انفصال رأس الخيمة عن عمان

انفصلت رأس الخيمة عن عمان، وظهرت كعاصمة لساحل عمان الشمالية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ولكن هذا الانفصال قاد إلى منازعات طويلة مع حكام عمان من الآلبوسعيد، وذلك لانتماء قبائل رأس الخيمة للحزب الغافري المعارض لآلبوسعيد، ويمكن تحديد عام 1765م باعتباره العام الذي أعلن فيه استقلال قبائل ساحل عمان الشمالية عن عمان الأم، وأصبحت رأس الخيمة مركزاً مستقلاً، وعاصمة لتلك المنطقة

انفصلت رأس الخيمة عن عمان، وظهرت كعاصمة لساحل عمان الشمالية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ولكن هذا الانفصال قاد إلى منازعات طويلة مع حكام عمان من الآلبوسعيد، وذلك لانتماء قبائل رأس الخيمة للحزب الغافري المعارض لآلبوسعيد، ويمكن تحديد عام 1765م باعتباره العام الذي أعلن فيه استقلال قبائل ساحل عمان الشمالية عن عمان الأم، وأصبحت رأس الخيمة مركزاً مستقلاً، وعاصمة لتلك المنطقة، ولا شك أن هذا الانفصال كان من أهم المشكلات التي واجهت أحمد بن سعيد، فقد بايعت قبائل رأس الخيمة الإمام بلعرب بن حمير 1743 – 1753م الذي أيدته قبائل الغافرية، التي كانت ترى ضرورة إبقاء الإمامة في أسرة اليعاربة. ولذلك طلب الشيخ محمد بن ناصر الغافري من شيخ قبائل رأس الخيمة معاونته في الإطاحة بحكم أحمد بن سعيد، وبذلك شاركت قبائل رأس الخيمة في المعارك العنيفة التي دارت بينهما.
لم تكن هذه المعارك في صالح الحزب الغافري بعدما نجح أحمد بن سعيد في التخلص من الإمام بلعرب بن حمير عام 1753م، وشدد من قبضته على المقاطعات العمانية، واتجه عام 1759م إلى إخضاع رأس الخيمة في معقلهم ومنع الانفصال، إلا أنه لم يتمكن من هزيمة قبائل رأس الخيمة واخضاعهم، وقد يرجع ذلك إلى تخلى حلفائه عنه، مما دفع حاكم رأس الخيمة في عام 1763م إلى إرسال حملة انتقامية وصلت إلى مدينة الرستاق عاصمة عمان. وأصبح الموقف حرجاً إلى درجة تبين فيها لأبناء أحمد بن سعيد يمكن أن يؤدي نزاعهم مع أبيهم إلى القضاء على حكم أسرتهم، ولذلك آثروا فض الخلاف مع أبيهم، وسلموا له الحصن الغربي في مسقط، بينما احتفظوا بالحصن الشرقي. وما أن ذاع خبر الصلح بين أحمد بن سعيد وأبنائه، حتى بادر حاكم رأس الخيمة وحليفه محمد بن ناصر الغافري بفك حصار الرستاق، وتم الصلح بين حاكم رأس الخيمة وأحمد بن سعيد، الذي وافق على انفاصل واستقلال رأس الخيمة عن الوطن الأم “عمان الكبرى” أو “عمان الطبيعية”.
ويمكن القول أن بداية اعتراض سكان رأس الخيمة للسفن البريطانية العابرة في مياه الخليج العربي كان منذ عام 1798م، عندما هاجموا السفينة الحربية (فيبر –Viper) بالقرب من ميناء بوشهر الايراني، واستفادت بريطانيا من الخلافات القائمة بين عمان ورأس الخيمة، لكي ترسل حملتها العسكرية الأولى إلى ساحل عمان في عام 1805م، بعدما تزايدت عمليات رأس الخيمة ضد السفن البريطانية. ففي عام 1804م استولت قبائل رأس الخيمة على سفينتين تابعتين لشركة الهند الشرقية البريطانية.
وفي العام التالي 1805م، هاجم أسطول يتكون من أربعين سفينة شراعية تابعة لرأس الخيمة سفينة حربية تابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية، مما دفع بحكومة بومباي إلى تنظيم حملة عسكرية، حيث غادرت في الثامن والعشرون من مايو في عام1805م مسقط إلى بندر عباس التي كانت تحت السيادة العمانية في ذلك الوقت، وتوجه الأسطول البريطاني مع العماني إلى جزيرة قشم ،وفي خلال ذلك الوقت استطاع حاكم عمان بدر بن سيف محاصرة أسطول رأس الخيمة في ميناء قشم.
وعلى الرغم من وقوع تلك السفن تحت الحصار العماني – البريطاني المشترك، إلا أن القائد سيتون وافق بناء على تعليمات حكومته، أن يمنح رأس الخيمة هدنة لمدة ستين يوماً، والتي أدت إلى توقيع أولى المعاهدات بين بريطانيا ورأس الخيمة في عام1806م، وبمتقضى تلك المعاهدة تم تهدئة الموقف نسبياً بينهما. واحتوت المعاهدة على ستة بنود عالجت السلام في الخليج العربي، وتعهد حاكم رأس الخيمة بحماية السفن والممتلكات البريطانية التي تصل إلى موانئهم، ونصت على ما يلي:.
