“المخيال ” وفكرة ” أنهم عرب “

نشأة مفردة ” المخيال ” كانت في الانثربولوجيا الفرنسية على يد عالم التحليل النفسي الفرنسي جاك لاكان ، وهي تعني فعل التأويل لما يعيشه الانسان في علاقته بذاته أو لما يعيشه في علاقته بالآخر . بشكل أوضح ، المخيال عبارة عن مخزن من الصور والتمثلات والرموز والحكايات والأساطير التي تشكلت تاريخيا في الذاكرة الجماعية أو في الذهن كنتيحة لعملية التأويل التي تحاول بها جماعة ما رسم واقعها الداخلي أو واقعها مع الآخر .

نشأة مفردة ” المخيال ” كانت في الانثربولوجيا الفرنسية على يد عالم التحليل النفسي الفرنسي جاك لاكان ، وهي تعني فعل التأويل لما يعيشه الانسان في علاقته بذاته أو لما يعيشه في علاقته بالآخر . بشكل أوضح ، المخيال عبارة عن مخزن من الصور والتمثلات والرموز والحكايات والأساطير التي تشكلت تاريخيا في الذاكرة الجماعية أو في الذهن كنتيحة لعملية التأويل التي تحاول بها جماعة ما رسم واقعها الداخلي أو واقعها مع الآخر . أشكال المخيال وأنواعه متعددة ، والتعدد ناتج عن اختلاف بنية الحامل الاجتماعي والوظائف الايدولوجية المنوطة به . يمكن لهذا المخيال أن يظهر كردة فعل أو أن يلعب دور الموجة في اللحظات الاجتماعية او اللحظات التاريخية العصيبة التي قد تمر بالجماعة ، ويمكن للفاعليين الاجتماعيين تسخير المخيال في سبيل التعامل مع أي وضع يمر به الحامل الاجتماعي بما يتلاءم وأهدافهم .
على ضوء مفهوم المخيال ، أود أن أتعرض لمخيال “أنهم عرب ” ، أي لـ التمثلات والصور التي شكلك لكلمة “العرب ” معنى تأويلي في ذهن الجماعات العربية . والذي على أساس هذا الفعل التأويلي نرى لكلمة العرب حضور يجمع شعوب العرب على الانفعال ازاء كل ما يلم بأي شعب من الشعوب العربية . فمثلا على صعيد أحداث غزة ــ الحدث الأخير الأبرز ــ تحدث الناس عن أنفسهم على أنهم عرب خذلوا غزة ، خاطبوا العرب ، عاتبوهم ، لاموهم ، حاولوا استنهاضهم بأن القضية الفلسطينية قضيتهم كعرب ، حديث الناس عن فلسطين ، عن الجهل ، عن النهضة ، عن الإصلاح والتنوير ، عن الفساد ، غالبا ما يكون ” مخيال انهم عرب” أداة الخطاب ومحركه . وغالبا ما نرى مخيال ” أنكم عرب ” أداة يوظفها الفاعلون الاجتماعيون في سبيل التعامل مع الاوضاع التي يمر بها الحامل الاجتماعي .
السؤال الذي يمكن البدء به لتفكيك “مخيال أنهم عرب ” هو : لماذا تظهر الروح المشتركة بين شرائح واسعة من الوطن العربي معبرة عن الفرحة أو عن الألم أو الرغبة أو الرفض كنوع من التفاعل مع الأوضاع أو أي حدث يمر بأي شعب من الشعوب العربية ؟ ، السؤال مطروح لتنظير نشأة و تركيبة الصور والتمثلات التي تجمع العرب على فكرة أنهم ” عرب ” ، وانعكاسات هذه الصور والتمثلات على حديث الانسان عن نفسه ، عن انتماءاته ، عن طريقة تفاعله وما يحيط به .
لاستيعاب تركيبة ونشأة المخيال الذي يجمع العرب على فكرة انهم عرب ، والذي على اساس هذا المخيال يتفاعل الناس مع مشاكلهم واحداثهم ، هناك من يربط ويقول أن للأصول العرقية والروافد الثقافية المشتركة الدور الأبرز ، وأنه ونتيجة لهذه الأصول والروافد المشتركة نشأ الناس على مخيال ” أنهم عرب” ، بحسب ما أرى ، فالأصول العرقية والروافد الثقافية المشتركة غير كافية لخلق مخيال ” العرب ” وفق مستواه الماثل .الحضور الفعلي الذي شكل لـ لفظ ” العرب” معنى وصور في وعي الجماعات العربية ، يعود لعنصرين اساسيين هما : التجربة التاريخية و وحدة المصير . التجربة التاريخية من حيث أنها مسؤولة عن تكوين تمييز الانسان لنفسه ولحقائق الاشياء حوله ، ومن حيث أنها مسؤولة عن جمع فئة معينة على درجة متساوية من التمييز تجعلهم ينظرون لأنفسهم على أنهم هم كذا ، وأنهم وحدهم من يواجهون كذا وكذا . وأن خلاصهم في كذا . هذا التمييز هو ما ستخرج عنه الصور لاحقا ومن ثم المخيال الذي اساسه فكرة “انهم عرب “.
أبرز تجربة تاريخية عاشها العرب والتي على اساسها تكون لهم مخيال ” أنهم عرب ” ، هي تجربة الاستعمار العثماني لبلاد الشام وبعض ما جاورها ، والاستعمار الأوروبي لبلاد المغرب العربي وبعض ما جاورها ، لهاتين التجربتين أثر واضح في تكوين مخيال العرب ، ذلك أن الانسان العربي ميز بهما صور الظلم و القهر والاستبداد والتهميش والحاجة للاستقلال والنهضة ، بلاد الشام قبل التقسيم عانت من بطش وتهميش الدولة العثمانية ، واشتد هذا التهميش في اواخر الخلافة العثمانية خصوصا بعد ظهور أحزاب مثل حزب ” تركيا الفتاة ” التي كانت تروج إلى ان الامة التركية أمة مصطفاه على عكس الامة العربية وباقي الأمم . وبالمثل عانت دول المغرب العربي ودول عربية آخر مثل ما عانته بلاد الشام من قهر وتهميش وبطش الاستعماريين الأوروبيين .
أضف لتجربة الاستعمار تجربة الانفتاح على الغرب والحركة النهضوية التي قامت على يد مفكري النهضة ، هاتين التجربتين التي عاشتها مختلف الشعوب العربية وفق عناصر متشابهة ، نشأ عنها فعل تأويلي متشابه على أساسه أول الانسان العربي معناه كإنسان ومعنى ما هو حوله ومعنى ما يريده . وكان نتيجة لهذا الفعل التأويلي أن تكونت مع مرور الزمن صور وتمثلات على أساسها اجتمع العرب على معنى تأويلي متقارب ، هذا الشكل التأويلي المتقارب هو الشكل المتجدد لمخيال يربطهم تحت فكرة أنهم عرب .

الثالث والخمسون ثقافة وفكر

عن الكاتب

محمد عبدالله الهنائي