الثامن عشر من نوفمبر.. يوم الهنا والمستقبل!!

أتذكر كلما اقترب موعد عيد وطنيّ.. حينما كنّا أطفالا في المرحلة الابتدائية، يطلب منا المشاركة في مهرجان الولاية بالعيد الوطني، والدرجات التي يعدوننا بها في حالة اشتراكنا في الاحتفال!! والملابس التي ستكون من نصيبنا بعد انتهاء الاحتفال!!. لتتوج مشاركاتي هذه، بالاشتراك في مهرجان العيد الوطني ال26، والذي أقيم عام 1996 في صور، وكيف كنّا كل يوم، نقطع المسافة من جعلان إلى صور، لأجل التدريب في المجمع الشبابي هناك، ثم العودة ليلا، مع توزيع وجبة تتكون من شطيرة جبن وبطاطس عمان وتفاحة!!. دون الاهتمام لا بالدراسة ولا بنظامنا الصحي!.

واليوم، بعد دخول البلاد في احتفالاتها بالعيد ال42، وسط تحشيد إعلامي وشعبي، يراد منه أن يكون رسالة للداخل قبل الخارج، حول مدى التفاف الشعب وتأييدهم للسلطان، وكافة القرارات والتوجهات السياسية التي يأمر أو يُوصي بها، استنادا على أحداث شهدها منتصف هذا العام، برغم التفاف الجهات الرسمية في احتواء ردة الفعل الشعبية، إلا أنها تجاوزت لاحقا ما لا يُحمد عقباه، وهو قضيتي الإعابة والتجمهر.

أتى خطاب السلطان الأخير من المبنى الجديد لمجلس عمان، الذي رغم أنه تضمن عددا من المحاور المهمة فيما يخص التعليم والاستغلال الوظيفي، إلا أنه أتى خاليا من أي تفعيل سياسي عبر تعيين رئيسا للوزراء أو توسيع صلاحيات الشورى أو حتى مجلس عمان لما يجعله ذا تأثير أكبر في رسم العملية السياسية في عمان، وهو الأمر الذي لا أنكر أنه أصابني بخيبة نوعا ما، نظرا للقضايا الأمنية الأخيرة، والتي وصفتها السلطات الأمنية والقضائية بالإعابة والتجمهر، ومدى محاولة الجهات القانونية استحداث وتوظيف نصوص القوانين حسب رغبتها، أو حسب المزاج الخاص بها.

الانجاز، لا يتعلق عادة بعدد سنوات الحكم بالنسبة للحاكم، ولا يتعلق بخدمات كالتعليم والصحة.. إلخ، فالدولة لا أحد ينكر مدى التغيير الذي أصبحت عليه اليوم، منذ تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم في يوليو 1970، ولا أحد ينكر البتة أنها انتقلت من عصر كانت غائبة فيه عن محافل العالم، وكانت فيه غارقة ومنهكة كذلك في حرب السلطة الدائرة حينها بين الإمامة والبوسعيد، وأصبحت اليوم دولة عصرية تضمنت في العديد من جوانبها معاني الحياة العصرية. لكن أن نصطدم بواقع تعليمي مثل جامعة واحدة بها المواصفات التي تهيئها لتكون جامعة من الممكن أن تدخل ضمن نطاق المواصفات التعليمية الدولية، وهي جامعة السلطان قابوس، وأنه برغم انتشار المستشفيات في كافة أنحاء السلطنة إلا أنه لا زال المواطنون في هجرة سنوية مستمرة لشرق أسيا وأروبا وبعض الدول العربية لأجل العلاج، وأن البطالة رغم قلة عدد المواطنين منتشرة وبطريقة مخيفة ومثيرة للكثير من الاستفهامات!!

من ناحية أخرى، افتقار الدولة إلى شبكة مواصلات حيّة، تكون عونا وسندا للمواطن، أقلها في مسقط العاصمة، فالمواطن لا زال لليوم تحت رحمة سيارات الأجرة التي عادة ما تكون مرتفعة التكاليف، ومرهق الحصول عليها أو أنها لا تصل عادة لكافة الأماكن المرغوب الوصول إليها. ولعل أكثر من يعاني من هذا الأمر، المواطن الذي يعمل في القطاع الخاص، الذي لا يملك من المال ما يستطيع من خلاله توفير تكلفة شراء سيارة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الجانب، سبب إهمال الدولة إلى الآن أكثر من جامعة تضمن مستوى تعليمي متطور للطالب، ولماذا عمدت الدولة إلى الآن تجاهل تهيئة شبكة مواصلات تخفف على المواطن عبئ التنقل، وهو الأمر الذي بطريقة أو بأخرى ساهم ولو بشكل غير مباشر، إلى الاختناق المروري وكثرة الحوادث.

أيضا غياب التفعيل السياسي، وعدم تفعيل الدستورية في الحكم إلى الآن ، وغياب رئيس وزراء، هي أحد أهم الأشياء التي لا زالت تثير استفهامات عدة وأسئلة لا تتوقف، خاصة بعد المأزق السياسي الخطير الذي دخلت البلاد فيه منتصف هذا العام حول ما سمته السلطات بتهمة “الإعابة”، والتي كان محورها شباب اتهموا بالتعدي على ذات السلطان، وأساس هذه القضية، غضب السلطات على مجموعة من الشباب ازاء انتقادهم للسلطان!.

أن عدم وجود رئيس وزراء إلى الآن، يعني عدم رغبة السلطان في تفعيل الدستورية السياسية، وعدم رغبة الحكومة من جهة في وجود أي انتقاد في أداءها، طالما أن الانتقاد بصورة أو بأخرى يعني انتقاد السلطان، أي “إعابة”، وهذا ما ثبت لنا يقينا من خلال القبضة الأمنية على متهمي الإعابة، حيث أن أغلبهم لم يشتم ولم يسب أو يتجاوز بالألفاظ “أخلاقا” شخص السلطان، إلا أن سبب انتقاد هؤلاء للسلطان كان في آلية ادارة أمور البلاد ، مما تسببت إلى زجهم في السجن والحكم لاحقا عليهم.

كما أن غياب اضفاء الدستورية على العملية السياسية، ومن منطلق تهم الإعابة كذلك، يُوضح للمتابع ضيق صدر الحكومة من تقبل أي انتقاد، وهي التهمة المضمنة لتهمة الإعابة والتي تصفها السلطات الأمنية كذلك بــ” النيل من مكانة الدولة”، وهي ما يُراد منها تكميم أفواه كل من تراوده نفسه انتقاد عمل المؤسسات الحكومية، أو حتى المسؤولين الحكوميين.

الـــ18 من نوفمبر، في تكرره الـــ42 أتى حزينا ثقيلا على غير المتوقع، وهو ما تعمدت الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة تجاهل النقاش حوله ، كما لم يتطرق إليه الكتاب المدفوعين من قِبل السلطة أو الصحفيين الذين انبروا في الكتابة عن الإعابة لحظة اعتقالنا بطريقة موسعة، دون الوقوف على تفسير التهمة، أو حتى تقديم “النصوص” المُجرّم على إثرها أصحابها، ذلك أنّ النصوص ما كانت من الناحية القانونية لتشكل “إدانة” حتى يتم التقبض على كاتبيها، ولا أنها تسبب خطرا للدولة حتى تقرر السلطات اصدار أمر القبض على المتهمين بتهمة “قلب نظام الحكم”!!.

فما هو تفسير “الهناء” و “المستقبل” يا ترى في مفهوم الدولة؟؟

الحادي والثلاثون سياسة

عن الكاتب

نبهان الحنشي

كاتب وأديب عماني