واقع المصطلح العلمي في المؤسسات العربية

كتب بواسطة هالا مقبل

ي البلاد العربية نلاحظ الاضطراب في استعمال المصطلحات العلمية في الجامعات بصفة خاصة، وأن وضعية المصطلح يشوبها التعدد وعدم الاستقامة فقد أصبحت المصطلحات العلمية تحت رحمة الباحثين، فترجم المصطلح الواحد بعشرات الأشكال حتى اختلفت ترجمة وتعريب المصطلح الواحد من بلد إلى آخر، وقد أنتجت هذه الجهود الفردية اتجاها جديدا في معالجة العلوم التي ابتعدت تدريجيا عن أصول وقواعد اللغة العربية لترتبط بلغة الثقافة الأجنبية،

تحتاج الدراسة العلمية في أي مجال من مجالات العلوم المختلفة إلى تحديد مصطلحات خاصة بهذا العلم تكون مفاتيح لفهمه، وقد أدى التسارع الشديد في نمو وازدهار العلوم الحديثة إلى تشكل طوفان من المصطلحات العلمية.

ومن المسلم به أنه يستحيل إضفاء الصفة العلمية على أية دراسة لا تستعمل مصطلحات محددة المدلول، إذ إن المصطلحات ألفاظ مخصوصة، للدلالة على مفاهيم علمية أو عملية أو فنية، أو أي موضوع ذي طبيعة خاصة وهي العرف الخاص  لدى مجموعة مخصوصة  فالمصطلحات في العلم الواحد يجب أن تكون موحدة، وذات دلالة دقيقة على المفاهيم التي تطلق عليها.

والعلوم مقترنة بمصطلحاتها، لا يقوم العلم إلا بها، وصاحب العلم يحتاج إلى معرفة مصطلحاته، ليكون قائماً على فهمه، وكلما كان المصطلح دالأ ودقيقاً كان الفهم واضحاً، أما إذا استغلق الفهم على المصطلح فيتعسر فهم العلم لا محالة.

وتتم عادة صياغة المصطلحات العلمية بعدة وسائل أهمها الاشتقاق والنحت والترجمة أو نقل اللفظ من لغة إلى أخرى مع إخضاعه لقواعد وأحكام اللغة المنقول إليها، وينبغي عند صياغة المصطلحات  توخي الدقة والدلالة المباشرة، وكلتاهما سمة جوهرية في وضع  المصطلحات؛ فلغة العامة تختلف عن لغة الخاصة ، ويندرج في باب الدقة والتخصص أن يكون للمفهوم الواحد مصطلح واحد في الحقل الواحد.

وفي البلاد العربية  نلاحظ  الاضطراب في استعمال المصطلحات العلمية في الجامعات بصفة خاصة،  وأن وضعية المصطلح يشوبها التعدد وعدم الاستقامة فقد أصبحت المصطلحات العلمية تحت رحمة الباحثين، فترجم المصطلح الواحد بعشرات الأشكال حتى اختلفت ترجمة وتعريب المصطلح الواحد من بلد إلى آخر، وقد أنتجت هذه الجهود الفردية  اتجاها جديدا في معالجة العلوم  التي ابتعدت تدريجيا عن أصول وقواعد اللغة العربية لترتبط بلغة الثقافة الأجنبية، لذلك اتسمت بالغموض في التعبير بمفاهيم ومصطلحات يحكمها التفرد والاضطراب, وفي غياب مؤسسات عربية مراقبة وموحدة لعملية الاشتقاق والتعريب والترجمة، سادت مجموعة من المصطلحات المتضاربة وغير المتقنة، بل لم تكلف صاحبها سوى عملية التقليد.

ولابد من الإشارة إلى أن اختلاف التصورات والاتجاهات كان عاملا وراء ظهور مصطلحات مترامية الأطراف وغير محددة التوجه،  الشئ الذي انعكس على معظم العلماء الذين لم يسلكوا طريقا واحدا في تعريب المصطلح، ولم يتفقوا على قاعدة واحدة تساعدهم على مقابلة المصطلح باللفظ العربي، ولا شك أن التنوع في مصادر التكوين العلمي يؤثر بشكل سلبي في مسالة توحيد المصطلح، إضافة إلى الجهود الفردية التي بذلت  في وضع بعض المصطلحات دون تنسيق جماعي، ولا تكتل مجامعي، أضف إلى ذلك  اختلاف الآليات التي تولد المصطلح من مجمع أو معهد لغوي إلى آخر، بل من عالم إلى آخر مما يعكس أن عملية التنسيق غائبة وغير حاضرة بأي شكل من الأشكال،  ويمكن أن يعزى شيء من هذا الاضطراب إلى الطريقة المتبعة من طرف  المؤسسات أو المجامع التي تضطلع بصوغ المصطلح  فندرك أن مصطلحاً واحداً يمكن أن يصاغ بناء على ترجمة المعنى ، أو بناء على التعريف أو بناء على التعريب. وإذا أضفنا إلى هذا كله  ضعف الاتصال الثقافي بين الأقطار العربية وواقع التبادل العلمي الجامعي العربي الضئيل  نجد أنه لا مناص من التأكيد على عدم وجود أي اتفاق أو  إجماع حول المصطلحات العلمية الحديثة التي يتم تداولها الآن في مختلف العلوم . وهكذا فعوض أن تكون المصطلحات عاملا مساعدا على وحدة الأمة العربية، أصبحت هاجسا وعائقا أمام التطور الثقافي والفكري ، وبالتالي خلق فجوة مصطلحية داخلية في مؤسسات التعليم العالي ،  ولمّا كان المصطلح لفظاً يطلق للدلالة على مفهوم معيّن عن طريق الاصطلاح (الاتّفاق) على تلك الدلالة المقصودة ؛ فإن جوهر المشكلة  هو الاتفاق بين الدارسين العرب، والأسس والمبادئ التـي يقوم عليها هذا الاتفاق، وسبل تحقيقه.

ولا بد من الإشارة إلى  الجهود التي تبذلها المجامع اللغوية العربية في وضع المصطلحات العربية، فقد بدأ اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية العمل على تحقيق أهدافه منذ تأسيسه فأولى معجمات المصطلح التي تصدرها المجامع والمؤسسات العلمية جل اهتمامه بغية تيسير تعريب التعليم العالي، وتوحيد المصطلحات في أرجاء الوطن العربي ونشرها، والعمل على متابعة تطبيقها ، ولكن هذه الجهود والقرارات تحتاج إلى المتابعة المستمرة على أرض الواقع، إضافة إلى إضفاء صفة الإلزامية والشرعية على هذه التوصيات ، حتى تؤدي إلى نتائج إيجابية .

وينبغي أن تقوم الجامعات العربية بدور قومي كبير يستمد أهميته من طبيعة المرحلة التاريخية التي تعيشها أمتنا العربية حالياً ، ويتمثل هذا الدور بالجهد المبذول في توحيد المصطلحات ، وما سيحققه هذا الجهد من وحدة في المفاهيم التي تعني وحدة في التفكير، أي أنها وحدة في الوجود العربي، وحتى تقوم الجامعات العربية بهذا الدور يتطلب منها نشر الوعي المصطلحي بين الأساتذة الجامعيين وإثراء مكتبات الجامعة بكل ما يستجد من معاجم في المصطلحات العربية  ومتابعة الجامعات مدى التزام الأساتذة في تدريسهم وبحوثهم فيما وحد من مصطلحات وتنشيط لجان التعريب الجامعية ، وتحفيزها والإشراف عليها بشكل جدي ومثمر.

الحادي والسبعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

هالا مقبل