1- تتعهد رأس الخيمة باحترام ممتلكات شركة الهند الشرقية البريطانية ورعاياها، ووافق البريطانيون من جانبهم أن يحترم كل من الطرفين علم وممتلكات الطرف الآخر، أينما وكيف يكونون.
2- في حالة عدم امتثال رأس الخيمة لشروط تلك الاتفاقية، تفرض عليهم غرامة مقدارها ثلاثون ألف ريال نمساوى “مارياتريزا”، أما إذ أرغموا على نقض تلك المعاهدة، فيتعين عليهم إخطار شركة الهند البريطانية قبل ثلاثة أشهر من نقض المعاهدة.
نلاحظ من شروط تلك الاتفاقية بأنها كانت متكافئة، واحتوت على بنود ملزمة للطرفين دون طرف واحد، وأنها عقدت بين الكابتن سيتون ممثلاً عن بريطانياً وعبدالله بن كروش ممثلاً عن رأس الخيمة، أي أن حكومة الهند البريطانية لم تتعامل مع القوى القبلية في ساحل عمان بصورة انفرادية كما سيحدث ذلك فيما بعد، وإنما أقرت حكومة الهند بالزعامة لرأس الخيمة لساحل عمان الشمالية، ولم تلتزم قبائل رأس الخيمة بنصوص معاهدة 1806م لأكثر من عامين، حيث عادوا إلى تكرار نشاطهم السابق ضد السفن البريطانية واستولوا على السفينة البريطانية “سيلف” وهاجموا سواحل الهند. وذكر الرحالة البريطاني موريير بأن أسطول رأس الخيمة بلغ في عام 1809م ثلاثاً وستين سفينة كبيرة وثمانمائة وعشرة سفينة صغيرة، وعلى هذه السفن تسعة عشر ألف مقاتل، ولعل هذا التعاظم في قوة رأس الخيمة شجع حاكمها سلطان بن صقر بأن يطلب من حكومة بومباي البريطانية دفع مبالغ سنوية له، مقابل تعهده بضمان سلامة تجارتها في الخليج العربي، وكذلك مقابل أجور الخدمات والتسهيلات التي يقدمها للسفن التابعة لها خلال مرورها سواحله، وعلى الرغم من أن هذه المطالب تعد مطالب مشروعة وفقاً للمفهوم العصري الحديث، إلا أن بريطانيا اعتبرت تلك المطالب بمثابة خدش للكرامة البريطانية، ورد على ذلك سكان رأس الخيمة بشن هجومهم على السفينة “مينريفا” في أبريل 1808م، وكانت آخر الضحايا في نفس العام السفينة “داريا دولت”، وبعدها اتجهت بريطانيا للقضاء على قوة رأس الخيمة، وأرسلت حملة 1809م بهدف تدمير هذه الحملة وتدمير القواعد البحرية لرأس الخيمة، وتسليمها لحاكم عمان، وفرض معاهدة استسلام، وتحقيق التعاون بين بريطانيا وايران، وفرض سيادة الأخيرة على سواحلها الشرقية، والتي كانت تسيطر رأس الخيمة على بعض موانئها ومن أهمها “لنجة”، وأن تتعرف البحرية البريطانية على أنسب جزيرة تقع في مدخل الخليج العربي لتكون قاعدة بحرية بريطانية لمراقبة الملاحة والسفن العابرة.
ولتحقيق هذه الخطة خرجت الحملة من ميناء بومباي في 14 سبتمبر1809م، ووصلت إلى رأس الخيمة ودارت معركة عنيفة بين الطرفين، ودافعت قبائل رأس الخيمة عن عاصمتهم دفاعاً مستميتاً، ولم ينسحبوا من مراكزهم إلا بعد أن أضرم البريطانيون النيران ونزلوا إلى المدينة ،بعدما انسحب سكانها إلى الداخل، وأحرق البريطايون كل السفن التي وجدوها في الميناء، وكان يبلغ عددها أكثر من خمسين سفينة، من بينها السفينة البريطانية “مينرفا”، وعلى الرغم مما حققته الحملة من انتصارات، إلا أنهم لم يلبث بعد ذلك أن ساد الخوف في نفوس البريطانيين، خوفاً من قدوم مساعدات، وإمدادات من القبائل العربية في ساحل عمان.
لذلك أسرعوا إلى سفنهم، وأتجهت الحملة إلى الشمال قاصدة ميناء لنجة ولافت في جزيرة قشم واستولوا عليها. ورغم الانتصار وتدمير رأس الخيمة، إلا أنه حملة 1809م لم تحق أهدافها بالقضاء على قوة قبائل رأس الخيمة، ونجت معظم سفن الأسطول من التدمير، حيث تم إخفائها في الخلجان في شبه جزيرة رأس مسندم قبل مجيء الحملة، وكانت تلك الخلجان غير معروفة لدى البريطانيين، إضافة إلى أن معظم سفن قبائل رأس الخيمة كانت في أسفار خارج المنطقة، كما لم تؤد هذه الحملة إلى وقف الحملات ضد السفن البريطانية وعلى العكس فقد زادت العمليات

الثاني والخمسون سياسة

عن الكاتب

محمد بن حمد الشعيلي

اكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة