الليبرالية والإسلام (5/5)

في المحصلة ستظل المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى الطرح الليبرالي طالما لم يتمكن خطابنا الديني من تطوير نفسه والتجرد من الأطروحات العقيمة المصادرة لحرية الأفراد ، وإلى أن يتغير الخطاب الديني ويصبح أقرب إلى روح القرآن المحررة للفرد والمطلقة لطاقات عقله ووجدانه سيظل الطرح الليبرالي قائماً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بل وربما متمدداً لأنه ينتصب على أساس مغري بالقبول والانتشار ألا وهو مبدأ الحرية، وهو مبدأ فطري لا يستطيع الإنسان مهما سحقته آلات الاستبداد أن يحيا بدونه.

Islamic Art19 ALLAH wood 18-Apr-09

الليبرالية والإسلام (5/5)


القول الفصل

د. زكريا بن خليفة المحرمي

إن المبادئ الليبرالية التي تمثل بريقا باهراً وجاذبية آسرة مثل الحرية والتعاقد حاضرة إجمالاً في مبادئ الإسلام، مع تفاوت ظاهر في حضور هذه المبادئ بين المدارس الإسلامية المختلفة.

لا جدال أن مبدأ حرية الإرادة واستقلال الفرد يبرز في الطرح الليبرالي بأقوى صور التجلي والحضور، بينما يغيض هذا المبدأ في أغلب أطروحات المدارس الإسلامية المعاصرة، إلا أن الملاحظ على الخطاب المعاصر الذي يضيق على مبدأ حربة الفرد ويكبله بسلاسل مرويات الخضوع والاستسلام والانقياد للسلطة يتعارض بصورة ظاهرة مع الحضور المكثف لمبدأ حرية الفرد في القرآن،  في الجانب الآخر نجد أن تراث المدارس الإسلامية التاريخية التي كانت أقرب إلى روح القرآن كالمدرسة الإباضية والمعتزلة تراثها حافلاً بالاحتفاء بحرية الفرد ومحاولة التصدي لحملات الاستبداد الشعواء التي روجتها ماكينة الدعاية الإعلامية للسلطة المستبدة في صورة نصوص مقدسة منسوبة للنبي عليه السلام.

يتميز الطرح الديني عامة والإسلامي خاصة عن الطرح الليبرالي بإحاطته التعاقدات الإنسانية والاجتماعية والوطنية بسياج مقدس من القيم والأحكام العليا التي تعتبر محرّمة في وجدان المؤمنين بها، وهذه القدسية الوجدانية تربط احترام العقود بموضوع التقوى أو الضمير النابض بالإيمان، فأي تفريط في العقد هو بالضرورة تفريط في الإيمان. في الجانب الآخر تعاني التعاقدات الليبرالية بجانب افتقارها للبعد الإيماني والعقائدي من إشكالية عدم التكافؤ بين الأطراف،  وهي إشكالية يمكن أن تترب عليها هضم حقوق البسطاء وسيطرة الأقوياء على مقدرات الضعفاء، بجانب إشكالية غياب المرجعية القيمية لهذه التعاقدات مما يجعل أمر احترام هذه التعاقدات مرهونا بوجود القانون النافذ، وحين لا يحضر القانون لسبب أو لآخر فإن سبيل هذه التعاقدات معلق بنزوات الأفراد وشهواتهم.

يمكن للطرح الديني الاستفادة من الطرح الليبرالي فيما يتعلق بحرية الإرادة واستقلال الفرد، وليس المقصود من ذلك الطعن في الإسلام واتهامه بعدم الاحتفاء بمسألة الحرية، وإنما الواقعية تحتم على الباحث الإقرار أن الخطاب الديني لأغلب المدارس الإسلامية ما زال يكرس لاستبداد الحاكم أو استبداد الحزب السياسي.

الطرح الليبرالي يمكنه أيضاً أن يستفيد من الطرح الديني خاصة فيما يتعلق باحتمالات بالثغرات الفنية المرتبطة بإمكانية الاستغلال وعدم الكفاءة في العقود.

في المحصلة ستظل المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى الطرح الليبرالي طالما لم يتمكن خطابنا الديني من تطوير نفسه والتجرد من الأطروحات العقيمة المصادرة لحرية الأفراد ، وإلى أن يتغير الخطاب الديني ويصبح أقرب إلى روح القرآن المحررة للفرد والمطلقة لطاقات عقله ووجدانه سيظل الطرح الليبرالي قائماً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بل وربما متمدداً لأنه ينتصب على أساس مغري بالقبول والانتشار ألا وهو مبدأ الحرية، وهو مبدأ فطري لا يستطيع الإنسان مهما سحقته آلات الاستبداد أن يحيا بدونه.

العدد الأول ثقافة وفكر

عن الكاتب

د. زكريا بن خليفة المحرمي

باحث وكاتب