ترامب النرجسي وعرش أمريكا – تحليل نفسي

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

نشرت مجلة ذا أتلانتِك بتاريخ 14 نوفمبر 2016 مقالا مطولاً بعنوان (النرجسي) كتبه بروفيسور علم النفس دان بي. ماك أدامز. جاء هذا المقال المطول عقب فوز ترمب بغالبية أصوات الشعب الأمريكي وخروج هيلاري كلينتون من منافسة الانتخابات الرئاسية. وهنا محاولة لعرض ملخص لأهم ما جاء في المقال.

دونالد ترمب : حين يمثل الشخص دور نفسه
يكاد يجمع كل من التقى دونالد ترمب من إعلاميين وغيرهم أنه يحمل شخصية تكاد لشدة غرابتها أن تكون غير حقيقية. فعلى سبيل المثال، ردوده الفظة على أسئلة الإعلاميين تكاد لا تصدق أن تصدر من إنسان طبيعي مثلنا. وكصاحب إمبراطورية أعمال ناجحة تراه مفاوضاً شرساً للغاية يكاد لا يحترم حتى من يتفاوض معهم. فعلى سبيل المثال، أثناء مفاوضاته في اسكتلندا لشراء أراضي وممتلكات لإنشاء ملعب جولف، وصف ترمب في لقاء تلفزيوني المواطنين الرافضين للتخلي عن ممتلكاتهم لصالح إنشاء هذا الملعب: “بأنهم ثلة من الكائنات التي تعيش في حظائر قذرة ومتهالكة”. أمّا الصحفي سنجر الذي كتب مقالاً عن شخصية ترمب في مجلة ذا نيويوركر أواخر التسعينيات خلص بعد لقاءه بترمب بجملة قاسية مفادها ” ترمب كائن لا يعذبه تأنيب الضمير”.

فهل كانت هذه الجملة تقترب من وصف ترمب الذي يشرف على حكم دولة عظمى كأمريكا؟

ما نعرفه حقاً عن شخصية ترمب بأنها شخصية يصعب تصديق أنها حقيقية وبشرية مثلنا. يصفه الكثيرين بأنه ممثل أو مهرج في دلالة لعدم تصديق وجود كائن بشري بهذا السلوك. هذا الممثل يقترب من سدة حكم أمريكا بعد أعوام من النجاحات المتوالية تحت الأضواء. فهل يتبع ترمب الأضواء أم هي من تتبعه؟ ترمب الملياردير ليس كأي كملياردير يهرب من الكاميرات أو يخفي نجاح صفقاته. هو الملياردير النجم الذي يتباهى بنجاحاته ويتبجّح بانتصاراته ويعد بالمزيد. ولم يكتفِ بهذه النجومية بل صعد منبر الإعلام، وقام بتمثيل دور شخصيته على العلن. ولاقى برنامج (ذا أبرنتِس) شهرة واسعة، لعل ترمب كان أهم عنصر فيها. غروره الطاغي الذي لا يخفيه وقسوته في طرد المتنافسين للعمل معه، كلها مظاهر ساهمت في تحقيق نجاح آخر لترمب ولكنها أيضا ساهمت في خلق جماهير جديدة، منها المعجبة بهذه الشخصية الخارقة، ومنها الماقتة لعجرفته. إلا أن كل هؤلاء يعجبون ويمقتون شيء واحد هو “شخصية ترمب”.

فمن هو هذا النجم الملياردير الإعلامي الذي سنناديه قريباً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟

في القادم سنستعرض تحليلاً لشخصية ترمب قام بنشره عالم النفس دان بي. ماك أدامز الذي نشر في عام 2011 كتاباً في تحليل شخصية الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. منتهجاً منهجاً نفسياً صرفاً. ولعل أول من انتهج هذا المنهج النفسي في تحليل الشخصيات هو عالم النفس فرويد في عام 1910 حين قام بتحليل شخصية لروناردو دافنشي وقام من بعده علماء نفس آخرين بانتهاج وتطوير ذات المنهج النفسي/الاجتماعي.

فيا ترى كيف ستنعكس شخصية ترمب على قراراته وسلوكه الرسمي كرئيس مرتقب؟

الأبعاد الخمسة

على الرغم من وجود الكثير من العوامل التي تحدد الفوارق بين شخصية وأخرى إلا أن علماء النفس استطاعوا بفضل تجاربهم التي استمرت لأكثر من 50 عاماً إلى حصرها في 5 أبعاد ، تسمى “الخمس الكبار” وهي أبعاد تساعد على فهم الشخصية من منظور نفسي. وهي كالآتي :
الاهتمام بالآخرين والسعي لإرضائهم .وتشمل صفات: حب إرضاء الآخرين والحماسة للعمل والعطاء رغبة في التصدر اجتماعياً.
الحالة العصبية وتشمل صفات: القلق، وعدم الاستقرار العاطفي، الميل للاكتئاب والمشاعر السلبية.
الوعي الأخلاقي ويشمل صفات: التنظيم والالتزام بالقوانين.
حالة التقبل والتوافق وتشمل مظاهر: الاهتمام بالآخر، والتعاطف مع الآخرين و التواضع والإيثار.
الانفتاح وتشمل مظاهر: الفضول، وحب المعرفة، والإبداع، وتمكين الخيال وسهولة استقبال الأفكار الجديدة.

يحرز غالبية الناس حين خضوعهم لقياس هذه المعايير الدرجة “المتوسطة” ، إلا أن البعض ترتفع لديه نقاط معيار معين على آخر. وهناك دلالات لتصدر أي معيار من هذه المعايير. فعلى سبيل المثال، تصدّر معيار الاهتمام بالآخرين والسعي لإرضائهم يدل على السعادة وتوسع شبكة العلاقات الاجتماعية. أما تصدر معيار الوعي الأخلاقي فيدل على النجاح على الصعيدين الدراسي والعملي. وأما تصدر حالة التقبل والقبول فتعني نجاح الشخص في تكوين علاقات قوية. وعلى العكس فإن الحصول على معدل عالٍ في معيار الحالة العصبية يدل على الشعور بعدم السعادة والعلاقات الإنسانية المهزوزة وغير الناجحة كما تدل على إمكانية وجود خلل أو مرض عصبي. على مدار عمر الإنسان فإن المنحى العام الذي يمر به يكون بالعادة بين فترتي البلوغ وحتى منتصف العمر يكون أكثر ميلاً إلى حالات التقبل والقبول والانفتاح، بينما تجده أكثر استقرارا في حالته العصبية. إلا أن هذا الاستقرار يكون بتغير طفيف، فغالبية الناس لهم نزعات وميول شبه ثابته اتجاه هذه المعايير الخمسة.

رؤساء أمريكيا والمعايير الخمسة

قام عالما النفس ستيفين روبينزر وزميله توماس فاشينباور بالتعاون مع أكثر من 120 باحثًا تأريخيًّا وغيرهم من المتخصصين بتطبيق هذه المعايير على رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بدءًا من جورج واشنطن. ولعل أبرز ملامح استنتاجاتهم كانت الآتي:
جورج دبليو بوش: هناك ميل الواضح في هذه الشخصية نحو الاهتمام بالآخرين والرغبة في إرضاءهم بينما هناك انغلاق وتحفظ كبير في شخصيته نحو الانفتاح وخوض التجارب الجديدة. في المقابل هو يتمتع بالحماس ومشاركة الآخرين، الأمر الذي يجعله نشيطاً على الصعيد الاجتماعي، بينما نراه لا يتمتع بفضول المعرفة والمرونة على الصعيد الفكري.
باراك أوباما: على عكس جورج دبليو بوش نرى أوباما أكثر اهتماماً بشخصه ومشاعره.
ريتشارد نيكسون: يصنف علماء النفس الرئيس نكسون بأنه أقل زعماء أمريكا تقبلاً وقبولاً، إلا أن خفّة دمّه هونت هذا الجانب إذا ما قورن بترمب.

