هذا هو الجزء الثاني من المقابلة الذي نستكمله بعد حديث موللر في الجزء الأول عن طفولتها وعلاقتها باللغة وطريقتها الخاصة في خلق لغتها المميزة، وذلك في ضوء تجربتها الشخصية الصعبة مع النظام الاشتراكي، وقد توقفنا في الجزء الأول عند سؤالها عن الصمت الذي اختتمته بالإجابة: ” … بالنسبة لي، لطالما كان الصمت شكلاً من أشكال التواصل، إذ يمكنك استنتاج الكثير؛ بإلقاء نظرة على شخص ما فحسب، في البيت كنا دائماً نعلم الكثير عن بعضنا؛ حتى حين لم نكن نتحدث عن أنفسنا، لقد واجهت قدراً هائلاً من الصمت في مكان آخر أيضاً ؛ كان ذلك النوع من الصمت الذي يفرض نفسه؛ لأن قول ما تفكر فيه حقاً أمر مستحيل .“
– تقصدين في بلدك الأم، في القرية ؟
كان ثمة بعض من هذا في القرية، لكن ما أعنيه ينطبق على الدكتاتورية بشكل عام؛ لأنك حين تعيش في ظل نظام دكتاتوري تتعلم أن قولك أشياء معينة يمكن أن يكون خطيراً؛ لذلك تسيطر على ما تقوله، كما كان هنالك صمت بين التحقيقات — لطالما كان هذا أمرًا مهمًا. يجب عليك دوماً أن تفكر مَلياً بالقدر الذي تريد التحدث به وما ستخبرهم إياه. عليك أن تحافظ على توازن الأمور، ومن جانب فأنت لا تريد قول الكثير؛ لأنك لا تريدهم أن يظنوا أنك تعرف شيئا يجهلونه، لا تريد أن تقدح سؤالاً لن يسألوه هم. في المقابل فأنت مجبرٌ على قول شيء ما؛ لذلك فالحل الأنسب هو في الإجابة قليلاً ليتحتم عليهم تكرار السؤال. كان الأمر دائما عملية حسابية صعبة، كل جانب في وضع هادئ ينتظر الآخر. المحقق يدرسك محاولاً النفاذ إليك بعينيه بينما تحاول أنت النفاذ إليه ببصرك للعثور على ما يريده، وإلى أين سيتجه بمسار الأسئلة، ولماذا يريد معرفة هذه الأشياء وقد كان للصمت حصة كبيرة من التحقيق.
– وهذا ما عبرتِ عنه من خلال بطلة رواية (ليتني لم أقابل نفسي اليوم). لكن هل كان المحققون قادرين حقاً على النفاذ لدواخل ضحاياهم ؟
لا أدري، لست واثقة حقاً إن كان بمقدورك معرفة ما يدور في أعماق شخص ما — قد تظن أنك فعلت؛ لكن ربما لم تفعل. لكن هؤلاء كانوا محترفين، لقد درسوا علم النفس، كان لدي عدة أصدقاء تم استجوابهم، وكل قضية كانت فريدة من نوعها، كل شخص منا كان يتعرض لنوع معين من السيطرة أو المضايقة أو الابتزاز بطريقة مختلفة، يمارس المحققون ما يتدربون عليه فهم يعلمون أن أفضل طريقة لدفع شخص لليأس وتخويفه، لم أتمكن أبداً من فهم منهجيتهم المتبعة، كانوا يباغتونني حين غرة دائماً؛ فكل مرة يأتون بمفاجآت جديدة ما كنت لتتوقعها. وفي حالتي لم يكن هناك ما يريدون معرفته، ببساطة لأن شقتي كلها كانت مزروعة بأجهزة تنصت. لم أكن على علم بهذا وقتئذ — عرفت هذا لاحقاً بعد سقوط النظام — كانوا يستمعون لكل شيء، حياتي الخاصة بأكملها. كان هذا شيئًا لم أستطع تصوره، ولم يكن لدي أدنى درجات الشك أنهم قادرون على سماعي أينما ذهبت.
كنت أظن أنني في بيتي وأنني أتمتع بالخصوصية، ولكن هذا لم يكن صحيحا. حينها لم يخطر ببالي أنهم قد يكونون مهتمين بي، فأنا لم أكن ذات أهمية بما يكفي لهذا . بالإضافة إلى أنني كنت أظن أن رومانيا بلد فقير جداً وغير قادر على شراء معدات المراقبة باهظة الثمن، ولم يكن محتملاً أن يكونوا هم من يصنعونها بأنفسهم، لا شيء يتم إنتاجه من المصانع المنزلية سيكون بتلك الجودة. كنت ساذجة تماماً – بالطبع كان لديهم المعدات لأن هذا ما اختارت الدولة شراءه – كان على الناس الانتظار في طوابير طويلة طلباً للطعام، لكن لم يكن هناك أي عجز في أجهزة التنصت.
– كان ثمة نوع آخر من الصمت داخل بعض شخصياتك، كاتي سينتري في (أرجوحة النفس) على سبيل المثال، لديها إعاقة عقلية ورغبة محدودة في التعبير.
مع ذلك فهي تبوح أكثر من الآخرين. أحب الحوارات القصيرة، وثمة بعض الصيغ النحوية التي لا أحبها، مثل استخدام الأفعال المضارعة أو صيغ الماضي، كل هذه الأشكال النحوية الألمانية المعقدة، هذه الأبراج العاجية المكونة من الأفعال، مشروطة للاستخدام غير المباشر وما شابه، إنها مُتعِبة و باردة، هذه الأشكال التي تدفع بالكلمات بعيداً عن المشاعر. أنا دائماً أحاول الالتزام بالحاضر، أو أفعال الماضي البسيط . كل شيء آخر يبدو لي وزناً ميتاً . أظن أن هذا أيضاً بسبب اللغة الريفية التي ترعرعت عليها.
– اللغة الموجزة .
كما أنها مباشرة دائمًا، لطالما كانت الحوارات حَدية, لعل هذا آت من خلفيتي في القرية أيضًا، يغيب الناس عن بعضهم لفترة طويلة دون أن يحدثوا بعضهم وأخيراً حين تتسنى لهم فرصة الحديث يقولون أشياء مستعجلة، أموراً من الضروري قولها، حيث لا مجال لتضييع الوقت على البُنى اللغوية، يكون الوقت قد فات غالبًا، ما يقال يمكن أن يكون قد قيل منذ زمن طويل لكن هذا لم يحدث .
– و إن فات الأوان .
حس الاستعجال سيكون أعظم بكثير .
– وإن لم نكن متأكدين إن كان تعبير ما ملفوظاً بصوت عال، أم كصوت داخلي، يمكن لهذا أن يخلق بعض التوتر .
كل هذا له علاقة بالطريقة التي نتحدث بها في المنزل، اللهجة التي نستخدمها. لاحقاً عندما بدأت بارتياد المدرسة في المدينة، كان لدينا هؤلاء الأصدقاء القادمون من مختلف القرى، وكلهم يتحدثون بلهجات مختلفة، ولكننا جميعاً اتفقنا على التحدث بالألمانية الفصحى. كانوا جميعهم كُتاباً، وقتئذ في رومانياً كانت الألمانية أشبه بلغة خاصة بنا وحدنا. وتوجب علينا الانتباه بأننا نتحدثها بالشكل الصحيح؛ لذا في داخل المجموعة كنا نُصّر على عدم التحدث باللهجات العامية، بالإضافة إلى وجود أدب مكتوب بالعامية سابقا وهو رجعي بشكل مريع، ليس مثل الأدب في النمسا حيث يستخدم الكُتاب العامية بأساليب جديدة، دامجين المحلية التقليدية بأفكار أكثر عصرية. بالنسبة لي كان لهذا عواقب وخيمة — وهو ما كتبت عنه في ”إسقاطات“ ، التركيز على التمركز على الذات، دعم النازية، السلوك المرتبط بشكل عام بمفهوم ”الوطن“. لم أرد أن يكون لي أي علاقة بهذه الأمور، وانطبق هذا على جميع أفراد المجموعة. بدون الكتب المنزلية الـ(Heimat) ، بدون أدب الدم و التراب الـ(Blut und Boden) .
