المشروع الوطني للتشغيل المستدام

 

 

إن إيجاد فرص عمل لأبناء أي بلد هو جزء أساس من أجزاء التنمية المستدامة لذلك البلد، ولا يمكن أن تتوفر فرص عمل دائمة ما لم توجد رؤية واضحة لدى قيادة البلد تستقرئ فيها مكونات المجتمع الديموغرافية ومؤهلات أبنائه، ومعرفة بموارده الطبيعية وإمكاناته المادية. إضافة إلى استقراء المحيط الإقليمي والدولي، وما هو متاح في سوق التنافس العالمي.

 

إن الأولوية في أي تنمية اقتصادية يجب أن تتجه إلى المجالات التي تكون مادتها الخام متوفرة في البلد، فالصين على سبيل المثال جعلت من سهولها الفسيحة مجالا للاستثمار لقرون طويلة قبل أن تلتفت إلى موارد أخرى أكثر أهمية في السوق العالمية ألا وهي: المحاجر والأخشاب والطاقة البشرية الهائلة والإنشاءات. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة التي اعتمدت بداية على أراضيها لتصدير القمح والبطاطا والمنتجات الغذائية قبل أن تنتقل إلى الاستفادة من مناجمها لصناعة القطارات وسكك الحديد والسفن والسيارات والطائرات خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، كذلك الأمر بالنسبة للبرازيل والهند وتركيا اللاتي يمثلن نماذج اقتصادية صاعدة، تنبغي دارستها، والاستفادة منها؛ لأنها نماذج طبيعية غير معتمدة على ميراث إمبريالي أفقر الأمم الأخرى كما هو حال اليابان وبريطانيا وفرنسا، ولم تعتمد كذلك على توازنات دولية كما هو حال النموذج الشرق الآسيوي الذي تم دعمه بالاستثمارات العالمية في محاولة لتحجيم النمو الصيني، وهجرة الرأسمال الصيني ذاته، في محاولة لتفادي الضغوطات الدولية على الصين في السبعينات والثمانينات.

 

ذات القانون الكوني لصعود الاقتصاديات وانكماشها يسري على جميع الدول بما فيها عمان التي لن تكون قادرة على توفير فرص عمل في الخمسين سنة القادمة ما لم تحدد أولوياتها الاستثمارية، التي ينبغي أن تعتمد أساسا على مواردها الطبيعية كالنفط والغاز والبحر والموقع الجغرافي الاستراتيجي، بحيث تسن قوانين تشجع على الاستثمار من جهة، وتضمن أولوية العمانيين في العمل والتوظيف من جهة أخرى.

 

إن نمو الاقتصاد سيؤدي تدريجيا إلى نمو المجتمع، وهذا النمو يستلزم أنواعًا من الخدمات الأساسية كالاتصالات والمواصلات وغيرها مما سنتطرق إليه في موضعه، وهي كفيلة بتوفير نسبة كبيرة من فرص العمل لأبناء البلد. إضافة إلى نوع ثالث من الأعمال الصناعية والاستهلاكية التي تعتمد على تطور المجتمع حضاريا وتقدمه اقتصاديا، والتي سنتوسع في شرحها لاحقا.

 

إن أي مشروع وطني للتنمية ودعم الاقتصاد لا يمكنه أن يكون عمليًا ومنتجًا ما لم يوفّر بيئة جاذبة للاستثمار، مشجعة على ريادة الأعمال، وهذه البيئة ليست متوفرة حاليا في عمان بالرغم من جميع محاولات الحكومة لخفض الرسوم على المعاملات التجارية، وتقليص اشتراطات رأس المال، والسبب الجوهري في ضعف الاستثمار يرجع إلى كثرة الأعمال المكتبية المرتبطة بقيام أي مشروع، فالمستثمر بحاجة إلى سجل تجاري، وتصريح بلدي، وتصريح بيئي، وتصريح من الدفاع المدني، وأحيانا تصريح من الزراعة والسياحة والإعلام، كل هذه البيروقراطية تؤدي إلى البطء، وشعور المستثمر بالضجر والذهاب إلى بيئات أخرى أكثر جاذبية وتشجيعًا للمستثمر.

