهم والأنظمة شركاء في الوطن ، حركة 20 فبراير المغربية المدعومة من الهيئات الحقوقية والأحزاب السياسية والشباب طالبت بإصلاحات سياسية مباشرة ، متجاوزة المطالبة بتحسين المعيشة والأوضاع الاقتصادية ، وكما قيل ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، النظام المغربي تعلم الدرس وقام بإصلاحات جنبت المغرب الدخول في صراع داخلي وخسائر في الأرواح والممتلكات ( فالدستور الجديد يكرس الفصل بين السلطات من خلال تعزيز دور البرلمان ورئيس الحكومة، والنهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة ، ويضمن حرية التعبير والتجمع، فضلا عن حرية الصحافة، ويدرج الحقوق والحريات الأساسية للمواطنة، ويتخذ خطوات مهمة نحو الشفافية ومحاربة الفساد ) رغم أن السلك القضائي يحتاج لإصلاح أكبر لدعم دولة القانون ، إلا أن المرونة التي يتعامل بها النظام المغربي مع مطالبات الشعب ستصل به لتراض الطرفين فيما أحسب ، ونقترب أكثر فأكثر من منطقة الخليج  لنتحدث عن الكويت ففي منتصف عام 2010 أطلق الكويتيون موجة احتجاجات تطالب بإصلاحات اجتماعية واقتصادية سرعان ما تمخض عنها ظهور كلمة ( ارحل ) ، الكلمة التي  نادى بها التونسيون أيضا أثناء ثورتهم ، مطالبين بإقالة رئيس الوزراء الكويتي ناصر محمد الصباح فكان تعامل القائد تعاملا مرنا للحفاظ على أرواح أهل بلده وممتلكات الوطن انتهت المسيرة بإقالة الحكومة وحل مجلس الأمة الكويتي حلا دستوريا .


الشأن العماني لم يك بمنأى عن ريح التغيير وهذا أمر طبيعي فمن خلال استقراء الواقع لا أحد مستثنى أو خارج حسابات التغيير وهي ظاهرة صحية لا تعكس بالضرورة ضعف الأنظمة وإنما تأكد المسار الصحيح الذي تسير عليه ودرجة الوعي الاجتماعي الذي حققته ، في يناير 2011 خرجت أول مسيرة عمانية تطالب بتحسين مستوى المعيشة والمطالبة بإصلاحات سياسية ، تعاملت الحكومة مع المطالب في البداية بنوع من الشد والجذب بيد أنها لاحقا استطاعت احتواء الريح التي بدأت تتصلب ، وعملت على تهدأتها وقامت بعدة إصلاحات في مجالات مختلفة ، كإقالة بعض الوزراء والفصل بين السلطات ، وإعطاء مزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى ، وصرف علاوة مالية ( غلاء معيشة ) وغيرها ، ومن باب الإنصاف أنه يجب الصبر على الحكومة في تحقيق باقي المطالب لأن القرارات السياسية تحتاج لدراسة عميقة واستقراء للواقع بماضيه وحاضره ومستقبله على حد سواء ، وفي المقابل على الحكومة أيضا أن تكون ذات مصداقية وشفافية ، فالمواطن كما أن عليه حقا ، له حق في معرفة تفاصيل الخطط المرسومة للمرحلة القادمة والمشاركة فيها كل حسب اختصاصه وقدراته .


الحوار :


ما أردت الوصول إليه من خلال هذه المقارنة السريعة في تفاعل الحكومات مع شعوبها هو أن الحل يكمن في الحوار لا غيره ، فالتحاور سواء أكان بطريقة مباشرة أو ضمنية يساعد في فهم الآخر بعيدا سوء النوايا ، فتُجنِب التخوين والاتهامات من قبل الطرفين ، كما أنه يساعد على كشف الخلل ووضع اليد على الجرح ومحاولة إيجاد الدواء المناسب لكل داء ، إن احتواء الشباب بوسيلة الحوار يجدد الثقة في أنفسهم ويشعرهم بكرامتهم وبأحقيتهم المشاركة في نهضة الوطن والعمل على تطويره بما يرونه صالحا ، فالحوار والنقاش هي وسائل تكشُّف تفيد الجميع من خلالها يتبين ما ينشده كل طرف وتلتقي المصالح لخدمة الأوطان ، مما يساعد الحكومات لاستثمار طاقات الشباب وتوجيهها لما يخدم الصالح العام ، وقد يسأل سائل عن كيفية هذا الحوار فإن المسألة تعود إلى العرف والسياق الاجتماعي الذي يضمن وصول صوت كل طرف للآخر، ويمكن أن يتأتي ذلك عن طريق مجلس الشورى الذي انتخب بإرادة الشعب أو عن طريق لجان بلدية أو لجان شبابية.


في هذا السياق نستذكر ما قاله الكاتب طلعت المغربي في  مقاله ثورة الخليج … عمان نموذجا أن ( الشعب العماني يثق في جلالة السلطان قابوس ولكنه يعاني من الفساد وقلة فرص العمل وانتشار الواسطة والبيروقراطية ويطالب بمزيد من الحريات، خصوصاً حرية الصحافة ) ولن تحل هذه الإشكالات إلا بالجلوس على طاولة مستديرة كلٌ يدلي بدلوه ويخرج ما في صدره من حب وانتماء لهذا الوطن الغالي عُمان .

 

 

 

الحادي والثلاثون سياسة

عن الكاتب

هيثم بن ابراهيم المحرمي