لما جاء الإسلام ، ونزل القرآن الكريم للناس كافة ؛ تغيرت أحوالهم ، واختلفت مداركهم ومعارفهم عن ذي قبل ؛ لدرجة أن التحول امتد إلى لسانهم ، وشكل لغة جديدة لم تُؤْلَف من قبل ، أطلق عليها الألفاظ الإسلامية ، وعنى بها تلك الألفاظ التي أقرها القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف بعد مجيء الإسلام الحنيف ؛ فهي إذا ألفاظ تمت ووقعت ، وجدولت في الكتب والمرجعيات اللغوية ، والإسلامية ، ولم تعد النظرة إليها من فرض التخمين ، أو التأسيس .
ولا خلاف في كون هذه الألفاظ قد كانت سببا في تعدد وجوه الإعجاز القرآني ؛ حيث تحيرت في فهمها الألباب والأفهام ؛ فما أجملها من ألفاظ ، وما أحلاها ؛ وما ثمرة الخلاف فيها إلا من باب العبث والهزل ، لا من باب الاهتمام والجد ؛ يقول الله تعالى : ” لا تسمعوا لهذا القرآن ، والغوا عنه لعلكم تغلبون “. سورة : فصلت/41.
إن النظرة الموضوعية للألفاظ الإسلامية تقتضي البحث في مجالات عدة ، سواء في مجالات اللغة العربية ، أم في مجالات التفسير القرآني ، أم في مجالات الحديث النبوي الشريف ، وحتى مجالات العلوم الاجتماعية ؛ فهذه الظاهرة ترتبط بالمجتمع ، وبالنواحي الاجتماعية ؛ إذ إن المجتمع بما يحتكم عليه من سلطة ودين يؤثر تأثيرا قويا في اللغة.
هذا ، وقد أخذت الألفاظ الإسلامية شكلين متميزين في مجتمعنا منذ أن ظهرت ، وتشكلت ، تلكم الشكلان يتمثلان في البيان الرائع الممتع ، وفي الدفاع عن الدين ، وعدم الإساءة إليه بأي صورة من الصور ؛ فكلام الديانات كلام مقدس ، له مكانته ، وحرمته ، بل تتعدى المكانة والحرمة إلى مسألة النطق نفسه ؛ فنطق الكلام الديني يختلف عن نطق أي كلام آخر : اللهجة مختلفة ، والأصوات مرنمة ، والأذهان منصتة ، بل يصل الأمر في معظم الحالات إلى نطق بعض الألفاظ ، والترانيم على طريقة الألغاز ، التي لا يفهمها إلا رجال الدين وحدهم ، أو تبقى نبراسا للإعجاز اللفظي ليوم الدين ، مثل: “طسم” و”كهيعص” وغيرها من الكلمات والتراكيب التي يحفل بها تراثنا اللغوي الديني في ظل الإسلام .
ونظرا للدور البارز الذي تقوم به الألفاظ الإسلامية في مجتمعنا اهتم بها مجموعة من كبار اللغويين والمتخصصين الأفذاذ ، وكان على رأسهم محاولة أبى حاتم أحمد بن حمدان الرازي ( ت : 322هـ ) ، والتي سجلها ففي كتابه ” الزينة في المصطلحات الإسلامية العربية ” ويتميز هذا الكتاب بأنه يوضح دلالة المصطلحات في القرآن والحديث ، والفقه ، كما يعرض الكتاب لأصل الكلمة قبل الإسلام. كان منهم أيضا ابن قتيبة ( ت : 68هـ ) في تفسير غريب القرآن ، وتأويل مشكل الحديث. وقد ذكر المؤرخون أنَّ ابن عباس ( ت : 68هـ ) قام بتوضيح العلاقة بين ألفاظ القرآن الكريم ، وألفاظ العرب العاربة.
ولأن الكلام الديني له بالغ الأثر في التأثير في النفوس أخذ الجميع ـ دون استثناء ـ في الاقتباس من القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف في الشعر ، و النثر على حد سواء ، بل و أيضا نجد هذا الاقتباس بين فئات المجتمع ففي الكلام العادي ؛ ففي دراسة معاصرة قام بها اثنان من الباحثين بعمل إحصاء لغوى على معجم تاج العروس ، وانتهت الدراسة إلى أن الكتاب يضم ” 11500 ” جذر لغوى فقط من خلال “12” قرن مضت ، وأن الجذور اللغوية في القرآن تبلغ ” 15% ” من جذور اللغة ، وأن نسبة 85% من القرآن هي المستعملة ، ولا يخرج عنها إلا بنسبة 2%.
ومن قبيل الاقتباسات الشعرية التي نضربها مثلا هاهنا قول أبي تمام :
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
ويقول لنا أيضا:
ولنا في الرحال شيخ كبير ولدينا بضاعة مزجاة
ويقول أيضا:
وقسمتنا الضيزى بنجد وأرضها لنا خطوة في عرضها ولهم قتر
وفى النثر نجد الإمام على بن أبى طالب يقول في إحدى خطبه: ” أيها الناس اتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم وأمركم بالمعروف وانهوا عن المنكر “؛ فهو هنا يتأثر بالمعاني الإسلامية ، وبالألفاظ الإسلامية.
والنتيجة التي نجنيها من الاقتباسات المجتمعية للألفاظ الإسلامية هي أنها تجعل التخاطب سهلا ، والكلام متقبلا مسوغا ، والسلوك مستجابا لكل ما يطلب منه على مستويي الأمر ، والنهي.
والحقيقة التاريخية للألفاظ الإسلامية أنها أخذت الأشكال التالية :
- أن يكون للفظ القديم دلالة إسلامية جديدة ، مثل لفظ الصلاة الذى كان معناه في الجاهلية الدعاء ثم صار يطلق في الإسلام على الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام.
- ألفاظ لم تستطع العيش مع الإسلام ، فأهملت كالمرباع ، والمكس.
- ألفاظ لم يقرها الإسلام.
- الألفاظ المصاحبة ، مثل :الخليفة.
فليس من قول غير القول بضرورة الاهتمام بموروث الألفاظ الإسلامية ؛ فما أكثرها في حياتنا ! وما أحلاها.