التّعليم في جزر القمر.. الواقعُ وفرص الدّعم العُماني

لقد شدّ انتباهي خلال الزّيارات الّتي قمتُ بها مع زملائي أعضاء الفريق العُماني إلى المؤسّسات التّعليميّة في الجزر الثّلاث، ومن خلال الحديث مع المسؤولين القمريّين والمدرّسين وبعض الطّلاب، أنّه يوجد اهتمامٌ بالتّعليم في جزر القمر.  حيث وجدنا انتشارًا للمدارس العامّة الحكوميّة والمدارس الأهليّة، وكذا من حيث جانب التّعليم العالي فإنّ جامعة جزر القمر يوجد لها فروع في كلّ جزيرةٍ من الجزر الثّلاث. وممّا لفت انتباهي أنّ هناك اهتمامًا بالغًا بتدريس اللّغة العربيّة والقرآن الكريم والفقه؛ فالمدارس الأهليّة الّتي زرتُها كـ”مدرسة الفتح” بمدينة إيكوني بجزيرة القمر الكبرى تدرّس اللّغة العربيّة والقرآن والفقه إلى جانب الموادّ الأخرى كالرِّياضيّات واللّغة الفرنسيّة. ويمكن ملاحظة أثر الاهتمام بتدريس اللّغة العربيّة واضحًا من خلال العدد الكبير من القمريّين الّذين يتحدّثون العربيّة، بالرّغم من أنّ اللّغة القمريّة الّتي تعتبر منحدرةً من اللّغة السّواحيليّة- هي اللّغة الأمّ لأهل جزر القمر. فيمكن للزّائر العربيّ أن يجد في الشّارع من يتخاطب معه باللّغة العربيّة من النّساء أو الرّجال وحتّى الأطفال الصّغار. والقمريّون ينظرون إلى الإسلام واللّغة العربيّة على أنّهما امتدادٌ حضاريّ لتاريخهم وثقافتهم، وهم فخورون بهذا الانتماء الحضاري والثّقافي والتّاريخي، ويحاولون جاهدين المحافظة عليه وإبقاءه حيًّا في قلوب النّاشئة ووعيهم إلى جانب ترسيخه رسميًّا في المؤسّسات الحكوميّة والمدنيّة.

بَيْد أنّ ذلك الاهتمام بالتّعليم في جزر القمر بحاجةٍ ملحّةٍ إلى الكثير من التّطوير والتّحسين في أكثر من مستوًى وأكثر من مجالٍ حتّى يُؤتي ثماره بالشّكل المطلوب؛ فجزر القمر دولةٌ محدودة الموارد، وهي بحاجةٍ إلى المواقف الدّاعمة من الإخوة والأصدقاء، وخاصّة العُمانيّين لما يربط القمريّين بعُمان من علاقاتٍ تاريخيّةٍ وروابط دبلوماسيّةٍ معاصرةٍ قويّةٍ ومتينةٍ، هم أنفسهم فخورون بها. وقد أعرب لنا المسؤولون القمريّون والأهالي عن رغبتهم وتطلّعهم في أن يرَوا المزيد من الدّعم الحكومي والأهليّ المقدّم من سلطنة عُمان حكومةً وشعبًا إلى المؤسّسات التّعليميّة الحكوميّة والأهليّة في جزر القمر. وقد لاحظنا أنّ البنى الأساسيّة للمؤسّسات التّعليميّة بما في ذلك مباني المدارس والجامعة والكليّات المهنيّة بحاجةٍ إلى تطويرٍ على المستويين النّوعي والكميّ؛ فعدد المدارس القائمة في البلاد أقلّ بكثيرٍ ممّا يلبّي الحاجة، فضلًا عن كون تلك المدارس تفتقر إلى كثيرٍ من مواصفات المدارس المعاصرة من حيث المباني والتّجهيزات وغيرها. كما أنّ المناهج التّعليمية والكتب الدّراسيّة المستعملة لا تزال مفتقرةً إلى المواصفات العصريّة القادرة على إحداث عمليّة تعليمٍ وتعلّم نوعيّةٍ وفاعلة؛ فالمناهج التّعليميّة هناك يمكن وصفها بأنّها تحمل إلى حدٍّ بعيدٍ سمات ما قبل الاستقلال.

ومن وجهة نظري، أنّه بالرّغم من أنّ جزر القمر دولةٌ مستقلّةٌ وذات سيادةٍ وهُويّةٍ ثقافيّةٍ وحضاريّةٍ مميّزةٍ إلا أنّ تلك السّمات غير بارزةٍ بوضوحٍ فاعلٍ في المناهج والكتب الدّراسيّة؛ لذا يمكن أن تساعد سلطنة عُمان من خلال خبراتها الطّويلة في مجال المناهج الدّراسيّة خاصّةً في التّعليم العام، ومن خلال القنوات الدّبلوماسيّة والإنسانيّة المعروفة، الأشقاءَ في جزر القمر في تطوير مناهجهم وكتبهم الدّراسيّة. كما أنّ هناك فرصةً متاحةً أمام المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة في السّلطنة للمساهمة في بناء عددٍ من المدارس بجزر القمر أو المساعدة في توسعة بعض المدارس القائمة وإمدادها بما تحتاج إليه من كتبٍ وأجهزةٍ وأدواتٍ وآلات. كما تمكن المساهمة في تأهيل الكادر التّدريسيّ سواء العامل في التّعليم العام أو التّعليم الجامعي أو المهنيّ بجزر القمر. إلى جانب أنّه يمكن للعمانيّين كأفرادٍ أو مؤسّساتٍ حكوميّةٍ أو أهليّةٍ المشاركة في تدريس اللّغة العربيّة بجزر القمر، سواء بعقد دوراتٍ تدريسيّةٍ قصيرةٍ أم عن طريق برامج طويلة المدى تؤهّل القمريّين لتدريس اللّغة العربيّة. وأودّ أن أقترح في هذا المقام إنشاء مركزٍ عُمانيٍّ لتعليم اللّغة العربيّة بجزر القمر يعقد الدّورات القصيرة والبرامج الطّويلة. كما يمكن أن تتبنّى المؤسّسات التّعليميّة والإنسانيّة في عُمان استقدام طلاب قمريّين لدراسة اللّغة العربيّة، بشكل أخص، وغيرها من التخصصات العلمية والأكاديمية، في عُمان.

الثلاثاء 2/7/2013

الثامن والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

سليمان بن سالم الحسيني

salhusseini@unizwa.edu.om