اجعل لي وزيرا من أهلي..

 

كلمة الوزير.. ماذا تعني؟

عند مراجعة كلمة الوزير في عدد من المصادر منها الويكيبيديا، فقد ذُكر بأن كلمة الوزير “اشتُقت من كلمة وِزر، وهي تعني الحِمل الثقيل والمرهِق والشاق. ورأي يقول أنها مأخوذة من الوَزَر الذي هو الملجأ، وقيل أيضا أنها مشتقة من الأزْر، وهو الظهر.”  كما أن معنى الكلمة الوارد في لسان العرب لابن منظور فهو كالتالي: “وَازَرَه علـى الأَمر: أَعانه وقوّاه، والأَصل آزره “. وقيل: الوزير فـي اللغة اشْتقاقه من الوَزَرِ ، والوَزَرُ الـجبلُ الذي يعتصم به لـيُنْـجى من الهلاك، وقـيل أيضا: يقال لوزير السلطان وَزِيرٌ لأَنه يَزِرُ عن السلطان أَثْقال ما أُسند إِلـيه من تدبـير الـمـملكة أَي يحمل ذلك”. و الكلمة الانكليزية لكلمة الوزير هيMinister، و هي مأخوذة من اللغة الفرنسية Ministre وأصلها من اللغة اللاتينية وتعني الخادم.

أما في القرآن الكريم فقد قال نبي الله موسى عليه السلام سائلا رب العباد: “وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي{29} هَارُونَ أَخِي{30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي{31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي{32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً{33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً{34} إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً{35} (سورة طه). و أيضا يذكر الباري تعالى: و لَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (سورة الفرقان آية 35). 

فمعنى كلمة الوزير لغويا تتمحور حول النقاط التالية: 1) الحمل الثقيل ، 2) الملجأ الذي يلجأ اليه الإنسان في الشدة ، 3) الإعانة و المساعدة، 4) و أخيرا تعني الخادم. أما عند تحليل نصوص القرآن الكريم لمعنى كلمة الوزير فتتمحور حول الإعانة والمساعدة و المُآزرة من أجل تحقيق هدف عظيم وهو ذكر الله وتسبيحه وذلك من خلال إحقاق الحق والعدل إيمانا والتيقن من الرقابة الإلهية على العبد “إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً “.

وهذه المعاني التي تعمق مسؤولية الوزير تخالف ما أشار اليه الأستاذ زاهر المحروقي في مقاله “اعتذار متأخر للأستاذ “حمد الراشدي” المنشور في مجلة الفلق بتاريخ 4 أكتوبر 2013، حيث ذكر: “أن الخلل ليس في شخص الوزير أو أي مسؤول آخر… ” و كما ذكر أيضا مُبَرِّأً ذمة  بعض الوزراء: “لكن قانون المطبوعات والنشر لم ير النور حتى الآن ولا أحد يعرف عنه شيئا، لأنه قيد الدراسة مثل قانون التعليم الذي تحدثت عنه د. “مديحة”. أو كما أشار معتذرا من وزير الاعلام السابق حمد الراشدي في عنوان مقاله.  وقد تساءل في مقاله ملقيا التبعة على أصحاب القرار بالسؤال التالي: من هم أصحاب القرار ..؟!

إن ما ذهب إليه الأستاذ زاهر في مقاله بأن الوزراء لا يملكون القدرة على القرار وأن هناك من يقرر عنهم فهي حتما حقيقة عايشناها جميعا. و نشعر بضآلة الوزير أمام عدد من القضايا حتى تلك الخاصة بالأفراد أو إعطاء الموظفين مناصب أو غيرها،  فهذه الأمور لا يستطيع بعض الوزراء إقرارها أو تنفيذها إلا بأوامر من جهة ما.  وأحيانا توجه الأوامر الى الوزراء بتنفيذ أمور بسيطة جدا مما يجعلك تشعر أن الوزير لا يختلف كثيرا عن المنسق سوى في الراتب والمكانة. و حينما حاول بعض الوزراء التغيير أو التعديل لما فيه الصالح العام دار بهم الكرسي وقذفهم بعيدا عنه سريعا.  كما أن الوزراء لا يملكون قرار مثلهم مثل  من هم أدنى منهم كالوكلاء والمدراء وغيرها من التسميات. و قد قال لي أحد المدراء العموم : “نحن لسنا سوى منسقين نطبق الأوامر ونوزع المهام”.

