في المدن الحارَّة .. زراعة النباتات ليست سوى مزيد من التلوث!

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

 

حين ترتفع درجة الحرارة تصبح النباتات مصدراً كبيراً لتلوث الهواء؛ فالنباتات والشجيرات تطلق المواد الكيميائية بشكل أكبر عند ارتفاع درجات الحرارة، مكونةً طبقة من الأوزون الخطير على صحة الإنسان[1].

لطالما سمعنا عن الدور الذي تلعبه زراعة النباتات في جعل المدن أكثر اخضراراً ونظافة، والصحةَ أكثر عافيةً وسلامة؛ ولكن ما تم اكتشافه مؤخراً ينسف هذه الفكرة؛ فقد كشف تقريرٌ نشرته مجلة (Environmental Science & Technology) بتاريخ: 17-3-2017 يقول: عند ارتفاع درجات الحرارة؛ فإن حوالي 60% من أوزون سطح الأرض ينتج من المواد الكيميائية التي تطلقها الأشجار في المدن الحضرية، وهذا بدوره يزيد نسبة التلوث في الهواء.

ويرى بعض خبراء التخطيط الحضري الذين لم يشاركوا في هذه الأبحاث كالأستاذ روبرت يونج من جامعة تكساس بمدينة أوستن أنه مع كون هذه النتائج مفاجئة وغير متوقعة إلا أن هناك آثارًا وتفاعلات متعددة لأي شيء، ولا تعني هذه النتائج أن يتم وقف زرع الأشجار في المدن؛ بل الأحرى أن نتخذ التدابير الصارمة للحد من مصادر التلوث المعروفة كعوادم السيارات وغيرها؛ فلا يخفى على أحد ما تضيفه الأشجار للمدن من توفير مساحات ظليلة، وتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين، والحد من جريان مياه الأمطار على الأسفلت؛ إلا أن الأشجار نفسها تقوم في المقابل بالتفاعل مع البيئة المحيطة بها، وتطلق ملوِّثات للهواء، ومن هذه الملوّثات الأيسوفرين isoprene الذي يتفاعل مع مُكوِّنات يصنعها الإنسان كأكاسيد النيتروجين مشكلًا طبقة من الأوزون الأرضي (وهي طبقة عديمة اللون يمكنها تشكيل خطورة حقيقية على صحة الإنسان). كما أن التربينات العضوية[2] التي تفرزها النباتات، وخاصة التربيات الأحادية والتربين الأحادي والنصف، حين تتفاعل مع أكاسيد النيتروجين؛ تطلقُ جزيئات متناهية الصغر شبيهة بالفحم تتراكم في الهواء. وفي المدن تعدَّ السيارات والشاحنات مصادر أساسية لإطلاق هذه الأكسيدات.

في دراسة حديثة أجرتها جالينا تشوركينا Galina Churkina وعدد من زملائها بجامعة همبولت في برلين Humboldt University of Berlin حيث قامت بمحاكاة إطلاق التركيبات الكيميائية المكثفة التي تطلقها النباتات في الهواء، وقد اختارت الباحثة منطقة برلين براندبيرج موتروبوليتان لتجري هذه التجربة. ودارت الدراسة أثناء فصلي صيف، كان أحدهما يشهد موجة حرارة استثنائية، وهو صيف 2006، وصيف ذو درجات حرارة معتدلة وهو صيف 2014.

ففي يوم الصيف الاعتيادي تبلغ أقصى درجة للحرارة 25 درجة سيليزية. وتُظهر المحاكاة أن المواد التي تطلقها النباتات بفعل الحرارة تُسهم في تكوين ما نسبته 6 % إلى 20 % من الأوزون الأرضي. وفي المقابل تزداد هذه النسبة بشكل لافت لتصل إلى 60% حينما ترتفع درجة الحرارة إلى 30 درجة سيليزية. وتقول الباحثة إنها وزملاءها لم يُفاجأوا بعلاقة النباتات بالتلوث، ولكن ما فاجأهم حقاً هو حجم الارتباط بينهما، وتقول أيضًا إن حملات تشجير المدن لا يمكن أن تكون بمعزل عن حملات مكافحة التلوث؛ فزراعة الأشجار لن تُسهم في تقليل التلوث إلا إذا رافقها تقليص كبير لعوادم السيارات واستخدام أكبر لمصادر الطاقة الخضراء.

 

خارج الترجمة:

تعاني بعض العواصم العربية من اكتظاظ البشر والمركبات والمباني بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الحرارة عن ٣٠ درجة خلال بعض الأشهر بصفة سنوية وليست استثنائية كما يحصل في أوروبا. ولعل هذه الدراسة سوف تكون ذات فائدة كبيرة للعاملين في التخطيط الحضري في الدول العربية؛ فما زالت هناك الكثير من الأفكار التي ترسخت منذ سنين دون تحديث أو مراجعة؛ فأغلبنا في هذا الجزء من العالم الحار نسبياً يعتقد أن زراعة النباتات تزيد معدلات الأكسجين، دون أن نعلم أن زراعة النباتات في مناطق تكتظ بعوادم بالمركبات، وبوجود درجات حرارة تتعدّى ٣٠ درجة خلال أشهر عدة في السنة؛ سوف يكون لها أثر مضاعف لخطورة التلوث؛ إذ إن ما تطلقه النباتات في درجات الحرارة العالية يتفاعل مباشرة مع عوادم المركبات، ويُسهم بشكل مباشر في تكوين طبقة سامة ذات ضرر كبير لم يكن في الحسبان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]الاوزون بالإنجليزية Ozone، هو غاز شفاف يتكون من ثلاث ذرات من الأكسجين صيغته الكيميائية O3،ونسبته في الغلاف الجوى ضئيلة قد لا تتجاوز في بعض الأحيان واحدًا في المليون وهو غاز سام؛ لكنه يتكوّن بعيدًا عن سطح الأرض حتى لا يستنشقه الإنسان أو الحيوان. ( وهذا ما يجعل تكوّنه بالقرب من سطح الأرض أمرًا خطيرًا وقد يضر بصحة الإنسان)

http://www.marefa.org/اوزون

[2] التربين: مواد عضوية تفرزها النباتات ومشتاقتها كثيرة، تُصنف كيميائياً بأنها فحوم هيدروجينية، وقد يكون المركب أحادي أو ثنائي أو ثلاثي أو رباعي التربين أو تربين ونصف Sesquiterpenes. وتظهر في النباتات على هيئة مادة صمغية تخرج من جذع الشجرة حين يُجرح. نقلا عن : موسوعة العلوم العربية

http://www.arabsciencepedia.org

 

* مصدر المقال:

When it’s hot, plants become a surprisingly large source of air pollution

الخامس والثمانون ثقافة وفكر

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة