الإضراب السلمي… بين النصوص والتفسير

كتب بواسطة عامر العزري

نص قانون العمل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35/2003 على حق العمّال في الإضراب السلمي عن العمل، حيث نصت المادة (107) منه على الآتي: “يصدر الوزير قرارًا بتنظيم المفاوضة الجماعية التي تتم بهدف حسم النزاع العمالي الجماعي أو تحسين شروط وظروف العمل أو رفع الكفاءة الإنتاجية وتنظيم الإضراب السلمي والإغلاق”، كما نص عليه القرار الوزاري رقم 294/2006 بشأن تنظيم المفاوضة الجماعية والإضراب السلمي والإغلاق وتعديلاته، إلا أن هذه التشريعات لم تتناول تعريف الإضراب السلمي كمصطلح – حالها كحال أغلب التشريعات العربية والدولية -، مثلما تناولت تعريف كل من المفاوضة الجماعية، والنزاع العمالي الجماعي، واتفاقية العمل الجماعية، والخدمات العامة أو الأساسية؛ ربما لأن الإضراب لغةً يعني (الامتناع أو التوقف) ونصّ القرار المذكور آنفًا في المادة رقم (18) على الآتي: “للعمال الحق في الإضراب السلمي عن العمل بالمنشأة لتحسين شروط وظروف العمل”، فيفهم منه على أنه (امتناع أو توقف العمال عن العمل). ومع ذلك فإنه من المهم ههنا تعريف الإضراب السلمي كمصطلح يساعدنا على معرفة الإجراءات والهدف من الإضراب. وقد عُرِّف الإضراب تعريفاتٍ فقهيةٍ عديدة، من أهمها تعريف الدكتور محمود جمال الدين زكي في كتابه (أثر الإضراب على عقد العمل) بأنه: “امتناع العمال عن العمل امتناعًا إراديًا ومدبرًا لتحقيق مطالب مهنية”. وسنحاول معًا التعرف على الإجراءات التي يجب أن يتبعها الأطراف ذات العلاقة في سبيل تنفيذ ووقف وإنهاء الإضراب السلمي وتسوية المطالب العمالية المتعلقة به.

أول هذه الإجراءات والذي يقع على عاتق النقابة العمالية بالمنشأة؛ هو ما نصت عليه المادة (19) من القرار الوزاري 294/2006 والمعدلة بالقرار الوزاري 17/2007: “على النقابة العمالية المعنية إخطار صاحب العمل كتابيًا بعزم العمال على الإضراب قبل ثلاثة أسابيع على الأقل من التاريخ المحدد له، ويبين بالإخطار أسباب الإضراب ومطالب العمال، ويجب أن توافى الوزارة أو أي من مديرياتها بالمحافظات أو المناطق بنسخة من هذا الإخطار”. وتتبين لنا من نص المادة السابقة عدة نقاط مهمة:

أولًا: إنه يجب على النقابة المعنية إخطار صاحب العمل بالعزم على الإضراب، كما أن هذا الإخطار يجب أن يكون كتابيًا، وعليه لا يعتد بالإخطار إذا كان شفهيًا، أو كان مجرد أخبار تتداول بين العمال. والغرض من ذلك التنظيم، وحماية الطرفين، والمتمثل في حماية حق النقابة العمالية المعنية بالإخطار بالإضراب باعتبارها الممثل القانوني للعمال بالمنشأة من جهة، وحماية صاحب العمل من تداعيات الإضرابات غير القانونية من جهةٍ أخرى.

ثانيًا: إن مدة الإخطار حُددت بثلاثة أسابيع “على الأقل”، وعليه يجوز للنقابة أن تحدد مدةً أطول بالإخطار، أو أن تمدد مدة الإخطار، لأن ذلك لا يخرج عن مقصد المشرع بل يعززه في إتاحة الفرصة للأطراف للتفاوض وتسوية النزاع من خلال الإجراءات التي وضعها في هذا الشأن.

ثالثًا: أن يُبيَّن في الإخطار أسباب الإضراب ومطالب العمال، وغالبًا ما تكون الأسباب والمطالب مرتبطةً ارتباطًا مباشرًا، فعندما يكون أحد أسباب الإضراب الواردة بالإخطار – على سبيل المثال – هو تدنّي أجور العمال بالمنشأة؛ يغدو مطلب العمال زيادة الأجور. وعندما يكون أحد الأسباب عدم التزام المنشأة بتنفيذ بنود اتفاقية عملٍ أُبرمت بينها وبين النقابة؛ يغدو مطلب العمال التزام المنشأة بتنفيذ بنود تلك الاتفاقية، وهكذا. ومع ذلك؛ فإنك قد تجد بعض أسباب الإضراب مختلفة عمًا تقدّم، مثل سبب: (عدم تجاوب إدارة المنشأة للتفاوض مع النقابة)، مما يجعل الإخطار بالإضراب وسيلةً للضغط على الإدارة للجلوس على طاولة المفاوضات.

رابعًا: موافاة الوزارة أو أي من مديرياتها بالمحافظات بنسخة من الإخطار بالإضراب، وسيتضح لنا الغرض من هذا الإجراء في الآتي:

نصت المادة (23) بالقرار الوزاري 17/2007 على أن “تتولى الوزارة عند إخطارها بالإضراب أو الإغلاق تشكيل لجنة بالاتفاق بين العمال وصاحب العمل من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الإضراب أو الإغلاق وتسوية النزاع بينهم، وفي حالة التوصل إلى الاتفاق فإنه يجب تدوينه والتوقيع عليه من جميع أطرافه، وتودع نسخة منه لدى الوزارة، وفي حالة عدم توصل اللجنة إلى حل النزاع خلال أربعة أسابيع من تاريخ إحالته إليها يحال النزاع إلى المحكمة المختصة”.

إذًا تتضح أهمية مدة الإخطار في فسح المجال لأطراف النزاع للحوار والتفاوض وتسوية النزاع. وباستقراء المادة المذكورة آنفًا؛ يتضح أن اللجنة التي تتولى الوزارة تشكيلها بهدف تسوية النزاع تكون باتفاق الطرفين، ولا يتم ذلك إلا باتفاقهما أولًا على تشكيل اللجنة، وثانيًا باتفاقهما على أعضاء اللجنة. ولا يوجد في المادة ما يلزم أحد الطرفين بالموافقة على تشكيل لجنة، مما يكون معه الأمر اختيارًا يرجع إلى رغبة الطرفين من عدمها. وهذا يحيلنا إلى نتيجة غاية في الأهمية هي: أن النقابة العمالية بإمكانها تنفيذ الإضراب السلمي دون الاضطرار للجوء إلى التفاوض قبله.

أما في حالة تشكيل اللجنة باتفاق الطرفين؛ عندها تنص المادة (22) من ذات القرار المذكور آنفًا على الآتي: “يجب وقف الإضراب فور موافقة الأطراف على بدء إجراءات تسوية النزاع العمالي الجماعي وفقًا للأحكام الواردة بالمادة (23) من هذا القرار”، ويجدر بالذكر أن تشكيل اللجنة وبدء إجراءات التسوية يترتب عليها وقف الإضراب دون إنهائه. فمتى ما كانت إجراءات التسوية قائمة؛ كان وقف الإضراب واجبًا. وفي حالة التوصل إلى اتفاق؛ يدوّن ويوّقع عليه من قبل الأطراف. أما في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، فيحق للعمال استئناف إضرابهم، لأن إجراءات التسوية – التي يجب خلالها وقف الإضراب – قد انتهت، مما يترتب عليها انتهاء الالتزام الملقى على عاتق العمال وهو وقف الإضراب، وبالتالي حقهم في العودة لممارسة الإضراب السلمي. أما قيام اللجنة بإحالة النزاع إلى المحكمة المختصة خلال أربعة أسابيع من تاريخ إحالته إليها وفق ما نصت عليه المادة (23) المذكورة؛ فلا يترتب عليه وقف أو إنهاء الإضراب لسببين:

أولًا: لأن وقف الإضراب مرهون بإجراءات تسوية النزاع العمالي التي تختص بها اللجنة التي تتشكل باتفاق الطرفين، أما المحكمة المختصة التي يُحال إليها النزاع، فهي جهة فصل لا تسوية.

ثانيًا: لأن المادة (23) من القرار الوزاري المذكور قد رسمت المسار القانوني لإنهاء الإضراب وهو كالتالي: “تشكيل لجنة بالاتفاق بين العمال وصاحب العمل من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الإضراب أو الإغلاق وتسوية النزاع بينهم”، وعليه يتبين أن إنهاء الإضراب يكون باتفاق الطرفين، مع حق النقابة العمالية في إنهائه بإرادتها المنفردة كونها صاحبة الحق في الإضراب.

وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أن أيام الإضراب عن العمل تحتسب إجازة عمل بدون أجر وفقًا للمادة (21) من القرار الوزاري 294/2006، ولا يعتبر هذا الإجراء بمثابة عقوبة للعامل، وإنما تطبيقًا للقاعدة القانونية: (العمل مقابل الأجر، والأجر مقابل العمل).

الحادي والخمسون سياسة

عن الكاتب

عامر العزري