حين أستذكر الأمر أظن أن الأمر بالنسبة لي كان أسهل بكثير، دون ذلك الخوف المحافظ الذي كان على الآخرين التجوال به، أو التوقعات؛ فلم يكن للناس أي توقعات لنا على الإطلاق. الألمان في ترانسيلفانيا لديهم إرث ثقافي يعود لثمانمائة عام . لطالما كانوا محافظين أكثر من الآخرين. لكن مجموعتنا من مقاطعة البانات كانت قد بدأت تواً بالقراءة و لم نكن نعلم شيئاً، ثم مضينا قُدماً بالكتابة ، مما أثار حماسة الجميع؛ لكننا لم نفكر بالأمر مرتين؛ ولهذا السبب أشعر أن من الممكن أن يكون الأمر مريحاً أن لا نأتي من خلفية تراثية عريضة أو من بيت يتم فيه تغذيتك بأفكار ستكرهها لاحقاً على الأغلب — أفكار يجب عليك التخلص منها لتنضج، لم يكن علي التخلص من أي شيء لأنني كنت خالية الوفاض منذ البداية.
– هل تم شحذ إحساسك بعدم الانتماء عندما انتقلت إلى المدينة، ووجدت نفسك في عالم لغوي آخر ؟ و فجأة كل شيء كان رومانياً ؟
لقد درسنا بعضها (الرومانية) في المدرسة — في النهاية فقد كانت اللغة الرسمية للبلد — لكن لم نحظ بأكثر من ساعة أو ساعتين في الأسبوع، والمعلمون كانوا ألماناً وقد كانوا يتحدثونها بضعف نسبي؛ لذا حين انتقلت للمدينة كنت بالكاد أتحدث القليل من الرومانية، وكان ينتابني شعور كبير بعدم الأمان. لعام ونصف العام كل ما كنت أقوم به هو الإنصات؛ لكنني كنت أحب وقع اللغة على مسمعي، أحببت التعابير، أحببت موسيقية اللغة كما أحببت كل الصور الشعرية التي تظهر في الأحاديث اليومية. في الحقيقة، اللغة الرومانية اليومية هي الأكثر إثارة للاهتمام — إنها حسية كثيراً وقادرة على الإشارة للابتذال دون فجاجة. لا وجود لمثل هذا في الألمانية حيث تصبح اللغة فظة بسهولة ، لكن الأمر مختلف في الرومانية ، الشتم فيها فن شكل من أشكال السحر، الشتائم الحقيقية دائماً ما تكون سحرية لأنها تأتي في لحظتها. دائماً ما تكون متناسبة مع مزاج المتحدث كما أنها وجدت خصيصاً لتتناسب مع الموقف المعاش. أظن أن هذا أمر رائع.
على كل حال ، لم أتخذ أسلوباً منظماً لتعلم الرومانية ، لقد اكتسبتها باستخدامها في حياتي اليومية — عادة ما تكون هذه أسهل طريقة لتعلم لغة ما، ثم بعد عام ونصف كانت لغتي الرومانية موجودة، ومنذئذ بدأت بمقارنتها مع الألمانية — ما السبب الذي يجعل الشيء يكون كذا بلغة و كذا بالأخرى ؟ أسماء النباتات على سبيل المثال — ما نسميه بـ(Maiglöckchen = ماكلكتشيين \ زنبق الوادي ) يطلقون عليه اسم ”الدموع الصغيرة“ . كما أن الأسماء لها أجناس مختلفة — في الألمانية الشمس مؤنثة والقمر مذكر، لكن في الرومانية الأمر معكوس مما يغير كل شيء.
الخرافات مختلفة، الجنيات مختلفة، العلاقة برمتها مختلفة؛ فالأمر يشكل فرقاً هائلاً حين تكون الوردة مذكراً كما في الرومانية أو مؤنثاً كما في الألمانية، الفرق بين كونها سيداً أو سيدة . و قد استوعبت هذا كله ولاحظت أن لكل لغة عينها الخاصة، وفكرت كم هو أمرٌ جنوني وجود لغتين قادرتين على تطوير وجهات نظر مختلفة، أجد هذا أمراً في غاية الجمال، و كلما شاهدت هذا كلما زادت بي الرغبة لتعلم القراءة والكتابة بالرومانية . أحب طعم اللغة في فمي، كان ينتابني شعور بأنني أقوم بأكلها، ولعل هذا لسبب الذي جعلني أتعلمها بسرعة.