هذا هو واقع صدى كلمة الوزير في السلطنة والتي لا شك قد لمسها كل مواطن، إلا أن معنى كلمة وزير وفقا للغة العربية و المنهج القرآني فهي أشمل وأعمق.  فكلمة الوزير تشير الى مرادفات إنسانية التي هي موجبات الشراكة بين الحاكم والوزير في اتخاذ القرارات وتنفيذها. كما أن هذه الشراكة تقتضي وفق التعريف  اللغوي  “يَزِرُ عن السلطان أَثْقال ما أُسند إِلـيه من تدبـير”  بأن يكون الشريك أو الوزير متحملا لنتائج شراكته سواء كمشارك في القرار أو تنفيذه وأيضا عند تقصيره في التنفيذ. والى هذا يشير القرآن الكريم حينما طلب النبي موسى عليه السلام من الله سبحانه وتعالى في قوله: “أشركه في أمري”. وحينما وجد (عليه السلام) أن أصحابه انقلبوا من عبادة الله الى عبادة العجل توجه الى أخيه هارون محاسبا لأنه كان شريكه ووزيره في أمره.

غير أن الواقع العماني و مع الأسف الشديد لا يعيش هذا المفهوم في المرادفات العملية لكلمة الوزير. و قد يعود ذلك إلى الضعف الإداري الذي يحيط بالوزير سواء بسبب: 1) انعدام المحاسبة ، 2) أو ضعف الوزير عن اتخاذ أي قرار حتى و إن كان متعلقا باستقالته.  وعند تقصير الوزير في أداء مهامه فهذا لا يعني شيئا سوى أن هناك من سيتضرر من المواطنين لأن عملية التقصير هي عملية نسبيه لا تمس الجميع بل تستثني أولئك البعض وتصيب الأكثرية  التي لا تملك السلطة و القوة. و بسبب هذا التقصير نعيش ضعفا كبيرا في الكثير من القطاعات خصوصا في نظامنا التعليمي والذي تبدو نتائجه ظاهرة في مدارسنا و في السلك التربوي بشكل كبير. أتذكر قبل سنتين حينما كنت أحضر مؤتمرا (على حسابي الخاص طبعا) في بوسطن ، كان لي حديث مع أحد التربويات التي أشارت بأنها قرأت مقالا عن تطور التعليم في عمان، فابتسمت وأدركت كم نحن متفوقون إعلاميا!

أما الأمر الثاني و أظنه يتعلق بالأول بشكل مباشر وهو ضعف الوزراء عن اتخاذ أي قرار حتى المتعلق باستقالتهم. حينما يكون الوزير بعيدا عن المحاسبة سواء من المواطنين أو غيرهم فهذا يعطيه الحق في التقصير مع انعدام الإحساس بالمسؤولية عند البعض سواء لأسباب تتعلق بشخصياتهم أو لأسباب خارجية تسلبهم القدرة على اتخاذ أي قرار. و من ضمن هذه القرارات هو قرار الاستقالة لان الوزير كواجهة لأصحاب القرار الذين لا نعرف من هم.  و هذه الواجهة ليس من السهل تغييرها بشكل مستمر الا عند تعارض المصالح. و هذا يفسر المدد الطويلة التي يقضيها معظم الوزراء في وزاراتهم لأنهم متوافقين مع المعايير التي تتناسب مع أصحاب القرار.  إلا أن الحقيقة التي من المفترض إدراكها هو أن أي وزير سواء كان وزيرا للتربية أو وزيرا للإعلام أو وزراء سابقين أو لاحقين الذين أشار إليهم الأستاذ زاهر المحروقي أو غيرهم من الوزراء أن عدم امتلاكهم للقرار لا يعني أنهم أحرار مبرؤون عما يحدث، فهم تحت طائلة القانون الإلهي وإن شعروا أنهم بمنأى عن الحساب أمام القانون الأرضي. و نظافة اليد حسب فهمي لا تقتصر على عدم السرقة وإنما تنسحب أيضا إلى عدم ظلم الآخرين أو المشاركة في ظلمهم أو سلب حقوقهم.

إن الإشاعة الضاربة في الأعماق بأن وزيرة التربية لا يمكنها أن تلبي مطالب المعلمين لأن القرار ليس بيدها هي ليست عين الصواب ولا نريد من خلالها تبرئة ساحة وزارة التربية أو وزيرة التربية. إن وزيرة التربية إنسانة متعلمة ومستقلة ويجب أن يكون لها القدرة في إقرار حق موظفي الوزارة. و إن كانت هذه الإشاعة سليمة، فعليها من باب الواجب الوطني والأخلاقي أن توضح ذلك وتعلن عدم قدرتها في تلبية تلك المطالب. لقد أشرت في مقالي المعنون: “التربية و التعليم في مجلس الشورى بين الواقع والطموح”،  المنشور في جريدة الرؤية بتاريخ 5 مايو 2012 ، عن اجتماع وزيرة التربية الدكتورة مديحة الشيباني مع أعضاء مجلس الشورى الذي كان قبل أكثر من عام. كلامها في ذلك الاجتماع لم يختلف عما ذكرته بعد أكثر من عام في مقابلتها التلفزيونية التي عرضت بتاريخ 1 أكتوبر 2013 (نفس يوم اضراب المعلمين) سوى في أمور ثانوية.  حول ذلك الاجتماع قلت “لم يكن من العدالة تحميل معالي الدكتورة كل سلبيات الماضي ومحاسبتها عليها لو أنها اعترفت بوجود سلبيات في العديد من الأمور المهمة، بدلا من اللجوء إلى عبارات مثل: “سندرس الأمر”، “سنشكل لجنة”، “ننتظر اقتراحاتكم..”، وهذا هو جوهر المشكلة. وهذا مع الأسف الشديد لم ينتبه إليه المسؤولون والمتصدرون للقرار في بلدنا. فاللباقة أو وضع معطيات غير سليمة لتبرير ظاهرة ليست بالأمر الذي يمكن أن ينطلي على الجميع… لهذا كنت آمل أن اسمع معاليها تقول: نعم هي أخطاء نعترف بها ونعمل على إصلاح الأمور ويهمنا دوركم ودعمكم لنا..” كنت أتمنى لو اسمع ذلك.” إلا أن الوزيرة اليوم ليست بريئة الذمة أمام الله سبحانه وتعالى والشعب العماني من التقصير الحاصل في السلك التعليمي. 

إضراب المعلمين ما هو سوى أسلوب أراد المواطن العماني المتمثل في المعلم من خلاله إظهار التقصير الحاصل والإعلان عنه بعد أن أعيته السبل. ولا يمكن لأي مسؤول التبرؤ من عدم المشاركة في ظلم المعلم والطالب والمجتمع والوطن. فالكل مسؤول و مطالب بحل هذه المعضلة الوطنية. فأبناؤنا الطلبة و المعلمون هم جميعا في بوتقة واحدة منصهرين تحت حرارة ذلك الإهمال والتقصير الذي ألحقته تلك السياسات التعليمية.  وعتابنا لا بد أن يتوجه للوزارة التي لم تصلح ولم تحاول أن تقدم إصلاحا للسير بالعملية التربوية في الطريق السليم. وأيضا لمن هم أصحاب القرار من خلف الكواليس. ومع الأسف، مازالوا على مواقفهم في عدم الاستجابة (حتى كتابة هذا المقال) لأي مطلب من مطالب المعملين (رغم اختلاف وجهة نظري حول بعض من هذه المطالب)، غير أن الحقيقة التي يتفق عليها الجميع هي أن أبناء عمان ومعلمي عمان وكل مواطن عماني هو ثروة لابد من المحافظة عليها وتقصير الوزير وأصحاب القرار في إحقاق الحق لا يعفيهم عن المسؤولية .. ولهذا نرجو إعادة النظر!

 

الثامن والثلاثون سياسة

عن الكاتب

د. فاطمة أنور اللواتية