دونالد ترمب: يبدو أن شخصيته ذات نزعات استثنائية حيث نرى تطرفه في أكثر من معيار من المعايير الخمسة. فمثلا: الاهتمام بالآخرين نراه في هذا ينفق الكثير من الجهد والوقت، ويلاحظ ذلك حتى من عادات نومه، حيث أنّ المتابع لترمب يلاحظ ساعات نومة القليلة وحضوره الكبير في قنوات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا الحضور ليس حباً في الآخرين بقدر ما يمثل حباً لنفسه وظهوره بينهم. كما نلاحظ تطرفه في معيار التقبل والقبول حيث أن تحليل مقابلاته وسلوكياته العامة يظهر قدراً كبيراً من رفض المختلفين معه إلى حد يصل به في كثير من الأحيان إلى مهاجمتهم وشتمهم على الملأ دون تحفظ أو خوف من انتشار وجهه نظره أمام الناس. بل إنه شجع مؤيديه في الانتخابات على طرد معارضيه ومساندته بالقوة. وغالباً ما ترافق حالة رفض الآخر وعدم قبوله لحالات عصبية تنعكس بإطلاق الشتائم الغاضبة وهي حالات قد يخجل الإنسان السوي من أن تلتصق به، بينما نرى أن عصبيته وميله للعنف قد رافقه منذ الصغر حيث لَكَم في الصف الثاني الابتدائي مدرّس الموسيقى مخلفاً كدمة في عينه. وكذلك هناك شهادة من عملوا معه، حتى من فترة الثمانينيات، كالسيدة باربا رس التي تؤكد أن عصبية ترمب غير مصطنعة وهي جزء من تكوينه. ونرى أن الانتخابات الحالية أبرزت هذه العصبية، إلا أن ترمب استطاع كما يبدو أن يوظفها بنجاح في خطابه السياسي.
وعلى الرغم من وجود بعض المشاهد الإنسانية لترمب كإسعاده لطفل مصاب بالسرطان إلا أن المعايير التي تناولناها تحكم على المشهد العام للشخصية وأكثر ما عرف عنها وما صدر منها بتكرار.

الرؤساء في بيت العائلة

قبل دخولهم للبيت الأبيض كان لكنف العائلة دور كبير في رسم شخصية من سيتولون رئاسة الولايات المتحدة يوماً ما. فذكريات طفولة جورج دبليو بوش تأخذ طابع البراءة والمتعة والحرية التي عاشها في ظل عائلة محبة وميسورة مادياً. أما باراك أوباما فطفولته حملت طابعاً تأملياً إلا أنه كان مرتبكاً حول مكانه في هذا العالم. أما دونالد ترمب فقد تربى في ظل أسرة غنية حيث كانت أمه ربة منزل كرست نفسها لأبنائها والعائلة، بينما كرّس الأب نفسه لعمله، وكان مثالاً للشخص المثابر والصارم. هذا الأب كان له أثر كبير في تشكيل شخصية ترمب ونظرته لهذا العالم. على عكس بوش دبليو بوش الشاب الحر اللعوب، وعلى عكس أوباما المتأمل والمرتبك، يصف ترمب الحياة: بأنها مكان خطر ولا يمكن الوثوق به، وأنها تتطلب أن يكون المرء قوياً لمواجهتها. في سن 13 أرسل ترمب الأب ولده للكلية العسكرية كي يجمع بين الشدة والانضباط، ليكون أكثر استعداداً في مواجهة الحياة التي يراها ساحة قتال خطرة. ففي إحدى المقابلات الإعلامية عام 1981 قال ترمب: “إن الإنسان أكثر الحيوانات ضراوة وعنفاً، وأن الحياة ليست سوى سلسلة من المعارك تنتهي بالفوز أو الخسارة”. هذه النوعية من الشخصيات صنفها عالم النفس الشهير كارل يونج على أنها تمثل شخصية “المحارب البدائي”. أهم مقومات هذه الشخصية:
المهارة المشحوذة دائماً
الالتزام
الشجاعة
تقضي عليها نهائياً أو تكتفي بهزيمتها

أما أبرز مخاوف ونقاط ضعف هذه الشخصية هي :
الضعف
العطل والإعاقة

الرؤساء في البيت الأبيض

يتساءل معظم الناس كيف ستكون شخصية ترمب كرئيس للولايات المتحدة ؟ ما شكل القرارات التي سوف يتخذها يا ترى؟ من الصعب التنبؤ بقرارات أي رئيس حتى لو كان ترمب. فهناك قرارات مصيرية لا يستطيع أحد أن يرى قدومها. فمن توقع أن يقدم جورج دبليو بوش على غزو العراق؟ على الأرجح أنه لن يفعل ذلك لولا وقوع أحداث 11 سبتمبر. هذه الأحداث المفاجئة لا نملك أن نتوقعها ولا أن نرى ردات الفعل التي تعقبها. إلا أننا من خلال المعايير الخمسة يمكننا أن نرسم ملامح لشكل ونوعية القرارات التي قد يتخذها الرئيس تبعاً لشخصيته وميولها. وعودة لمثال حرب بوش الابن على العراق، نرى أنه قرار ليس غريباً على شخصية تتصدر معيار الاهتمام بالآخرين والسعي لإرضائهم، في جانب آخر تتراجع بشدة في معيار الانفتاح، هذان المعياران إن اجتمعنا في شخص فسيقدم غالباً على قرارات جريئية يندر أن يراجع ضميره بشأنها. وبالنظر كذلك إلى حياة بوش الابن، فإن قرار الحرب على العراق يتحقق فيه واجب الابن في حماية أبيه من أعدائه (وصدام حسين أبرز هؤلاء الأعداء) ليظهر فيه بمنظر البطل، وهذا الدور البطولي كان يشغل بوش الابن دائماً، حيث نراه يسعى باستمرار ليكون المخلص والمحرر من كل ما يمكنه استعباده. فعلى الرغم من حياة الحرية والسلطة التي عاش فيها منذ صغره، استطاع بعد سن الثلاثين اتخاذ قرارات صارمة للتكفير عن حياته اللاملتزمة دينياً في صباه، فأعلن تركه الكحول واتباعه لمذهب الكنيسة الإنجيلية التي عززت فيه شعور الرجل المخلص الذي يتبع تعاليم الرب. وهذا الشعور انعكس على قرارات مصيرية كالحرب على العراق. أمّا باراك أوباما فقد عانى تركة ثقيلة حين تسلم الرئاسة انعكست بدورها على قرارته. لذا يبدو من الصعب التكهن بقرارات ترمب، إلا إن أُخذ في الحسبان المعايير النفسية الخمسة مع مقاربتها مع شخصيات سياسية أخرى حكمت أمريكا لها نزعات نفسية مشابهة، يمكننا القول إن ترمب قد يشبه إلى حد كبير الرئيس السابع أندرو جاكسون الذي اتسم بمعايير نفسية تباينت بين مظاهر النرجسية والعصبية وحب الحظوة الاجتماعية. وكانت وجهات النظر حول أهليته الرئاسية مخيبة، حيث وصفه الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون إنه غير مؤهل ليكون رئيس لأمريكا، وأنه رجل خطير قد يقتل نفسه من عصبيته المفرطة! غير أن أندرو جاكسون أثبت العكس فاستطاع توظيف هذه الشطحات النفسية لصالحه. فقام بصياغة استراتيجيات محكمة لتمرير خططه وأهدافه السياسية. وهذا قد ينطبق على ترمب حيث يمكن أن يوظف شخصيته المشتعلة والمهاجمة في سياسات ناجحة، تماماً كما وظفها في نجاح حملته الانتخابية التي تنبئ معظم الناس بفشلها.

وأخيراً من يكون ترمب خلف القناع؟
يبدو لي أن هناك شيئاً أكبر من كل هذه النرجسية ودوافعها أو من مسيرة حياة تسعى للفوز بأي ثمن. وكأن ترمب أنفق واستثمر الكثير لتحقيق هذا التسيد الاجتماعي، ولم يبقِ شيئًا ليكتب مسيرة مشرفة وذات معنى.
هو دونالد ترمب يلعب دور دونالد ترمب، يصارع ليفوز لكن دون أن يعرف لماذا؟
مادة ذا أتلانتك موجودة على الرابط التالي:
http://www.theatlantic.com/please-support-us/?next=http%3A%2F%2Fwww.theatlantic.com%2Fmagazine%2Farchive%2F2016%2F06%2Fthe-mind-of-donald-trump%2F480771%2F#seen

التاسع والسبعون سياسة

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة