جون بيسنت يتحدث (الجزء الأول)

كتب بواسطة بدر العبري

يومها خطر ببالي تساؤل عن الذي سيقوله بيسانت عن عُمان الآن بعد أن غادرها قبل 11 عاماً، ما الذي سيقوله عن الفساد الذي بدأت رائحته تفوح؟ وعن الإعلام في عمان؟ وعن حركة المطالبة بالدستور؟

oman John Beasant

جون بيسنت يتحدث (الجزء الأول)


حاوره/ بدر العبري


البداية:

قبل ثلاث أعوام من الآن تقريباً قام المهندس “جلال الشكيلي” بـ[إعادة] طرح موضوع قيّم في الحارة العمانية يحمل عنوان ” تيم لاندن (1942 م – 2007 م)..مواطن عماني” (1) وقد كانت نواة الموضوع في الأساس هي مقال كتبه المهندس مازن بن عبد الله الطائي ويتحدث فيه عن أحد أبرز الشخصيات البريطانية/ العمانية المجهولة وهو الضابط “تيموثي لاندن” الذي أصبح بعد مشاركته في انقلاب 1970م أحد أكبر الشخصيات تأثيراً في عمان قبل أن ينتقل إلى جوار ربه في عام 2007م. فقد كان -حسب الصحافة البريطانية- “سلطان أبيض” في عُمان، وقد كان كذلك من ضمن المائة شخص المصنفين كأغنى أغنياء العالم بثروة قُدرت في عام وفاته ما بين 400 إلى 500 مليون جنيه إسترليني وكل هذه الأموال ” حصدها من صفقات الأسلحة و تجارة الألماس و مضاربات النفط و الأسهم ، هذا عدا الأموال التي أغدقها عليه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الصديق الذي أحترم صداقة العمر و العمل.” [2]
الموضوع بعد ذلك تطرق إلى شخصيات بريطانية أخرى ساهمت بطريقة أو بأخرى في إدارة البلاد بعد عام 1970م ومن أبرزهم ” توني آشوورث” الذي كان يعد وزير الإعلام الحقيقي في عُمان و “بوابة” الدخول إليها بالنسبة للصحفيين قبل أن يتم طرده من السلطنة قبل بضع سنوات.

وفي هذا المقال لا أنوي إعادة سرد ما تم ذكره من وقائع هناك، ولكنني بعد أن اطلعت على الموضوع (وعلى مواضيع تاريخية أخرى للمتميز دوماً “النسر”) لاحظت أن معظم مصادر تلك المواضيع التي تهتم بالتاريخ “السري” لعمان بعد عام 1970م تعود في أغلبها إلى كتب ألفها مؤرخ بريطاني يُدعى ” جون بيسانت” وخصوصاً كتابيه ” عمان … القصة الحقيقية و المؤامرة على دولة عربية” (الذي ترجم “النسر” أجزاء كبيرة منه في الموضوع المذكور أعلاه) و ” سلطان في الجزيرة العربية: الحياة الخاصة”. ونظراً لأن “الفضول” لمعرفة المزيد عن تلك الشخصيات، بل عن ذلك العالَم، الذي لا أعرف عنه أي شيء تقريباً، مثلي كمثل معظم أفراد الشعب العماني، فقد قُمت باستعارة الكتابين المذكورين وقراءتهما بلغتهما الأم حيث ناقش كتاب “عُمان” (2002) – وهو الإسم الذي سنطلقه اختصاراً على كتاب “عمان..القصة الحقيقية والمؤامرة على دولة عربية”- “مواضيع” تُطرق لأول مرة مثل الفساد المالي في صفقات الأسلحة و تهريب النفط إلى روديسيا وجنوب أفريقيا رغم منع الأمم المتحدة لذلك. وأيضا عن علاقة عمان الوثيقة ببريطانيا بالإضافة إلى طرقه لشخصيات حساسة كتيم لاندن وتوني آشورث. في حين كان كتاب “سلطان في الجزيرة العربية” يركز بصورة أكبر على الحياة الخاصة لجلالته وممتلكاته وتصرفاته والشائعات التي تسري حوله ولعل من أبرز القضايا التي يتكلم عنها الكتاب حكاية “عقد تاشتر” وتورط رئيسة وزراء بريطانيا السابقة [3] وابنها في شبهات فساد بالسلطنة.

وبعد أن انتهيت من الكُتب انتقلت لقراءة موضوع “النسر” الذي يترجم فيه ما يتعلق بعمان في كتاب جون بيسانت “صدمة شل … أسرار و غزل عملاق نفطي” [4] . وهناك كان تساؤل من أحدهم عن البريد الإلكتروني عن مؤلف الكتاب، وفي إجابة “النسر” عن تساؤل العضو ورد اسم دار النشر البريطانية “ماينستريم” Mainstream على أساس أنها هي الجهة التي يمكن أن توفر وسيلة اتصال مباشرة بجون بيسانت.
يومها خطر ببالي تساؤل عن الذي سيقوله بيسانت عن عُمان الآن بعد أن غادرها قبل 11 عاماً، ما الذي سيقوله عن الفساد الذي بدأت رائحته تفوح؟ وعن الإعلام في عمان؟ وعن حركة المطالبة بالدستور؟
ولكن قبل ذلك كان هناك تساؤل أهم من ذلك يكمن في ” من هو جون بيسانت نفسه؟”، وقد كانت هناك حينها إجابة مختصرة ترجمها لنا “النسر” من كتب بيسانت نفسه تكمن في سيرة ذاتية مختصرة جداً تقول:
جون بيسانت: عمل سكرتيرا صحفيا لأثنين من رؤساء الوزراء في دول الكمنولث و رئيس لدولة إسلامية. طرد من سلطنة عمان عندما كان يكتب “عمان” بعد رفضه لتسلم رشوة و الامتناع عن نشر الكتاب. من أعماله السابقة كتاب “تمرد سانتو” و كتاب “فضة ستالين” و هو أيضا مؤلف مسلسل القناة الرابعة “أيتام الإمبراطورية”.

وكما هو واضح فإن الإجابة لم تجب على بشكل كاف على تساؤلنا:
من هو بيسانت؟!
من هو بيسانت؟!

beasant


عندما أرسلت رسالتي إلى دار النشر “ماينستريم” أطلب فيها البريد الإلكتروني لبيسانت -بحجة أني مواطن عماني قرأ كتبه عن بلادي ويرغب في مناقشة بعض المواضيع التي طرحها في كتبه معه – لم أكن أتوقع منهم سوى تجاهل لن يكون صادماً بالنسبة لي لأنني سبق وأن خضت التجربة مع عدة دور نشر ومؤسسات وشخصيات إعلامية عربية، وقد كنت صادقاً في توقعي ذلك لأن الرسالة التي وردتني في الحادي عشر من يناير 2010م لم تكن منهم بل من “بربارا ويليامز” Barbara Williams المساعدة الشخصية لجون بيسانت تخبرني فيها بأن رئيسها مشغول بمشاركته في الإعداد لفلم وثائقي ما وأنه لن يكون متوفراً دائماً للإجابة على تساؤلاتي التي يرحب بها، وهو ما تأكدت منه لاحقاً عبر تأخر ردود الرجل لأسابيع متواصلة وعبر اعتذاراته التي تتضمن قولاً أصبح مألوفاً بأنه كان في برلين تارةً وفي باريس تارةً أخرى في “مهمة عمل”.

وفي رسالتي الأولى لبيسانت تعمدت أن أتكلم فيها عن حركة المطالبة بدستور تعاقدي للبلاد التي قام بها بعض المواطنين العمانيين على أمل أن يثير ذلك فضول الرجل وحماسه للإجابة على تساؤلاتي، وقد كان لي ما أردت!
وعودةً إلى التساؤل الذي طرحته في بداية الفقرة عمّن يكون بيسانت فقد أجاب الرجل على طلبي بالحصول على سيرة ذاتية مختصرة له في رسالة لاحقة بعد أن أخبرته بأن الكثير من العمانيين، حالهم كحال غيرهم، يركزون أكثر على “المُرسل” قبل أن ينتقلوا إلى مضمون “الرسالة” فكانت إجابته التي نختصرها هنا:
ولدت في جنوب غرب مقاطعة ويلتشير Wiltshire في عائلة من المزارعين الأمر الذي أدى إلى نشأتي في جو محافظ, و قد كان والدي نموذجاً لطبقته الاجتماعية و عضواً فعالاً في مجلس المقاطعة و ماسونياً و قاضيا للسلم و مؤيداً نشطاً لحزب المحافظين بطبيعة الحال, أما والدتي فقد كانت ليبرالية من الناحية السياسية على الرغم من أنها جاءت من أسرة بارزة استمدت شهرتها من الصناعة.

وقد تربيت على احترام ماضي إنجلترا و غرس في ذهني حب العالم الطبيعي و إن كانت معظم أفراد الأسرة يمارسون القنص والصيد (” إنه يوم رائع..لنذهب ونقتل شيئاً ما!”), بالإضافة إلى احترام النظام الملكي ووالإيمان بالخدمة العامة.
لقد كان الجو السياسي هو العامل المؤثر الأكبر عليّ و هذا لم يتحقق بالطريقة التي رغب بها كلٌ من والديّ , فقد أصبحت من مؤيدي “حزب العمال البريطاني” و قد وضعني هذا الولاء تحت ضغط و توتر شديد نظرا للازدواجية و الغش من قبل رئيس الوزراء بلير. “

وقد تكلم الرجل في ذات الرسالة عن توجهه السياسي وعن رأيه في سياسة دولته وأحزابها بشكل مطول جداً، ولكنني هنا أنتقل إلى الجزء الخاص بعُمان وما قبل عُمان، حيث قال:
” وفيما يتعلق بسيرتي المهنية قبل قدومي إلى عمان في يناير 1989م، فقد أمضيت بعضاً من الوقت في “الخدمات التطوعية في ما وراء البحار” Voluntary Service Overseas في أوغندا، تليها فترة قصيرة قضيتها كمساعد شخصي للسير “إدجار وايتهيد” Edgar Whitehead فيما أصبح لاحقاً “روديسيا”، ومن ثم موظف إعلامي في المكتب السياسي لرئيس فيجي، راتو سير كانيسيس مارا Ratu Sir Kamisese Mara ، ومن ثم سكرتيراً إعلامياً وخاصاً لرئيس وزراء فانواتو و سكرتيراً إعلامياً لرئيس المالديف سعادة مأمون عبد القيوم.
وفي عُمان كنت رئيس مكتب للصحيفة الإنجليزية “أخبار الخليج” اليومية التي تصدر من دبي. وفي عام 1994 عقدتُ شراكة مهنية مع الشيخ أحمد فريد العولقي كان في الأساس حول نواياه في نفس السنة لانتشال السبائك الفضية من السفينة “جون باري” Silver Bullion التي غرقت أثناء الحرب العالمية الثانية “

وحول المشاكل التي تعرض لها أثناء وبعد عمله على الكتاب الخاص بعمان وحول صحة تليقه عدة تهديدات ورشاوى من تيم لاندن وتوني آشورث وعبد العزيز الرواس وزير الإعلام السابق من أجل إيقاف نشر الكتاب قال بيسانت:
”أما بالنسبة لمسألة الإغراء المالي المقدمة من أجل عدم مواصلة النشر فقد تمت، رسمياً، بدون أي تهديد أو حقد في المراحل الأولية. وزير الإعلام آنذاك معالي عبد العزيز بن محمد الرواس كان طيلة الوقت مهذباً، وهو أحد الشخصيات التي أحمل لها الاحترام والتقدير. موظف مكتب القصر (وزارة المكتب السلطاني حالياً) السيد “منذر بن ماجد آل سعيد” (والذي نسيت منصبه للأسف الشديد!) مارس صبراً ومجاملة تستحقان الإعجاب، ولسموه أحمل كل الاحترام والمودة.
الصعوبة الحقيقية لم تبدأ حتى فبراير 1999 عندما أصبح من الواضح أنه لم يصدقوا بعد أن الهدف الحقيقي كان نشر الكتاب وأن الإغراء المالي أو الرشوة لم تكن عرضةً للنقاش. الرواس خصوصاً، وبضغطٍ من لاندن وآشورت، بقيّ غير مقتنع بهذه الحقيقة حتى بعد أن سألني في مكتبه “كم؟” وعندما قدمتُ له رداً يبين له كم هو سخيفٌ عرضه، عرض علي رقماً خيالياً كمحاولة أخيرة ورفض أن يرى أن “نهاية اللعبة” كان هو النشر!
لقد كان مذهلاً رؤية كيف كان هذا الوزير بالذات واقعاً تحت تأثير لاندون وآشورت. وعلى أية حال فإنه فقط بعد اللقاء الأخير مع الرواس أصبح الوضع خطراً ومزعجاً. في الواقع تم نصحي من قبل أعلى المستويات أنه إن لم أقبل الإغراء المالي وأوقف النشر فإنه يوجد احتمال حقيقي بأن أتعرض لأذى جسدي. كان وضعاً غير سار بكل تأكيد. وعلى أية حال فإنه قد تم طردي بعد ذلك بسرعة. “

وعندما استفسرت أكثر عن تفاصيل طرده من عُمان أجابني:
” في يوم السبت الثالث عشر من فبراير عام 1999 استدعيت خلال وقت مبكر من المساء للذهاب إلى وكيل وزارة الاعلام للشؤون الاعلامية في وزارة الإعلام, وهو الوزير الآن إن لم يخب ظني. وهناك تم إبلاغي أنه إذا كانت لديه نية في الشروع بنشر الكتاب فإنه علي مغادرة البلاد في الحال, و بالطبع كانت الوزارة هي المتكفلة بي مالياً في السلطنة.
واعتقاداً مني بأنني سوف أتلقى تأكيد مكتوب بشأن هذا القرار تنفيذاً لقوانين العمل في البلاد والتي تنص أيضا على إعطاء وقت محدود قبل الرحيل الفعلي، فإنني لم أقم باتخاذ أي إجراء استعداداً لمغادرة السلطنة.
و بعد ظهر يوم 20 فبراير وصل إلى مكان إقامتي في شاطئ القرم ثلاثة أفراد من شرطة عمان السلطانية يرتدون الزي المدني و أنذروني بأنه عليّ مغادرة البلاد في موعد أقصاه مساء اليوم التالي: السبت الحادي و العشرين من شهر فبراير. و قد طلب العقيد –ذو الرتبة الأعلى من بين الثلاثة- من زميليه الانتظار في الخارج وعندما استفسرت عن طبيعة المشكلة , تم إبلاغي بأنها ذات طابع سياسي و أن أمر القيام بهذا الإجراء من جانب شرطة عمان السلطانية قد صدر من قبل أشوورث من وزارة الإعلام و قد عرفت حينها حقيقة الموضوع. و قال لي العقيد أيضا أنه قد أُمر باحتجازي حتى ساعة المغادرة و لكنني أستطيع أن أبقى في منزلي خلال الأربع وعشرون ساعة المتبقية لي في البلاد في حالة تعهدي بالحضور في اليوم التالي إلى مقر شرطة عمان السلطانية بالقرم لمقابلة ضابط القيادة وتسليمه جواز سفري.
و في صباح اليوم التالي زرت مركز الشرطة و اجتمعت بموظف رفيع المستوى – أعتقد أن قبيلته كانت بالحارثي , وقد كان حسن المعاملة و متعاطفاً جداً معي وقد اشتكى من أن أشوورث كان يستقوي عليه لمدة 24 ساعة عن طريق سكرتيرته روزماري هكتور Rosemary Hector التي كان تخاطبه هاتفياً بنبرة هستيرية كل ساعة وتقول بأن أشوورث يطالب بمعرفة الذي يحدث. وقد طلب مني الحارثي يومها أن “أذهب بهدوء” وسيكون هذا الأفضل للجميع مع الضغط الذي يمارسه كلاً من لاندن وآشورث على وزارة الإعلام، شرطة عمان السلطانية، ومكتب القصر. وهكذا كان علي الرضوخ للأمر ومغادرة السلطنة عبر مطار السيب الدولي في مساء الحادي والعشرين من شهر فبراير لعام 1999م.
و قد أُبلغت لاحقاً أن أشوورث زار مكتب ناشر الكتاب في لندن و دفع مبلغاً مالياً ضخماً لأحد الأعضاء البارزين في مؤسسة النشر من أجل إلغاء خطط النشر, و قد رأيتُ الوثيقة التي تثبت ذلك. ومع ذلك فإن المبالغ التي أنفقت من عمان لم تجد نفعاً فقد تم طبع الكتاب في عام 2002 بعد أن مرت سنتين ونصف. “

