سيرة المسلمين: تقاليد الحكم والسياسة في عُمان ،تطبيق الشريعة (الرِق نموذجاً)

رركزت سيرة المسلمين في عُمان في مراحل تأسيسها الأولى على ضرورة تحقيق العدل، ويندر الحديث في السيرة عن جوانب العمران، وتجد السير المختلفة تتحدث عن العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الشورى، أما جوانب عمران الحياة فقلما يُتَطرق إليها، ويمكن عزو ذلك في القرون الأولى إلى بساطة الحياة في المجتمع وعدم اطراد تطورها، وهذه الطبيعة المجتمعية تنعكس بدورها على صياغة السيرة وتطبيقها وكذلك على النظر الفقهي المصاحب لها.

سيرة المسلمين: تقاليد الحكم والسياسة في عُمان ،تطبيق الشريعة (الرِق نموذجاً)

رركزت سيرة المسلمين في عُمان في مراحل تأسيسها الأولى على ضرورة تحقيق العدل، ويندر الحديث في السيرة عن جوانب العمران، وتجد السير المختلفة تتحدث عن العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الشورى، أما جوانب عمران الحياة فقلما يُتَطرق إليها، ويمكن عزو ذلك في القرون الأولى إلى بساطة الحياة في المجتمع وعدم اطراد تطورها، وهذه الطبيعة المجتمعية تنعكس بدورها على صياغة السيرة وتطبيقها وكذلك على النظر الفقهي المصاحب لها.
كانت سيرة المسلمين باستمرار المحدد الأبرز في تكوين الخطوط العريضة للتحديث، وتحديث المجتمع يسير في الاتجاه الصحيح إذا تطورت السيرة بنظر نافذ في القرآن وعقل بالغ في الفقه، أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإن هناك خللاً يجعل التحديث بطيئاً أو ضاراً بالبنية الاجتماعية.
وارتبط مفهوم تحديث المجتمع في عُمان بالتفاعل مع سيرة المسلمين، وهذا التفاعل ينتج تعقلاً وفقهاً يحكم علاقة الناس ببعضهم وعلاقتهم بالسلطة الحاكمة، ونفع هذا التعقل والفقه من عدمه يتحدد بالمراجعة والعرض المستمر على آيات القرآن وآيات الكون.
وتحديث المجتمع هو زخم مستمر ومتجدد للمجتمع في حراكه وتفاعله مع مكونات الحياة المختلفة، وهناك محفزات لهذا التحديث كما أن هناك عوائق تكبح تسارعه الزمني.
وأنظمة الحكم المعروفة في التاريخ العماني هي:
– الإمامة
– والملكية
– والمختلط من الإمامة والملكية
وهي جميعاً كانت باستمرار حريصة على الهوية العربية والإسلامية للبلاد، لكن تطبيقها للسيرة كان مختلفاً بحسب فهمها معادلة العلاقة بين الدين والاجتماع البشري.
نظام الإمامة عبر تاريخه كان مخلصاً لقيم العدالة والمساواة أمام القانون، لكنه انتقد خاصة في العصور المتأخرة بقلة اهتمامه بالعمران وضعف عناصره الإدارية، التي كان معظمها من الفقهاء، ويرجع هذا إلى ضعف مناهج تكوين الفقيه.
أما النظام الملكي فيتميز بأنه الأكثر واقعية وقدرة على التعامل السياسي مع المكونات الداخلية والخارجية، ولوحظ طول مدة الدول الملكية في العصور المتأخرة مقارنة بقصر عمر الإمامة، وانتقد في العصور المتأخرة:
1. بأنه وطد علاقته مع قوى أجنبية، وهذا ما يخل في نظر المنتقدين بالسيادة الوطنية.
2. لم يطبق الشريعة تطبيقاً كاملاً خاصة في الفقه الجنائي؛ كقطع جارحة السارق ورجم الزاني المحصن وجلد شارب الخمر.
أما النظام المختلط من الإمامة والملكية فمثلته الدولة في العهد اليعربي (1624-1741م)، التي كانت أفضل أداء في تحديث المجتمع، بالجمع بين العمران والمحافظة على القيم بقدر الوسع والاستطاعة، وهي النموذج الأقل حضوراً في التاريخ العماني، وسقط هذا النموذج بقيام الحرب الأهلية أواخر العهد اليعربي.