 

إن البيئة المثلى للاستثمار تتمثل في اقتصار كل تلك السلسلة الطويلة من المراجعات على خطوة واحدة فقط، وهي الحصول على سجل تجاري، ومن ثَم يحق لصاحب السجل التجاري أن يدشن مشروعه ساعة رغبته في ذلك، وحين يدشن مشروعه عليه إخطار المؤسسة الرسمية من خلال إدخال بياناته رقميا في موقع إلكتروني، مؤكدا فيه على استيفائه كافة شروط قانون العمل التجاري العماني، وتسديد كافة الرسوم المطلوبة، على أن تقوم الجهات الرسمية المختصة بزيارة موقع المشروع للتحقق من البيانات التي تم إدخالها، وكل من أدخل بيانات غير صحيحة ستتم محاسبته وفقًا للقانون.

 

في مثل هذه البيئة الاستثمارية النابضة بالحيوية يمكننا الحديث عن مشروع وطني للتشغيل، وهذا المشروع لا ينبغي أن يكون مقدسًا غير قابل للمراجعة والتغيير، فهو ليس سوى الهيكل العظمي الذي تنتصب عليه تفاصيل المشاريع الاقتصادية المختلفة، وهذا الهيكل ينبغي رفده وترميمه بشكل دوري لكي يكون موائما للتغيرات العالمية، واتجاهات الاقتصاد الإقليمي والدولي.

 

يعتمد المشروع الوطني للتشغيل المستدام في جوهره على ثلاثة محاور أساسية:

المحور الأول: تحديد مجالات التشغيل المتوفرة في البلد، وفرز هذه المجالات حسب طبيعتها الاقتصادية وجدواها الاستثمارية والتشغيلية، بحيث يتم تحديد أولويات الاستثمار وفقا لا للعائد المادي المباشر وحسب؛ بل والأهم وفقا لقدرة هذا الاستثمار على توفير فرص عمل مستدامة لأبناء البلد، ثم توجيه الاستثمارات الوطنية المباشرة، واستثمارات الصناديق السيادية، واستثمارات رجال الأعمال العمانيين إلى هذه المجالات قبل غيرها.

 

المحور الثاني: اعتماد خطة وطنية تركز على الاستثمار في العامل العُماني في جميع مجالات العمل، بحيث تشترط حدًا أدنى من الموظفين العمانيين، لا في كل مؤسسة؛ بل في كل قطاع وظيفي، فعلى سبيل المثال إن كانت الشركة (س) تعمل في السلطنة، فإن الحد الأدنى من العاملين العمانيين فيها يجب ألا يكون قائما على نسبة الموظفين العمانيين بين جميع موظفي الشركة، فإن كان في الشركة مئة عامل بينهم عشرة عمال عمانيين في الأمن وسياقة السيارات؛ فإن نسبة التعمين هنا، التي تقدم باعتبارها ٣٠٪ تساوي في المناصب بين الرئيس  والمديرين التنفيذيين ورؤساء الأقسام والموظفين الإداريين وبين السائقين وحراس الأمن، مع أن هناك فارقًا هائلًا في راتب كل قطاع وظيفي؛ لذا ينبغي اشتراط نسبة التعمين لا في كل مؤسسة بصورة إجمالية؛ بل في كل قطاع وظيفي بصورة تفصيلية، بحيث يشمل التعمين وظيفة نواب الرئيس التنفيذي، ومساعدي الرئيس التنفيذي، والمديرين التنفيذيين، والمنسقين، والسكرتاريا، والقانونيين، والخبراء الرقميين، والمحاسبين، والإداريين الآخرين إضافة إلى السائقين ورجال الأمن، بذلك تكون الحصيلة النهائية نسبة تعمين لا تقل عن ٦٠-٨٠٪ وفي بعض الأحيان أكثر من ٩٠٪.

 

المحور الثالث: هو العدالة والمساواة بين العامل العماني والعامل الوافد، فقانون العمل الحالي الذي يتوهم البعض أنه يدعم العامل العماني، هو في الحقيقة مفصل لدعم العامل الوافد، فعدم اشتراط حد أدنى من الأجود للعامل الوافد، وعدم اشتراط حد أقصى من ساعات العمل اليومية، وعدم اشتراط عقد سكن، وعدم اشتراط تأمين صحي، وعدم اشتراط سن تقاعد مماثل للعماني، يجعل العامل الوافد يقبل على جميع الوظائف مهما كان الأجر زهيدا، ويدفع بعض رجال الأعمال إلى استغلاله في صورة شبيهة بالعمل بالسخرة التي تعد نوعا من الاتجار بالبشر المجرم دوليا. أما لو تم الالتزام بهذا المقترح لخلقت فرص عمل كبيرة جدا للعمانيين، بعضها بصورة فورية خاصة إذا ما تم تطبيق نظام تقاعد صارم.

