رفع الدعم عن المحروقات قرارا أحاديا.. ! الى أيـــن ..؟

كتب بواسطة بدر الجابري

في أي أمة كانت لا يمكن لها أن تتقدم وتتطور الا إذا كان مواطنيها بحجم المسؤولية النابعة من الوعي الواسع والعميق تجاه وطنهم، هذا الوعي يتشكل من مخزون التجارب التاريخية للأمة وما يشكله الواقع المعاش وطبيعة العلاقة بكل المكونات الطبيعية والمادية المحيطة به والتفاعل معها ، ولأن الحديث الذي أود التطرق اليه يتعلق (برفع الدعم عن المحروقات) يجعلني أقفز الى مسألة تتعلق بالحكومة وعلاقتها بالمواطن فكلما اعترفت الأولى بقيمة الانسان “المواطن” وقدرته وأعلت من شأنه والتزمت بواجباتها تجاهه، كلما وطدت العلاقة بينهما ، وساهمت بشكل كبير في ان يقوم هذا المواطن بواجباته والتزاماته على أكمل وجه نحو نفسه ومجتمعه ووطنه

في أي أمة كانت لا يمكن لها أن تتقدم وتتطور الا إذا كان مواطنيها بحجم المسؤولية النابعة من الوعي الواسع والعميق تجاه وطنهم، هذا الوعي يتشكل من مخزون التجارب التاريخية للأمة وما يشكله الواقع المعاش وطبيعة العلاقة بكل المكونات الطبيعية والمادية المحيطة به والتفاعل معها ، ولأن الحديث الذي أود التطرق اليه يتعلق (برفع الدعم عن المحروقات) يجعلني أقفز الى مسألة تتعلق بالحكومة وعلاقتها بالمواطن فكلما اعترفت الأولى بقيمة الانسان “المواطن” وقدرته وأعلت من شأنه والتزمت بواجباتها تجاهه، كلما وطدت العلاقة بينهما ، وساهمت بشكل كبير في ان يقوم هذا المواطن بواجباته والتزاماته على أكمل وجه نحو نفسه ومجتمعه ووطنه ، وهنا ينبغي على الحكومة ” كمؤسسة إدارية عليا” سلطة سياسية او تنفيذية لكي تخلق بينها وبين المواطنين ذلك التناغم المتناسق والتفاعل الإيجابي أن تكون مدركة بالأهداف التي ستحققها او التي تسعى الى تحقيقها في فترة زمنية محددة لإعلاء شأن الدولة وتقدمها، وعليه فهي ملزمة بأن تنتهج الشفافية بإعطاء المعلومات والمفاهيم المتعلقة بشؤون سياستها وإدارتها للدولة ولمواطنيها، ومن جهة أخرى فالمواطن لا بد أن يتحلى كذلك بصفات معينة لكي يكون ذلك المواطن الصالح المستنير ، هذه الصفات أسوقها هنا كما حددها المؤتمر الثقافي العربي في دمشق من العام 1959م واهمها:
• أن يعرف نفسه وقدراته ومكانته من امته وواجبه لهذه الامة وحقه عليها.
• أن يدرك الوضع الاجتماعي الذي يعيش فيه من الاسرة الى البيئة المحيطة فالوطن فالعام
• أن يفهم المشكلات الاجتماعية والقدرة على مواجهتها …
• أن يؤمن بواجب الخدمة العامة ويقبل عليها تلقائيا..
• أن يعرف مهام الحكومة وانواع الخدمات الواجبات العامة التي تؤديها.
• أن يعرف مكان وطنه من العالم..
يتضح لنا بأن المواطن الصالح المستنير ينبغي أن يتحلى بالمعرفة والإدراك الواعي للمكونات المحيطة بالمجتمع، منطلقا من بيته الصغير “الأسرة” ومن ثم ولايته، فالمحافظة ،الى الوطن الكبير فالعالم الخارجي ..آخذا باهتمام حركة التطور التاريخي على مراحله ومركزا على الفكر الإنساني وإنتاجه المتواتر عبر العصور ،وكلما كان المواطن “مثقفا” ولديه معرفة كافية للمشاركة بجدية في الخدمة الوطنية بمفهومها الواسع من جانب، وكانت “الدولة” في خدمة المواطن بالمحافظة على القانون والوقوف فوق كل مصالح فردية وفئوية وجماعة معينة من جانب آخر فإن تقدم الوطن ورفعته بلا شك سيتحقق.
وهنا حديث الساعة عن قرار رفع الدعم عن المحروقات وعليه أضرب مثالا واحدا فقط في اتخاذ القرار وتغييب المواطن
مسألة رفع الدعم عن الوقود
جاء في تصريح الوزير المسؤول عن الشؤون المالية معالي درويش البلوشي أن رفع الدعم عن الوقود بات “ضرورة ملحة” وعلل ذلك بسبب لم يهضمه عدد كبير من الناس الا وهو (تهريب الديزل) لان سعره أقل من الدول المجاورة ولذلك وحسب رأيه فإن هذا الأمر يشجع المخالفين والمهربين في ابتكار طرق مختلفة للاستفادة ورفعه قد يقلل من تهريبه..!!
هل هذا سببا كافيا يدعو الى رفع الدعم فعلا ..!؟ وإذ كان سببا جديرا برفع الدعم فلـــ يخبرنا معاليه كم يصل المبلغ الذي يتم من خلاله تهريب كمية الديزل حتى نقول أنه سبب وجيه ومنطقي ومقبول.!
شخصيا لا أعارض مسألة رفع الدعم كفكرة أو خطوة تتخذها الحكومة إن كان هناك مبررات ملحة لذلك ،وخاصة بأن دعم الوقود لا يستفيد منه المواطن “الشريحة المتوسطة وهي الكبيرة في المجتمع بل يستفيد منه المستحق وغير المستحق..!! ولعل دعم الديزل بشكل أساسي لا يستفيد منه المواطن بشكل مباشر وربما يستفيد منه فقط بنسبة بسيطة جدا ربما لا تتجاوز ( 5 أو 10 % )..! والمستفيد الاكبر هي الشركات كونها تستخدم الشاحنات الكبيرة والحافلات والمعدات الثقيلة والسفن وحتى الطائرات الاجنبية تستفيد من هذا الدعم..!
الحكومة ربما لم تتنبه لذلك سابقا أو نقول تنبهت ولكن قد يكون هناك مصالح فردية لشخصيات نافذة مستفيدة تملك التحكم بالقرار ،أو ربما لم يكن لديها نية باتخاذ القرار سابقا لأن الأمر قد لا يشكل لها مشكلة كبيرة في ذلك الوقت، واليوم بات اتخاذ القرار في نظرها ضرورة ملحة بعد التغيرات الكبيرة التي حدثت منذ أحداث واحتجاجات المواطنين للعام 2011 وما صاحبه من رفع الرواتب وتوظيف عدد كبير من العاطلين عن العمل بشكل عشوائي وغيرها من المراسيم والقرارات اللاحقة المتعلقة بالتدريب ودعم المشاريع وغيرها،، التي بالتأكيد شكلت ربكة في الميزانية العامة وتحد كبير على مستقبل الاستقرار في البلد ناهيكم عن ما نلاحظه هذه الأيام من انخفاض سعر برميل النفط الذي بات هاجس مقلق في ظل اعتماد الحكومة عليه كليا ولم تسعى بجدية لإيجاد بدائل أخرى طوال السنوات الماضية لكي تقي البلاد من أي انهيار لا سمح الله لو حصلت أي مشكلة لهذا المصدر الوحيد الذي تعتمد عليه ميزانية الدولة .
أيضا الوزير المسؤول عن الشؤون المالية لم يتطرق الى تفاصيل كثيرة حتى نستطيع أن نتفهم قرار الحكومة ماذا عن البترول(الممتاز والعادي )وهل سيرفع الدعم عنه مثل الديزل وكم النسبة …!
ثم أين الشفافية لكي اقف سنداً مع الحكومة وأدعم قرارها واكون يد عون لها ،، هي تريد المواطن اليوم بأن يتحمل أي قرار تتخذه وتطالبه بأن يتحلى بالصبر حتى وإن كان مؤثرا عليه وعلى ميزانيته ومشكلا عبئا إضافيا على حياته ،لأن هناك مشكلة ما وعجز تعاني منه وعليه أن يتفهم ويقف مساعدا للحكومة ، وهذا أمر جيد وواجب على المواطن أن يكون حريصا على المصلحة العامة ولكنها للأسف لم تعلمه ذلك ولم تنشئه على مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار ولم تعطه حتى ابسط الحقوق الا وهي معرفة خططها وبرامجها المستقبلية ولم تنتهج الشفافية ولم تصرح بكثير من المعلومات ليقف معها وقت الأزمات والشدائد وحتى الى هذه الساعة هي تلقي لنا على سواء على لسان الوزير المسؤول عن الشؤون المالية أو بوسائلها المختلفة بنيتها ولا يوجد أي تفاصيل أخرى …!! طبيعي بأن المواطن لن يتقبل الامر وهذا حقه أيضا، وخاصة بأن ما سيحدث من تبعات رفع الدعم سيكون كالسوط على رأسه وظهره إن لم يكن هناك دراسة حقيقية تقف على كل الاعراض الجانبية الناتجة من جراء اتخاذ هذا القرار ، لأن الأمر يتجاوز القرار الحكومي بعد ذلك وسيصيب كل مفاصل الحياة وسترتفع أسعار كل شيء حتى التي لا يتوقعها المواطن ويظن بأن الأمر ليس له علاقة سيرتفع ويتأثر ولذلك سوف تفتح الحكومة على نفسها بابا واسعا لن تستطيع أن تغلقه مهما حاولت بعد ذلك..!
إذن ما هي الحلول التي وضعتها الحكومة إذا ما اتخذت هذه الخطوة حتى لا يتأثر المواطن البسيط “الشريحة الكبيرة في المجتمع” ما هي رؤيتها وما هو برنامجها وما هي الخطوات التي ستتخذها بداية من دخل الفرد مرورا بأسعار السلع الأساسية (كالأرز والطحين والسكر والزيت والخضروات والفواكه واللحوم والأسماك …الخ) التي ستتضاعف بلا شك وحاليا المواطن يصرخ منها فما بالكم بعد رفع الدعم ، ولا ابالغ إن قلت حتى سعر الحلاق سوف يرتفع وهو ما لا يدركه الكثير من المواطنين وقس على ذلك الكثير والكثير..!! وقد ساق معالي درويش سببا علل فيه بأن تهريب الديزل يشكل قلقا وعبئا على الجهات المعنية لمراقبة المخالفين، وأنا أقول يا معاليك رفع الدعم إن لم يكن مدروسا بشكل مستفيض وتوجد خطة فعلية لكل الأثار التي ستصاحبه فإن ذلك سيشكل عبئا كبيرا جدا على جهات أخرى معنية بضبط الاسعار ومراقبة الاسواق بل سيكثر الغش والجريمة وسيكون الامر أضعاف العبء الذي ذكرته في مراقبة التهريب. .ويشكل تحديا آخر للجهات الأمنية والشرطية..!
وأقول إن كان للحكومة الحق في اتخاذ هذا القرار فمن حق المواطن أن يسأل أيضا ما واجبها تجاهه ؟ اليس من حق المواطن العيش الكريم والتعليم السليم والصحة وتأمين السوق وضبط الأسعار حتى لا تتأذى أكثر (الطبقة الفقيرة والمتوسطة) التي بدأت أصلا في الاختفاء والتلاشي ..!! لماذا لا تفكر الحكومة مثلا في جيوب الأغنياء وتشرع القوانين للأخذ منهم والمساهمة في خدمة الوطن وتخفيف العبء على الدولة كواجب وطني مقدس بدل التفكير في جيوب الفقراء …! وبدلا من أن تطلب من المواطن البسيط أن يتفهم ويصبر عليها أن تضرب بيد من حديد على الفساد ورؤوس المتنفذين والمستغلين للمشاريع الحكومية التي تمر بمئات الملايين ولا تكلف ربع ذلك المبلغ المصروف للمشروع..!
ما اود أن أخلص اليه بأن أي قرار تود الحكومة أن تتخذه بهذا الحجم ينبغي أن يطرح معه كل التوقعات والتبعات التي قد تصاحبه ايجابا أو سلبا مع طرح الحلول والبدائل بشكل شفاف ليتفهم المواطن، ويعبر عن رأيه بعد ذلك وتستفيد هي من أراء الأكاديميين والمتخصصين في الشؤون الاقتصادية والسوق ومن الآراء العامة للمواطنين القارئين والمطلعين والمهتمين ولديهم وجهة نظر قد تكون غائبة عن متخذي القرار.
دام الوطن والجميع بخير.

الثالث والخمسون سياسة

عن الكاتب

بدر الجابري