-2-
لعل النقطة الأكثر حساسية في الخلاف بين نظامي الإمامة والملكية في العصور المتأخرة هي تطبيق الشريعة، فتجد الفقهاء المؤيدين للإمامة يعددون تجاوزات النظام الملكي لقواعد الشريعة، ويجعلون منها بنظرهم مبرراً للمعارضة المسلحة وإدخال المجتمع في دوامة العنف.
أما النظام الملكي فهو يقدم نفسه النظام الأقدر على إدارة شؤون المجتمع ولم شعثه والتعامل بحكمة مع القوى الأجنبية وعدم إدخال البلاد في مواجهات لا تحتملها مع قوى مهيمنة على العالم لها مصالح حيوية في المنطقة، ويتهم النظامُ الملكي نظامَ الإمامة بأنه صار ضيق الأفق ومضاداً للتحديث، وما يقدمه من خطاب هو رجع لعقارب الزمن إلى الوراء.
في القرن الماضي شهدت الساحة العُمانية جدلاً حول بعض قضايا تحديث المجتمع المرتبطة بفهم الشريعة، وهذه القضايا كانت السبب المعلن في انقسام البلاد عام 1913م إلى سلطنة وإمامة.
الوثيقة التي تناقش هذه القضايا هي رسالة عبد الله بن راشد الهاشمي قاضي الإمام سالم بن راشد؛ إلى القنصل البريطاني بمسقط في 14 رمضان عام 1333ه/1915م، هذه الرسالة تقدم أسباب قيام أنصار الإمامة بمعارضة مسلحة للسلطان فيصل بن تركي، يلخصها القاضي في:
– منع السلطان التعامل بالعبيد، وذلك بقراره الذي ألغى فيه الرق
– منع تجارة السلاح والذخيرة
– وجود التعامل بالدخان والخمر
ويختم الهاشمي انتقاداته بالقول: (إن كنت تريد إبقاء مسقط وغيرها من المتعلقات للسيد تيمور فعليه أن يستمع للمسلمين ويطيع ويعمل بالشريعة المحمدية في الحاضر والعام والقوي والضعيف).
وفي رسالة أخرى للقاضي الهاشمي عام 1915م أعلن استعداداً للقبول بحكم السلطان على المناطق التي يسيطر عليها بشروط هي:
– أن يعمل بالشريعة
– أن يقبل نائباً للإمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في المناطق التي يحكمها السلطان
– أن يرد كل عبد هارب إلى مالكه.
– أن يسمح ببيع السلاح والتعامل به.
وذات المطالب تكررت في رسالة أخرى موقعة من عيسى بن صالح والقاضي الهاشمي مضافاً إليها شروطاً أخرى من مثل:
– أن يترك السلطان (المزيقيا) التي هي من أفعال تركيا، التي لم يكن عليها آباؤه
– أن يكون مرجع كل شيء وقع فيه التشاجر إلى علماء الدين
– عزل القضاة والولاة الظلمة المرتشين
– أن يرفع عن الأسلحة ما لم يكن عليها من قبل من جمارك وزكاة
انظر هذه الرسائل: محمد بن عبد الله الحارثي، موسوعة عُمان (الوثائق السرية)، المجلد الثاني.

يلاحظ على هذه الانتقادات تداخل عناصر السياسة والدين والاجتماع، فإذا كان وجود خمر أو دخان شأناً فقهياً دينياً، فإن التعامل بالرقيق وتجارة السلاح والذخيرة هي شؤون اجتماعية بحتة تهم قطاعات في المجتمع تضررت من هذه القرارات، ومناهضتها للسلطان شأن اجتماعي بحت، وهذا أمر يُفهم بطبائع الاجتماع، وهو ما يفسر هذا التحالف الفقهي القبلي تحت راية الإمامة.
القاضي الهاشمي والمؤيدون له يرون منع تجارة الرقيق مخالفاً للشريعة، ومعارضتهم المسلحة مؤسسة على هذا التصور، أما السلطان فيصل فكان منطلقاً في منعه تجارة الرقيق من ضغط الواقع السياسي، الذي فرض نفسه بمنع الدول الكبرى هذه التجارة، وهذه الدول ضغطت بدورها على دول المنطقة للتحول في سياستها الاجتماعية، وعواقب الممانعة وخيمة في عالم السياسة، إذا لم تكن تملك عناصرها.
ومثل هذا الأمر يقرأ من ناحيتين:
أ. ناحية ترى فيه فرض سياسات من القوي على الأضعف بما يخل بالسيادة الوطنية
ب. وناحية أخرى ترى فيه جانباً إنسانياً يرفض الاتجار بالبشر الذين كرمهم الله على اختلاف ألوانهم وأعراقهم، فلا يهم من يضغط باتجاه إلغاء مثل هذه الممارسات طالما تحط من قيمة وكرامة الإنسان.
الشروط والمطالبات التي حددها القاضي الهاشمي اختلط فيها الديني بالاجتماعي، وكان يمكن التفاوض عليها من البداية من الطرفين، وإيجاد حلول توافقية ترضي إلى حد ما الأطراف المتنازعة وتحفظ للوطن أمنه واستقراره؛ قبل انفجار النزاع المسلح عام 1913م.

