بشفافية وصمت
سال العسل الثقيل
على جسد الأرض
في عصر البدايات
راقصاً رجراجا.
تثاقل عسلُ النار عبر الحقب
أحجاراً وصخوراً ومعادن
طبقات من دِبس النور
صار بين أيادي الشمس والريح والزمن
جبالاً من الصلادة الأبدية.
منذُ متى والبحرُ يربِّي هذهِ البلادَ؟
مليونُ عامٍ؟
مائةُ مليونِ طوافٍ فلكي؟
ثمانمائةِ مليونِ مجلَّدٍ صيفي؟
اطمأن البلورُ في اللبِّ الصخريِّ
في أعماقِ “تيثيس”
البحرِ القديمِ
شعَّ لمعانُ الحجارة الداكن.
كانَ البحرُ
محمولاً على محفّة
أكتافِ الجبالِ.
“هيما” و“محوت” و”الدُّقم” و”صراب”
كل أرضِ “الحقف”
ساكنةً في تجمد القطب الجنوبي
قبل ثلاثمائةِ مليونِ ربيع جيولوجي.
شكلُ الكائناتِ خيال هيدروجيني
في عناصر نواةِ الأرضِ
وحدُها الصخورُ الناريُّةُ البلوريةُ
والجرانيتُ والمياهُ السماويَّةُ والبحرُ
تعملُ تحت الشمس.
قبلَ ثمانمائةِ مليونِ موسمٍ شتوي
في بُلدانٍ ستُدعى لاحقاً
“خصب” “مرباط” “جعلان” “قلهات” “وادي عدي” “نخل”
منذُ متى والمياهُ الحيوية تبنِيها؟
متى تجهزُ؟
وادي “ستال” ووادي “حتا”
وادي “المعيدن” ووادي “بني خروص”
وادي “عندام” ووادي “سل”
مغفلةً من الأسماءِ
عارية من القرى والبلدات
تعملُ ملايينَ الأعوامِ الخريفية
فلاحاتٍ عملاقة
تطمرُ الأرضَ
تستصلحُ التراب
لزراعة شجر الحياةِ القادمةِ.
وادي “البيح” يغاوِرُ بين جبالِ مسندمَ
وادي “الجزي” ووادي “عاهن” يكبِسانِ الصخورَ
يبسُطانِ الطريقَ نحوَ البحرِ
وادي “السحتن” ووادي “حلفين”
صبية مائيون
يلعبون لعبة التمهيد وكتابة المقدمات
بين الجبال
بهيبةٍ وجلال ذاهل.
وادي “سمائل” بين السلسلتينِ
يواكب تدفقهُ
خط القداسة المنحدرة
من السماء،
عندما كانتْ قشورُ الصخورِ المحيطيَّةِ
الافيوليتُ السمائليُّ
مسامُّ الجلدِ الصخريِّ، وجبل “ماحل” ينمو
مَن يَعلمُ إنْ لم يَكُنِ
اسمهَا
منذُ تلكَ الحقب:
سماءَ أيل، سماءَ الله.
تربةُ “وادي الحواسنة”
تترسبُ في الأعماقِ الأرضيَّةِ السحيقةِ
بلا اسمٍ
تَكُدُّ الأودية في ترصيعها بكل مكان
وادي “عشوق” يدحرجُ حجارَتَهُ ومياهَهُ
ويعبِّدُ الطرُقَ المستقبليةَ.
وادي “الأبيض” يقترب ليلاقي وادي الورد “كَل بوه”
ووادي “الحايمة” ينشد قصائد من مياهٍ في “إبرا”
فيما وادي “السميني”
يحفظ ثياب الأرض.
تجمعُ الجبالُ المياه
من بحيرات السماء
وتصبها
في أحضان الأرض.
سافرت الصخورُ
رحلَتَها الطويلةَ الطويلةَ
في الأبدية
أربعين مليونِ اعتدال زمني
كي تصلَ بلادها الجديدةِ
وتقيم سبعينَ مليونِ مطر.
كم عُمرُكَ
أيها الصبيُّ الشارد
ترمي الحصى في وادي “ضيقة”
لتنصت لقصيدة الصدى؟
دعِ الكوارتزَ يسمعُكَ
والرُّخامَ وصخورَ الجيرِ وبقايا الفحمِ
وصخورَ الشستِ
تجاوبُ لغتك العميقة.
الارضُ التي سيصبحُ اسمُها “جعلان”
ما تزالُ غاباتٍ مداريةٍ
يحفظ صورها
الفحمُ المتحجِّرُ
في عِرُوقِ الذِّكرَى.
ذراتٌ دقيقةٌ من الجيرِ في تُرابِ “دما السيبِ” في حوافِّ أوديةِ “الرسيلِ” بين صخور “فنجا” بينَ حصَى وادي “الخوضِ” في شعاب “وادي بني خالدَ” في ثياب وادي “الأبيض” وبين رموشِ “الجفنين”
قلب الصلادة يرسب كثافة الصلابة
في قلبِ جبلِ “جرنان”
في جبل “حفيت”
حجارةُ أودية تتفتتُ
وتسير بين ساعاتٍ من صخور.
يكبرُ جبلُ “شمس” عالياً
يغمر رأسهُ في بحر الشروق
ويسبحَ مع الغيوم
”جبل الكور“ جزيرة البحر البركانية
جبل الحوراء
يتذكر البحر القديم
و“الجبلُ الاخضرُ” أعجوبة إلاهِيَّة
كعبة مياه سماوية
تَلِدُهَا الأرضُ
لتطوف حولها حشود الغيوم الخاشعة
تميمةٌ صخرية
حرزٌ ومحوٌ جبلي
من أزمنة السحر الخلابة
تلدها الأرض
لتقعَ في غرامِ ذاتِها.
جبلُ “حريم” القصيّ
يلوِّحُ بيديهِ للمجرَّات.
تتذكرُ الجبالُ طفولَتَها الحجرية
كان البحرُ يحمِّمُها
كلَّ صباحٍ
بأياديهِ الأمواجِ
تَزورُها الرياحُ والعواصفُ
لتثرثرَ وتُغنِّي وترقصَ.
كَبُرتِ الجبالُ
صنعتْ هداياها للبحرِ
آلاف الامتارِ منَ جدران الصخرِ
الشاهقِ عالياً
أذرعاً أرضيَّةً
تلامس السماءَ وثوب الأزرقِ العالي
تفتحُ مقابضَ الأفق
تحرسُ المدى الحيِّ في الأبوّةِ القديمةِ
حينَ كانَ اسمُ البحرِ آدمَ
واسمُ الارضِ حواء..
جبالُ الحجَر الشرقيِّ ترفعُ نفسَها ستارةً حجَرية للبحرِ
أيَّتُها الأرضُ يا حواء الحقيقة
يرفعُكِ آدمُ البحرُ في قلبهِ
نحو ثمار الشجرة المحرمة للحياة.
الأوديةُ في الأعماقِ المائية
مياهٌ من مياه
لاذَت الجزرُ بِأحضان البحر
وعكفت “رؤوسُ الجبالِ” على سجودها
فوق سجادة الفلك والنجوم.
جبالُ الحَجَرِ الغربيِّ تطاولت غرقاً
في أكنافِ عمَّتِها السماءِ
زوجةَ القمر
أرض الشمس والنجوم
وأمَّ الغيوم.
جبالٌ
تسلِّمُ على الفضاء
تلبسُ الاخضرَ
تخصِّبُ دوراتِ الحياةِ
بين أصابعِ أقدامِها وعلى كفوفِ أيديها
تتطامنُ مسافٍ خضراءَ قربَ أوديةٍ، وقرىً صغيرة، ومدنٌ حيوية، وبلداتٌ آهلةٌ، وسهولٌ خضيرةٌ وسواحلُ
واعمارٌ متناسلةٌ.
البرُّ والبحرُ
زوجانِ أبديَّانِ
تحت عُيونِ الآلهةِ
مبارَكينِ بالرحمات
والأمنيات المقدسة
يتجنبان اللعنةَ في العدم
ويسيران بملياراتٍ لا تُحصى من أطفالهما
تحت سقف بيتهما السماوي.
احترف البحرُ فن النحت بالماء
في الجبالِ والمسلاتِ والجروفِ الصخريةِ والأرصفةِ البحريةِ والمرافئِ الطبيعية
نحَتَ بمسامير المياه ومطارق الهواء
موانئَ بلا عدد، سلالم ضخمة، بوابات هائلة،
نثر زينتهُ فوق الجبال
وتركَ توقيعهُ قواقعَ بحريةٍ ولآلئَ غامضة
أباً يتقدم حشوداً من لوحاتِ الأبناءِ الحية.
جبالٌ قديمةٌ امتدت من هضبةٍ لساحلٍ
على امتدادِ البحرِ
لم يَكن اسمُها جبالَ ظُفارَ بعدُ
كانَ “سمحان” طفلاً بحرياً
ابناً للريح
يلاعبُ جبال “القرا”
وذلك الأخُ الجبلي النبيل
اختارَ أن يُسمَّى
على اسمِ خاله “القمر”.
نَمَتْ أجسَادُها
بالجيرِ والجبسِ والطّفَلِ
صنعت مئاتٍ ومئاتٍ من المساقط المائية والنافوراتِ والعيونِ والشلالاتِ
حدائق ألعابٍ لمياهِ البحرِ
تحملها السحبُ كلَّ عامٍ
وتنزلُها قطرةً قطرةً، ناعمةً ناعمةً
على أودية بلا أسماء
“عدونب” “نغر” “جرزيز” “صحنُّوت” ”ارزات” “دربات”.
تلعبُ لعبةَ الكينونة
لوحة شعرية متوارثة
تسطع الحياةُ فيها
دوائر من ماء.
جبال الجزر الباقية في عرضِ البحرِ
دفاترُ ذكريات الزمن الأحفوري
“جزرُ الطيرِ” “الديمانياتُ” و“الحلانياتُ” و“مصيرةَ” و“محوت” و“الفحلِ” و“مسندم”
عناوين عناقات ومواعيد
تقف حراساً من حجر.