– وحين تكتبين، هل تتناسق هذه الرؤى الرومانية ورؤيتك الألمانية ؟
دائماً ، في النهاية فقد نشأت في رومانيا، لا أستطيع التفريق بين الصور في ذهني إن كانت آتية من لغة أو أخرى، أو أيها أستخدم حين يمر ببالي عنصر أو موقف ما، إنها على الأرجح بطريقة ما و أحياناً بالطريقة الأخرى. أو قد تكونان مدمجتان سوياً، لكن عادة ما تكون متناسقة جداً مع الألمانية ، أنا لا أكتب بالرومانية لأنني سأشعر بالتهديد من هذا الفعل، لكنها تنمو في رأسي؛ لذلك فلا أدري من أين تأتي كل فكرة .
– وليست كل الأفكار تأتي على هيئة كلمة، كما كتبت .
ثمة أفكار كثيرة بلا كلمات. حتى اللغة عاجزة عن الوصول لأعماقنا المُحتلة، لكنني واثقة من أن كل شيء سيكون مختلفاً لو لم أعش في رومانيا، أربعٌ و ثلاثون سنة فترة طويلة لتعيشها في أي مكان، هناك ثقافة مختلفة، موقف مختفا كلياً من الحياة واللغة تعكس هذا.
– بالطريقتين الجيدة و السيئة.
نعم، إنه من الغريب بمكان أن تمتلك الرومانية هذه الحِسية الهائلة والسحر، ولكنها العوامل نفسها التي جعلت من الدكتاتورية فيها أمراً فظيعاً، فثمة عدم قدرة على التنبؤ بما سيحصل، وذلك النزوع للمبالغة، والانتهازية؛ تلك الانتهازية المرعبة . لطالما آمنت أن كل هذا يمثل وجهين لنفس العُملة، ثمة مقولة عند الرومانيين ” الماماليجا (العصيدة) يستحيل أن تنفجر“ بوسع الرومانيين قول ذلك لأنهم يدركون هذا عن أنفسهم — إنهم صبورون جداً ، قابلون للفساد. أحياناً ينتابني الانطباع بأن دول أوروبا الشرقية الأخرى مختلفة. بولندا تخطر ببالي، أو تشيكسلوفاكيا، حتى روسيا. لطالما كان لهذه الدول أفراد منشقون عن أنظمتها، لهم مقاومتهم المنظمة، والكثير من منشورات ”ساميزدات“ المعارضة. قد يتحجج الرومانيون بعدم قدرتهم على القيام بهذا؛ لأن قبضة السلطة أكثر إحكاماً عليهم وإن البلد صغير ومن السهل السيطرة عليه، لكنني دائماً كنت أتساءل حيال هذا الأمر. بينما لديكم هذه اللغة الرائعة ، ثم هنالك ذلك الجهل المطلق — كما لو أنه نوع من الاستعداد الافتراضي ، أو الإجراء الاحترازي — والوحشية .
لكن هذا الجهل ذاته، هذا الانعدام التام من الاهتمام بالشؤون السياسية، هو جوهر المشكلة؛ لأن الشعوب غير المهتمة؛ غير مستعدة للأوقات الصعبة. هي ببساطة خانعة وتستسلم بسهولة، وتسارع للتصرف بعنف مع الآخرين لتنقذ نفسها من الخطر، هذا كان أمرًا فكرنا فيه مطولاً، حاولنا تفهم الأمر لكنني لا أدري إن كان أحد قد نجح في ذلك. كان الأمر افتراضياً دائماً، و لا أظن أنني سأستطيع فهمه — كلما فكرت فيه أصبح مربكاً أكثر، و عصياً على الاستيعاب.
– يمكنك ملاحظة سهولة الانقياد في التاريخ الروماني ، من خلال التغير المفاجئ في التحالفات قبيل نهاية الحرب — على سبيل المثال .
صحيح، وهو الأمر نفسه حتى بعد انتهاء تلك الأوقات العصيبة، لم يعترف الرومانيون أبداً أن الأمر كان كارثياً منذ البداية أو أنهم — أشخاص معينون على الأقل — كان لهم دور في هذه الكارثة، ويتحملون جزءاً من المسؤولية. هكذا كان الأمر مع الفاشية حين كانت رومانيا تحارب مع هتلر، نظام حكم أنتونيسكو كان من نفس النوع الذي ينتمي له النظام النازي، كانت ثمة قوانين عِرقية وأحياء مخصصة للأقليات وبرامج معدة لكل هذا. لقد حاصروا اليهود والغجر وساقوهم لمعسكرات الموت، كانت ثمة تجمعات للحشود العسكرية تحت إدارة رومانية، يعمل فيها موظفون رومانيون، وفيما بعد تم إنكار كل هذا، وما زال هذا الأمر منكراً حتى يومنا هذا — جزئياً على الأقل — أو لعلنا قادرون على القول إن كل هذا تم إنكاره مجددًا، ثم جاءت الدكتاتورية الاشتراكية وبعد انتهائها، مرة أخرى لم يكن أي أحد على خطأ ، لم يكن أي أحد مسؤولاً، لم تكن هناك أي عملية إعادة تقييم حقيقية — ما زلنا لا نعلم من المسؤول عن مقتل ألف شخص في عام ١٩٨٩، من كان يطلق النار على من، كما أننا لا نعلم كم عدد القتلى في السجون في عهد الدكتاتورية. لا وجود لأي إحصائيات. لا شيء، الناس حتى لا يتجشمون عناء التحقيق في الأمر .
– وفي الأدب ؟
قد توجد بعض الأعمال الأكاديمية التي تتناول موضوعات محددة، لكن لا وجود لتماس واسع النطاق مع الماضي. من أجل هذا يجب فتح الأرشيفات، يجب أن تكون لديك صلاحية الوصول للمواد الخام؛ لكن أينما اتجهت تجد أشخاصاً من النظام السابق يحولون دون حدوث هذا . فهم ما زالوا هناك وهؤلاء الأشخاص أنفسهم أصبحوا مهمين مرة أخرى. معظمهم يمتلكون وظائف أفضل من البقية، و هم يعرفون ويحمون بعضهم بعضاً . لنصل مجدداً إلى تلك النقطة التي يهز الناس فيها أكتافهم متسائلين : هل كان ثمة شيء يحدث ؟ نعم لقد كان ثمة شيء يحدث ، لكن من يدري ما حدث بالفعل. و هل الأمر فعلاً مهم إلى هذا الحد ؟ بينما كنت دائماً أعتقد أن الأمور اتخذت هذا المنحى لأنه لا أحد تحدث عن الدكتاتورية الأولى . لعل ذلك لم يكن ممكناً في السابق . نظراً لأن الستالينية حلت محل الفاشية مباشرة ، فلم يكن هنالك وقت للنظر في الأمر، لكن عند هذه النقطة ، هذا الـ”ما بعد“ الطويل يجب على الناس التعاطي مع الأمر وهم قادرون على هذا، والسبب وراء عدم حدوث شيء يذكر في رومانيا في الوقت الحالي هو أن الشعب لم يتعامل مع أي من النظامين الدكتاتوريين. لم يتم توضيح شيء. ولا أحد يريد أن يعرف أي شيء عنها.
– لا تصالح حقيقيا مع التاريخ .
كما أن الأشياء تكرر نفسها. على سبيل المثال، معاداة الستالينية في رومانيا قوية جداً الآن . ثمة مد قومي عنيفي بشكل لا يصدق، وهذا أيضاً له علاقة مباشرة بعدم تحدث أحد عن هذه الأمور. أن يعيدون إعلاء لواء الهوية الوطنية، وهذا له صلة فظيعة — بشوفينية وطنية تكتسي بأثواب الدِين، على سبيل المثال لقد شاهدنا هذا مع الفاشية الرومانية تحت قيادة أنتونيسكو، حين لعبت الكنيسة دوراً فظيعاً، واليوم الشيء نفسه يحدث، هذا كله محزن جدا.
*ملاحظة: تجدون الجزء الأول من هذا الحوار في هذا الرابط: