يوميات معلم : بوابة التعليم بين الواقع و الطموح

كتب بواسطة خالد الخوالدي

 

معلم ميت يقبع لسنتين في كشوفات مراقبة الثانوي
معلم مقال يسجل غياب لثلاث سنوات

اتصل بي صديق مقرب قبل أيام ، أخذنا شوق الأخوة لسبر أغوار النفس و ما يشجيها ، حملتنا الحكايات للبعيد ، تحدثنا طويلا كعادتنا دون حدود ، غير أنه عاجلني بسؤال أصاب سبحي معه بشلل ، قال :
– لست مع الإضراب الذي قام به معلمو عمان ..
– لم أبا مريم ..؟
( لا أقول بأني معه لكن الحوار يقتضي السؤال )
– لا تسيء فهمي يا خالد .. زوجتي مضربة .. حاورتها ، لكنها لم تقنعني ..!

أخذت نفسا عميقا .. من أين أبدأ ؟ ..
كل مؤشرات المجتمع و ردود فعله تصب في خانة أن المجتمع أساء فهم مراد الإضراب فحكره في صور مادية ، بينما المادة كانت آخر ما دفع الألوف المؤلفة تقف لتقول لا .. قبل أن تتعقل وترجع ، رغم الاقتطاعات ، رغم التوقيفات ، و التحقيقات .. توقفوا حتى لا يبقى لأي منهم عذر في ما إذا عاد للتوقف .

و مع هذا أقول .. هناك إضراب آخر قادم .. فلا تغيير جذري لما أوجد الإضراب ..! خرج من خرج .. فتكلموا في كل شيء عدا التغييرات الجوهرية .. عموما

يبقى السؤال : من أين أبدأ ..؟

لا أخفي أني أحد الذين استبشروا بمقدم الوزيرة الموقرة ، لكن بعد مضي سنتين أستطيع القول أن ما صنعناه بمقدمها لا يكفي ، أبحث كمثلكم و أي شخص يهمه الاصلاح عن موطن الضعف و في كل مرة أصدم بجدار ( انعدام المساءلة ) أكان على مستوى الطالب أو المعلم ( أقر بأن بعضنا سبب في ما يحدث أو لنقل : أساءت الوزارة بتوظيفه ) أو ولي الأمر أو المسؤول أو سائل المسؤول .

رغم هذا .. راقبت ما حدث في وسائل الإعلام ، ووجدت جله يضلل الرأي و يسيء للقضية أفضل مما يخدمها ، سواء من خلال السماح لأقلام أن تكتب دون أخرى .. أو بتجاهل الحدث و عدم مواكبته ، أو لقلة من أراد أن يكتب وسط هذا الكم الهائل من الإحباط .. فالكل يسلم بأنه من الصعب الحديث لكثرة القضايا و تشعبها .. لدرجة جعلتني أقول و أردد : حالي كحال المسؤولين .. بت لا أثق بهذا النظام التعليمي .. !!

البوابة التعليمية لمن يجهلها كمشروع .. حائزة في 2011 على جائزة ( تحسين تقديم خدمات عامة ) و طبعا صرفت عليها الملايين من الريالات و الأفكار و الجهود حتى تخرج بهذه الحلة ، مع وجود ( مدخل بيانات ) مخصص في كل مدرسة بمهام تنظيم و تزويد النظام وفق آليات محددة مع وجود قسم مختص بإدارتها . رغم هذه الجهود المشرقة النيرة على مستوى التنظيم ، نجد أن البوابة كمشروع أصبحت عبئا ثقيلا على كاهل الميدان التعليمي على أرض الواقع ، بل أنها منعته إلا من السير للوراء .. تطبيق الأسس العالية يحتاج لتحديث بيانات صارم مع ضرورة انتقال الوزارة للعمل الالكتروني و تقليل الاعتماد على الورق !

مظاهر الفشل في تطبيق التميز لبوابتنا يبدأ من كونه موقع إلكتروني ، فحال الشبكة في عمان لا يحتاج لشرح أكثر .. و مسألة رفع و تحسين خدماتها ما زال يتذيل أولوياتنا الوطنية .. إلى جانب عدم قدرته كموقع على تحمل الضغط الهائل لـ 60 ألف موظف خلال بداية اليوم و نهايته ، مع وجود مواقع عالمية تستضيف زوار يفوق البوابة بمئة مرة دون عناء يذكر ..

