أثر الإعلام الإلكتروني على الإعلام التقليدي (المحلي)

كتب بواسطة المعتصم البهلاني

نشرت هذه الورقة في ندوة الإعلام الإلكتروني وأثره على الإعلام التقليدي والتي اقيمت في جمعية المرأة العمانية والتي اقيمت بتاريخ ١٤ ابريل ٢٠١٣.

 

قبل ان أبدأ بهذه الورقة أود أن انوه ان ولوجي في عالم الإعلام ليس من باب أكاديمي، وما اطرحه هنا هو من باب ما صقلته التجربة فحسب من خلال تعاملي لسنوات طويلة مع الاعلام الالكتروني ابتدأت بالإشراف في منتديات سبلة العرب والمجرة الاسلامية والحارة العمانية وانتهاء برئاسة تحرير مجلة الفلق الإلكترونية. هذه التجربة التي امتدت منذ عام ٢٠٠٠ إلى اليوم، هي التي اتحدث عنها من خلال هذه الورقة.

 

مفاهيم عامة:

سأبدأ الورقة ببعض المفاهيم العامة والتي السردها تأسيسا للورقة ولما سيبنى عليها من اراء واستنتاجات. وأول هذه المفاهيم التي بحثت عنها هي مفهوم الإعلام. فمن خلال بحثي عن مفهوم الاعلام وجدت الكثير من التعريفات الجيدة، واخرى بحاجة الى المزيد من الشرح، لذلك قمت بتجميعها في تعريف واحد استقر عليه فهمي. حيث ان الاعلام هو عملية اتصال بين مصدر معين ومجموعة كبيرة من البشر بهدف ايصال معلومة معينة عن طريق وسيلة اتصال مفهومة، وبذلك يصبح الاعلام الالكتروني هو الاعلام الذي يستخدم وسائل الاتصال ذات التقنية الالكترونية. الا ان هذا التعريف عام وشامل، وعلى الرغم من صحته الا انه اخذ اشكالا في التطور مدفوعا بتطور التقنية حتى وصل الى مفهوم مغاير منذ نشأته الى الان. فالتلفزيون والراديو على سبيل المثال بإمكاننا- حسب هذا المفهوم – ان نعتبرها وسائل اعلام الكترونية حيث انها تستخدم تقنيات الكترونية لبث معلوماتها. لكننا اليوم لا يمكن تصنيفها على انها اعلام الكتروني على الاقل في الوعي العام، حيث يرتبط مفهوم الاعلام الالكتروني بذلك الاعلام الذي يستخدم الانترنت تحديدا في ايصال المعلومة. البعض يسمي هذا النوع من الاعلام بالإعلام الجديد لسهولة الوصول الى المعلومة والخبر فيه متى ما شاء المتصل الحصول عليه، والبعض الاخر بالإعلام البديل كونه على وجه العموم يعرض اعلاما بديلا او مغايرا للإعلام العام mainstream media ، لكنني للتبسيط سأستقر على تسميته بالإعلام الإلكتروني فالتعريفات السابقة تتحدث عن ميزات وخصائص الاعلام الالكتروني وتفصيلاته، لذا فبهذا المفهوم الاخير المنتشر سيكون هو التعريف الذي اتكئ عليه في تقديم الورقة، اي ان الاعلام الالكتروني هو ذلك الاعلام الذي يعتمد على تقنية الانترنت بشكل اساسي لإيصال المعلومة. وأستند بهذا التعريف المبسط جدا حتى اجنب نفسي المتاهات التي حدثت مع ظهور الاعلام الالكتروني وانقلابه على المفاهيم التي هيمنت على العمل الاعلامي المؤسساتي الصحفي بشكل كبير منذ نشأته والى الان. ايضا عندما اتحدث عن الاعلام التقليدي فإنني اقصد الاعلام الذي ظهر قبل الاعلام الالكتروني، فذلك له آلياته التي يعمل بها وفلسفته التي نشأ عليها.

