حرب اليمن… كوارث إنسانية وفوضى عارمة

كتب بواسطة زهير قواس

من المعروف أن انطلاقة الحرب على اليمن كان بتاريخ 26/3/2015 وبحسب دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات للدكتور ظافر محمد العجمي بتاريخ 3/5/2015، فإن الحرب البرية تتطلب لم شمل الجيش اليمني الشرعي، وهو أمر يتطلب عملاً استخبارياً ضخماً، لكن المشهد السوري والمشهد العراقي يشهدان للأمير بندر بن سلطان الذي حدد هدفه بتقويض القوة الإيرانية وحلفاء طهران وحزب الله إضافة إلى تشجيع الانشقاقات داخل فصائل الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح

تمكن العثمانيون الأتراك في عام 1872 من العودة لبعض المناطق اليمنية، وذلك بسبب سيطرة الإمبراطورية البريطانية على عدن في الجنوب اليمني، ولكنهم عندما حاولوا ضم العاصمة اليمنية صنعاء فشلوا وباءت كل محاولاتهم بالفشل، وفي النهاية وتحديدا في عام 1904 حاصر الإمام يحيى حميد الدين الحامية التركية المتواجدة هناك لمدة ستة أشهر، حيث اضطرت الحامية إلى الاستسلام ليحقق الثوار على اثرها من الحاق هزيمة أخرى بالأتراك في وسط البلاد وغنموا منهم مدافع وذخائر كثيرة . وهو الأمر الذي أجبر الأتراك التوقيع على معاهدة سلام مع الإمام يحي والاعتراف به إماما على شمال اليمن بالرغم من أن الجانب البريطاني والعثماني كانا قد عقدا اتفاقا عام 1914 لتقاسم مناطق النفوذ في اليمن فيما بينهما، أسموها اتفاقية الحدود، إلا أن العثمانيين أدركوا مع الواقع الجديد أن لا مكان لهم في اليمن فانسحبوا م هذا البلد العربي للمرة الثانية عام 1918، ليدخل اليمنيون في تحد جديد حيث تعرضت البلاد لمواجهات قتالية مع بني سعود.

ويذكر أن للباحث الدكتور محمود الجبارات دراسة نشرت في بيروت
عام 2008 بعنوان العلاقات اليمنية – الأمريكية ما بين 1904 – 1948
وهي دراسة وثائقية استندت إلى مصادر بريطانية وأمريكية وعثمانية وبعض الوثائق الايطالية ووثائق عربية ومحلية يمنية، وإثناء كتابته للأطروحة ما بين عامي
حصل الباحث الجبارات على وثائق هامة عن تاريخ اليمن المعاصر. اللافت أن الدكتور الجبارات وأثناء ندوة متخصصة عقدت حول كتابة تاريخ اليمن المعاصر كان قد علق على الأحداث الجارية هناك بقوله : “ان المسألة اليمنية … ليست نزاعاً بين الحوثيين والسلطة، ولكن هناك مطالب شعبية واسعة متعلقة بتشكيل حكومة كفاءات يشارك فيها الحوثيون ومكاتب تتعلق بالعودة عن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية وإجراء إصلاحات” معتبراً أن الناظم للعملية السياسية هو قرار مجلس الأمن 2051 لعام 2012، وان ما يشكل خطراً مروعاً هو انزلاق اليمن إلى حرب أهلية جديدة.

الحرب البرية واستراتيجية التحالف :
من المعروف أن انطلاقة الحرب على اليمن كان بتاريخ 26/3/2015 وبحسب دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات للدكتور ظافر محمد العجمي بتاريخ 3/5/2015، فإن الحرب البرية تتطلب لم شمل الجيش اليمني الشرعي، وهو أمر يتطلب عملاً استخبارياً ضخماً، لكن المشهد السوري والمشهد العراقي يشهدان للأمير بندر بن سلطان الذي حدد هدفه بتقويض القوة الإيرانية وحلفاء طهران وحزب الله إضافة إلى تشجيع الانشقاقات داخل فصائل الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح ودفع ألوية الجيش اليمني إلى إعلان الولاء للشرعية وإعفاء قادة بعض الدول التي تحول دون انصياع منتسبيها للشرعية وكذلك توفير احتياجات شيوخ القبائل حتى يثقوا بجدوى الحكومة الشرعية ومن ثم إعادة تكوين الوحدات المقاتلة . حيث ستسهم استضافة وحدات من الجيش اليمني الشرعي في عدد من الدول الخليجية في تأسيس جيش تحرير وطني وبمشاركة واشنطن وعواصم غربية أخرى في برامج التدريب والتسليح، كما هو حاصل في سوريا والعراق. لكن المشهد اليمني وبصورة عامة هو مشهد خلافي في الشارع العربي ويرى البعض بان ما يجري في المنطقة هو محاولة وحيد القرن الأمريكي للحفاظ على وجوده وتفرده بالقوة في العالم ومجابهة من يعتقد أنهم خصومه او المنافسين له وخصوصاً العملاق الاقتصادي الصيني والعملاق العسكري الروسي.

محادثات السلام لإيقاف الحرب
ترعى الأمم المتحدة المحادثات التي تجمع بين الحوثيين وحلفاءهم من جهة وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي من جهة أخرى، حيث توسطت الأمم المتحدة للعمل على وقف إطلاق النار الذي بدا يوم 10 أبريل من السنة الحالية، حيث يدور القتال بين قوات موالية لهادي مدعومة من قبل العربية السعودية وقوات الحوثيين المدعومة من قبل علي عبدالله صالح الرئيس وحزب المؤتمر الموالي له، بالإضافة إلى الجيش اليمني الذي لا يزال يتبع في غالبيته للرئيس السابق.
ويذكر أن محادثات السلام في الكويت تقدمت ببطء في ظل هدنة صمدت منذ 10 ابريل، اثر حرب مريرة أسفرت عن مقتل أكثر من (6000) آلاف شخص ونزوح أكثر من مليوني ونصف مليون عن بيوتهم، ويشير إسماعيل ولد الشيخ احمد مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن إلى نجاح هيئة الأمم المتحدة بتشكيل لجنة التهدئة والتنسيق للنظر في الأوضاع الشائكة ميدانيا لتقديم تقارير مفصلة عنها للجهات المعنية، مبيناً بأن اللجنة ستصدر تقريراً بشأن أعمال العنف في الأيام الأخيرة وبأنها ستصدر توصيات تلتزم بها كل الأطراف لمعالجة الوضع.

وفي السياق ذاته طالبت منظمة ” هيومن رايتس ووتش ” المجتمعين بالكويت في محادثات السلام اليمنية ضرورة مساندة التحقيقات الدولية ومساعي العدالة الانتقالية وتعويض الضحايا باعتبار ذلك هو الأساس لأي اتفاق يبرم، وأضاف بيان المنظمة بأن النزاع المسلح في اليمن اتسم بانتهاكات عديدة لقوانين الحرب من قبل جميع الأطراف وهي انتهاكات لم يجر التحقيق فيها ولم تؤد لإنصاف لضحايا الهجمات القانونية .
كما اعتبر البيان التحالف المكون من (9) دول بقيادة السعودية بأنه نفذ غارات جوية عشوائية ضد أحياء سكنية وأسواق ومنشآت مدنية أخرى، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين ، وأضاف بان أي اتفاق سلام يجب أن يشتمل على آلية تسمح بتحقيقات دولية مستقلة في انتهاكات جميع الأطراف منذ بداية العمليات العسكرية في اليمن وتوفير مسار لملاحقة الجناة قضائياً، كما أن الحكومات ملزمة بتقديم تعويضات مناسبة لضحايا انتهاكات قوانين الحرب .

تدمير لمجمل العملية التربوية
يختصر عبدالوالي الذماري وهو مدرس في إحدى مدارس العاصمة اليمنية مشهد الدمار الذي خلفته ولا زالت الحرب وراءها بقوله: أدت الحرب إلى إغلاق آلاف المدارس في البلاد عدا عن تدمير أخرى وكذالك أصبح ملايين التلاميذ بحاجة ماسة للمساعدة بهدف الحصول على التعليم، مبيناً بأنه يشعر بإحباط شديد وهو يتابع تدمير وإغلاق المدارس وتسرب التلاميذ منها أو انصراف الكثير من الطلاب إلى جبهات الحرب، مبيناً بأنه يعرف عدداً كبيراً من الطلاب الذين تركوا مدارسهم بهدف العمل أو المشاركة في الحرب وأما عن حالة الأساتذة فيقول: بأن عدداً كبيراً منهم باتوا على قناعة بأن التعليم في اليمن لن يصلح
إلا بعد سنوات طويلة بسبب الدمار الذي لحق به. كما بينت وزارة التربية والتعليم بان الحرب والحصار خلال الأشهر الماضية تركا أثراً كبيراً في المؤسسة التعليمية والمدارس معتبرة ذلك بأنه لن يثني المسؤولين في الوزارة عن العمل على تحصين الدراسة مهما كانت الكلفة. وعن نفس الموضوع تحدث نائب وزير التربية والتعليم عبدالله الحامدي معتبراً أن الظروف والأوضاع الصعبة التي تعيشها الوزارة حالياً للغاية لكن العملية التعليمية ستسير كما هو محدد وبالإمكانيات المتاحة مبيناً بان الوزارة تعاني من مشاكل كثيرة وأهمها استهداف المدارس والتلاميذ وتضرر بعض المنشآت جراء المواجهات المسلحة مبيناً بان الوزارة وجهت رسائل إلى الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف، حيث طالبناها بالضغط على المتحاربين لحماية المدارس والتلاميذ باعتبارها خطوطاً حمراء وطالبنا هذه الهيئات القيام بواجبها برفض قصف المدارس كونه يؤشر بشكل مباشر وسلبي على العملية التعليمة الآن وفي المستقبل .
ومما يجدر ذكره أن التلاميذ النازحين هم أكثر فئات المجتمع تضرراً زمن الحرب بعدما اضطروا إلى ترك منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى وهو أمر أثر في نفسياتهم واستعدادهم لاستقبال العام الجديد، عدا عن ظروف دراستهم في مناطق نزوحهم كما بين نائب وزير التربية والتعليم الحامدي بأن الوزارة سمحت للأطفال بالدراسة والامتحان في المناطق التي نزحوا إليها .
وبحسب تقارير دولية فقد بلغ عدد المدارس التي يسكنها النازحون داخلياً (237) مدرسة، كما تحتل الجماعات المسلحة نحو (67) مدرسة، وتشير التقارير بأن نحو (1,8) مليون طفل قد تسربوا من المدارس في وقت سابق لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة، عدا عن كون نحو (2,9) مليوني طفل آخرين مهددين بالتسرب في حال لم يحصلوا على المساعدات، الأمر الذي يعني أن نحو (78%) من الأطفال في عمر الدراسة لن يكون قادرين على الالتحاق بالمدارس هذا العام علماً بان الدراسة تبدأ في الثالث من شهر أكتوبر المقبل بحسب مصدر وزاري الذي بين بان الحرب قد تسببت في إغلاق نحو (3,584) مدرسة أي ما يعادل (24%) من إجمالي مدارس اليمن وذلك منذ 26 آذار 2015. (7) .
كما وتشير تقارير جديدة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منه ( اوتشا ) إلى أن العدد الأكبر من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس معرضون لمخاطر التجنيد من قبل الجماعات المسلحة وغيرها من أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، ليكونوا ضحايا عدن الالتحاق بالمدارس. وتطالب هذه التقارير بضرورة إعادة تأهيل المرافق التعليمية بشكل سريع وإيجاد أماكن بديلة آمنة للنازحين الذي يعيشون في المدارس لمنع تأخير العام الدراسة المقبل، حيث يعد اليمن من احد أكثر دول الشرق الأوسط في إيقاع معدلات الأمية التي تصل إلى (40%) من السكان الذي يعاني أكثر من (60%) منهم من البطالة .

معاناة إنسانية لا حدود لها :
صّرح مسؤول الاتصال والإعلام في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف ) محمد الاسعدي بان آثار الحرب في اليمن كانت كبيرة على الأطفال تحديدا، معتبراً الأطفال أكثر فئات المجتمع تضرراً من الحروب وغالباً ما يقعون ضحايا بشكل مباشر قتلاً أو تشويهاً لأطراف النزاع المسلح، مبيناً بان النزاع المسلح والحرب يعطل الخدمات الأساسية من مثل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وهو ما يؤثر سلباً على بقاء الأطفال ونموهم، مبيناً بأنه قد قتل ما يزيد عن (402) طفل من مختلف المحافظات التي شهدت مواجهات مسلحة، كما أصيب ما يزيد عن (606) منذ منتصف آذار
( مارس ) الماضي.
كما يكشف مسؤول الاتصال والإعلام في منظمة الأمم المتحدة ( اليونيسيف) بأنه من آثار الصراع المسلح تعطل الخدمات الصحية وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال وإغلاق المدارس ونزوح ما يزيد على مليون وثلاثمائة ألف مواطن من مناطق الصراع اغلبهم من الأطفال والنساء معتبراً بان هناك احتمال أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في نهاية العام الجاري إلى حوالي (1,8) مليون طفل بسبب تدهور الخدمات الصحية وشح المياه الصالحة للشرف وانخفاض معدلات الأمن الغذائي . كما يحتاج قرابة آلـ (20) مليون شخص نصفهم تقريباً من الأطفال للمساعدة في تأمين القدرة على الوصول للمياه المأمونة والصرف الصحي وذلك بسبب نقص الوقود والضرر الذي لحق بالبنى التحتية وانعدام الأمن بحسب تقديرات المنظمة
الدولية .
ويوضح مسؤول الإعلام والاتصال في منظمة الأمم المتحدة بأن المنظمات العاملة في الإغاثة والمساعدات الإنسانية تعاني من نقص التمويل لمواجهة الاحتياجات الهائلة، مبيناً بأن المنظمة لم تحصل على تمويل إلا بما يغطي (16%) بالرغم من النداءات التي وجهتها المنظمة للتمويل مبيناً بان القيمة الإجمالية للنداء تبلغ (182,6) مليون دولار حتى الآن، حيث وجه الناطق الإعلامي لليونيسيف دعوة من خلال الخليج اون لاين لجميع الأطراف أن يلتزموا باحترام القانون الإنساني الدولي ووقف استهداف المدنيين والبنى التحتية الأساسية مثل المدارس ومحطات المياه والمرافق الصحية كما شدد على ضرورة وقف الاقتتال الداخلي في البلاد بشكل نهائي.

الثاني والخمسون سياسة

عن الكاتب

زهير قواس