الوديانُ قبيلةٌ أنجبتها الجبالُ الألوهية
من السماء
مياهٌ مسافرةٌ
تطمُرُ الأرضَ
بأذرعٍ ضخمةٍ
ترتِّبُ أمكنةَ الحياةِ التي سُتدعى:
“الباطنةَ” و”الظاهرةَ” و”الجوفَ” و”السرَّ” و”الصير” و”الشرقيةَ” و”الوسطى” و”الجنوب”
أوديةُ “الأنصَبِ” و”الخوضِ” و”المعاولِ” و “الجِزِي” و “حيبي”
تعملُ بلا انقطاعٍ ولا تعب
“المعيدنُ” “طيوي” “العربيين”
“البطحاءُ” رسول الجبال البعيدة للرمل والبحر
“عندام” و“تنوف”
تُفتتُ حجرَ الجبالِ
تفرشُ الأرضَ
بالطينَ والرواسبَ
تحفرُ الخيرانَ وبحيراتِ الشواطئِ
تخصِّبُ البحر
تخزِّنُ المياهَ العذبة في بطن الأرضِ
تبني السهولَ العظيمةَ الخصبةَ
تختارُ مواقعَ الحياةِ
أماكنَ القرى والمدنِ
والناس الذين ستربِّيهم.
الخيرانُ نساءٌ من ماء
شواهد من كلامِ الجبال والبحرِ
يغسلنَ صحونَ عيشهن القديمةِ
على بحرِ “السوادي” و “لوى” و“حتا شناص”
ويثرثرنَ عمَّا رأينَهُ في “الجزي”
يتزاورن بالماء العذب والمالحُ في “المغسيل” و“الدهاريز” و“البليد” و“صولي” و“روري” و”القرم”
يحتضِنَّ السفنَ والأسماكَ وكائنات البحر والأشجار معاً
في خورِ “جرامه”
وخور “البطح”
يربّينَ الطيور والأسماك
والناس
عند خور “النجد” خور “شم” خور “حبلين” خور “شيصاه”.
أنجبَ الجبلُ نبتةَ السَّعترِ في “قريات”
وهوى النجمُ في قبرهِ المائيِّ في “هوية نجم”
شكَّلَ البحرُ الصخور في جبلِ “يتي”
وقطعت الجبالُ بصوتها كلام البحرِ في ”السيفة”
بلغَت الجبال منتهى بلاغة الصلابة
حتى ذابت صخورهُ وتقاطرَ ماءً
في بحر “ناطف”.
انبطحت رؤوسُ الجبالِ الكبرى
واضعة رأسها على كتفِ ماءِ البحرِ
ونامتْ
في الشرفة السماوية ل“راس الحد”
في “مدركه” في “مركز” في “ضلكوت”
وفي “مسندم” الصلدة.
غفت على صدر السماء
فوق “الطائين” و”قريات” وأعالي “بركة الموز” و“الحمرا” و”ينقل”
الجبالُ عظامُ جسدِ الأرضِ
السلاسلُ اعمدةٌ فَقَرِيةٌ للترابِ
الحصى والمسيلة والرمل نُخاعٌ ولحمٌ وجلدٌ
المياهُ دَمٌ
النباتُ والكائنات شبكاتٌ عصبيةٌ
العيونُ هيَ العيونُ
الحصَى خلايا مَاصَّة
القلبُ في كلِّ قلبٍ، الدماغُ في كلٍّ دماغٍ،
الروحُ مجموعُ الأرواحِ المضيئة
والنفسُ كلُّ الانفسِ.
تروي الجبالُ صامتةً
قصةَ حياتِهَا للمخلوقات
وانا خجلتُ من كلامي أمامَ هيبتها الصلبة
ودلفت مسرعاً بين طَيَّاتِ ثيابِهَا الصخريةَ.
حَصَى أصَابعُ، أظافرُ حجارةٍ، أخاديدُ خُطوطِ كَفٍّ، نَقَرَاتُ مفاصِلٍ، منعطفاتُ كيعانٍ، أكتافٌ جبليةٌ، عَضلاتٌ صخريةٌ، رُؤوسٌ حجريةٌ، زغبُ اعشابٍ، شَعرُ جسدٍ، شرايينُ متحجرةٌ، محاجرُ مآقٍ، كهوفُ افواهٍ، مغاراتُ آذانٍ، أنوفٌ جبليةٌ، شِفاهٌ رمليةٌ، أسنانٌ حجريةٍ، جُروفُ صدوغٍ، صَفاةُ جبهاتٍ، رؤوسٌ أرضية، ألسنةٌ بحريةٌ، بُطونُ أوديةٍ، ظُهورٌ جبليةٌ، أفخاذٌ وسيقانٌ لأجسَادٍ عملاقةٍ من الصَّخرِ والحَصَى والحجارة والمياه.
أنتَ تُدركُ تلك الصورَ
أنتَ تعرفُ الذي يُسَمِّي مِن جَسدهِ الصخرَ والترابَ
الصخورُ تعرفُ
الجبالُ تفهمُ
البحرُ ينتظركْ..