اللعب بالنار لا يصنع السلام في الخليج

كتب بواسطة بدر الجابري

إن السلام لا تصنعه “عاصفة الحزم” بل تؤجج الفرقة واليمن ساحة فتيلها سريع الاشتعال لتعدد الطوائف والقبائل، والأصابع الخفية التي مهدت لطائفة الحوثيين وأعطتهم الضوء الأخضر للتقدم والسيطرة على العاصمة هي من تسرع عجلة الحوادث لتمزق الشارع اليمني وتزرع الانقسام في صفوفه..!

لا نكاد نلتقط أنفاسنا مما يحدث في الوطن العربي ونحن نمني النفس أن يعم السلام ربوعه وأرجائه حتى تصدمنا الأحداث من جديد بما هو أقوى وأشد ، تتسع الهوة بين الأخوة وتكبر دائرة الخلاف ولا أحد يبالي ولا يكترث بالنتيجة وبما سيحدث لنا وللمنطقة وللأجيال القادمة..!

خلّفت حرب الخليج الأولى بين العراق وايران ما يقارب مليون قتيل وجاء الاجتياح العراقي للكويت سنة 1990م ليذهب ضحية هذا الغزو الآلاف من القتلى والأسرى ومشكلات بيئية وصحية وتلوث للهواء والمياه والتربة، وكانت خسائر حرب الخليج الثانية “حرب تحرير الكويت” في الأرواح ما بين ( 70000 الى 100000) ولم تحدد بالدقة الخسائر في صفوف المدنيين وأتت الحرب على تدمير البنية التحتية للكويت وخسائر اقتصادية كبيرة وعلى المستوى السياسي انقسام في الصف العربي وشرخ كبير في الوحدة ، وخرج العراق من هذه الحرب منهكا في كل شيء بتدمير بنيته التحتية وجيشه وحرسه الجمهوري الذي كان يعد من أقوى جيوش المنطقة، وفي سنة 2003م استيقظنا على حرب الخليج الثالثة “الغزو الأمريكي للعراق” ولم تكن الخسائر بأقل من الحروب السابقة فقد بلغت الخسائر البشرية في صفوف العراقيين ما يزيد عن ( 100000 قتيل و200000 جريح) .. ناهيكم عن احتلال بلد عربي وما خلفته الحرب من نتائج كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وهي كلفة باهظة لا زالت المنطقة تدفع ثمنها نتيجة انعدام الرؤية وسندفعه أكثر إن لم تكن الرشادة وصوت العقل والحكمة أعلى من صوت القوة والتعصب “وعاصفة الحزم”!!

إن أي حرب مهما كانت المسوغات لها لا بد من تفاديها الى آخر نفس وفي هذه الحرب هناك ادخار للجهد والوسع لتجنبها والمحصلة أن الأبرياء هم سيكونون الضحية والقتلى بلا ذنب ولا جريرة، أرواحهم تُحصد بلا قضية ..! والمواطن اليمني البسيط عاش سنوات يئن تحت وطأة الفقر المدقع يكابد الحياة بمشاقها لا يريد سوى أن يعيش بسلام وهذا حقه وحق أولاده وحق الأجيال، ولا ناقة له ولا جمل في خلافاتكم الطائفية والمذهبية والسياسية، وما يحدث فتنة كبرى ستأتي على المنطقة بأكملها إن لم يقف هذا الجنون وسفينة الخليج العربي لا تركبها طائفة واحدة بل تحمل كل الطوائف والمذاهب والمطلوب من الجميع أن يتحرك ويساهم في تأمين سلامتها والحفاظ عليها من الرياح الهوج والعواصف المدمرة، وأولهم الإعلام بكل وسائله الذي يغسل أدمغتنا وعقولنا صباحا ومساءً بشعارات الكراهية والفرقة ولقاءات الخلافات العقيمة، ونلاحظ بين الحين والآخر كل طائفة ترفع شعار “لا اله الا الله” وتدعي أنها الوكيل الشرعي الذي يحكم بما أنزل الله وأن معها التفويض الالهي بالتصرف بما تشاء ويُزج بالدين في هذه المعمعة السياسية ويحمُّل أكثر مما يتحمل ،إن ما يحدث ليس له دخل بالدين وهذه ولاءات سياسية وصراعات مصالح وسلطة والهدف من يكون في أعلى الكرسي.. ومن يتحكم ..ومن يصدر الأوامر ويكون صاحب السيادة والقرار.. والشعوب لا تريد الا العيش بمحبة ووئام آمنة مطمئنة ،وهذه الأمور التافهة والصراعات العقيمة ما هي الا السم الذي سيقتل الجميع والدروس التي قدمها لنا التاريخ لم نتعلم منها شيئا ولا زال البعض ألعوبة في مسرح السياسة تحركه أيادي القوى الكبرى التي لا تريد لنا سوى مزيدا من التشرذم والتفكك والتخلف وتسعى الى استنزاف ثروات الخليج العربي لإفقاره وتدميره وطحنه أسوة بالعراق وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها ..لنصحو بعدها من غفلة وقد أنُهكنا واستنزف المال الخليجي والبترول الخليجي ..!

إن الخلافات ثانوية والحوار المدفوع بجدية نحو السلام بنوايا صادقة وخالصة هو المخرج من هذا النفق المظلم وإذا كانت لنا فرصة وحيدة فليس بالحرب إنما أن نمد أيدينا لبعض وأن نصطف ونجتمع على كلمة سواء ، ولا يسوى علينا اليوم أن يذبح المسلم أخاه المسلم ويكفر أتباع هذا المذهب ذلك المذهب والاختلاف رحمة والتنوع يصب في صالح البشرية والحرب لا يمكنها أن تشتري أمناً وتعجز أن تحقق سلاماً وما تعلمناه من دروس التاريخ والواقع بأن الحروب ما وراءها الا الشر والكراهية وزيادة الأحقاد والأضغان وتقتل عملية السلام..!

إننا نعيش مرحلة تاريخية حرجة وكأننا على حافة الانتحار ونسير بالفعل الى هذا المنحدر، ولم تعد الأرض صلبة تحت أقدامنا كما كانت وهذا الانقسام وتأجيج الغليان الديني والسياسي تُدفع له أموال طائلة من قبل دول مستفيدة ولتهنأ اسرائيل ولتفرح امريكا بشق الصف واستدراج المنطقة لحروب أهلية ولتشغلنا بأنفسنا ويبدد جموع الشباب عقله وفكره وقواه في هذه الفتنة.! ليصبح جسدنا الضعيف وعقولنا الفارغة وشكلنا المهلهل يغري الاخرين بنهشنا وافتراسنا كما يغري منظر النعاج القاصية الذئاب..!

إن السلام لا تصنعه “عاصفة الحزم” بل تؤجج الفرقة واليمن ساحة فتيلها سريع الاشتعال لتعدد الطوائف والقبائل، والأصابع الخفية التي مهدت لطائفة الحوثيين وأعطتهم الضوء الأخضر للتقدم والسيطرة على العاصمة هي من تسرع عجلة الحوادث لتمزق الشارع اليمني وتزرع الانقسام في صفوفه..! ولو أن هذه المليارات التي ستنفق وتبدد الآن في حرب لا فائدة منها توجه وتوضع في جيب عجلة التنمية للاقتصاد اليمني ومساعدتهم للنهوض لكان أفضل وأسلم للمنطقة وأنجع لتحصينها وتقويتها.. وهي مساعدة الاخ لأخيه والجار لجاره.. والجار أحق والأقربون أولى بالمعروف.

نحن نخسر الوقت ونخذل أنفسنا بأنفسنا ولا أحد مستفيد من ذلك سوى أعدائنا وعندما تأتي النكبات لن تخص فئة دون أخرى فهي ستأخذ الجميع الأبرياء والجناة وحتى من اعتزل هذه الحرب ووقف موقفا معتدلا ربما لن يسلم لأنه في قلب الحدث، ونحن جسدا واحدا يتأثر ويتأذى ما يصيب أي جزء منه .. وهنا لا استثناء لأحد من هذه الفتنة والله تعالى يقول ” واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” صدق الله العظيم. والقرار بأيدينا وصوت الحكمة هو ما يجب أن يرتفع الآن وما أحوجنا اليه في هذا الوقت، والتنازل ليس ضعفا من أي طرف إن كان سيحقن الدماء ويجنب المنطقة البلاء والجلوس على طاولة الحوار سلامة، والتحكم بالغضب قوة والنظر الى المستقبل وحساب النتائج لما يحدث هو لب الخلاص وكلنا في سفينة واحدة والتاريخ يسجل المواقف ويخلد الأثر والغريق الذي نجى بفضل قشة لم يكن ليتمسك بها بل تعلم من هدوئها وسكونها فحافظوا على الخليج لأنه الهدف القادم والمنطقة ملتهبة وثرواتنا هي المطمع فلنقرأ تأريخ الأمم ونتفكر قليلا ونسترد وعينا وندرك المكيدة ..!

الثامن والخمسون سياسة

عن الكاتب

بدر الجابري