نحو تنمية مستدامة ومتكاملة ومتوازية بوفرة من مصادر محلية – مداخن الطاقة الشمسية لعمان ( الجزء الثاني )

رأينا فى المقالة السابقة وجوب وأحقية وامكانية استغلال الشمس كمصدر ثابت ودائم وورئيسي للاقتصاد الوطني العماني باسخدام المداخن الشمسية وتطرقنا إلى المكونات الرئيسية للمدخنة.  وسنكمل فى هذه المقالة حتى نرى اقتصاديات هذه التقنية.

وكيفية عمل المدخنة الشمسية ببساطة شديدة:

  • أشعة الشمس تسقط على البيت الزجاجي إما مباشرة (Direct) أو الأشعة المنتشرة (Diffuse) فترتفع درجة حرارتها.

  • الهواء الحار يخرج من البيت الزجاجي مندفعا إلى داخل المدخنة الشمسية.

  • يتم تلقائيا شفط الهواء الخارجي دائما من المحيط الخارجي للبيت الزجاجي إلى داخله ليحتل حيز الهواء الحار الخارج.

  • الهواء الحار يرتفع خلال المدخنة بسرعات عالية فى اتجاه واحد دائما إلى خارج المدخنة.

  • تدور التوربينات الموجودة على مدخل المدخنة وداخل المدخنة كنتيجة لهذا الدفق الهوائي المستمر.

  • يتم تحويل الطاقة الحركية من التوربينات إلى طاقة كهربائية فى المولدات الكهربائية.

  • حرارة البيت الزجاجي تسخن السرير المائي تحتها طوال النهار.

  • خلال الليل، يطلق السرير المائي الحرارة التى خزنتها طول النهار مسخنا الهواء داخل البيت الزجاجي ومن ثم إلى المدخنة وخارجها، وتستمر التوربينات فى الدوران بالليل.

  • بوجود العوازل الحرارية تحت السرير المائي، يتم للإستفادة القصوى من الحرارة المكتسبة داخل البيت الزجاجي إما أنها تنتج هواء ساخنا مباشرة أو تسخن السرير المائي والذى بدوره سينتج الحرارة ليلا ولا تضيع الحرارة هدرا فى الأرض.

  • وهكذا دواليك نهارا وليلا وطوال السنة عدا عن فترات الغيوم الشديدة السواد (فى حدود 2% سنويا)!

  • الطاقة الكهربائية تجمع فى محطة واحدة للتجميع والتوزيع.

وإنتاجها من الطاقة بأرقام أولية تقريبية (وذلك نظرا لقلة المعلومات) ستكون هكذا:

  • شتاء عند درجات حرارة فى حدود أقل من 30 درخة مئوية نهارا، من المتوقع أن تكون قدرة المحطة الكهربائية الناتجة عن النموذج أعلاه (7 كيلومترات هو قطر البيت الزجاجي و1000 متر هو ارتفاع المدخنة) هو 200 ميجاوات.

    • كلما زادت درجة الحرارة الطبيعية، كلما زادت درجة حرارة البيت الزجاجي وكلما زادت الطاقة الحرارية وبالتالي زادت الطاقة الكهربائية.

كلفة واقتصاديات هذه الطاقة وبتبسيط شديد فى التفاصيل التقنية والاقتصادية وبأرقام أولية وباستخدام النموذج أعلاه:

  • المطلوب: أرض صحراوية فضاء غير مسكونة مستوية ومشمسة وبعيدة نسبيا عن البحر (ما أكثرها فى بلادنا) ودائرية وبقطر 7 كيلومترات وبمساحة ط x نق2 = 3.141 x 3.52 = 38.5 كم2 = 38500000 م2.

  • كلفة البناء فى حدود 200 مليون رع لكل وحدة مدخنة شمسية وهي الكلفة الرأسمالية الوحيدة بالإضافة إلى قيمة قطعة الأرض أعلاه.

    • مع الخبرة وتحسن الجودة ودخول منافسين فى السوق، فإنه من المتوقع أن تقل هذه الكلفة بمقدار 50%، ولكننا سنستخدم رقم 200 مليون رع فى حسابتنا.

    • رقم 200 مليون رع هو كأن المشروع ينفذ فى أمريكا وبأيدي أمريكية.  ماذا لو نفذ المشروع بأيدي أرخص؟

  • فترة تنفيذ بناء المشروع 3 سنوات.

    • مع تقادم الخبرة، ستقل هذه الفترة.

  • عمر المشروع الاقتصادي الإنتاجي 100 سنة.

  • سنفرض أن قيمة الأرض تساوى صفرا (كما هي الحالة مع حقول النفط) والفائدة البنكية والضرائب لا شيئ.

  • سنفرض أن سعر برميل النفط هو 100$ للبرميل.

  • المشروع فى السنة الواحدة سينتج 1.8 ألف جيجا وات.ساعة أي ما يعادل 1.2 مليون برميل نفط أي ما بعادل 3300 برميل نفط يوميا.  وهو ما يعادل 120 مليون دولار سنويا.

  • الكلفة التشغيلية المقدرة بأسعار اليوم هي 0.02 $/كيلو وات.ساعة (0.0076 رع/كيلو وات.ساعة) ، أي أن الكلفة التشغيلية السنوية ستكون 34400000$، أي ما يعادل 13 مليون رع.  أما بالمقابل النفطي الذى نعرفه فهو 28.7 $/برميل نفط.

    • لاحظ هنا أن موظفى تشغيل المشروع من القمة إلى القاعدة سيكونون عمانيين بنسبة 100%، وكذلك قطع الغيار وزيوت التشحيم ستكون صناعة عمانية، أي أن ذلك المبلغ سيصرف معظمه داخل البلد على شكل رواتب تشغيلية سواء للمشروع أو الصناعات المساعدة.

  • المشروع خلال عمره الافتراضي (100 سنة) سينتج من الطاقة ما مقداره 180 ألف جيجا وات.ساعة أي ما يعادل 120 مليون برميل من النفط الخام بمعدل 3300 برميل يوميا لا تنضب.

    • للمقارنة: تستكشف شركة تنمية نفط عمان سنويا ما يقرب من 300 مليون برميل نفط جديدا.

    • للمقارنة: الإنتاج السنوي لشركة تنمية نفط عمان من النفط الخام (من غير المكثفات والغاز) لسنة 2012 بلغ 207 مليون برميل.

  • الكلفة الكلية للمشروع (بأسعار اليوم) وهو حاصل جمع الكلفة الرأسمالية (200 مليون رع) زائدا عليها المصروف التشغيلي الكلي (13000000 X 100 سنة) سيكون الناتج هو  1500 مليون رع بأسعار اليوم، أي ما يعادل 3900 مليون دولار.  وذلك يعادل 7.9 بيسة عن كل كيلو وات.ساعة، وذلك يعادل 30.7 $/برميل نفط.

  • العائد الكلي للمشروع سيساوى بالمقابل النفطي (120000000 برميل X 100 $)  12000 مليون دولار أي 4615 مليون رع.

    • من منا يعرف كيف يعادل كلفة إنتاج هذه الكهرباء (رقم 7.9 بيسة عن كل كيلو وات.ساعة) مقابل ما يدفع استهلاكا  للكهرباء المنزلي؟!

    • من منا يستطيع أن يعادل رقم 30.7 $/برميل نفط بكلفة إنتاج النفط من حقل مخيزنة النفطي (نفط ثقيل)؟!

  • الطاقة أعلاها كافية لتغذية وباكتفاء ذاتي لحوالي 48000 بيتا نموذجيا عمانيا (بمعدل استهلاك 3000 كيلو وات.ساعة شهريا للبيت الواحد).

  • وهي ستقلل من انبعاثات غازية مضرة بالبيئة والناتجة عن الوقود النفطي بمقدار 1000000 طنا سنويا.

  • معلومة جانبية ولكنها مثيرة: ناميبيا (من فيكم سمع بها) شرعت فى بناء مدخنة شمسية بطول 1500 مترا.

خطة طموحة لنا ولأولادنا

باستخدام الأرقام أعلاه، يمكن للدولة أن تضع خطة طموحة لإنتاج ما يعادل مليون ونصف من براميل النفط يوميا لا تنضب وذلك باستخدام الطاقة الشمسية بهذه التقنية.  وذلك سيعادل ما يقرب من 450 مدخنة شمسية، توزع فترة بنائها على مدى 30 –  40 سنة وذلك لتوزيع المصاريف الرأسمالية ولن تأخذ من الأرض الفضاء إلا ما يقل عن 20000 كيلومترا مربعا، وهو رقم أقل بكثير مما فى أيدي الشركات النفطية العاملة فى البلد.  وبدأ من دخول المدخنة الشمسية الثانية فى الخدمة، سيكون التمويل الرأسمالي لبقية المداخن ذاتيا من أرباح المداخن السابقة!