 

إن المقاربة القادمة التي تستهدف تحديد أهم قطاعات الاستثمار والتشغيل في البلد، وتحديد نسبة التعمين في القطاعات المختلفة، إنما هي مجرد محاولة شخصية، من شخص غير مطلع على التفاصيل الدقيقة للاستثمارات القائمة، ولا على تفاصيل القطاعات الوظيفية في كل مجال عمل، ولكن هذه الفجوات المعرفية نتيجة عدم توفر البيانات الاستثمارية، ونتيجة لعدم تنبه الجهات الرسمية إلى ضرورة إحصاء الموظفين في كل قطاع وظيفي وكل درجة مالية لا تعني خطأ الفكرة، بل العكس؛ فكما أسلفت سابقا أن الفكرة قويمة ولكن تفاصيلها قابلة للتعديل والحذف والإضافة.

 

 

أ- المجالات المرتبطة بالموارد الطبيعية والدائمة:

إن فرص العمل المرتبطة بهذه المجالات تتصف بالوفرة والدوام، كما أنها تتصف بالجاذبية لجميع أطياف المجتمع، وهي إلى جانب توفيرها لفرص عمل هائلة، فإن هذه المجالات تعدّ العصب الأساس للاقتصاد الوطني في عمان وكثير ومن الدول الكبرى. إن الاستثمار الحكيم والمنضبط في هذه المجالات سيؤدي لا إلى خلق فرص عمل كثيرة وحسب، ولا إلى وفرة مالية فقط؛ بل يتعدى ذلك إلى الارتقاء بالمستوى الاقتصادي للبلد، والتصنيف المالي العالمي لها، وهذه القطاعات هي:

 

أولا: قطاع النفط والغاز والطاقة المستدامة

ينبغي زيادة الاستثمار في تكرير النفط، والصناعات المرتبطة به، مثل البتروكيماويات والميثانول والأمونيا، واليوريا وغيرها. كما يلزم جعل الأولوية في مشاريع الأعمال المساعدة في هذه الاستثمارات لرواد الأعمال العمانيين، والشركات العمانية الصغيرة. كما ينبغي ربط جميع الاستثمارات في مجال صناعة النفط والغاز والطاقة المستدامة، بدءًا من التخطيط والتنقيب وانتهاء بالصناعة والشحن والتصدير، بقانون توطين صارم للعمالة. تكون فيه نسب التعمين المقترحة والقابلة للزيادة والنقص بحسب توفر الكادر العماني، كالآتي:

 

ثانيا: قطاع المعادن والصخور

ينبغي الاهتمام بهذا القطاع المهم؛ فكثير من دول العالم تفتقر إلى التنوع الطبوغرافي الذي تتميز به السلطنة، لذلك ينبغي زيادة الاستثمار في تصنيع المعادن والصخور بدلا من تصديرها كمادة خام، فقيمة المادة الخام لا تساوي ١٪ من قيمتها بعد التصنيع، وبعض الصخور والمعادن تتضاعف قيمتها بصورة أكبر بكثير؛ لذلك ينبغي جعل الاهتمام بهذا القطاع، وتعريف المستثمر العماني به، وجعل جميع المشاريع لرواد الأعمال والشركات العمانية.

 

ثالثًا: قطاع خدمات الشحن وإعادة التصدير: الموانئ والمطارات

لقد حبا الله عز وجل عمان بموقع استراتيجي فريد، فهي كانت وما تزال إحدى محطات طرق الملاحة العالمية، ولكن التأخر في استغلال هذا الموقع جعل البحارة يتجهون إلى موانئ مجاورة استطاعت استقطابهم عن طريق توفير الخدمات الضرورية المتعلقة بسهولة التفريغ والشحن والتخزين والصيانة. بيد أن مواقع تلك الموانئ البعيدة، ووقوعها في منطقة نزاع إقليمي تاريخي، يجعل الموانئ العمانية إن تم استثمارها الأكثر جاذبية، والأصلح لحركة الملاحة العالمية؛ لذلك ينبغي أن تبدأ الدولة فورًا في بناء عدد كبير من الموانئ، بعضها كبير لأغراض التجارة العالمية كما هو الحال في موانئ الدقم، وصحار، وصلالة. وبعضها لأغراض التجارة المحلية والسياحة في كل من مصيرة، وصور، ومسقط، ومسندم. وبعضها لتصدير النفط والغاز، وموانئ أخرى لأغراض الأمن والدفاع. وبعض هذه الموانئ يمكن تأجيرها لبعض الدول بشرط ألا يؤثر استعمالها لها على عمل الموانئ العمانية الأخرى.

