من حقهم كلبنانيين أكراد

بالفعل هنالك فارق نوعي كبير بين سوريا ولبنان بالنسبة للأكراد، فالأولى جزء من كردستان والثانية يشكل الأكراد جزءا ديموغرافيا منها دون أن تشكل جزءا من أرضهم التاريخية. مع الإحتفاظ بهذا الفارق، فهو لا يبرر وحده الزخم الكبير لدى أكراد سوريا في المطالبة بحقوقهم السياسية الحياتية اليومية التي تصل إلى حدود التصادم مع الدولة، بمقابل تهاون أكراد لبنان في المطالبة بهذه الحقوق.

kurds

من حقهم كلبنانيين أكراد


عصام سحمراني

أستغرب فعلا أن أقرأ وأسمع وأشاهد أخباراً عن الأكراد في لبنان خلال فترة الإنتخابات فحسب. وربما لم تكن تلك الأخبار الغاضبة بمجملها لتخرج إلى السطح لولا أنّ تلك الأقليّة العريقة قد استبعدت عن التمثيل البلدي في بيروت من قبل الكتلة المتجهة للفوز والمدعومة من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.

أستغرب فعلا ذلك لأنّ الأكراد الذين يمتد عمرهم في هذا البلد إلى ما قبل الإعلان عن لبنان الكبير عام 1920، والأكراد الذين هم أصحاب قضايا حقوقية حقيقية على المستوى الداخلي اللبناني يفترض أن يكون لهم صوت أكبر يتناسب مع حجمهم خاصة في بيروت. فالغبن واقع عليهم على مدار السنوات الفائتة ومع كل العهود الحكومية الماضية، وفي كل انتخابات نظمت؛ بلدية كانت أم نيابية.

من المؤكد أنّي لا أتحدث بجديد هنا، لكنني أجد نفسي كمواطن كلبناني من طائفة غير مغبونة بالمرّة، ومن بلد لا يعرف إلاّ الطائفية لغة وتقسيمات إدارية وتمثيلية، أجد أنّ الحدّ الأدنى من حقوق الأكراد اللبنانيين لم يتحقق بعد. وعلى النقيض من ذلك أجد أنّ الزخم الكردي الواجب للمطالبة بتلك الحقوق غير متوفر حتى الآن.

قبل عامين أعددت تحقيقا لجريدة إلكترونية من قلب احتفال كردي بالنوروز. المحتفلون يومها أظهروا غضبهم من الأحداث التي جرت قبلها بأيام معدودة في القامشلي في سوريا بحق الأكراد هناك الذين يطالبون باستمرار بحقوق لهم تجعلهم يصطدمون مع السلطات بشكل دائم.

بالفعل هنالك فارق نوعي كبير بين سوريا ولبنان بالنسبة للأكراد، فالأولى جزء من كردستان والثانية يشكل الأكراد جزءا ديموغرافيا منها دون أن تشكل جزءا من أرضهم التاريخية. مع الإحتفاظ بهذا الفارق، فهو لا يبرر وحده الزخم الكبير لدى أكراد سوريا في المطالبة بحقوقهم السياسية الحياتية اليومية التي تصل إلى حدود التصادم مع الدولة، بمقابل تهاون أكراد لبنان في المطالبة بهذه الحقوق.

فالأكراد وفق أقل التقديرات يصل عددهم في لبنان إلى 120 ألفا، يُحسبون على الطائفة السنّية وينتخب معظمهم في بيروت. يولد الأكراد في هذا البلد، يتزوجون فيه ويعيشون فيه… ويحولون أموال مهاجريهم إليه. يعيشون يومهم كباقي اللبنانيين.. مع فارق كبير في شعورهم الدائم بالتمييز السياسي والتمثيلي بحقهم.

ذلك التمييز مردّه إلى تمييز من نوع آخر يظهر في الإنتخابات شعبيا، حيث يُبعد الأكراد في لبنان بصفة كلّية عن أي تمثيل طالما هم معدودون من ضمن الطائفة السنّية، التي تمارس التمييز الشعبي بحقهم حين لا يبادر زعماؤها إلى ضمهم للوائح، ولا يبادر السنّي غير الكردي إلى انتخاب الكردي المستقلّ في معظم الأحيان وفي مختلف الأحوال باستثناء فئات قليلة.

إذاً فالحقّ الأبرز للأكراد في لبنان ليس مرتبطا بمواسم الإنتخابات فحسب. ومهما كانت نتيجة الإنتخابات اليوم في بيروت وعدد الأصوات التي سيحصل عليها المرشح الكردي، فهذا لا يغيّر شيئاً ولا يخفي أبداً أنّ هنالك تمييزا واقعا ضد الأكراد يمنع وصولهم للمناصب العليا إلى أجل غير معلوم.

ذلك الحقّ ينبع من روحية هذا البلد الطوائفي ويفرض بالتالي على الأكراد أنفسهم مطالبة السلطات بمعاملتهم إسوة بعرقيات وأقليات أخرى، واعتبارهم طائفة لها تمثيلها في بلدية بيروت كحق مشروع، ولها تمثيلها في مجلس النواب ولو عبر مقعد الأقليات كمرحلة أولى.

عصام سحمراني

esahmarani@hotmail.com

العدد الرابع سياسة

عن الكاتب

عصام سحمراني

كاتب لبناني مستقل، نشرت مقالاته في عدد من الجرائد والمجلات اللبنانية والمواقع الإلكترونية العربية.