وكتصحيح للصورة السيئة التي يُمكن أن تُعمم –بصورة خاطئة- على جميع العمانيين بعد الذي حصل له وضح بيسانت حُسن تعامل الشرطة معه وقال:
على أثر مغادرتي مسقط انطلق سيل من الشائعات في مسقط فوراً بأن الشرطة قد عاملتني معاملة سيئة. وفي الحقيقة لست أدري كيف ولماذا انطلقت هذه الشائعات ولكنها على أية حال ليست صحيحة ولا أساس لها من الصحة على الإطلاق. و في الواقع, أولئك الضباط الذين تعاملت معهم في العشرين و الحادي و العشرين من فبراير لم يبدوا سوى الكياسة و المجاملة بل و التعاطف. وأبسط دليل على ذلك أنه لدى وصولي إلى المملكة المتحدة كتبت رسالة إلى الضابط المسؤول عن شرطة عمان السلطانية في القرم أعبر فيها شخصياً عن تقديري للمجاملة و الاحترافية التي أبداها زملائه الضباط أثناء تعاملهم معي, كما أنني اعتذرت عن اضطراره إلى الانخراط مع زملائه في العملية التي وجدوا أنها ممقوتة للغاية.

وأما بخصوص عمله على كتابيه فقد رفض بيسانت بلطف الإفصاح عمّن كانوا مصادره في الأبحاث المتعلقة عن الكتابين، وعن علاقته بالمرحوم السيد فهر بن تيمور قال:
” أصل علاقتي مع الراحل سمو السيد فهر بن تيمور آل سعيد يعود إلى مقال منشور في الصحيفة الإنجليزية الصادرة من دبي “أخبار الخليج” “Gulf News” خلال أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيثُ كتبت عن تأييدي لتوصية إستراتيجية جلالة السلطان قابوس في إنشاء قوة الدفاع المشترك لدول الخليج العربي مع التناوب في القيادة. وبما أنه لدي اهتمام ملحوظ في استراتيجيات الدفاع فقد أبديتُ تقديري الشديد للفكرة وكتبتُ لاحقاً مقالاً ابدي فيه شعوري بالأسف لأن توصية جلالته لم يتم اعتمادها من قبل مجلس التعاون الخليجي. كانت لهذه التوصية رؤية مستقبلية للسياسة والذي يستحق السلطان الثناء الكامل عليها . في الواقع ، أن الأحداث اللاحقة أظهرت كم أنه سيكون قراراً حكيماً لو إن مثل هذه التوصية قد نفذت وعمل بها. وعلى إثر نشر رأيي تلقيتُ دعوة من “بيت الفلج” لتناول الغداء مع سموه بمنزله بالقرم، وقد تلى هذا عدة مناسبات مشابهة.
أما في ما يخص التعاون في بحث وكتابة الكتاب، فقد كان سموه واحد من العديد من كبار الشخصيات الذين رحبوا بمناقشة مثل هذا العمل معي. بالإضافة إلى اثنين من أفراد الأسرة المالكة واثنين من أعضاء مجلس الوزراء السابقين. . ” السيد فهر” عبر عن رأيه في موضوع ما، ولكنه كان من غير النزاهة أن ذكر هذه التفاصيل وأربطها به ، لأنها كانت في جوهرها سلسلة من المحادثات الخاصة . ولم يكن مجرد اهتمام عابر عندما حاول آشورث مرتين من استخراج مثل هذه التفاصيل الشخصية حيث أنني قمت برفض التعاون معه في ذلك .
وقد حاول آشورث لاحقاً رشوتي من أجل أن أخون ثقة السيد فهر بي وذلك عبر التلميح لمحاولة تدبير لقاء شخصي لي مع جلالة السلطان. وقد روعني كيف لهذه الشخصية المهمة والتي لها دور بارز في حكومة حضرة صاحب الجلالة أن تتصرف بهذه الطريقة المخادعة والغير نزيهة. “

وحول إعادة طباعة كتاب عُمان قال بيسانت إنه يخوض مفاوضات مع الناشر حول هذا مُبدياً استغرابه عن عدم السماح بالكتاب في عُمان، وأما حول التلميح إلى أنه كتب عن عُمان بعدما فشل في كسب الأموال والسلطة فيها قال أنه لو أراد أن يكسب المال لقبل بالرشوة التي عُرضت عليه من أجل عدم نشر الكتاب وقال بالحرف الواحد:
” لقد كسبت في وطني خلال ثلاث سنوات أكثر مما كسبته في مسقط خلال عشر سنوات!”

يبقى أن أشير في النهاية إلى أن بيسانت كان في كل رسالة تقريباً يُبدي تعاطفه مع الشعب العماني بكافة أطيافه، كما أنه في مرات عديدة أشار إلى القضايا العربية والإسلامية الحساسة في العراق وفلسطين وتكلم عن الظلم والسياسة الخاطئة التي تنتهجها كلاً من بريطانيا وأمريكا في تلك القضايا عبر دعمهما الأعمى لإسرائيل، وقد قال إنه سيظل مؤيداً لفلسطين حتى ينال شعبها حقوقه الطبيعية.

تنويه:
في نهاية الجزء الأول من المقال يجب عليّ أن أوضح أن تلخيص المحاورة مع “بيسانت” لم تنته بعد وأننا سنعرض ما قاله الرجل حول المطالبة بالدستور التعاقدي للبلاد بالإضافة إلى علاقة عمان ببريطانيا وأمور أخرى في مقالات قادمة، وقد قررت الاكتفاء بعرض ملخص عن الرجل وسيرته الذاتية هنا على أن نتناول بقية المواضيع لاحقاً وذلك خشية الإطالة.
ويجب عليّ أن أعتذر شخصياً على التأخر في عرض هذا المقال، فبالإضافة إلى تأخر بيسانت في الرد على أسئلتنا بسبب انشغاله الشديد والمتواصل فقد واجهت صعوبة شديدة في ترجمة رسائله إلى اللغة العربية، وقد اضطررت مؤخراً على السهر لمراجعة وتصحيح ترجمة رديئة لرسائل الرجل لبضعة أيام متواصلة حتى الرابعة فجراً من أجل أن أُكمل هذا الجزء من عرض الحوار!

وبالرغم من ذلك فإنه يجب أن أقدم اعتذاري الشديد مرةً أخرى، وأن أوضح أنه لا أحد غيري أنا يتحمل هذا التأخير، شاكراً إدارة الحارة العمانية على ما بذلوه من جهد مشكور.

وأخيراً يجب عليّ أن أشكر “النسر” لما قدمه من جهد لا يمكن اختصاره هنا سواءً عبر مراجعة الرسائل أو تزويدي ببعض المعلومات أو ترجمة بعض الأسئلة، هذا فيما يتعلق بالحوار، أما في خارج حدود الحوار فإن جهود الرجل لا يمكن اختصارها هنا ويكفيني القول بأنه لولا عمله الدءوب من أجل الكشف عن تاريخ عمان الحقيقي فإن هذا الحوار من الأساس لن يكون له وجود.

————————————————————————————

المراجع

[1] http://alharah.net/alharah/t241.html

[2] من مقال المهندس مازن الطائي المتوفر في الموضوع أعلاه.

[3] مارجريت تاتشر تولت رئاسة وزراء بريطانيان من 1979م إلى 1990م.

[4] http://alharah.net/alharah/t15376.html

العدد الثاني سياسة

عن الكاتب

بدر العبري