مستقبل مدينة القدس: بين رأي الجمهور الإسرائيلي وسياسة حكومته 

كتب بواسطة تيسير المشاقبة

 

أصدر مركز دراسات الأمن العام القومي في إسرائيل دراسة بعنوان “مستقبل مدينة القدس: بين رأي الجمهور الإسرائيلي وسياسة الحكومة الإسرائيلية”. الدراسة من إعداد الدكتورة تسيفي إسرائيلي، وهي من كبار الباحثين في المركز ومجال تخصصها في قضايا الإعلام والأمن الوطني والجيش ورأي الجمهور الإسرائيلي بالأمن الوطني، والعلاقة ما بين المجتمع والجيش، ومسألة المناعة الوطنية، وهي أستاذة العلوم السياسية في جامعة (بار-إيلان).

وشارك في الدراسة العميد الاحتياط اودي ديكل نائب رئيس المركز، وكان يشغل منصب رئيس طاقم المفاوضات مع الفلسطينيين في عهد حكومة أيهود اولمرت إبان مؤتمر انابوليس للسلام، وشغل منصب رئيس قسم الاستراتيجيات في هيئة التخطيط التابعة لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي.

تتناول الدراسة مسألة مستقبل مدينة القدس وفقًا لآراء الجمهور الإسرائيلي والتوجهات السياسية للحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا في خضم وجود حوارات جماهيرية في إسرائيل حول ذات المسألة كتداعيات لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وما تبع ذلك القرار من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وفيما يلي الترجمة الكاملة للدراسة:

   تدور حوارات في أوساط الجمهور الإسرائيلي كواحدة من تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تبع ذلك القرار من نقل السفارة الأمريكية إليها. وجاء قرار الرئيس الأميركي دون استخدام شعارات على غرار “القدس الموحدة”، إذ إن الرئيس الأميركي أكد من جانبه بأن حدود مدينة القدس ستتقرر عبر المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

لم تجرِ في إسرائيل اعتراضات بشكل علني لتصريحات الرئيس الأمريكي بأن تحديد مستقبل مدينة القدس سوف يتحدد من خلال المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكن هناك تقديرات حول حجم المرونة التي يتوجب أن تتخذها الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل المدينة ومدى حجم السيادة الإسرائيلية عليها، ولذلك فمن الضروري تحليل موقف الجمهور الإسرائيلي حول تلك المسألة.

إن سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتحديدًا الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، لم تتخذ خطوات ملموسة لمعالجة المشاكل الأساسية لمدينة القدس وتحديدًا القدس الشرقية؛ حيث تتجاهل الحكومة الإسرائيلية الرأي العام الإسرائيلي حول مدينة القدس الذي يتلخص في فحوى الرأي الذي يروج لفكرة: “إن مدينة القدس ليست موحّدة، ولذلك لابد من التوصل إلى إيجاد حلول جدية لمواجهة المشاكل المعقدة القائمة حاليًا في المدينة، ولذلك من المهم اتخاذ خطوات ملموسة وواقعية لتحديد مستقبل المدينة”.

هناك مسألتان أساسيتان تشكلان العقبة الكأداء لحل الصراع الإسرائيلي –الفلسطيني وهما: مسألة القدس ومسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل دولة إسرائيل. لم تتضمن آراء الجمهور الإسرائيلي حول قرار الرئيس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس استخدام مصطلحي: القدس الموحّدة إلى أبد الآبدين، والقدس الكاملة أو الموحّدة.

تدور المناقشات في أوساط الجمهور الإسرائيلي حول مسألة القدس بوصفها عاصمة لإسرائيل، ولكن ما حدود المدنية، هل هي القدس الموحّدة؟، وذلك على ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي بأن حدود مدينة القدس سيتم اتخاذها من خلال المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

استطلاع “مقياس الأمن الوطني” في إسرائيل:

أظهر استطلاع “مقياس الأمن الوطني” في إسرائيل الذي جرى خلال السنوات (1984-1994) بأن الإسرائيليين يعارضون تقسيم مدينة القدس، إذ يرى ما يقارب 80% من الإسرائيليين ضرورة بقاء القدس موحّدة، وعدم تقسيم المدينة وحتى لو كان ذلك في نطاق تسوية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين.

كما أظهر استطلاع “مقياس الأمن الوطني” الذي جرى خلال السنوات (1998-2000) بأنه طرأ انخفاض على نسبة المعارضين لتقسيم مدينة القدس، فحسب الاستطلاع فإنّ ما يقارب ما بين (65%-70%) من الإسرائيليين يعارضون تقسيم مدينة القدس. وحسب استطلاع “مقياس الأمن الوطني” الذي جرى صيف عام 2014، إذ طرأ انخفاض آخر على نسبة المعارضين لتقسيم مدينة القدس، إذ عارض 60% فقط من الإسرائيليين مسألة تقسيم المدينة.

وطرأ تغيّر ملموس في آراء الجمهور الإسرائيلي تجاه تقسيم مدينة القدس في أعقاب حوادث العنف أو ما يعرف ب”انتفاضة السكاكين”، وذلك خلال السنوات (2015-2016) في مدينة القدس الشرقية. وحسب استطلاع ” مقياس الأمن الوطني” الذي جرى نهاية عام 2017 فإنّ 51% من الإسرائيليين فقط يرون ضرورة نقل الأحياء في القدس الشرقية إلى الفلسطينيين في نطاق تسوية شاملة، مقابل معارضة 49% فقط.

هناك أغلبية من الجمهور الإسرائيلي يرون ضرورة تغيير الوضع الحالي في مدينة القدس الشرقية، وحسب استطلاع “مقياس الأمن الوطني” فإنّ ما يقارب 25% فقط من الإسرائيليين يؤيدون إبقاء الأوضاع القائمة حاليًا في القدس الشرقية. كما جاء في الاستطلاع بأن ما يقارب 27% من الإسرائيليين يؤيدون نقل الأحياء السكنية العربية في القدس الشرقية إلى السلطة الفلسطينية، بشرط أن لا يشمل ذلك المدينة القديمة.

 

وحسب الاستطلاع فإنّ ما يقارب 28% فقط من الإسرائيليين يؤيدون إقامة سلطة محلية للأحياء السكنية للفلسطينيين في القدس الشرقية منفصلة عن سلطة بلدية القدس الكبرى. كما أظهر الاستطلاع بأن 65% من الإسرائيليين لا يرون ضرورة الذهاب للصلاة في “الحرم القدسي الشريف” مقابل 35% يرون ضرورة الذهاب إلى “الحرم القدسي الشريف” للصلاة هناك.

الخلاصة والتوصيات:

أولاً: مسألة القدس قضية معقدة جدًا وذلك بسبب أهميتها الدينية لكن من اليهود والمسلمين والمسيحيين.

إنّ كل طرف من عناصر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يرى في مدينة القدس عاصمة لدولته، وذلك في ضوء وجود أغلبية دولية ترى في القدس الشرقية أرضا محتلة طالما لم يكن هناك تحقيق لتسوية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أن هناك أغلبية دولية تمنع كذلك من الاعتراف بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل.

ثانيًا: مارست الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتحديدًا الحكومة الإسرائيلية الحالية، خطآن أساسيان تجاه مدينة القدس، وهما:

1- حافظت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الوضع القائم في مدينة القدس، وبشكل عام فيما يتعلق” بالحرم القدسي الشريف” حيث اندلعت المزيد من أعمال العنف في القدس الشرقية بسبب الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحديدًا في ” الحرم القدسي الشريف”.

2- حافظت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الوضع القائم في مدينة القدس وتحديدًا فيما يتعلق “بالحرم القدسي الشريف” وذلك بدون التنسيق والتشاور مع الأوساط التي لها علاقة مباشرة فيما يتعلق بتلك المسألة.

وتلك الأوساط هي: الفلسطينيون والمملكة الأردنية الهاشمية والسكان المسلمون في  المدينة والفصيل الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل.

ثالثًا: هناك حقيقة واضحة لا تقبل الإنكار، وهي أن مدينة القدس ليست موحدة فعلاً من الناحية الواقعية.

حقًا ترى أغلبية من الجمهور الإسرائيلي أن مدينة القدس مقسمة إلى قسمين: مدينة يهودية ومدينة عربية، إذ عانت القدس الشرقية من سياسة الإهمال للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967. ويظهر جليًا أن المدينة مقسمة فعلا من خلال قيام إسرائيل بإقامة حواجز ونقاط مراقبة لمنع حرية المرور لسكان القدس الشرقية إلى غرب المدينة وإقامة حواجز إسمنتية بين بيوت الأحياء اليهودية والأحياء العربية.

رابعًا: صادقت الحكومة الإسرائيلية على خطة من خمس نقاط تتضمن تخصيص ملياري شيكل لمدينة القدس الشرقية لصرفها في مجالات التعليم وقطاع الأعمال ومشاريع البنية التحتية. وأبرز محاور الخطة:

1- معالجة تفجر الأوضاع “في الحرم القدسي الشريف”، وما يجري هناك من احتكاك بين اليهود والعرب.

2- معالجة ظاهرة الأوضاع الاقتصادية السيئة في القدس الشرقية، التي جاءت لسنوات من الإهمال للمدينة.

3- هناك تحدٍ أمني يواجه إسرائيل مما يجعل الحياة في القدس الشرقية أكثر صعوبة؛ إذ إن السيادة الإسرائيلية في القدس الشرقية هشّة بسبب تصاعد وتيرة المواجهات بين الفلسطينيين واليهود.

4- زيادة أعداد الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية الراغبين بالحصول على المواطنة الكاملة، إذ تتصاعد وتيرة السكان العرب الذين يحصلون على المواطنة الكاملة في المدينة.

وقد وصلت نسبة السكان العرب الفلسطينيين في مدينة القدس ما يقارب 38% من المجموع الكلي للسكان.

5- إن المشكلة الأساسية التي تقوِّض مسألة كينونة القدس عاصمة لإسرائيل وأنها مدينة مستقرة وموحّدة تتمثل في أن غالبية السكان العرب الفلسطينيين يعملون في منشآت ومصانع في القدس الغربية مما يؤدي إلى التداخل بين السكان العرب واليهود.

خامسًا: ضرورة إصلاح الخدمات البلدية وأعمال البنية التحتية ونوعية الحياة في القدس الشرقية من خلال إعطاء حوافز للسكان العرب بإدارة أحيائهم في المدينة، ويكون ذلك من خلال تشجيعهم على خلق قيادات محلية في الأحياء والقرى العربية لشغل المجالس المحلية في المدينة.

من المهم والحيوي، بناء على ما سبق، التنسيق لإحداث تغيير إيجابي في مجال الظروف الصعبة المتراكمة خلال السنوات الماضية في مدينة القدس، وذلك لخلق قفزة في مواقف الجمهور اليهودي وآرائه فيما يتعلق بالوصول إلى صيغة تسوية في القدس. يرى أغلبية الجمهور الإسرائيلي بأن الواقع الحالي في مدينة القدس مثير لمزيد من المشاكل ومهيئ لمزيد من التوترات، وأنه من الصعب استمرار الحفاظ على الوضع الراهن إلى أبد الآبدين. ولذلك، تتصاعد حاليًا وتيرة المساعي للوصول إلى أفكار جديدة، ومقترحات محددة لإصلاح الأوضاع وظروف الحياة في القدس الشرقية لدعم التعددية وإيجاد ترتيبات وتسويات لتحديد الخيارات المستقبلية للقدس.

السابع والتسعون سياسة

عن الكاتب

تيسير المشاقبة

باحث في الشؤون الإسرائيلية