استقيلوا .. يرحمكم الله

تنتشر ثقافة تقديم الاستقالة في الأمم الحية بعد الفشل في مهمة مّا مهما كان حجمها، أو في وقوع خطأ أو فضيحة أو عدم تحقيق مطالب الشعب، وتأتي  الرياضة طبعا ضمن المهمات التي تستوجب أن يستقيل القائمون عليها بعد الفشل الذريع، كالذي تحقق لمنتخبنا الوطني لكرة القدم في خليجي 21 في المنامة، لأن الرياضة أصبحت عنوانا بارزا وميدانا هاما للدعاية والتعريف بالأوطان.

إن غياب ثقافة الإستقالة وغياب المحاسبة هما سببان رئيسيان لانتشار الفساد في أي مجال من المجالات، ومن يضمن دائما عدم المحاسبة فإنه سيتصرف بالمال العام وكأنه ماله الخاص وكذلك سيتصرف بالأمانة الموكولة إليه وكأنها مزرعة خاصة يملكها بمن فيها وما فيها، ثم إن المكوث الطويل في المنصب حتما سيؤدي إلى قتل الإبداع وإلى صناعة الديكتاتورية، والموضوع واضح ولا يحتاج إلى تفصيل أكثر.

ويبدو أننا في عُمان لم نصل بعد إلى المستوى الحضاري الذي يؤهلنا إلى محاسبة المخطيء أو إلى الاستقالة بعد الفشل في تحقيق المصالح العامة عموما ومنها مطالب الجماهير الرياضية خاصة، فعلى مدى بطولتين خليجيتين انحدر المنتخب الوطني لكرة القدم إلى الحضيض حتى رجعنا إلى مراكزنا المحجوزة لنا وهي المراكز الأخيرة في البطولة رغم كل الإمكانيات التي صرفت للمنتخب حتى يشرّف اسم السلطنة عاليا، إلا أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، علما بأن الاتحاد الحالي والذي سبقه برئاسة الرئيس الحالي نفسه، استلم منتخبا جاهزا وقويا حقق به البطولة ال19 التي أقيمت في مسقط، ثم توقف كل شيء وبدأ العد التنازلي حتى كانت الكارثة في المنامة، أي أن إدارة الاتحاد ليس لها أي فضل في تحقيق تلك البطولة، والعكس من ذلك لقد استلمت منتخبا قويا وضيعته.

لا بد لنا إذا كنا نريد أن نعيد الأمور إلى نصابها وإلى طريقها السليم أن نعرف  الخلل ونقول للمخطيء إنك أخطأت، وتكفينا المجاملات لأن ما تحقق في بطولة المنامة وقبل ذلك في اليمن مسجل للتاريخ، وستبقى تلك النتائج تتردد على ألسنة المعلقين والصحفيين الرياضيين ولن يشفع لنا أننا قدمنا مستوى كبيرا أمام منتخب الإمارات لأن التاريخ لا يذكر إلا النتائج

من المؤكد أننا نحترم الانتخابات التي وضعت أعضاء الاتحاد في مناصبهم ولكن بالمقابل مفروض من أعضاء الاتحاد أن يحترموا من اختارهم لتحمل المسؤولية، وعلى الجمعية العمومية أن تتحرك الآن لطلب انعقاد دورة عاجلة لمعرفة سبب الفشل واتخاذ ما يلزم، لأن الفشل الذي صاحب عمل الاتحاد خلال السنوات الماضية كان لا بد من أن يكون له ردة فعل من قبل أعضاء الجمعية العمومية وردة فعل من قبل أعضاء الاتحاد وهي الإستقالة، بعد الفشل في دورتين، وبعد الشد والجذب الكبير في تشكيل الإدارة حتى كاد نشاط الاتحاد العماني أن يُجمد، وتحرم السلطنة من المشاركات الدولية، فيما وصلت قضية الاتحاد إلى المحاكم لأول مرة.

إننا كعمانيين يهمنا كأس العالم لكننا نعلم تمام العلم أننا لن نصل إلى الأدوار النهائية، ولكن بطولة كأس الخليج هي بالنسبة لنا تعتبر كأس “العالم المصغرة”، ومن هنا ندرك كيف أهان المنتخب وأهانت نتائجه أكثر من مليوني شخص وكيف أهانت تلك النتائج اسم السلطنة، لذا إذا كنا نطالب من أعضاء الاتحاد أن يستقيلوا – يرحمهم الله – فإن إقالة المدرب الفاشل “لوجوين” من أولى المهمات الآن، ولا أدري كيف سمح الاتحاد لنفسه أن يجدد له العقد لأربع سنوات رغم فشله، وقبل انطلاق بطولة كأس الخليج؟! ألا يدل هذا أن هناك فشلا وتخبطا في الاتحاد العماني لكرة القدم؟ هل نحن بحاجة إلى المزيد حتى نقتنع أن هناك فشلا؟ ثم بالمنطق ما هو هذا المزيد الذي ننتظره بعد أن عدنا القهقري إلى عقد السبعينات؟!

لقد أطلق الصحفي المخضرم “صلاح جابر” صيحة “استقيلوا.. يرحمكم الله” في جريدة الوطن من سنوات طويلة عقب فشلنا في إحدى دورات كأس الخليج، وقد مرت سنوات طويلة جدا من تلك الصيحة إلا أن أحدا لم يستقل ويبدو أن أحدا لن يستقيل، ولن نستغرب ذلك، لأن ثقافة تقديم الاستقالة لم تصل إلينا حتى الآن، لكننا نتمنى من أعضاء الاتحاد العماني لكرة القدم أن يفعلوها الآن ويكونوا القدوة في عمان نتيجة الفشل الذريع الذي رافق عملهم خلال السنوات الماضية ونتيجة لإخفاق المنتخب والعودة بنا إلى المربع الأول – مربع الصفر.

فاستقيلوا يرحمكم الله … وكونوا قدوة لغيركم … فكم في عمان ممن يفترض فيه أن يستقيل نتيجة الفشل

 

العدد الثالث والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com