قرصنة الفن

 

 

في أحيان كثيرة تجد نفسك مادا يدك لإدارة مسجل السيارة وباحثا عن أغنية ما تطرب به سمعك وتتلذذ به روحك.. فقط تضغط على المسجل وكل شيء يحدث بانسيابية عجيبة .. فوق هذا خرجت لنا منذ بضع سنين مشغلات الأم بي ٣ التي تستطيع تزويدها بعدد لا يحصى من الأغاني حسب هواك السمعي وميولك.. فقط اسمع ما تشاء.. وفوق كل هذا مرة اخرى تجد أغاني مطعمه بالموسيقى وغيرها ولكن قد لا تطرب لها اذنيك فتنقدها وتسوق لفكرتك بين اقرانك وهذا يمكن ان يكون شأنك ولكن قد تدخل فيها أنانيتك من جانب آخر..

ذاك المنشد الذي انت معجب به منذ امد بعيد قد تكون انت من حطمته ، اتعلم كيف؟؟ المنشدون او الفنانين حسب ما تشاء ان تطلق عليهم ، هم ينفقون الكثير من الوقت والجهد والمال كي يطربون أذنيك ، يؤجلون اعمالا وينفقون من مال يمكن قد وضعوه لحاجة ما ولكن كي يرضوا مسمعيك تخلوا عن كل شيء في زمن ما.انت فقط ماذا فعلت؟؟ سمعت بأغنية ما من صديق، سألته عنها ، وبنقلات إلكترونيه اصبحت في جوالك ، محفوظة لك وقد تحرف اسمها وتكتبها باسم آخر وتنشرها بين أقرانك..

بين كل هذا الفنان انشد ليطرب سمعك ، ليوصل فكرة برأسك ولكن بطريقة اجمل من الأمر والنهي بل وقد يشاركك بشعوره وأحداث من حياته، وأيضا هو يسعى لكسب مادي مقابل هذه الخدمة..

في احيان تدخل محل لبيع الاغاني وتسمع صوت فنان بين سماعات المحل ، وتحته وضع إعلان لألبومه الجديد يسألك بطريقته ان تقتني هذا الالبوم ، ولكن انت و بأنانيتك تنظر لأسم الألبوم وترميه في ذاكرتك او ذاكرة هاتفك، ثم تذهب الى البيت او مقر عملك وتبحث عنه في جوجل لتجده في مواقع كثيرة ،تسوق له بالمجان لتفرح بذلك وتحمله على جهازك دون ان تكتب حتى تعليق شكر لسارق الألبوم…

لقد كشفت إحصائية صادرة من منظمة كشف السوق السوداء “Havocscope” أن (قرصنة الموسيقى والأغاني في الشرق الأوسط بلغت 95 بالمئة من إجمالي ما ينشر)1 وهذا ما قلل من جودة الأعمال المقدمة وتنافسها ، وعدم وجود معامل احترافية لتسجيل الأغاني ونشرها .وفي إحصائية أخرى كلفت قرصنة الموسيقى الولايات المتحدة قرابة 12.5 مليار دولار وهو مبلغ كبير جدا إذا علمنا أن 698 مليون أغنية اشتريت بشكل شرعي و31.3 مليون أغنية فقط اقتنيت بشكل غير شرعي ، فما بالك بالوطن العربي الذي شكل 95% من الأعمال مقرصنة.

في الجانب الآخر وفي محاولة لكسب مادي يبقي لها رمق الاستمرار ، هناك بعض شركات الإنتاج استغلت ثورة التكنولوجيا وبدأت تسوق لأعمالها في المواقع المخصصة مثل iTunes من شركة آبل ، و أمازون وغيرها من المحلات الإلكترونية ، وهي محلات في معظمها تبيع الأغنية الواحدة بمبلغ لا يتعدى 0.99 دولار أي أقل عن 400 بيسة ، وهذا مبلغ زهيد جدا حول ما يقوم به الفنان من عمل .. في حين المستمع بإمكانه اقتناء أي أغنية لوحدها تعجبه بل ويستطيع الاستماع لنسخة تجريبية منها قبل تحميلها دون أن يتحمل شراء الألبوم كاملا من محلات بيع الموسيقى ، زد على ذلك خدمة إستأجار الأغنية لوقت محدود! وهي خدمة جميلة ومبتكرة وتنشر الأعمال بين الناس بصورة شرعية.

لا يختلف اثنان أن انتشار ثقافة الشراء الإليكترونية أو غيرها تشجع الفنانين على الاستمرار ، وتخلق جو المنافسة ، والذي بدورة يزيد من جودة الأعمال المقدمة ويجلب الاستثمارات الخارجية في هذا المجال ، ولكن تبقى هي ثقافة ، فالأعمال المقرصنة موجودة في الإنترنت ويمكن تحميلها بسهولة ، وهذا ما فتح الباب لانتشارها ، فقبل مدة أعلن الفنان ماهر زين وهو فنان عالمي مسلم يغني لنشر الدين الإسلامي وقيمة ، أعلن عن خروج ألبومه الجديد “سامحني” في تاريخ معين ، ولم تمض أيام حتى وجدت الألبوم مقرصن في أحد المواقع ، وبقية المواقع أخذت تتناقله وكأنه عمل رخيص لا قيمة له، في حين الفنان أخذ من جهده وماله الكثير وسوق له الكثير ليس فقط لربح مادي ولكن للعمل المبذول والقيم التي يدعو إليها..

وما يحزنني أن هناك جماعة من الناس يتسابقون لنشر الأناشيد الإسلامية بهدف القضاء على الغناء لأنه محرم، في حين تلك الأناشيد مقرصنة من الإنترنت لمنشدين من ملتهم ، ولم يكلفوا أنفسهم إنفاق ريال واحد لاقتناء ألبوم ذلك المنشد ، ويناقضون أنفسهم في أبسط أمور ديننا وهو حرمة السرقة. ولكن الغريب في الأمر تجد مواقع عربية أخرى تصف لك مئات الأناشيد والأغاني بالمجان ، بل وترعى احتفالات بعض الفنانين إعلاميا ، والفنانين على علم بذلك ، بل ويبادرون بنشرها بأنفسهم في تلك المواقع وكأن أعمالهم لا قيمة لها ويمكن لكل واحد أن يقتنيها بالمجان ، وهذه ظاهرة عجيبة؛ لأنها تزرع في الناس حب الأعمال المجانية ونبذ ما هو دون ذلك ، وهي للأسف ثقافة منتشرة بشكل واسع .

حتى ندعم فنان ما ، يجب علينا أن ننشر أعماله ولكن بطريقة شرعية ، نعم الأناشيد مثل التي تدعو إلى الأخلاق الإسلامية مثل الصدق وحب الرسول وغيرها وهي أخلاق يجب نشرها ، ولكن لا يجب بل ومن غير المعقول أن تكون أعمالا مجانية ، فكيف تنشر عملا أضعت فيه من المال والجهد الكثير بالمجان وأنت محاسب على ذلك الجهد والمال ، يجب علينا صنع ثقافة الشرعية في هذه الأعمال وإلا سنستمر في نفس الدائرة دون أن نقدم شيئا مميزا أمام الآخرين. ويجب علينا أيضا أن نعي قبل تنزيلنا لأي أغنية لفنان أن نتأكد أنه راض عنها وإلا ستكون جريمة نحاسب عليها ، ولنعلم أن دفعنا 400 بيسة لسماع أغنية ما هي إلا دفعة تدفع فنانا إلى مواصلة مشواره.

(1) من موقع:  http://www.havocscope.com

 

 21/12/2012

 

العدد الثاني والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

علي البيماني