قد يقول قائل ’ماذا سنفعل بكل هذه الطاقة الكهربائية، هل سنصدرها كما نصدر النفط ثم نشترى المواد الاستهلاكية؟‘  الجواب لا، لن نصدر منها ولا كيلو وات واحدا وذلك لسبب بسيط أن الدول المحيطة بنا تملك نفس الموردين وهما الشمس والأراضى الفضاء.  أما الدول التى لا تملك هذين الموردين وهي الدول الأوروبية فسوف تستورد هذه الطاقة من دول شمال إفريقية القريبة منها، مصر وليبيا والجزائر.

أما نحن فسوف نستخدم هذه الطاقة لامتلاك القوة الاقتصادية.  استهلاك الطاقة تدخل ضمن مؤشرات الوفرة الاقتصادية لبلد ما.  وحاليا، الولايات المتحدة الأمريكية تتبوأ المركز الأول فى مؤشر استهلاك الطاقة للفرد الواحد.   فالدولة التى تملك وفرة من الطاقة الكهربائية وتستخدمها داخليا تستطيع أن تكون دولة قوية اقتصاديا وما يتبع ذلك من قوة سياسية.  قد يقول قائل آخر ’ومن أين سنأتي بالموارد المالية الرأسمالية منها خاصة لبناء كل هذه المداخن؟‘  الجواب سنبدأ بتسريح جميع المحطات الكهربائية الموجودة فى البلد والتى تستخدم الوقود الهيدروكربوني وابدالها بهذه الطاقة الأبدية واستخدام السيولة التى ستنتج عن تصدير هذه الموارد الهيدروكربونية ببناء المحطات الجديدة ومن بعد وتدريجيا ولكن تصاعديا استبدال المواصلات التى تحرق وقودا هيدروكربونية بمواصلات كهربائية وهكذا.

فبهذه الطاقة يمكننا أن نفعل الآتى:

  • تكرير مياه البحر المالحة: إذا انخفضت كلفة إنتاج 1 كيلوات.ساعة إلى أقل من 3 بيسات، فتكرير مياه البحر سيكون مجديا اقتصاديا لجميع أنواع الاستخدامات الزراعية، حتى القمح سيكون إنتاجه مجديا اقتصاديا فضلا عن فائدته الإستراتيجية والقوة السياسية.  وما يتبع ذلك من صناعات غذائية.

  • بوجود الزراعة، تستطيع عمان أن تنتج المواشي اقتصاديا وما يتبع ذلك من صناعة الألبان والأجبان واللحوم والجلود والصوف والسماد.

  • المواصلات الكهربائية من سيارات وأوتوبيسات ومترو الأنفاق والقطارات السريعة.

  • جميع أنواع الصناعات الثقيلة منها والخفيفة.

  • امتلاك معرفة صناعة هذه المداخن والاستفادة منها وذلك بإنشاء مراكز البحوث العلمية المختلفة.

  • تصدير العقول العمانية فى مجال صناعة الطاقة بالمداخن الشمسية.

  • كهرباء لكل بيت ولكل شارع فى عمان.

  • ولا أريد الإسترسال فى الأحلام، ولكنى لي الحق فى حلم أريده أن يتحول إلى رؤيا فحقيقة.

الختام

Sunday morning,

The sun is shining

The weather is nice

صباح الأحد

الشمس مشرقة

الجو حلو!

أغنية غناها مغنى الريجيه الأشهر Bob Marley بمرافقة فريق The Wales الجمايكي تعود لسبعينيات القرن الماضى، لا أجد أحسن منها كمسك ختام لهذه الورقة، فهي “مما قل ودل”.  وأرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم بأحلامي الطوباوية.  فبوب مارلي هذا كان طوباويا فى بعض أغانيه حيث كان يحلم بعالم خال من الحروب.  بل وصلت به طاوباويته بعالم خال من الشرطة، حيث أن مدينته الفاضلة خلت من المجرمين فأصبحت مهمة الشرطة هي مضايقة المواطنين الصالحين من دون سبب.

وكل صباح والشمس مشرقة فى بلادنا الحلوة ونستفيد منها اقتصاديا.

قائمة المراجع

http://en.wikipedia.org/wiki/Solar_updraft_tower

http://www.math.purdue.edu/~lucier/The_Solar_Chimney.pdf

http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_energy_consumption_per_capita

http://en.wikipedia.org/wiki/World_energy_resources_and_consumption

http://www.solarpanelsindustry.com/2012/06/solar-chimney-turbine.html

 

العدد التاسع والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

سلطان الشرجي