وما قيل عن الموانئ العمانية يمكن قوله أيضا عن المطارات، بحيث يمكن تأجير بعض المطارات العمانية لبعض الدول أو خطوط الطيران العالمية لاستعمالها كمحطة ترانزيت كبرى.

 

رابعًا: قطاع السياحة: يشمل قطاع الفندقة، والإرشاد السياحي، والنقل، وبيع التحف

يمكننا اعتبار عمان كمتحف مفتوح، يحوي الطبيعة الخلابة المتعددة بسهولها وجبالها وبحرها وصحرائها، بالإضافة إلى المواقع الأثرية التي لا تعد ولا تحصى، إن السياحة هي عصب الاقتصاد لدى كثير من الدول الأوروبية والعربية والآسيوية؛ بيد أن الاستثمار في هذا القطاع ينبغي أن يكون حكيما، أما بناء المدن السياحية كالموج وغيرها فإنها لا تخلّف وظائف حقيقية إلا إن كان الهدف هو تأجيرها على هيئة شاليهات وغرف فندقية وليس بيعها كبيوت وشقق.

 

ما يزال عدد الفنادق فئة الخمسة نجوم وأكثر قليلًا جدا في مسقط، بالرغم من امتلاء الفنادق الحالية عن بكرة أبيها، والسبب الرئيس إلى جانب البيروقراطية في الاستثمار يعود إلى سوء استغلال الأراضي الشاطئية، وحيازة كثير من المتنفذين لها. لكي نوفر أراضي صالحة لإقامة فنادق عالمية ومنتجعات كبرى ينبغي سحب جميع الأراضي الشاطئية لعمق كيلو متر واحد على الأقل؛ ابتداء من شاطئ القرم وانتهاء بمشروع الموج، ينبغي أن تنقل السفارات والأندية العسكرية ونادي الطيران وغيرها إلى أماكن أخرى، وتقسيم تلك الأراضي وعرضها للاستثمار على شكل فنادق ومنتجعات عالمية. كما يمكن الاستثمار في السفن الفندقية التي يمكنها إما الرسو في الميناء أو الإبحار في أعماق المحيط جيئة وذهابا، إضافة إلى الاستثمار في اليخوت البحرية والدراجات المائية والغوص، وغير ذلك.

 

كما ينبغي الاستثمار في القلاع والحصون من خلال عمل مسارح ومقاهي محلية ومطاعم بالطريقة ذاتها التي عملتها تركيا وغيرها؛ إذ تحاط جدران القلعة أو الحصن بعازل زجاجي سميك حتى لا تتسرب منه الرطوبة والأدخنة، كما ينبغي استثمار الأودية والجبال والصحاري من خلال إقامة متنزهات ودورات مياه مدفوعة القيمة.

 

خامسًا: قطاع الزراعة

يعدّ القطاع الزراعي عنصرًا مرتبطًا بالأمن القومي لكل بلد، وهناك حروب كثيرة قامت وما تزال بسبب الخلاف حول توزيع مياه الأنهار وإقامة سدود التغذية وغيرها، وما الصراع الحالي بين دول حوض النيل ببعيد عن الاعتبار. إن التخلي عن السهول العمانية خاصة تلك الموجود في الباطنة وغيرها بسبب تقارير وتوجيهات من أناس ذوي أغراض ليست بالنقية ينبغي إلغاؤها والتطهر من رجسها.

 

إن الاستثمار في الزراعة أمر حميد دائما، ولا يوجد تحد لا يمكن تجاوزه، فشح المياه يمكن التغلب عليه من خلال استحواذ الدولة على جميع الأفلاج، ومد شبكة أنابيب ري، بحيث تتم محاسبة كل مزارع بحسب استهلاكه، مما سيدفع الجميع إلى التوقف عن الزراعة بالغمر الذي يؤدي إلى هدر المياه، والتحول مباشرة إلى الزراعة بالتقطير. ثم تحول مياه الأفلاج إلى شبكة المياه الرئيسة المركزية التي تنتج من مياه التحلية. كما ينبغي إعادة النظر في عمل السدود، فالمخزون الجوفي إن لم يمكن تحديد حجمه وآلية استخراجه بصورة دقيقة فلا ينبغي إهدار المال فيه، لينتفع به بعض المتنفذين الذين يقيمون آبارًا عميقة تشفط المياه الجوفية وتهدرها في زراعات غير مفيدة؛ لا للأمن الغذائي ولا توفر أعمالا للمزارعين العمانيين.

 

إن أكبر الإشكالات التي يواجها المزارع العماني تتمثل في غياب منافذ التسويق واحتكار العمالة الآسيوية، وتواطئهم مع التجار –الأجانب- لمنع المزارع العماني من الوصول إلى السوق؛ لذلك ينبغي إقامة سوق مركزي في المحافظات الكبرى: مسقط، شمال الباطنة، الداخلية، وظفار، لبيع المنتجات الزراعية العمانية حصرا، من خلال إقامة محل واحد أو عدة محلات مجهزة بأجهزة تبريد وتخزين تؤجر للعمانيين بسعر رمزي. إضافة إلى التعاقد مع سائقي شاحنات عمانيين يقومون بتوصيل المنتجات من المزارع العماني إلى السوق، مع توقيع المزارع على تسليم الشحنة، كما ينبغي دعم كل استثمار في مجال تصنيع المنتجات الزراعية العمانية مثل الصناعات المعتمدة على التمور واللبان والجوز، من خلال إقامة معارض دورية لبيع تلك المنتجات، وتسهيل تصديرها للأسواق الخارجية.

 

سادسًا: قطاع الأسماك والماشية والأبقار والجمال والدواجن

تمتد السواحل العمانية لمسافة تتجاوز الثلاثة آلاف كيلومتر، وهي غنية بالأسماك والكثير من الأحياء البحرية، تعاني مهنة الصيد من مشكلتين أساسيتين، الأولى في شركات الصيد الأجنبية التي تجرف البحار العمانية، والثانية في دخول العمالة الوافدة في بعض المناطق التي يمنع سكانها أبناء الولايات الأخرى من الصيد فيها، وهذه مسألة ينبغي أن تحسمها الدولة بقرار واضح يُلغي مثل هذا الاحتكار المقيت. إضافة إلى ضرورة إنشاء شركات أسماك وطنية تستثمر في مجال الصيد والاستزراع السمكي، واستزراع الروبيان والصفيلح وغيرها.

أما في مجال الدواجن والمواشي والأبقار والجمال فإن السهول العمانية المديدة تمثل فرصًا كبيرة لإقامة مشاريع استثمارية في هذا المجال، والغالبية منها ليس توفير منتجات البيض ومشتقات الألبان واللحوم للسوق المحلي وحسب بل وللأسواق الإقليمية والعالمية.

 

سابعًا: البحث العلمي

إن العامل البشري في الأخير هو أهم عامل لقيام أي دولة، والاستثمار في الشباب العمانيين ذوي الأفكار الخلاقة قادر على تعزيز الاقتصاد الوطني والقفز به من اقتصاد مستهلك إلى اقتصاد منتج وثري. تعدّ براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية أحد أهم مصادر الدخل لكثير من الدول، فالاستثمارات في وادي السيلكون في ولاية كاليفورنيا التي تعدّ أغنى ولاية في أمريكا قائمة على هذا المبدأ؛ لذلك ينبغي تشجيع مثل هذه البيئة في عمان، كما ينبغي الاستثمار في البحث العلمي لا باعتباره عملا إضافيا مرهقا، بل باعتباره العمل الأصل. إن الناظر في اهتمامات الشباب العماني يجد أنها تتجه أكثر فأكثر إلى مجال التكنلوجيا والفضاء الرقمي (صناعة، تصميم، أمن إلكتروني). إن توفير معامل لتطوير أفكار هؤلاء الشباب وتبنيها، مع إعطائهم حوافز مالية شهرية لإتمام مشاريعها ثم تقديمها للمستثمرين المحليين والدوليين أمر لا ينبغي تأجيله، بحيث تخصص ما لا يقل عن ٧٥٪ من ميزانية البحث العلمي في العلوم الصناعية والتكنلوجية بدلا من العلوم الأخرى.

 

 

ب- المجالات المرتبطة بنمو المجتمع وتوسعه الجغرافي والسكاني:

بعض هذه المجالات قد يضغط على الميزانية بدلا من زيادتها، كقطاع التعليم والصحة والأمن، بيد أن هذا الأثر لا يكون سوى في المدى القصير، أما في المدى البعيد؛ فإن الاستثمار فيها سيقوي الاقتصاد، ويزيد من جاذبية الاستثمار في البلد، وهذه المجالات هي:

 

أولا: قطاع الإنشاءات

إن قطاع البناء والإنشاءات يعدّ من أكبر القطاعات حيوية واتساعًا في الدول الناشئة، والدول التي لم تكتمل البنية التحتية لمؤسساتها، وعُمان ما تزال في بداية نهوضها الاقتصادي، وأمامها الكثير من المشاريع العملاقة التي تحتاج إلى الاستثمار فيها، وما يتم الآن من التعاقد مع شركات غير وطنية أو شركات خاصة غير مؤهلة لا يهدر أموال ميزانية الدولة وحسب؛ بل ويضر بكافة الخطط والمشاريع نتيجة تأخر المقاولين، وعدم التزامهم بالعقود، وعدم حرفيتهم في التعامل مع المشاريع الكبرى. لذلك ينبغي تأسيس شركة وطنية مثل شركات النفط والغاز وغيرها، على أن تسند إليها المشاريع الوطنية، كما يمكنها المنافسة في سوق البناء والإنشاءات.

 

ثانياً: قطاع المواصلات والاتصالات

ينبغي على الدولة الاستثمار في شبكات الطرق المدفوعة الثمن، لأن مثل هذه الاستثمارات ستعزز عملية النقل والتجارة في البلد، ومن أمثلة هذه المواقع المقترحة شارع ثمريت-أدم، وشنة-مصيرة، والرستاق-الحمراء، والعامرات-دما. كما ينبغي توسيع نطاق عمل حافلات المواصلات وعدم قصرها على الشوارع العامة، فالحاجة إلى النقل من القرى ومناطق التجمعات السكنية إلى الأسواق أشد إلحاحًا. وينبغي إنشاء شركة سيارات أجرة وطنية محترفة شبيهة بأوبر، وتوطين جميع الوظائف بها.

 

كما ينبغي الاستثمار في قطاع الطيران والملاحة الجوية؛ حيث توفر شركات الطيران الثلاث الكبرى في مجلس التعاون قرابة ١٥٠ ألف وظيفة، أهمها تلك المتعلقة بالهندسة والطيران؛ لذلك ينبغي الاستثمار في تعليم العمانيين في هذه المجالات حتى تتوفر كفاية للسوق المحلي، والاستفادة من الفائض في السوق الإقليمي. وإذا تم تدشين إنشاء مشروع القطارات الوطنية فينبغي تحديد القطاعات المقدمة للخدمات المساعدة، كالصيانة، والتوصيل الكهربائي، والربط الرقمي، والخدمات داخل المحطات، وإرساء العمليات للشركات العمانية الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال، وتوطين جميع الوظائف غير الهندسية التي ينبغي تعمينها بصورة تدريجية تصل إلى ١٠٠ في ظرف ٢٠ عامًا.

 

إن موقع عمان الجغرافي واستقرار أوضاعها السياسية والأمنية يمكن أن يجعل منها مركزًا للبريد العالمي، إذ يمكن للشركات الكبرى مثل أمازون فتح فرع لها في عمان لتغطية منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وشرق أفريقيا.

 

 

ثالثًا: قطاع الصحة

ينبغي الاستثمار في مجال السياحة الصحية، فالناس من كافة دول العالم تسافر إلى تركيا وإيران والهند وتايلند من أجل إجراء فحوصات متوفرة، وعمليات بسيطة بالإمكان توفيرها، وواضح جدا أن المستشفيات والعيادات الصحية الخاصة التي أنشئت في عمان مربحة بشكل كبير، ولكنها وللأسف الشديد لا تساهم لا في توظيف العمانيين ولا في الناتج المحلي؛ لأن أغلب أصحابها وافدون، وتعتمد على التجارة المستترة.

 

ينبغي تعمين جميع الوظائف الإدارية المرتبطة بهذا القطاع؛ ابتداء من وظيفة مساعد الرئيس التنفيذي، وجميع المديرين التنفيذيين.

 

رابعًا: قطاع التعليم، يشمل التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي والتعليم المهني

إن التعليم هو أساس النهضة، وقد قال جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله: “التعليم أساس التنمية”، وقال: “إن التعليم هو الركيزة الأساسية للتقدم والتطور”. إن الاستثمار في قطاع التعليم بجميع مراحله ابتداء من الحضانة مرورا بالروضة والتعليم الأساسي وانتهاء بالمرحلة الجامعية أمر مربح جدا من جهة، ومفيد للوطن من جهة أخرى، لذلك ينبغي تشجيع شركات الاستثمار الوطنية في المبادرة في استغلال هذا القطاع الذي لم يتم الانتباه إليه بعد.

 

خامسًا: قطاع الكهرباء والماء

لا يمكن للإنسان أن يعيش اليوم بلا كهرباء، ومع تعدد مصادر الكهرباء بات واضحا أن المصادر البديلة للطاقة كأشعة الشمسية وحركة الرياح والأمواج هي أفضل البدائل لإنتاج الكهرباء، وعمان تملك جميع هذه العناصر فالصحراء العمانية تتوفر فيها أشعة الشمس بشكل مستدام، والرياح لا تتوقف عن العصف في الصحاري والسهول والشواطئ وبين الجبال، لذلك ينبغي الاستثمار في هذا القطاع وتقليل الاعتماد على موارد النفط والغاز التي ينبغي استثمارها في مجالات أخرى.

أما الماء فيمكن استثمار البحار العمانية بعمل محطات تحلية توفر مياه صالحة للشرب يمكن تصديرها للأسواق المجاورة التي تعاني شحًا مائيًا.

 

سابعًا: الأمن والدفاع

لا يمكن لأي بلد أن ينهض ويصعد في سلم الحضارة ما لم تتوفر له أسباب الأمن والأمان، وشعور الناس بالطمأنينة على أنفسهم وأبنائهم وأهليهم. يقول جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله: “إن البلاد أي بلاد لا يمكن أن يسودها السلام والاستقرار، ولا يمكن إن تنعم بخيراتها إذا لم يحمها جيش قوي يرد عنها الأعداء ويصون مكاسبها”؛ لذلك فإن على الدولة أن تتوسع في بناء قدرتها الأمنية والدفاعية، ويمكن أن يتم ذلك دون إرهاق لميزانية الدولة عن طريق الاستثمار في الصناعات العسكرية الخفيفة والمتوسطة، والصناعات العسكرية المرتبطة بأجهزة الاتصال، والبرامج الرقمية.

 

ثامنًا: الصيرفة، تشمل البنوك ومحلات الصرافة وتحويل الأموال

يقوم الاقتصاد اليوم على مؤسسات التبادل المالي كالبنوك، وأغلب البنوك تتحصل على أرباحها من القروض المختلفة ومن الاستثمارات المباشرة، بيد أن البنوك العمانية ما تزال مشاركتها الاستثمارية محدودة؛ لذلك ينبغي أن تسن قوانين تشجع البنوك على الاستثمار، كمنع التحويلات البنكية من المؤسسات الحكومية إلى البنوك التي تلتزم بالحد الأدنى من نسبة الاستثمار في البلد.

 

ثامناً: التأمين

يعدّ قطاع التأمين من أنجح القطاعات وأكثرها ربحية وتوفيرا للوظائف الإدارية؛ بيد أن هذا القطاع لم يتم تفعيله بصورة جديّة في عُمان، فإلى الآن لا يوجد اشتراط لا للتأمين الصحي، ولا لتأمين الممتلكات والمؤسسات التجارية. ينبغي أن تسن الدولة قوانين تلزم جميع العمال الوافدين بالتأمين الصحي، كما ينبغي تشترط تأمينا على جميع العقارات غير السكنية.

 

ج- المجالات الاقتصادية الصناعية والاستهلاكية

يمثل هذا الصنف من المجالات القوة السوقية والاستثمارية الأكبر في أغلب دول العالم، خاصة في الدول الصناعية، والدول ذات العدد السكاني الهائل، ومع أن عمان ليست دولة صناعية كبيرة، وعدد سكانها ما يزال محدودا إلا أنه بإمكانه الاستفادة من هذه المجالات التي تستطيع استيعاب أعدادا لا حصر لها من العمالة الوطنية والوافدة، وهذه المجالات هي:

 

أولا: الصناعة

ينبغي تشجيع الصناعات الوطنية في جميع المجالات من خلال اشتراط شراء منتجاتها من قبل جميع المؤسسات الاستهلاكية الحكومية وغيرها، فالصناعات الدوائية ينبغي أن تكون لها أولوية في صفقات وزارة الصحة، والمنتجات الغذائية ينبغي أن تكون لها أولوية في المطاعم من خلال متابعة المراقب الصحي، وهكذا.

