حتى لا يطعن المواطن العماني قلبه بالسكين: هجوم رأسمالية “الليبرالية الجديدة” على قوت الشعب!

تعمل الليبرالية الجديدة على الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد أي نقض تنظيم السوق و عدم التدخل في سوق العمل أي نقض تنظيم سوق العمل و يؤدي اعتناق السياسات الاقتصادية لليبراليين الجدد إلى الاستغلال و الجور الاجتماعي و الظلم و عدم التكافؤ . كما أنها تؤدي إلى زيادة البطالة و العمل بأجور اقل و زيادة نسبة المسجونين بالنسبة إلى عدد السكان و الإجحاف بالبيئة و الموارد. و تؤدي كذلك إلى طغيان قوة و سلطة الشركات الضخمة و إحداث تغييرات لصالح الطبقات العليا من المجتمع فقط. فالدراسة التي أجراها كل من (براين روبرتس) و (اليجاندرو بورتس) لنتائج تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة في كل من الأرجنتين و البرازيل و تشيلي و المكسيك و بيرو و الارجواي خلصت إلى انه في الوقت الذي يعاني فيه اغلب السكان من الفقر فأن الطبقات العليا فقط هي التي استفادت من هذه السياسيات حيث تضاعف دخلها 14 ضعفا مقارنة بخط الفقر في أمريكا اللاتينية.

و قف الفلاح الكوري الجنوبي (لي كيونج هي) (قد أكون أخطأت في النطق) وقف في العاشر من سبتمبر 2003 في المكسيك أمام المبنى المحصن بالشرط الذي كان يدور فيه اجتماع منظمة التجارة العالمية و أمام كاميرات محطات التلفزة المحلية و الدولية عبر بإنجليزية مكسرة في ثلاث جمل عن الظلم الواقع على شعوب العالم محدودة الدخل و لما فرغ من كلامه طعن نفسه بالسكين في قلبه حيث مات لاحقا في المستشفى. كان هذا احتجاجه الأخير على الفقر و المعاناة التي لحقت بالفلاحين و العمال في بلاده. إنها الظروف نفسها التي تلحق الفقر و المعاناة بالفقراء و ذوي الدخل المحدود في بلادنا و تدفع بتركز الثروة و السلطة في يد نسبة صغيرة جدا من المجتمع.
ما تحدث عنه الإخوة هنا و آخرهم الأخ بدر الجابري و قبله الأختان الفاضلتان هدى حمد و الدكتورة فاطمة اللواتية و قبلهما الأخ المعتصم هو في جملة واحدة: رأسمالية الليبرالية الجديدة. و الدراسة التي قدمتها غرفة تجارة و صناعة عمان إلى مجلس الوزراء للجم دور هيئة حماية المستهلك في مراقبة أسعار السلع تكاد تكون منقولة من أدبيات الليبراليين الجدد و هي -أي الدراسة- على ما تضمنته من مقاصد محمودة اقتصاديا إلا إنها كما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه و أرضاه: كلمة حق أريد بها باطل!

تعمل الليبرالية الجديدة على الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد أي نقض تنظيم السوق و عدم التدخل في سوق العمل أي نقض تنظيم سوق العمل و يؤدي اعتناق السياسات الاقتصادية لليبراليين الجدد إلى الاستغلال و الجور الاجتماعي و الظلم و عدم التكافؤ . كما أنها تؤدي إلى زيادة البطالة و العمل بأجور اقل و زيادة نسبة المسجونين بالنسبة إلى عدد السكان و الإجحاف بالبيئة و الموارد. و تؤدي كذلك إلى طغيان قوة و سلطة الشركات الضخمة و إحداث تغييرات لصالح الطبقات العليا من المجتمع فقط. فالدراسة التي أجراها كل من (براين روبرتس) و (اليجاندرو بورتس) لنتائج تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة في كل من الأرجنتين و البرازيل و تشيلي و المكسيك و بيرو و الارجواي خلصت إلى انه في الوقت الذي يعاني فيه اغلب السكان من الفقر فأن الطبقات العليا فقط هي التي استفادت من هذه السياسيات حيث تضاعف دخلها 14 ضعفا مقارنة بخط الفقر في أمريكا اللاتينية. و انه نتيجة لعدم التكافؤ هذا تكافح هذه الدول ارتفاعا متزايدا في معدل الجريمة و الضحايا في الحواضر و شبه الحواضر.

كما يؤدي نقض تنظيم سوق العمل إلى عمالة تعمل بصورة متقطعة وغير نظامية و زيادة في العمالة غير الأساسية. و تظهر دراسة أجريت عام 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية ان السياسات الليبرالية الجديدة أسهمت في جعل اقتصاد الولايات المتحدة اقتصادا يعمل فيه 30% من العمال بأجور متدنية و 35% من القوى العاملة في أعمال دون المستوى و 40% فقط من السكان القادرين على العمل يعملون على نحو ملائم.
و يتفق مفكرون و باحثون أمريكيون على ان حالة واسعة من عدم التكافؤ ولدتها السياسات الليبرالية الجديدة أنتجت مشاكل سياسية و اجتماعية و اقتصادية عميقة.

ويجادل عالم الاجتماع الأمريكي المعروف لواك واوانت (جامعة كاليفورنيا- بركلي) بان الليبرالية الجديدة حولت الولايات المتحدة إلى دولة “قنطور” أو دولة حيث هناك إشراف و مراقبة حكومية قليلة على الذين في الأعلى و سيطرة حازمة على الذين في الأسفل. و القنطور كائن خرافي نصفه رجل و نصفه فرس! هذا في دولة ديمقراطية عريقة فكيف الحال إذا كانت الدولة غير ديمقراطية؟

و إلى جانب اقتصاديين و مفكرين كثر، يعد الباحث الأمريكي و الناقد الثقافي (هنري جيرو) والحركة العالمية المناهضة للعولمة (أي المناهضة لليبرالية الجديدة الدولية و أذرعها البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية) يعدان من أبرز منتقدي سياسات الليبرالية الجديدة. و إليكم اقتباسا من مقال له تحت العنوان الفرعي (عنف الليبرالية الجديدة) (ترجمة هذا الكاتب):
” نعيش في زمن ينبئ بشر. زمن طغى على أي حديث عن العدالة و الديمقراطية و المستقبل. ليس فقط نقاط المرجع التي وفرت شعورا باليقين و الرجاء الجمعي قد تبخرت بل ان المرجعيات المتوفرة (حاليا) يتم توفيرها بشكل متزايد من قبل مجتمع تقوده سوق فائقة (هايبرسوبرماركت) و شركات ضخمة و صناعة خدمات مالية فاسدة. أن المؤسسات الاقتصادية و الثقافية الرائدة في المجتمع الأمريكي تلبست بما اسماه ديفد ثيو جولبرج “عسكرة المنطق الاجتماعي”. أضحى انضباط السوق الآن ينظم جميع أوجه الحياة الاجتماعية و العقلية الاقتصادية المرتدة التي تقوده، وتضحي بالصالح العام و القيم العامة و المسؤولية الاجتماعية من اجل حلم استهلاكي مبهرج و في الوقت نفسه تخلق مجتمعا من السلع و الموارد و الأفراد الذين يعتبرون الآن ممكن التخلص منهم”.

لذا أرى و رأيي يقبل الخطأ فبضاعتي قليلة في هذه الأمور انه يتعين علينا:
• العمل على تحقيق اقتصاد مسئول اجتماعيا يتخذ طريقا وسطا بين اقتصاد سوق حر بالكامل (منتقض التنظيم) و اقتصاد مخطط بالكامل أي طريق بين الطريقتين. و هو توجه بدأ يظهر حاليا تحت مسمى (الديمقراطية الاجتماعية) في بعض بلدان العالم التي عانت ويلات الليبرالية الجديدة. و لا ينبغي ان يسمح للأقلية التي تملك اغلب المال ان تملك السلطة كذلك. عليهم الاختبار بين الأمرين إما ان يكونوا تجارا فقط أو يكونوا مسئولين حكوميين فقط لا الاثنين معا. و ليبارك الله لهم في تجارتهم و أموالهم و يكثرها و يمتعهم بها. فلهم الحق في التجارة و الربح و حماية الملكية الخاصة.
• خفض إنفاق السلطنة العسكري الضخم بحيث لا يزيد على 4% من الناتج المحلي الإجمالي ( يبلغ حاليا نحو 9% مما يجعل السلطنة في قائمة الدول العشر الأكثر إنفاق عسكري على مستوى العالم) هذا الخفض سيحرر موارد مهمة نحو تحقيق الاقتصاد المنشود.
• تفعيل قانون الجمعيات التعاونية و إطلاق المبادرات التعاونية. دعوا المواطنين يعينوا بعضهم بعضا. و تسهيل تراخيص الجمعيات الخيرية و جمعيات المجتمع المدني.
• تفعيل الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان و تفعيل العمل النقابي.
• إنشاء هيئة لحقوق الإنسان مستقلة عن الحكومة و بأعضاء لا يعملون في الحكومة ترأسها شخصية عمانية معروفة محليا و دوليا و أرشح المفكر العُمَاني الدكتور صادق جواد سليمان اللواتي سفير السلطنة السابق في الولايات المتحدة الأمريكية.
• العمل على إنشاء مراكز أبحاث مستقلة.

و أخيرا أقول دعوا المواطن يتكلم. دعوا المواطن يتكلم. فالخوف يعلم الكذب و الكذب اخطر قناع يخفي الحقيقة. بدون معرفة الحقيقة لا يمكن وضع سياسات رشيدة. يريد العمانيون مجتمعا كريما و متساويا و حكومة تحاسب على أعمالها . و يمكن للناصحين في هذا البلد من مختلف دروب الحياة و شرائح المجتمع إذا وضعوا أيديهم بيد صاحب الجلالة السلطان حفظه الله و رعاه و الأسرة المالكة الكريمة الوصول إلى هذا المجتمع قبل فوات الأوان (فمازال عددنا قليل جدا: نحو مليوني مواطن) حتى لا يطعن المواطن العماني نفسه في قلبه و تضيع مكتسبات النهضة الاقتصادية و الاجتماعية بسبب هجمة رأسمالية الليبرالية الجديدة. أو حسب آخر كلمتين قالهن الفلاح (لي) :” كارثة على بني الإنسان”.

الحادي والخمسون سياسة

عن الكاتب

محمد عبدالله العليان

إعلامي عماني و عضو الرابطة الدولية للكتاب العلميين ISWA