أصوات جديدة من الأدب النمساوي: كليمنز زيتْس

كتب بواسطة أحمد الزناتي

 

***

كليمنز زيتْس واحدٌ من أشهر الأصوات الروائية الشابّة التي بدأت ترسّخ أقدامها بقوّة في المشهد الروائي النمساوي، والأوروبي المعاصر. ولد زيتس في 15 نوفمبر 1982 في مدينة جراتس النمساوية، وهي مدينة علمية تتسمّ باحتوائها على أكبر عدد من المعاهد والكليات في النمسا. درس زيتس الرياضيات واللغة الألمانية وآدابها في جامعة كارل فرانسينس في جراتس. ومع أن عمره صغير نسبيًا إلا أنه نال عددًا من الجوائز الأدبية المرموقة. أصدر زيتس روايته الأولى سنة 2007 وكانت بعنوان “أبناء وكواكب”، التي تناقش موضوع الأسرة وتفكّكها في العصر الراهن، إذ تتناول الرواية حكاية الروائي الشاب رينه تيمبِل الذي يجد في “كارل سنيجير” مرشدًا وأبًا روحيًا له، لكنه يتملّص من مسؤولياته الاجتماعية تجاه زوجته وابنه.

وفي سنة 2011 نال زيتس جائزة معرض “لايبزِج” للكتاب عن مجموعة قصصية تناولت موضوع الأسرة والتفكّك الأسرى من منظور قصصي مختلف. أما روايته الثانية “الترددات” فقد وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة الكتاب الألماني سنة 2009. وفي سنة 2015 نال زيتس جائزة “فلهلم رابِه” عن روايته الأخيرة الصادرة في السنة ذاتها ” الساعة الفاصلة بين المرأة والجيتار”. وصـفَـتْ صحيفة فراكفورتر ألجميانه تسياتونج اليومية الأديب الشاب بأنه أمل من الآمال الكُبرى في الأدب الألماني المعاصر، بينما قالت عنه صحيفة فيلت زونتاج بأنّه يجمع في كتابته بين “خبث نابوكوف” وذهنية “ديفيد فوستر والاس” المعقّدة.

***

يقول زيتس في أحد الحوارات التليفزيونية عن نفسه إنّه لم يكن يهوى القراءة حتى وصل سنّ السادسة عشرة، وكان اهتمامه منصبًا فقط على الكمبيوتر وألعاب الفيديو مما عرضّه لنوبات صداع نصفي عنيفة، فقرّر بعدها مفارقة العالم الإلكتروني، وصـرف وقته في موضوعات أكثر إثارة وتشويقًا كما يقول، فتعرّف على عالم الأدب. يقول زيتْس: “أحب توماس مان، وعلى الأخص رواية الجبل السحري، لغة تماس مان باهرة ومتدّفقة، ولا أعرف إن كان شباب اليوم يعرفون “توماس مان” أو ما زالوا يقرؤونه أم لا.

 

الكاتب الآخر هو النمساوي بيتر هاندكِه، فمع مواقفه السياسية الإشكالية؛ إلا أنّ هاندكِه بالنسبة لي يمثل قلب المجرّة الأدبية التي نحيا فيها، الحقيقة أنني أحبّ كتابات هاندكِه، وكثيرًا ما أعود إليها.”

وعن انصرافه بعد ذلك بكليّته إلى عالم الأدب، يقول زيتس: “اكتشفتُ أنّه حين يكتب إنسانٌ عن أسراره الشخصية، أو عن تعـاسةٍ ألمّت به بعد قصّة حب فاشلة، أو حتى عن خشية الموت، فإنه يكتب عن خبرات وتجارب مررتُ بها.” وبمقارنة تجربة القراءة بتجربة السفر يقول زيتس:” حين يسافر المرء كثيرًا، فإن العالم لا يصغر، بل يتمدّد ويتسّع، وهكذا الأمر مع القراءة، فكلما واصلتَ القراءة، كلما زاد ذلك مع ثراء تجربتكَ الشخصية”. أما عن هندسة بناء الرواية لديه فيقول:

ليس بالضرورة أن تكون الجُملة الأخيرة من الكتاب هي آخر ما كُتبَ على الورق فعليًا. فحين أشرع في الكتابة، لا ألتزم مسارًا بعينه. ونادرًا ما تُصادف روائيًا كتب بهذه الطريقة، اللهم إلا رجلًا في حجم جاك كيرواك، الذي كان في وسعه الجلوس في مكتبه ثلاث ليالٍ متواصلة وإنتاج نثر متدفّق. أما الأمريكي جون إرفنج فكان يكتب الجُملة الأخيرة أولًا، ثم يبحث عما يُمكن أن يقوده إليها. الأديب النمساوي توماس بيرنهارد كان يكتب الجُملة الأولى ويُتبعها بالجُملة الأخيرة، ثمّ تصير مهمّته في أثناء عملية الكتابة البحث عن جِـسر يربط الضفّتيْن. الحقيقة أنني حين أكتب الجُملة الأخيرة، أو بمعنى أصحّ  الجُملة الأولى على الورق، أشعر كما لو أنني أعيد قراءة الرواية واستحضارها من رأسي، لا كتابتها، فكتابة الجُملة الأخيرة تعني – في تقديري- أنني اشتغلتُ بالفعل على الرواية داخل رأسي بضع سنوات، وتنحصر مهمّتي في الفكّ والتركيب والتحوير والتشذيب“.

***

من بين أهم الأعمال الروائية التي كتبها زيتس رواية “إنديجو” الصادرة عن دار نـشر زوركامب الألمانية سنة 2011، وصدرت ترجمتها الإنجليزية سنة 2014 بالعنوان نفسه. وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة في جائزة الكتاب الألماني سنة 2012. تنتمي رواية إنديجو إلى أدب التشويق الذي يجمع بين الخيال العلمي والأدب البوليسي.

في الأصل، ترتبط  كلمة «الإنديجو» أو «الونديجو» ارتباطًا حرفيًا بأسطورة الوحوش آكلي لحوم البشر في ساحل المحيط الأطلسي، أما في مضمار الطبّ النفسي، فيربط الأطباء هذه الكلمة بتعريف نوع من الأمراض العقلية، وهو «ذُهان الإنديجو»، وهي متلازمة مرتبطة بثقافة بعض القبائل الهندية القديمة في أمريكا الشمالية، وتعني الرغبة الشديدة في التغذّي على اللحم البشري، لكن زيتس، الروائي ذا الخيال الخصب لا يعترف بهذا الاصطلاح الأكاديمي، فيخلق لنفسه ولعالمه الروائي تعريفًا مُغايرًا.

تبدأ الرواية سنة 2007 في مقاطعة “ستيريا” النمساوية، وتحديدًا في معهد “هيلياناو”، حيث يُعزل مجموعة من الأطفال المصابين بمتلازمة “إنديجو”، بدعوى أنّ المرض معدٍ، إذ يُصاب كل من يقترب منهم بالصداع والدوار والغثيان، فيخضعون للاحتجاز كيلا ينقلوا العدوى إلى غيرهم من سكان المنطقة. يلاحظُ السارد، وهو مدرس رياضيات شاب، ويحمل اسم المؤلّف (كليمنز زيتس)، ويعمل مُدرّســًا في المدرسة التي يتعلّم فيها الأطفال، يلاحظُ أنّهم يُنقلون إلى أماكن مجهولة مرتدين أقنعة غريبة، فيحاول اكتشاف حقيقة الأمر، لكنه يُفصل من عمله. تنقضي أربع عشرة سنة، فيظهر روبرت تاتسيل، أحد تلامذة السارد، فيقرأ خبرًا منشورًا في إحدى الجرائد عن تبرئة أستاذه السابق (زيتس) في جريمة قتل وحشية، فيتقصى الأمر.

في هذه الرواية، يستخدم زيتس أساليب سردية حداثية واضحة؛ إذ يـظهر المؤلّف بطلًا من أبطال الرواية، كما أنّ أحداث الرواية لا يربطها خيط واحد، تنتظم داخله حبات عـقـد الأحداث؛ بل يأخذ السرد شكل سلسلة معـقـدة من وجهات النظر المُتداخلة، بل إنّه (أي زيتس) يُشرك القارئ في عملية البحث بوليسية الطابع عن عمليات إخفاء الأطفال العمديّ، التي تظلّ مجهولة حتى نهاية الرواية. كما يُـدخل السارد في ثنايا نسيج الرواية، شذرات يومية يدوّن فيها ملاحظاته عن الأطفال، ويـضمِّن قصاصات من منشورات علمية متخصّصة حول طبيعة متلازمة الإنديجو، وتقارير طبية وصور فوتوغرافية للأطفال، ليخلق انطباعًا بواقعية الحدث الذي يرسمه، وهو أسلوب يشابه إلى حد بعيد أسلوب الروائي الأمريكي توماس بينشون في معظم رواياته، من حيث تعقيد البناء، وتشظي الأحداث والحفر السيكولوجي في الشخصيات، إلخ.

***

في حوار أُجــرِى مع زيتس في أثناء حضوره معرض فرانكفورت للكتاب سنة 2012، سُئـلَ الروائي النمساوي الشاب إن كان يقصد من وراء رواية “إنديجو”، ومتلازمة إنديجو التي تصيب الناس بالصداع والدوار والغثيان الإشارة إلى أمراض العصر الحديث، قال زيتس: ” لم أقصد ذلك بالمعنى المباشر، فكل ما في الأمر أنني أردتُ من خلال اختراع حكاية متلازمة إنديجو تأسيس بستان نثري أو إطار سردي تستطيع الحكاية أن تنمو داخله؛ الفن عندي تواصل إنساني يستخدم مـداعبات وإشارات وتهويمات، يستطيع الـقـرَّاء من خلالها التعرف على أنفسهم”.

 

بيانات الكتاب

Indigo

 

Hardcover, 400 pages

Published November 3rd 2014 by Liveright (first published January 1st 2012)

Original Title

ISBN

0871402688 (ISBN13: 9780871402684)

Edition Language

English

Literary Awards

(German Book Prize) Nominee for Shortlist (2012)

أدب السابع والتسعون

عن الكاتب

أحمد الزناتي