-3-
عد القرآن الحرية أصلاً في الإنسان، فالإنسان مكرم عند الله، أسجد له ملائكته وأعطاه القدرة على التعلم وتسمية الأشياء بسماتها وخصائصها، واسترقاق الإنسان خروج عن هذا الأصل (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء:70، والحرية من لوازم هذا التكريم، لأن الإنسان بالرق يفقد كل معاني التكريم بصيرورته مملوكاً لا يقدر على شيء.
الخطاب القرآني موجه للإنسان ذي الإرادة الحرة، فكل الأوامر والنواهي معلقة على الإرادة الحرة (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الإنسان:3، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد:10، فالاعتداء على حرية الإنسان اعتداء على أحد متطلبات التكليف الإنساني.
الاجتماع البشري قبل القرآن أقر الرق وعده من أعراف المجتمع، نزل القرآن بخطاب تحرير رقبة، والرق صورة من صور الرقاب في أشكالها المتجددة، وتحرير رقبة تتسع في مآلاتها لإلغاء الرق نهائياً والانتقال بالمجتمع إلى المساواة على أساس الإنسانية.
بعد نزول القرآن لم يستطع الفقه الخروج من ضغط الواقع الاجتماعي، وبدلاً من التدرج في معالجة أعراف الرق وصولاً إلى تصفيتها نهائياً قرئت آيات القرآن بتصديق وهيمنة أعراف الرق، فحَصَرَ الفقهُ (تحرير رقبة) بالمساحة التي أتاحتها أعراف الرق وهي العتق والمكاتبة.
لاقى إلغاء الرق في العديد من البلدان الإسلامية في بداياته معارضة قوية من الفقهاء والقوى الاجتماعية النافذة، ورغم انحسار الرق اجتماعياً ووجود قوانين تجَّرمه لا تزال الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس تدرس في مناهجها أن الرق والسبي من أحكام الشريعة.
ولا يزال القطاع العريض من الفقه من كافة المدارس الفقهية يعد إلغاء الرق عملاً مخالفاً للشريعة، لأن الفقه لم يعرف سوى العتق والمكاتبة طريقين حصريين في تحرير الرقيق؛ أما إلغاء الرق نهائياً فشيء جديد تماماً لم يعرفه الفقه في مدوناته التاريخية، لكن الحق أحق أن يتبع؛ فإلغاء الرق هو أحسن تأويل بمعارفنا وخبراتنا الزمنية لـ(تحرير رقبة).
في عُمان؛ لم يحرك الفقه ساكناً لإعادة النظر في مشروعية الرق منذ صدور قرار إلغاء إلغائه في عهد السلطان فيصل عام 1912م، وظل يردد ما في الكتب القديمة، وإلى اليوم لا تزال تصدر كتابات فقهية ترى مشروعية الرق وتنسبه إلى الشريعة، وهو ما يَدْرُسه الطلاب في المدارس والكليات.
عارضت زعامات قبلية قرار إلغاء الرق ورأى فيه فقهاء ذلك الوقت مخالفة لأحكام الشريعة، وكان ذلك أحد مستنداتهم الشرعية في المعارضة المسلحة ضد السلطان فيصل، لكن الغريب أنه لم يصدر من السلطة التي أصدرت قرار إلغاء الرق شرح أو توضيح لمستندها المعرفي أو الاجتماعي في إصدار القرار.
هناك احتمالان يمكن طرحهما في تفسير ذلك:
الأول: أن السلطة رأت في القرار عبئاً ثقيلاً لم ترد أن تتحمل المزيد من تبعاته السياسية والاجتماعية
الثاني: أنها كانت غير قادرة أصلاً على صياغة معرفية/اجتماعية لمبرراتها في إلغائه، فالمنطق السائد زمنياً وقتها لم يُمَكِّن من ذلك إلا باتهام أحكام الشريعة، وهذا ما لم يكن أحد يود الدخول فيه، لذلك اكتفت السلطة بمجرد إصدار القرار.
في كل الأحوال اقتصر إلغاء الرق على مجرد الرغبة في التناغم مع المتغيرات الدولية في المنطقة وعدم الاصطدام بها، وبعد السلطان فيصل استمر العمل بقرار إلغاء الرق في عهد السلطانين: تيمور وابنه سعيد، لكن بقي للرق آثار اجتماعية سيئة له لم يكن من السهل محوها، لا سيما مع بقاء حالة انقسام البلد إلى سلطنة وإمامة (42) عاماً.
في عهد السلطان قابوس صدر قانون الجزاء العماني عام 1974م الذي نص في المادة (8) منه على تجريم (من استرقّ عمانياً أو تاجر به أو استعبده)، وكان هذا التشريع نهاية الرق قانونياً في كامل الإقليم العُماني، وحكم هذه المادة يسري على كل شخص عماني أو أجنبي فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً.
السؤال: لماذا بادر الأوروبيون وهم في أوج نزعتهم الاستعمارية بإلغاء الرق من العالم ومحاربته؟ ولماذا لم تصدر المبادرة من المسلمين بإلغائه؟.
بدأ الأوروبيون بإلغاء الرق منذ أواخر القرن الثامن عشر عندما كانوا يستعمرون أجزاء واسعة من العالم، لكن كانت بلدانهم منتعشة بفلسفات تنويرية تصب لصالح الحرية الإنسانية، ولقيت هذه الفلسفات قبولاً اجتماعياً واسعاً، مما ضغط على صناع القرار وأقنعهم باتخاذ قرار تصفية جيوب الرق في بلدانهم والعالم؛ لتسجيل منجز حضاري أخلاقي باسم هذه البلدان، فكل حضارة تحتاج إلى دعامات أخلاقية تقوم عليها وتطيل أمد تفوقها.
أما إلغاء الرق في البلدان الإسلامية ففرضته سياسات الأمر الواقع التي اقتضتها ضرورات تحديث المجتمعات بالقوانين المعاصرة، فقرارات الساسة بإلغاء الرق في هذه البلدان جاءت نتيجة ضغوط سياسية من القوى العالمية المهيمنة، ولم يكن نتاج فلسفات لديها تدفع باتجاه بناء اجتماع بشري قائم على المساواة بين الناس وإلغاء الفوارق بينهم على أساس العرق واللون.

