كيف يمكنك أن تبدأ حربًا بخمس خطوات بسيطة؟

كتب بواسطة أحمد اليعربي

قائمة مختصرة لمعرفة ما إذا كان ترمب يفكر فعلًا بالاعتداء على دولة أخرى

ستيفن أم والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفرد.

مقال منشور في مجلة السياسة الخارجية بتاريخ 2 أبريل 2018.*

 

هل الولايات المتحدة في طريقها للحرب ؟ إن أعداد أؤلئك الذين يعتقدون هذا الأمر في تزايد لاسيما بعد أن قام الرئيس ترمب بإقالة عددٍ من المساعدين الحكيمين الذين عملوا في الفترة الماضية على الحد من طبائع ترمب الأكثر سوءا، وفي المقابل الاستمرار في تقديم الصقور (hawks) مثل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية مايك بمبيو وجون بولتن سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة.  في مقالته المنشورة يوم الأحد الماضي في صحيفة النيويورك تايمز صوّر الكاتب روبرت وورث وزير الدفاع جيمس ماتيس بأنه صوت الحكمة والتعقل الوحيد في إدارة ترمب الحربية الجديدة، وسلط الضوء على مخاطر اندلاع أي نزاع مع إيران أو كوريا الشمالية أو حتى أي دولة أخرى، ويبقى السؤال إلى أي مدى يجب علينا أن نقلق، وكيف يمكننا أن نعرف ما إذا كان ترمب يفكر فعليًا خوض حربٍ جديدة ؟

بادئ ذي بدء، علينا أن نضع في الحسبان أنه ما من قائد يقبل أن يخوض أي حرب إذا كان يعتقد بأن تلك الحرب ستكون طويلة الأمد، عالية التكلفة، أو أنها ستنتهي بالخسارة، ومع أن هناك العديد من الحروب التي انتهت بهذا الشكل؛ إلا أن الزعماء الذين بدأوا تلك الحروب قاموا باستحمار أنفسهم بزعمهم أن الحرب ستكون قصيرة ورخيصة وناجحة، ومثال ذلك القادة الألمان؛ ذلك أنهم قبل الدخول في الحرب العالمية الأولى اعتقدوا بأن خطة شيلفين “Schlieffen Plan” ستمكنهم من هزيمة فرنسا وروسيا في أشهر معدودات، كما أن هتلر أيضا كان يعلق آمالًا مشابهة بظنه أن الحرب ستكون خاطفة، وقد تم تنظيم آلة الحرب النازية على فرضية أن الحرب ستكون قصيرة ومختصرة، أما اليابان فكانت مدركة بأنها لا يمكن لها أن تربح حربًا طويلة ضد الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولذلك قامت بتنفيذ عملية بيرل هاربور “Pearl Harbor”، لقد كانت هذه العملية عبارة عن مقامرة يائسة أملت منها طوكيو أن تقضي على معنويات الولايات المتحدة وتقنع واشنطن بأن تطلق يد اليابان في شرق آسيا. ولم يكن صدام حسين يتوقع أن ثمة من سيعارض احتلال الكويت، وجورج بوش الإبن والمحافظون الجدد (بمن فيهم بولتن) آمنوا بسذاجة بأن حرب العراق ستكون سهلة وقصيرة وستغطي مصاريفها بذاتها.

في ظل الديمقراطيات، يتحتم على القادة العازمين على الحرب أن يقنعوا الجمهور بإلقاء “نرد الحرب الحديدي”، بحسب وصف المستشار الألماني تيوبالت فون بتمان هولفيغ عام 1914، وأن هذا الأمر ضروري وحكيم. لقد أسقط الكونجرس دوره الدستوري في إعلان الحرب منذ فترة طويلة، وهو الأمر الذي يطلق العنان ليد الرئيس، إلا أن الرئيس لا يمكنه إعلان القيام بعمليات استخدام سلاح موسعة (ما خلا عمليات الطائرات بدون طيار أو الغارات صغيرة النطاق) إذا اعتقد بان الشعب سيقف بشدة ضد هذا الأمر؛ وعليه من ثمّ الانخراط في عملية إقناع طويلة للشعب كيما يكسب موافقته.

والآن، إن كان الرئيس ومستشاروه ينوون القيام بحرب، كيف يمكنهم تسويق هذه الفكرة ؟ إليك خمس حجج لطالما قدمها الصقور من أجل تبرير الحرب، ويمكننا أن نعتبرها بمثابة خمس علامات لحرب مقبلة.