 

فلسفة الاعلام في سلطنة عمان

يرى الكثير من الناس ان الاعلام في سلطنة عمان خلال الفترة الماضية هو اعلام حكومي بامتياز، واكثر الناس وضوحا في ابراز ماهية الاعلام العماني والاسس التي يسير عليها هو وزير الاعلام السابق حمد الراشدي حيث اكد في اكثر من موضع ولقاء ان الاعلام في سلطنة عمان هو اعلام تنموي، فعلى سبيل المثال في اللقاء الذي جمع وزير الاعلام السابق بطلاب جامعة القاهرة في يناير ٢٠١١ قال ما نصه :”إن الإعلام العماني لديه رسالة موضوعية صادقة منتمية للسلطنة ،ولذلك فإن أول صفة نطلقها عليه انه إعلام تنموي لأنه جزء من مسيرة التنمية في البلاد ولصيق بها ومعزز لدورها”. لذلك لا بد علينا ان نفهم ما المقصود بالإعلام التنموي لمعرفة كيف يمكن للإعلام الالكتروني التأثير عليه او التأثر به. يقول توماس مك فيل في كتابه الاعلام الدولي والذي ترجمه الدكتور عبدالله الكندي والاستاذ الدكتور حسني نصر “الصحافة التنموية او الاعلام التنموي: هي المفهوم الذي يحاول التعامل مع الاحتياجات والامكانات والآمال الصحفية التي صاحبت ظهور الدول النامية، كما انها تمثل نظرية اعلامية تشجع الصحافة المهندسة، وهي الصحافة التي تلتزم بالأولويات والأهداف التي تضعها الحكومة. وتفترض هذه النظرية أن كل الجهود – بما فيها جهود وسائل الإعلام المحلية – يجب ان تصب في اتجاه دعم الأهداف الوطنية . لذا يظهر جليا ان الاعلام التنموي هو اعلام مقيد بأهداف الحكومات (الوطنية) والتي تمثل في معظمها تيارا واحدا يقصي كل ما لا يرى فيه مهندسو الاعلام التنموي مصلحة او اهدافا وطنية، وبذا تصبح حرية الاعلام والصحافة مقيدة بفهم مجموعة بسيطة متحكمة بمعاني الاهداف الوطنية والمصالح العليا. باختصار فان اكبر مشاكل الاعلام التنموي فيما يتعلق بالحريات هو ان حريته مقيدة بأطر الأهداف الوطنية والتي يمكن ان نقول انها ذات نسبية عالية جدا تتفاوت من شخص لآخر، لذا يعمد الإعلام التنموي الى تجاهل الاصوات التي لا تتوائم مع الاهداف الوطنية التي تضعها الحكومة، والاسوأ من ذلك انها تسعى بشكل عام الى تجاهل المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الدولة اذا ما ظن القائمون عليها ان نشرها يعارض الاهداف الوطنية. هذا على الأقل ما وجدناه في الاعلام التقليدي ابان دخول الانترنت الى عمان.

 

 

تاريخ الاعلام الالكتروني في السلطنة

نستطيع القول ان بداية الاعلام الالكتروني في عمان كان مع بداية دخول الانترنت الى السلطنة، وذلك في عام ١٩٩٧، حيث أتيحت خدمة الانترنت في عمان في يناير وقام المهندس سعيد الراشدي بتأسيس منتديات سبلة العرب في سبتمبر من نفس العام. عند دخول الانترنت الى عمان كان استعماله نخبويا، وذلك بسبب مجموعة من العوامل اهمها حداثة المعرفة بالأنترنت، وارتفاع اسعاره وصعوبة التعامل معها تقنيا، ومحدودية استيعاب البنية التحتية له. لذلك اقتصرت معظم مشاركات الكتاب في منتديات سبلة العرب على النخبة في عمان، ومنها كانت الحوارات تمثل نموذجا راقيا ولم تلعب حينها دورا اعلاميا اساسيا. مع ارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في عمان وازدياد عدد مرتادي سبلة العرب، بدأ المنتدى يتحول رويدا الى وسيلة اعلامية تنقل الخبر عن طريق ما اصبح يعرف – او ان شئتم يشبه – المواطن الصحفي، او الصحفي الافتراضي، وان كان حصول هذا الامر ببساطة وبدون تعقيد مفاهيمي اكاديمي، فالمواطن الذي يحصل على الخبر اصبح يبثه مباشرة الى مجموعة كبيرة من الناس في غضون سويعات من حدوثه، وهو الامر الذي لم يكن يحصل مع الاعلام التقليدي التنموي.

نستطيع القول ان الدخول في احتكاك حقيقي وقوي ومؤثر بين الاعلام التقليدي التنموي وبين الاعلام الالكتروني العماني المتمثل في تلك الفترة بسبلة العرب كان في الاعتقالات التي حدثت لمجموعة من مشايخ وطلبة العلم الاباضية في ٢٠٠٥ فيما اصبح يعرف بقضية التنظيم السري. ففي حين كان الاعلام التقليدي التنموي يحقق الاهداف الوطنية بنفيه التام وجود اية اعتقالات، ظهر بعض اهالي المعتقلين في موقع سبلة العرب واظهروا بالصور بعض اثار عمليات الاعتقال التي تمت، كما قاموا بإثارة الرأي العام المتسائل عن اسباب اعتقال مجموعة تعتبر من صفوة المجتمع، الأمر الذي شكل ضغطا داخليا للإفصاح لاحقا عن وجود الاعتقالات واسبابها.

المسألة ذاتها تكررت في فبراير ٢٠١١، ففي الوقت الذي بدأت فيه الاضطرابات، تجاهل الاعلام التقليدي التنموي المسألة (لدرجة كانت تعرض فيه الرسوم المتحركة في اوج الازمة) في حين غطى الاعلام الالكتروني القضية بتفاصيلها وبشكل احترافي في بعض الاحيان لم نجده في الاعلام التقليدي. فقامت صفحات في الفيس بوك لنقل الاخبار، وكان هنالك بث مباشر من ساحات الاعتصام يظهر بالتفصيل ما يحدث وما يدور من كلام. حاول الإعلام التقليدي في البداية ان يصور الامر على انه قيام مجموعة من المخربين بأعمال حرق ونهب، ومن ثم حاول اظهارها على انها محاولات استنساخ لما حصل في تونس ويحصل في مصر حينها ، فقام بتغطية ما سميت بمسيرات الولاء والعرفان الموجهة كحركة لخلق رأي عام مضاد للاعتصامات، الا ان النقل الحي (صوتا وصورة) وبالصور الفوتوغرافية للإعلام الالكتروني وصفحات الفيس بوك وظهور صور صاحب الجلالة يحفظه الله في جميع ساحات الاعتصام، وعدم وجود شعارات معادية له، وظهور مطالب مشروعة وواضحة للمعتصمين، استطاع ان يشكل ضغطا مؤثرا على الاعلام التنموي التقليدي الذي غير من لغة خطابه التي استخدمت مفردات مخربين و اعمال تخريبية الى معتصمين وحقوق ومطالب مشروعة. ولعلي اعتبر هذا من اقوى تأثيرات الاعلام الالكتروني وضوحا على الاعلام التقليدي.