-4-
شرع الله هو رسالة واحدة في مضمونها من التوحيد والأخلاق، وهو ما بعث به كل الرسل والأنبياء:
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى:13
لذلك كان التحذير أن يشرع أحد في الدين ما لم يأذن به الله:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ، وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) يونس:59-60
فمن الخطأ أن نعد آراءنا من جملة الشريعة، فآيات الله خوطبنا بها لنعقلها ونفقهها:
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة:242
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) الأنعام:98
الشريعة من الله وآراؤنا تعقل وفقه، ومن الضروري فض الاشتباك بين شرع الله وتعقلنا له، وهذا يفتح أبواباً من التدافع الاجتماعي بالتي هي أحسن بدلاً من الصراع والاستقطاب على أساس آراء بشرية زمنية أُلبست ثوب الشريعة.
ومما رواه الناس من وصايا الرسول عليه السلام أنه (إذَا أَمَّرَ أَميراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَريَّةٍ أَوْصَاه في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ منَ الْمُسْلِمينَ خَيْراً … ثُمَّ قال: وَإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ وأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّة الله وَذمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإنَّكُمْ أَن تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُحُفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإذَا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهمْ أَمْ لاَ).
فلا يجوز لأحد أن يدعي أنه الناطق الرسمي والممثل الحصري للشريعة، فهي كما أنزلها الله خالدة إلى يوم القيامة، وآراؤنا في فهمها تعَقُّل وفقه يترقى بقدر تراكم معارفنا وخبراتنا الزمنية.
ومن الكلام الجيد في هذا المقام ما قاله أبو سعيد الكُدمي العُماني في كتابه (المعتبر) :
(والسنة كلها تأويل لكتاب الله تبارك وتعالى، وكذلك الإجماع من تأويل كتاب الله، فكما كان تأويل التنزيل تأويلاً له؛ كذلك السنة والإجماع من تأويل كتاب الله، وكذلك حجة العقل من تأويل كتاب الله تبارك وتعالى، والرأي من أهل الرأي من المسلمين يخرج حجة من العقول، فثبت أن الحق كله والعلم كله هو من القرآن).
فلديه أن الحقَ والعلم كلُه من القرآن، والرأي من أهل الرأي من المسلمين يخرج حجة من العقول، والسنة كلها تأويل لكتاب الله، فالقرآن هو الأصل، والرأي يخرج حجة من العقول، فالرأي ليس قرآناً ولا شرعاً من الله، بل تخرج حجته من عقول البشر بقدراتها الزمنية.

التاسع والستون ثقافة وفكر

عن الكاتب

خالد بن مبارك الوهيبي