 

ثانيًا: استيراد السلع وتصديرها

إن الاستثمار في استيراد السلع إلى داخل السلطنة، سواء لتوزيعها أو لإعادة تصديرها ينبغي أن يكون محصورا في الشركات العمانية.

 

ثالثًا: البيع بالجملة أو التجزئة، والمجوهرات والتحف، والمطاعم والمقاهي وورش السيارات، والحدادة والنجارة، والخياطة، وتعبئة الوقود والغاز وصالونات التجميل.

يمثل هذا القطاع أكبر مكون للسوق، وهو يستوعب الكثير من العمالة الوافدة التي يصعب على العامل العماني منافستها، لا لقلة تدريبه؛ بل لأن تلك العمالة رخيصة جدا ومستعدة للعمل ساعات أطول، وهذه الميزة التي تتميز بها العمالة الوافدة تعد خرقا لقوانين حقوق الإنسان، وقوانين تجريم الاتجار بالبشر. أما في حالة سن قوانين تحدد الحد الأدنى من أجور العمال الوافدين، وحد أعلى من ساعات العمل لا يتجاوز ٥٤ ساعة أسبوعيا، بالإضافة إلى اشتراط تأمين صحي، وعقد إيجار سكني لكل عامل وافد، فإن قدرة العامل العماني على المنافسة ستكون أكبر، خاصة إذا ما قدمت الدولة امتيازات للمؤسسات التي يكون فيها العامل في إحدى هذه المهن عمانيا.

 

رابعا: المؤسسات الإعلامية كالتلفزيون والإذاعة والمطابع والإعلان والإعلام الرقمي والأمن الإلكتروني

مع أن هذا القطاع ما يزال في المهد بسبب كثرة القوانين المتعلقة بالإعلام والنشر وحرية التعبير؛ إلا أن التحرر من كل ذلك سيخلق فرصا كبرى، لا للوظائف وحسب؛ بل ولدعم الاستثمار في المجالات الاقتصادية الأخرى؛ لذلك ينبغي رفع كل العقبات أمام الاستثمار في هذا القطاع، وإلغاء جميع القوانين المعيقة للتقدم فيه، واستبدالها بقوانين أكثر تعزيزا للتنمية وتطوير الكفاءات العمانية مثل اشتراط أن تكون جميع الإعلانات باللغة العربية بصوت عماني أو صورة شخص عماني، وإعطاء امتيازات للمؤسسات التي يكون فيها العامل في إحدى هذه المهن عمانيًا.

 

 

ثانيا: التعمين في هذه المجالات:

إن النسب المقدمة هنا ليست نهائية؛ بل هي قابلة للتغير، كما أن النسبة تتغير بتغير المؤسسة؛ إذ إن نسبة التعمين في جميع المجالات يجب أن تكون ١٠٠٪، ويستثنى منها عدم وجود كادر عماني مؤهل، أما المؤسسات غير الحكومية فإن عليها الالتزام بما لا يقل عن الحد الأدنى من التعمين الموجود في الجدول التالي:

  القطاع الوظيفي نسبة التعمين
١ نواب الرئيس التنفيذي ٥٠٪
٢ مساعدو الرئيس التنفيذي ٥٠٪
٣ المديرون التنفيذيون ٥٠٪
٤ مديرو الوحدات ورؤساء الأقسام والمشرفون ٦٠٪
٥ السكرتاريا والمحاسبون والموظفون الإداريون ٨٠٪
٦ الخبراء الرقميون ٨٠٪
٧ المهندسون ٥٠٪
٨ الفنيون ٥٠٪
٩ فني المختبرات ٦٠٪
٩ الإرشاد السياحي ٩٠٪
١٠ الطب البشري ٤٠٪
١١ التمريض ٣٠٪
١٢ الطب البيطري ٦٠٪
١٣ هندسة زراعية وعلوم سمكية وبحرية ٩٠٪
١٤ المدرس غير الجامعي للمواد باللغة العربية ٢٥٪
١٥ المدرس الجامعي للمواد باللغة العربية ٣٠٪
١٦ المدرس الجامعي للمواد باللغة غير العربية ٢٥٪
١٧ الأمن والسلامة ٩٠٪
١٨ سائقو المعدات الثقيلة والسيارات الثقيلة ٥٠٪
١٩ سائقو الحافلات الكبيرة ٨٠٪
٢٠ سائقو السيارات الخفيفة ١٠٠٪
٢١ الأمن والدفاع ١٠٠٪

 

 

 

 

 

الحادي والتسعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

د. زكريا بن خليفة المحرمي

باحث وكاتب