أول ما لفت انتباهي لأخطاء البوابة الجسيمة تجربة شخصية .. فقد قادتني الأقدار قبل نحو عامين للانتقال إلى مسقط ، و بعد مضي الفصل المحدد وجدت نفسي بين ردهات الوزارة أنهي إجراءات العودة لمدرستي السابقة ، مضى الصيف و رجعنا للمدارس ، و مرت أيام الفصل الأول بسرعة حتى بلغتنا كشوفات مراقبة الشهادة العامة ، بحثت عن اسمي طويلا و لم أفلح ، حتى اكتشفت عبر زملائي بمسقط أن اسمي ما زال لم ينقل عبر البوابة للباطنة شمال .. رغم أن الأمر لا يستهلك ثانيتين ..!

تفكرت في حاجة المركز لمراقب .. و كم مراقبا هو كحالي ينتقل بين جنبات الوطن سوف لن يجد اسمه ..! لم تطل الأيام حتى عوضت بمراقبة الفصل الثاني .. و سابقت كعادتي بدخول الكونترول هربا من الاحتكاك بالممتحنين . حينها فوجئت بزميل لي بالتخصص (الذي وافته المنية منذ سنتين) يزاحم الأسماء .. بل يطالب و لربما يستجوب !! طبعا هو كمعلم يحسب على تخصص مدرسته .. و له مستحقات مالية وفق النظام .. ووجوده يحرم قسم التخطيط و الاحتياجات من إحلال آخر ليدرس الطلاب

معنى هذا ..

تساءلت لحظتها ..
كم يستحق هذا الــ click ؟
و كم من مشكلة أوجد لنا .. و مسؤولية من هذه ؟

قبل أيام فوجئت بنائب المدير يطبع كشف غياب عبر البوابة .. تخلل الغائبين أحد أصدقائي وقد أقيل من عمله قبل ثلاث سنوات …! سأترك الأمثلة الأخرى فهي كثيرة بعضها شكيته لعضو مجلس الشورى و البعض شربت عليه ماء باردا حتى ينسى ..!

USER المدير
الخطأ التالي للبوابة مجحف بحق العملية التعليمية ، فالنظام يعمل وفق منظومة الصلاحيات ، و طبعا مدير المدرسة يتمتع بالصلاحيات المطلقة بعكس حالنا ، و نظرا لانشغاله الدائم فالــ USER يدار من قبل معاونيه ( 7 معلمين ) لنكتشف أنه أعطى تعليماته خلال مراحل توزيع الشهادات بإحقاق الباطل و إبطال الحق و إن احتاج الطالب لأكثر من 83 درجة .. بل يمكن أن ينجح إن كان حسن الخلق أو أن أباه على معرفة بالمدير أو المعلم الفلاني ، أو أنه يسيء بوجوده و المدير ( يريد الفكة منه ) ..!

هذا التقويض لنتائج الامتحانات و التدريبات و الجهود طوال عام أساء للمعلم و العملية التعليمية .. و ساوى بين المجد و السيء ، بل أصبح المعيار للتفوق الأخلاق و معرفة المدير ، بل ليس مهما ما تعلمه الفرد .. المهم أنه قضاء ( درزن ) من السنين بين مقاعد الدرس !! هذه المشكلة تؤكد أن النظام بصورته الظاهرية جميل إلا أن التطبيق على أرض الواقع لا تتمتع بأي حس بالمسؤولية أو السرعة أو حتى احترام الذات .

حين ترجع للوراء قليلا .. تجد
1. أن الوزارة تعتمد على البوابة و المعاملات الورقية معا ، يوجد بين الصورتين هوة ليست بالهينة .
2. عدد الذين لهم صلة بالنظام ( طلاب – معلمين – عاملين – ووو) غير حقيقي ، مما يوجد مشكلة في قضية تنظيم الميدان التربوي و العمل فيه .
3. قضية النجاح و الرسوب تختلف معاييرها من مدرسة لأخرى ، و من مزاج لأخر .!
4. ركائز النظام متوفرة ، بحاسب آلي و موقع متقدم و مدخل بيانات مفرغ ، لكن لا رقيب يتابع الموظفين من أصغر موظف وصولا إلى معالي الوزيرة الموقرة ..!
5. بعض المدارس بها فائض معلمين لدرجة نجد فيها تفرغ المعلم الأول بالكامل ( اللوائح تمنع تفريغ المعلمين الأوائل بالكامل حتى لا ينسوا المادة و القانون ينص على 12 حصة كحد أدنى و بعض المدارس فيها شح معلمين .
6. المخصصات المالية لمعلم أقيل أو توفي أو أنهى خدماته أو تقاعد يظل حبيس النظام لسنوات .. ما السبيل لها و أين تذهب ؟

و الكثير !!

 

الثالث والأربعون سياسة

عن الكاتب

خالد الخوالدي