 

– حجة أن الخطر كبير ومتنامٍ.

المنطق الكامن خلف الحروب الوقائية هو فرضية أن الحرب قادمة لا محالة، ومن ثمّ فمن الأجدى القتال الآن وليس غدًا، فألمانيا مثلا دخلت الحرب العالمية عام 1914 لأنها ظنت (بشكل خاطئ) بأن القوة الروسية ستنقض عليها قريبا، وقامت إدارة بوش بالهجوم على العراق لأنها كانت تظن أن صدام كان متلهفًا للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وأن الوضع لا يمكن التسامح معه فيما لو نجح في مسعاه، ولهذا السبب ستجد أن دعاة الحرب سيحاولون إقناع الشعب بأن الولايات المتحدة تواجه العديد من الخصوم، وأن هذه الخصومة المستعرة والمتنامية لا يمكن مواجهتها إلا من خلال عمل عسكري. ما الدرس المستفاد إذا ؟ عليك مراقبة الخطاب الذي تتردد فيه عبارات من قبيل “الفجوة”، “الخطوط الحمر”، “نقطة اللاعودة”، “الوقت ينفذ منا”، التي تفترض أن على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفًا بشكل مباشر قبل فوات الأوان.

وعليه فإنه مما يبعث على القلق إصرار إدارة ترمب على فكرة أن كوريا الشمالية تقوم بتطوير قدراتها النووية والصاروخية، وأن هذا الأمر هو خطر وجودي لا يمكن التسامح معه، وعلى نفس الإيقاع، نجد أن دعاة حرب آخرين يستحضرون مخاوفَ عميقة من “إمبراطورية فارسية” جديدة يجب هزيمتها قبل أن تستولي على المنطقة بأكملها، كلا الخطابان يستدعيان ضمنيًا فكرة أن أمن الولايات المتحدة على المحك – يتناقص مثل الساعة الرملية- وأن القيام بحرب هو أمر لا يمكن تفاديه.

إن التحذيرات المظلمة التي يبثها هذا النوع من الخطاب لا تعتمد إلا على مجرد تخمينات حول المستقبل، وبالطبع فإنها دائمًا ما تركز على أسوأ افتراضات ممكنة يمكن أن تفضي إليها الاتجاهات الحالية. فعلى سبيل المثال، لو قامت الولايات المتحدة بإنهاء الاتفاق النووي مع إيران واستطاعت طهران في آخر الأمر الحصول على سلاح نووي، فإنه ما من سبب يدفعنا للاعتقاد بأن الردع لن ينجح على نحو فعال كما نجح مع قوى نووية أخرى، وبشكل مماثل، فإنه ليس بذلك الوضوح أن قدرات كوريا الشمالية المتنامية على تطوير قدرات نووية وصاروخية ستكون أكثر عدوانية – ناهيك عن أن تكون تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة-، بل من المحتمل جداً بأن النظام سيصبح أكثر تعاونا عندما يتضاءل لديه القلق بشأن نوايا الولايات المتحدة المتعلقة بتغيير النظام القائم، ويجب الانتباه بأني لا أقول بأن هذا ما سيكون عليه الحال، ذلك أنه من المعقول بأن امتلاك بيونجيانج أو طهران لأسلحة الدمار الشامل أو أنظمة صاروخية محسنة سيقود فجأة إلى شن هجوم إمبريالي موسع، ولأن المستقبل دائماً ما يكون غير مؤكد، فإن الخوف من الظروف المعاكسة التي لا تكون متجسدة بشكل مادي لهو تبرير ضعيف جداً لشن حرب لاسيما بالنسبة لدولة قوية وغنية وأكثر تحصيناً مثل الولايات المتحدة الامريكية. ولهذا السبب وصف المستشار الألماني أوتو فون بسمارك الحروب الوقائية بأنها “الانتحار خوفًا من الموت”.

وثمة ملاحظة مهمة، وهي أن منطق الحرب الوقائية يفترض ضمنيًا بأن الولايات المتحدة ما تزال أقوى بمراحل كبيرة وأكثر تحصينا من هؤلاء الخصوم، ولا يجب عليها أن تدخل حرباً لمجرد الشعور بالذعر، وهذا الذي يقودني للنقطة الثانية.

 

– حجة أن الحرب ستكون سهلة ورخيصة (ولكن فقط إن تحركنا الآن).

لقد أشرنا آنفاً، بأنه ما من أحد يشن حرباً إذا كان على يقين بأنها ستكون طويلة ومكلفة أو أن ثمة احتمالية كبيرة بالهزيمة، وبذا، فإن أياً من يحاول التسويق للحرب عليه أن يقنع نفسه، ويقنع الشعب بأن الحرب ستكون سهلة، وأن النصر محتم وقليل التكلفة، بصيغة أخرى، هذا يعني إقناع الشعب بأن التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة ستكون ضئيلة، ومخاطر التصعيد يمكن السيطرة عليها، وأن النتيجة المحتملة سهلة التنبؤ.

إذا ما الشيء الذي يجب أن نتحرى عنه في هذا الصدد ؟ حسنا، بمقدار ما تتحدث الإدارة عن “خيارات محدودة”، و”ضربة ساحقة”، و”القوة الجوية المتفوقة”، والقدرة على شن “هجمات دقيقة” من دون أضرار جانبية، أو أي سيناريو من سيناريوهات الحرب الأخرى المفترض السيطرة عليها، فإنه علينا في هذه الحالات أن نقلق أكثر. هذه هي العلامات التي تدل على أن الحكومة تحاول إقناع نفسها بأن لديها العديد من الخيارات التي تستطيع بموجبها محق خصومها دون أن تشكل خطرًا كبيرًا على البلد. وعليك أن تقلق أكثر عندما يفترض الداعون للحرب بأن الأعداء سيتصرفون تماماً كما يريدونهم أن يتصرفوا عوضًا عن القيام برد لا يمكن التنبؤ به. “للعدو أن يقول كلمته” هي إحدى البدهيات المألوفة، إلا أن الصقور يتغافلون عنها وهم بصدد الدعوة إلى الحرب.

 

– حجة أن الحرب ستصلح كل – أو حتى معظم- مشاكلنا.

إن دعاة الحرب عادة ما يعدون بأن النصر في الحرب سيقوم بحل العديد من المشاكل دفعة واحدة، لقد اعتقد صدام بأن غزو الكويت سيكون ضربة قاضية من شأنها القضاء على أحد دائنيه الرئيسين، وأن يزيد من الناتج القومي العراقي بلايين الدولارات بين عشية وضحاها، وسيعزز نفوذه على المملكة العربية السعودية، ويخفف من الاستياء المحلي ويعطيه القدرة على التنافس مع إيران. وبصورة مماثلة، لقد اعتقد بوش والمحافظون الجدد بأن إسقاط صدام هو بمثابة القضاء على معتدٍ محتمل،  ومن شأنه إرسال رسالة إلى الأنظمة المشابهه، وإستعادة مصداقية الولايات المتحدة ما بعد 11 سبتمبر، والبدء في عملية تحول ديمقراطي في الشرق الأوسط من شأنها في نهاية المطاف التقليل من خطر الإرهاب الإسلامي.

ويود الصقور المحاججة بأن الفشل في القيام بحرب الآن (أو قريبًا) ستكون له عواقب وخيمة، فالتأخر في شن الحرب سيؤدي إلى الميل بتوازن القوى لغير صالح أمريكا (انظر نقطة رقم 1)، بل سيقود آخرين إلى الشك في عزم البلاد ومصداقيتها، بعبارة أخرى، إن قامت الولايات المتحدة باستخدام القوة، ستحترمها الدول الأخرى، وأن الردع سيكون أقوى، وأن السلام سينتشر في طول البلاد وعرضها، على أنه إن لم تتخذ هذه الخطوة، فإن الخصوم سيتشجعون، والحلفاء سيضعفون، وينزلق العالم في ظلام دامس.

المثير للدهشة فيما يتعلق بهذه الادعاءات هو عدد المرات التي يتم فيها إعادة تدويرها، بغض النظر عن المرات التي تقوم فيها الولايات المتحدة بالدخول في حرب أو استخدام القوة العسكرية – وقد قامت بالكثير خلال العقود القريبة-، وأن التأثير الإيجابي لا يدوم لأكثر من أشهر معدودات –على الأقل بحسب الصقور- ومن ثم يقومون بعدها بمخاطبة الشعب الأمريكي مرة أخرى بأن عليهم تفجير شيء ما حتى يدرك الآخرون بأن لديهم القدرة والإرداة لفعل ذلك.

 

– حجة أن الأعداء شر، أو مجانين، أو ربما كلاهما.

لئن كنت ترغب في أن تقود بلادك للحرب، فلا تنس أن تشيطن عدوك، لا يكفي أن تصور الأمر بأنه مجرد تنازع مصالح مباشر، لأنه إذا كان الأمر كذلك،  يمكن من ثمّ حل هذه المشكلة عن طريق الجهود الدبلوماسية عوض التدخل العسكري، ولذلك، ذهب الصقور بعيدًا في تصوير الخصوم على أنهم تجسيد للشر، وإقناع الشعب بأن الخصم بغيض من الناحية الأخلاقية، وعدواني بشكل غير قابل للتغيير، فإذا كان هناك ثمة حكومة أجنبية تقوم ببعض الأعمال السيئة، وأن عداءها لأمريكا لم ولن يتغير أبداً، فإن الحل الوحيد على المدى الطويل هو التخلص منها، وكما قال نائب الرئيس السابق ديك تشيني:  “نحن لا نتفاوض مع الشر، بل نهزمه”.

الخط الثاني لهذه الحجة هو الادعاء بأن خصوم أمريكا معتدون متعصبون وغير عقلانيين، ولا يمكن ردعهم من خلال القوة العسكرية المتفوقة، والترسانة الضخمة من الأسلحة النووية المتطورة، وشبكة الحلفاء القوية، والأدوات الإقتصادية المتنوعة، وهكذا؛ فإنه لطالما تم وصف قادة إيران بالمتعصبين الدينيين الذين يحضّون على الاستشهاد، وبالنسبة لكوريا الشمالية فإنه لطالما وصف كيم الثلاثة (كيم سونج وكيم يونغ إيل وكيم يونغ أون) بأنها غريبة ومجنونة وشديدة العدوانية ومن ثمّ لا يمكن ردعها. ناهيك عن أن كلا النظامين قد أظهرا مرارًا أنهما ليسا مهوسين بالشهادة أو الأيدلوجيا وإنما الاحتفاظ بالقوة والبقاء على قيد الحياة. وحتى تنجح دعوة خوض الحرب، فإنه من الأجدى أن تقول للناس بأن هذه الأنظمة شديدة الخطورة.

إلا أنه عندما يكون في صالحهم، فإن الصقور قد يجنحون إلى تصوير خصومهم على أنهم أذكياء ولديهم بعض من المنطق، والغرض من ذلك هو جعل خيار استخدام القوة يبدو آمناً، فقائد مثل كيم جون أون قيل بأنه غير عقلاني ليتسنى ردعه، ولهذا السبب يجب أن تلاحقه الولايات المتحدة. ولكن الصقور يحاججون في الوقت ذاته بأنه فيما لو قررت الولايات المتحدة شن هجوم ضد منشآت كوريا الشمالية النووية فإن ذلك سيمكنهم من ردعه عن القيام بأي هجوم انتقامي ضد حلفاء الولايات المتحدة أو الولايات المتحدة ذاتها. وبالنسبة لهؤلاء الذين يؤيدون ضرب إيران يستخدمون الحجة نفسها، فقادة إيران هم مجرد متعصبين غير عقلانيين؛ بحيث إنه لا يمكن ردعهم، ولكنهم في الوقت ذاته أذكياء وعاقلون بما يكفي للجلوس بهدوء في الوقت الذي تشن فيه الطائرات الأمريكية هجوما مدمرًا على بلادهم، وأتوقع أنه لسنا في حاجة للتأكيد، ذلك أنك عندما ترى حججًا متضاربة بصورة فجة، فإنه يجب عليك أن تدرك بأنك بصدد حملة دعائية مؤيدة للحرب لا أمام تحليل جدي.

 

– حجة إن خيار الحرب ليس خيارًا وطنيًا.

آخر حجة من حجج الحرب هي عندما تتوشح الإدارة بعَلَم البلاد، وتزايد في وطنية أولئك المشككين في خيار استخدام القوة العسكرية، فخلال حرب فيتنام، قام ليندن جونسون وريتشارد نيكسون باتهام النشطاء المعارضين للحرب بأنهم يقدمون المساعدة والعون للعدو. وعلاوة على ذلك، فإن إدراة الحرب عليها تصوير أولئك المعارضين لها على أنهم ضعيفي الإرداة وسذّجا وغير مكترثين كما ينبغي بأمن الولايات المتحدة الأمريكية. لئن كان ترمب يفكر بالحرب وبدأت بعض الشخصيات البارزة في تحديه، فإنه يمكن التاكد من صحة هذه النقطة من خلال متابعة حسابه في تويتر.

لقد أشرت آنفاً، أن نفور السياسيين الأمريكيين من السلام لهو أمر ملغز، أنا واقعي ولست من مجرد دعاة السلام، وإني لأتساءل: أليست المصلحة الكبرى لدولة مثل الولايات المتحدة، ذات موقع عالمي متميز، في خيار الاستقرار والسلام؟ ومصلحة أقل بكثير في مواجهة مخاطرة كبيرة من أجل ربح صغير؟، للأسف، وبعد 27 عاما من كونها الدولة التي لا غنى عنها، و 17 عامًا من بدئها حربها ضد الإرهاب، أصبح الشعب الأمريكي معتادًا على رؤساء يحاولون حل مشاكل إستراتيجية معقدة، ومشاكل سياسية غالبًا عن طريق مفاقمة الأمور، ومع أن هذا التعاطي لم يثبت جدواه؛ إلا أنه أصبح بمثابة الأمر المعتاد من قبل مؤسسة السياسة الخارجية، وما عليك إلا أن تتذكر الدعم من الحزبين الذي لاقاه ترمب حين أطلق عددًا من الصواريخ على سوريا، ومع أن هذه الضربة لم تؤثر على الوضع في سوريا وإن بشكل قليل، إلا انه تم الترحيب بها من قبل الجمهوريين – والديمقراطيين- واعتبروها علامة على أن ترمب يمارس صلاحياته الرئاسية بشكل جدي.

ما أود الحديث عنه هو أنه إذا قررت إدارة ترمب شن حربٍ، فإنها ستفعل كل شيء من أجل تخويف المشككين وتهميشهم، وأكثر طريقة يمكن الاعتماد عليها هي المزايدة على وطنيتهم، متأملين أن الكل قد نسي الضرر الذي أحدثه الصقور المتغطرسين في السنوات الأخيرة.

لذا، إذا لاحظت أن إدارة ترمب تستخدم أياً من الحجج التي أشرت إليها آنفاً (وللحقيقة فإنها بدأت استخدامها لحد معين) عليك أن تتحذر. الذي يجعل هذا الأمر إشكاليًا على أية حال هو أنه حتى الإدارة التي لا ترغب في الدخول في أي حرب تجدها تتعامل كما لو أنها تستعد للقتال وذلك لإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات، وهذه بحق مناورة خطيرة، وذلك لأنه بالإمكان توظيف هذا الخداع، أو لأنه ثمة احتمالية أن تصدق دعايتك وتنزلق في خيار الحرب على مراحل.

لو اختار ترمب الحرب، فأين يمكن أن تقع غالباً؟ سأقول إيران، وذلك لسببين، الأول: لأن كوريا الشمالية تمتلك فعلاً سلاحًا نوويًا في حين إيرن لا تمتلك، وبالنتيجة فالمخاطرة في شن حرب على الثانية أكبر منه في الأولى، وثانيا: فإنه حتى الحرب التقليدية في شبه الجزيرة الكورية ستجعل كلًا من كوريا الجنوبية واليابان والصين وآخرين متوترين للغاية، وعلى العكس تماما، فعملاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيؤيدون بإيجابية إذا استلسم ترمب لتهديداتهم وقام بمهاجمة إيران نيابة عنهم. إذا كان ترمب حريصاً على صرف انتباه الناس عن مشاكله الأخرى، أو كان مصممًا على تعويض حجم كفيه الصغيرين، ستكون حربا ضد إيران أكثر مفهومة من حربه ضد كوريا الشمالية.

وهذا لا يعني بأي صورة أن شن حرب أمر منطقي، وإني لأعتقد بأن شن حرب على أي من الدولتين أمر غير قابل للحدوث ذلك لأن الولايات المتحدة في أي من الحربين سيكون لديها القليل لتكسبه والكثير لتخسره، ولا نحتاج في هذا الصدد لشخص عبقري لإدراك ذلك، على أننا سبق وأن اختبرنا هذا النوع من الارتياح تجاه هذه الفكرة المنطقية واكتشفنا لاحقًا بأننا بالغنا في تقدير الذكاء والحكمة والحكم الذي أصدره قادة الولايات المتحدة، وذلك لأنه ثمة أفكار سيئة جدا تجد طريقها للتطبيق على أية حال.

___________________

* المصدر: ” https://foreignpolicy.com/2018/04/02/how-to-start-a-war-in-5-easy-steps/

 

الخامس والتسعون سياسة

عن الكاتب

أحمد اليعربي