الدرس تم استيعابه جيدا في منتصف عام ٢٠١٢ وبدايات ٢٠١٣ خصوصا في قضيتي ما عرفتا بالتجمهر والإعابة، هنا استفاد الاعلام التقليدي من التجربة السابقة، فمع بداية الاعتقالات التي حصلت تابع الاعلام التقليدي القضية اولا بأول، واستطيع القول انه دخل حد المنافسة بينه وبين الاعلام الالكتروني من حيث نقل الحدث وان كان مشوها في بعض الاحيان، فعلى سبيل المثال، قام احد البرامج باستضافة مجموعة تمثل الرأي الحكومي لكنها لم تستضف أيا ممن يمثل المعتقلين حينها، في حين تداول الاعلام الالكتروني وجهتي النظر (المعتقلين ومن اعتقلهم) كاملة، واحدث انقساما بين المتابعين عن صحة فعل ما قاموا به. وعلى الرغم من وصول الاعلام التقليدي حيز المنافسة مع الاعلام الالكتروني الا انه ابى الا ان ينقض غزله بيده عندما اعطى زمام التفوق الاخلاقي للإعلام الالكتروني عليه حينما قام بنشر اسماء واماكن ميلاد ومحل اقامة وعمل وصور المعتقلين بشكل مسيء جدا يخالف ابسط قواعد العمل الاخلاقي الاعلامي. هذا الامر اعتبره معالي وزير الاعلام د. عبدالمنعم الحسني سياسة اعلامية جديدة ينتهجها الاعلام في التعامل مع هذه القضايا، وذلك في لقاء رمضاني له في برنامج على السحور. هذا الامر يجعلنا نتساءل عن الاهداف الوطنية التي رسمها الاعلام التنموي (الذي تصب فيه الحكومة ملايين الريالات سنويا من خزينة الدولة) والتي تؤدي الى التشهير بمواطنيها في وسائل الاعلام؟ بل وربما يعيدنا الى ما هو ابعد من هذا، لنتساءل هل هنالك اعلام تنموي حقيقي في السلطنة بأهداف مرسومة وواضحة للمواطن كونه يدفع من جيبه ثمن هذا الاعلام؟ او على الأقل هل هذه الاهداف واضحة للعاملين في هذه المؤسسات الاعلامية ناهيك ان تكون واضحة للمواطن؟ وهل من المجدي اقتصاديا اليوم ان يكون هنالك اعلام تنموي تضخ فيه الدولة مئات الملايين من الريالات سنويا لتحقيق اهداف معينة وارساء أدلجة خاصة في عهد السماوات المفتوحة؟

 

ميزات الاعلام الالكتروني والاعلام المحلي (الهوة وتجسيرها)

لعل الإجابة عن بعض التساؤلات اعلاه تكمن في معرفة المزايا التي يتمتع بها الاعلام التقليدي على الاعلام الالكتروني او العكس ومقارنته، حتى نتلمس طريقا يضيء لنا درب الاجابة عن هذه التساؤلات. هنالك اربع ميزات اساسية يتفوق بها الاعلام الالكتروني على الاعلام التقليدي وهي: (١) سرعة الانتشار، (2) نطاق الانتشار، (3) سهولة الأرشفة والوصول إلى المعلومة، (٤) غياب حدود سقف الحرية المحدود بالأهداف الوطنية مثلما هو الحال في الاعلام التنموي. فالحدث بمجرد وقوعه يتناقل خبره بالصوت والصورة والكتابة، ويصبح انتشاره ككرة الثلج التي تبدأ صغيرة وتكبر حجما. هذا الامر على الرغم من إيجابيته الا انه له سلبية كبيرة جدا وهي قدرته على نشر المعلومة الخاطئة او المهندسة (المفبركة) والتي بالإمكان ان تعتبر شائعة، ولا يمكننا احصاء الكم الهائل من الشائعات والمعلومات غير الدقيقة على اقل تقدير والتي انتشرت عن طريق وسائل الاعلام الالكترونية واخص منها وسائل التواصل الاجتماعي. امر الشائعة وسرعة انتشارها اعطى الاعلام التقليدي التنموي ميزة على الاعلام الالكتروني وهي (المصداقية) فإلى الان يتمتع الاعلام التقليدي بمصداقية لدى الشارع على العموم اكبر من تلك الموجودة لدى الاعلام الالكتروني. الا ان هذا الاخير استطاع ان يبدأ حركة تصحيحية لهذه الاشكالية عن طريق ايجاد مؤسسات مختصة تنشر الخبر بعد تحريه، على سبيل المثال انتشرت الكترونيا بعد الانواء المناخية جونو وفيت الكثير من الشائعات التي تنبئ بوجود انواء مناخية قادمة، الامر الذي اثر على الكثير من الناس وجعلهم يقومون بتخزين كميات كبيرة من الطعام والمياه، وبعدها لم تحصل هذه الانواء. هنا فقد الاعلام الالكتروني مصداقيته فأنشأت مجموعة في الفيس بوك وتويتر باسم “نجاة” تنقل الاخبار الصحيحة والموثوقة عن حالة الطقس وبالصور الحية من اماكن حدوثها، بشكل اسرع من الاعلام التقليدي التنموي، كما ان دخول المختصين في مجال الطقس سواء بشكل رسمي كحساب خاص بالأرصاد الجوية العمانية @OmanMeterology او حسابات شخصية لمختصين امثال حامد البراشدي وخميس الجهوري، دخولهم الى التغريد في تويتر مكن الناس من تقصي اخبار الانواء المناخية وحالة الطقس مباشرة وبشكل اسرع من ذلك الذي يعرض في وسائل الاعلام التقليدي. الأمر ذاته ينطبق على وجود صحيفة اخبارية تقوم بنشر الخبر بشكل مهني وهي صحيفة البلد والتي استطاعت كسب قاعدة شعبية جيدة خلال فترة قصرة من قيامها. اما من حيث الارشفة والوصول الى المعلومة، فقد استفادت بعض وسائل الاعلام التقليدي خصوصا الصحف المطبوعة من التقنية الالكترونية، واضطرت الى الولوج الى عالم الاعلام الالكتروني لتحقيق نطاق الانتشار والأرشفة الى حد ما، الا ان معظمها لم يستفد كثيرا من خصيصة سرعة الانتشار او ارتفاع سقف الحرية، ففي الاولى لم تستفد وكالة الانباء العمانية من حسابها في تويتر لنقل المعلومة بشكل سريع، فهي ما زالت تعتمد الاسلوب التقليدي الكلاسيكي في تحرير الخبر ومن ثم رفعه على الموقع ويتم التغريد عنه بعد فترة من نزوله. اما من حيث ارتفاع سقف الحريات في الاعلام الالكتروني وعدم استفادة الاعلام التقليدي منه فهو عائد الى طبيعة فلسفة الاعلام التنموي والذي يمارس دور الوصاية على المواطن فيما يعرض عليه ويقوم بتوجيهه وبتصويب او تشويه ما يرغب من افكار حسب المصالح (الوطنية) المرسومة له. فيما يقوم الاعلام الالكتروني بعرض – او تقديم – خطاب مباشر من المواطن اكثر صدقا وشفافية ووضوحا خصوصا اذا ما سقطت وسائل تحسين او تنقيح الرأي بين المرسل والمستقبل في وسائل الاعلام الالكترونية ذات رجع الصدى (التواصل).

هذا الامر يحيلنا الى ميزة اخرى من ميزات الاعلام الالكتروني على الاعلام التقليدي، وهي الكم المادي الذي تصرفه الحكومات النامية على الاعلام التنموي في سبيل ما يمكن تسميته جدلا (بالغرس الثقافي) مقابل الكم المادي الذي يصرفه مرسل او مستخدم الاعلام الالكتروني لذات الغاية. فعلى سبيل المثال عندما تصرف الدولة آلاف الريالات لبث تقرير عن جودة شبكة المياه وتقدمها وما قامت به الحكومة الرشيدة في هذا المجال خلال العقود الاربعة الماضية، تنسفه مجموعة من التغريدات لا تكلف ١٠ بيسات تظهر فيه انفجارات انابيب المياه وانقطاعه عن بعض الولايات لفترة طويلة. فبغض النظر هنا عن دقة ما ورد في المعلومتين فان تلكم المعروضة في وسائل الاعلام الالكتروني بتكلفة بسيطة جدا استطاعت نسف تلك التي كلفت الدولة عشرات الآلاف من الريالات. اضيف الى ذلك الكثير من الوثائق التي انتشرت من خلال المدونات والمنتديات الالكترونية والتي كشفت وجود فساد مالي واداري اطاح بفكرة الحكومة التي لا يمسها السوء ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها والتي عمل الاعلام التنموي على تكريسها في فكر المواطن للعقود الاربعة الماضية. هذا التغيير الكبير في (الغرس الثقافي) لدى المواطن عن طريق الاعلام الالكتروني وضع الاعلام التقليدي التنموي في حرج، فأضاف الى اهدافه التنموية اظهار الخلل والمشاكل الموجودة في الحكومة. الا ان تقبل هذه الفكرة لدى بقية اجهزة الدولة لم يكن سهلا، فشهدنا استدعاءات ومحاكمات لصحفيين وتهديدا بإغلاق احدى الصحف العمانية – (الزمن) تحديدا – بسبب اطروحات من ذات النوع التي تطرحها المنتديات الالكترونية.

أيضا من اهم الميزات التي يتمتع بها الاعلام التقليدي على الاعلام الالكتروني هو وجود قنوات مفتوحة بينه وبين دوائر الاجهزة الحكومية، حتى اصبح الى حد ما اعلام علاقات عامة. الا ان هذه الميزة ستضمر قريبا، خصوصا بعد ان دخلت الاجهزة الحكومية الى عام الاعلام الالكتروني بعد ان وعت ضرورته من خلال مجموعة من الحسابات في تويتر والفيس بوك، وكذلك في منتديات سبلة عمان. هذا التواصل المباشر ما بين هذه الاجهزة وبين المواطنين سيقوم بتهميش دور الاعلام التقليدي رويدا اذا ما تمكنت هذه الاجهزة من احتراف استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاعلام الالكتروني. اقول تهميش ولا اقول الغاء، لأن التجربة اثبتت ان قيام امر افضل لا يعني ابدا الغاء ما قبله في عالم الاعلام على الاقل، فالإذاعة لم تلغ الصحافة الورقية، والتلفزيون لم يلغ الاذاعة، والانترنت لن يلغ التلفزيون لكنه استطاع الى حد ما اجتذاب جمهوره.

الميزة الاخيرة التي سأتحدث عنها هنا في هذه الورقة للإعلام التقليدي على الاعلام الالكتروني هو الدعم المادي من قبل الشركات الراعية ومن قبل الحكومة ايضا. هذا الامر سيحتاج فيه الاعلام الالكتروني الى فترة من الزمن – في عمان على الاقل – ليجتاز سوق الاعلان الالكتروني نظيره التقليدي، وكأني به اراه غدا. الا ان تقديم اي دعم حكومي للإعلام الالكتروني (المؤسسي) سيضر به من باب (اطعم الفم تستحي العين)، فأولى اسس الاستقلالية هي الاستقلالية المادية التي تضمن سيادة السياسة التحريرية.

 

خاتمة

في الختام الخص الورقة فيما يلي

– يعتمد الاعلام التقليدي في سلطنة عمان على نظرية الاعلام التنموي والتي جاءت لمكافحة مد ما يعرف بالاستعمار الالكتروني ولتحقيق اهداف تنموية ومصالح وطنية.

– استطاع الاعلام الالكتروني في عمان ان يشق طريقه من خلال تدافعه مع الاعلام التقليدي في اوقات الازمات التي يمر بها الوطن.

– استطاع الاعلام الإلكتروني ان يؤثر على مساحة سقف الحرية الموجود في الاعلام التنموي وان يضيف اليه.

– لم يستفد الاعلام التقليدي كثيرا بمقدار التقنية او مساحة السماوات الحرة التي وفرها الاعلام الالكتروني، وذلك لإصراره على اعتماد نظرية الاعلام التنموي.

– ما زالت ثقة المواطن بالإعلام التقليدي اكبر من الاعلام الالكتروني بسبب انتشار الشائعة.

– فاتورة الاعلام التنموي لتحقيق (الغرس الثقافي) مكلفة جدا مقابل فاتورة الإعلام الإلكتروني.

– اي دعم يقدم من قبل المؤسسات الحكومية لمؤسسات الاعلام الالكتروني سيضر بها وباستقلاليتها.

– الاعلام التقليدي في عمان ينتقل تدريجيا نحو الاعلام الالكتروني ويستفيد من بعض مزاياه

– الاعلام الالكتروني في عمان يصحح مساراته لكسب ثقة المواطن العماني

– فلسفة الاعلام العماني القائمة على الاعلام التنموي بحاجة الى مراجعة في عهد السماوات المفتوحة خصوصا مع ضمور دور العلاقات العامة الذي تقوم به بعد ولوج اجهزة الدولة الى عالم الاعلام الالكتروني.

 

قبل سنتين تقريبا وفي ندوة اعلامية اقيمت في مركز عمان للمعارض، ذكرت ان الاعلام الالكتروني في عمان ليس خيارا وانما قدر، واليوم أؤكد على هذه المقولة.

العدد السابع والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

المعتصم البهلاني

رئيس تحرير مجلة الفلق الإلكترونية