وسائل التواصل الاجتماعي تغزو حياتنا

 

 

لقد أحدثت التكنولوجيا الحديثة نقلة نوعية في حياة الأفراد والشعوب في العالم بأسره، فمن كان يعتقد أنه بالإمكان انجاز أعمال كانت تستغرق وقتا طويلا للقيام بها في سويعات معدودة، ومن كان يظن بأن تُصبح حياته رهينة بالآلة في كل لحظة من حياته، لا يستطيع الاستغناء عنها في جميع شؤونه وتفاصيل حياته، بل من كان يعتقد أن يتطور العالم هذا التطور الملحوظ ونصل إلى ما وصلنا إليه بفضل التكنولوجيا. ومع تطورها وانتشار الانترنت في العالم، أصبحت الأمور سهلة يسيرة، وأصبح العلم في متناول الجميع، وأضحت أخبار العالم تصل إلينا فور وقوعها وما علينا سوى قراءة صفحات الانترنت أو مشاهدة التلفاز لنعرف الخبر أولا بأول.

ثم ما لبثنا إلا يسيرا، حتى بدأت بعض الصفحات على شبكة الانترنت بالظهور بمسمى شبكات التواصل الاجتماعي، وهذه الشبكات قلبت كيان البشر رأسا على عقب وخصوصا الشباب منهم، فهم – أو حري بي أن أقول نحن – أصبحنا لا نستغني عن هذه الشبكات الاجتماعية، لأنها تُسهل علينا الوصول لأقراننا من الشباب، ومعرفة آخر المستجدات على الساحات المحلية والاقليمية والعالمية، من أخبار سياسية أو اجتماعية أو رياضية، وبها نستطيع مشاركة الآخرين بأجمعهم أفكارنا وأراءنا، وما نخفيه في طيات نفوسنا، تارة نظهر للعالم الافتراضي بأسماءنا الحقيقية وتارة آخرى بأسماء مستعارة حتى لا يستطيع الغير اكتشاف هويتنا الحقيقية.

لقد أصبح العالم بوجود وسائل التواصل الاجتماعي قرية صغيرة جدا، وهذا هو أحد أهم إيجابيات هذه الوسائل، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت تلعب دورا مهما في العملية التعليمية، حيث تتشارك جميع الفئات المنظوية في العملية التعليمية في النقاش وإبداء الأراء بدءاً من مدير المدرسة وانتهاءً بأولياء الأمور مرورا بالمعلمين والطلاب وغيرهم ممن يلعبون دورا مهما في المدرسة. وقد بدأت بعض المدارس في السلطنة منذ فترة وجيزة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال أهدافها ونشر فعالياتها ومناقشة بعض القضايا المهمة التي تهم الطالب والمدرسة على حد سواء مع الطلاب أنفسهم وأولياء أمورهم عن طريق هذه الوسائل، وهي خطوة مهمة جدا لتطويع التكنولوجيا في العملية التعليمية.

أما الجهات الحكومية والتجارية والمنظمات العالمية، فقد بدأت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإن كان ذلك متأخرا بعض الشيء، فأصبحنا نرى معظم الجهات الحكومية في العالم تستخدمها وخصوصا التويتر “twitter” واليوتيوب “youtube” لعرض خدماتها، كما قامت الجهات التجارية في مختلف انحاء العالم بالدخول إلى عالم التواصل الاجتماعي عن طريق عرض منتجاتها وبيعها عن طريق الانترنت وإنه لأمر سهل يسير ويتمكن منه الجميع. حقيقةً، إنه لأمر جيد أن تنتبه الجهات الحكومية والتجارية إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في القرن الـ21، وتستخدمها كوسيلة مهمة للتواصل مع المستهلكين والمستفيدين من خدماتها. بالإضافة إلى ذلك، فمشاهير العالم أصبحوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وبكثرة أيضا، من رياضيين وسياسيين ورجال دين ومؤلفين وأُدباء، متواصلين بذلك مع جمهورهم المنتشر في شتى أرجاء المعمورة.

ومن خلال بعض الدراسات وخصوصا التي أجريت في سلطنة عمان، ومنها الدراسة المعنونة بـ “التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على الشباب” فقد لوحظ أن الفئة العمرية من سن 18-25 سنة وهم طلاب جامعيون أو طلاب أنتهوا من دراستهم الثانوية حديثا، أنها أكثر الفئات المستخدمة لوسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يوضح لنا أمرا مهما للغاية وهو سرعة مواكبة هذه الفئة العمرية لكل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا من دون التفكير في عواقب هذا الانجرار السريع إلى التطور التكنولوجي.

لقد أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على الأفراد والمجتمعات بشكل كثير، وقد أولى المهتمون بقضايا التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث اهتماما بها وركزوا في حديثهم وكتبهم على أضرارها وسلبياتها – مع التأكيد على إيجابياتها – التي أثرت على الفرد والمجتمع. ومن الواضح جدا أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير قوي جدا في انتشار الشائعات بين أفراد المجتمع الواحد أو المنطقة الواحدة، فربما يكتب أحدهم جملة مؤلفة من 140 حرفا كما في التويتر “twitter” أو فقرة صغيرة في الفيسبوك “Facebook” حتى تبدأ بالانتشار بين الناس بضغطة زر واحدة، وكم من أفراد تضرروا من وراء هذه الحروف القليلة، وكم من المؤسسات التي تأثرت وسقطت والشركات التي أفلست بسبب إشاعة صغيرة في مثل هذه الوسائل.

واوضحت الدراسات بأن يصل المستخدم إلى حالة من الإدمان الشديد على وسائل التواصل الاجتماعي، فيبقى متنقلا بين صفحات وسائل التواصل الاجتماعي واحدة فالاخرى كالتويتر والفيسبوك والـ “Instagram” و الـ”youtube” وغيرها من هذه الوسائل. وهذا الأمر يفقده تواصله مع العالم الحقيقي، ومع عائلته أو اصدقاءه، وأصبح واضحا في الجلسات العائلية أو جلسات الأصدقاء انشغال الشباب بهواتفهم النقالة وبعوالمهم الافتراضية الخاصة بهم، دون الحديث مع عوائلهم وأصدقاءهم، وقد أدى تفشي هذه الظاهرة إلى تفكك الأسر وتشتتها لقلة التواصل بينهم.

كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملموس في تدني المستوى الدراسي للطلاب، لانشغالهم الزائد عن الحاجة بها، وهذا ما أكدته الدراسة التي سبق وأن تحدثنا عنها في حديثنا أعلاه. وقد وضعت الدراسة عددا من الحلول لأجل مواجهة هذه الظاهرة وكان منها البحث عن الجانب المشرق من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما في عمليات البحث العلمي ومشاهدة الأفلام الوثائقية، وتعلم اللغات الاجنبية وتنمية الثقافة العامة، كما دعت إلى حسن توزيع الوقت المستَهلك في استخدام مثل هذه الوسائل وتقنينه.

من خلال ما سبق نلاحظ بأن مواقع التواصل الاجتماعي لها العديد من الإيجابيات ولها أيضا الكثير من السلبيات، ولأجل الاستفادة من إيجابياتها والابتعاد عن سلبياتها، فإنه علينا أولا أن نستخدمها فيما يُرضي الله سبحانه وتعالى. كما يجب على الأباء وأولياء الأمور والمربين الانتباه لما يتداوله ابناءهم وخصوصا الصغار منهم في هواتفهم النقالة وحواسيبهم، وما هي الحسابات التي يتواصلون معها في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجنب ما لا يُحمد عقباه لاحقا.

كما يجب عدم نشر الأخبار الكاذبة أو التي لا يُعلم صحتها من عدمها بما فيها التي يتم عنونتها بـ “كما وصلني” فإن الإنسان مسؤول عن كل ما ينشره من أخبار أو معلومات. وأخيرا أن يستطيع المستخدم لهذه الوسائل انتقاد ما يصله من أفكار وشبهات ومواضيع، فيستطيع أن يميز الخبيث من الطيب والجيد من الرديء.

ختاما، فإن وسائل التواصل الاجتماعي وُجدت لنستفيد منها ونفيد غيرنا من خلالها، ولابد لنا من العمل على استخدام هذه الوسائل فيما يحقق لنا طموحاتنا وينمي مجتمعاتنا وأوطاننا وأن لا نستخدمها إلا في ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

 

رضا بن عيسى اللواتي

مسقط – سلطنة عمان

الحادي والخمسون ثقافة وفكر

عن الكاتب

رضا بن عيسى اللواتي