مجلس التعاون على خطى جامعة الدول العربية

ليس هذا ما حدث فقط … بل أصبحت الدولة الكبرى و التي تستمتع و تتلذذ حين يطلق عليها “الشقيقة الكبرى” … أصبحت تريد القيادة و أن تستحوذ على كل شيء مثل مقار المؤسسات و الصيت و توظيف أبناءها في مؤسسات مجلس التعاون بل أن أبناء الدول الأعضاء الخمس الأخرى ينظر إليهم بأنهم مواطني دول المجلس من الدرجة الثانية أو حتى “بدون” بينما أبناء الشقيقة الكبرى لهم الأولوية في التوظيف في مؤسسات دول مجلس التعاون.

GCC

مجلس التعاون على خطى جامعة الدول العربية

منذ إنشائه في بداية الثمانينات من القرن العشرين كان مجلس التعاون لدول الخليج العربية مطمحا لآمال شعوب الدول الست الأعضاء في هذا الكيان القوي إقتصاديا و الضعيف سياسيا و عسكريا … و أمنيا.

أنشيء هذا المجلس سبيلا للتعاون بين حكومات أعضائه الست المتشابهة في النظم السياسية و الإجتماعية و العادات و التقاليد السكانية و القريبة في اللهجات المحلية … إلخ. أنشيء هذا المجلس ليس حبا في التعاون السياسي و الاقتصادي و التجانس الاجتماعي بين شعوب دوله الأعضاء بل بسبب نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية و دعوة الإمام الخميني بتصدير تلك الثورة إلى دول الجوار ، و لكن إندلاع الحرب العراقية الإيرانية و وقوف العراق في وجه تصدير الثورة قلل بعض الشيء من مخاوف امتداد ثورة و فكر الإمام الخميني إلى هذه الدول التي يكون الشيعة العرب و غير العرب نسبة لا يستهان بها من سكانها الأصليين و بما يتمتعون به من قوة و نفوذ إقتصادي يهيمن نوعا ما على الحركة التجارية و الإقتصادية في تلك الدول.

التقليل من مخاوف تصدير الثورة الإسلامية في إيران و استنزاف قدرات العراق و إيران في تلك الحرب التي لم يكن لها معنى و لا داع (هذا ما أظهره الواقع فيما بعد) أدى إلى توجه دول مجلس التعاون إلى تنمية و تعزيز التعاون الإقتصادي و ترسيم الحدود فيما بينها (و إن كانت الغلبة هنا للقوي سياسيا و إقتصاديا) و تنمية الروابط الإجتماعية بين شعوبها …

كل هذا تمت مباركته من قبل شعوب هذه الدول التي أخذ أفرادها يتبادلون في مجالسهم و سبلاتهم و ديوانياتهم مصطلح جديد للإنتماء الوطني “شعب دول مجلس التعاون” أو “المواطن الخليجي” …. و لكن ماذا حدث لتلك الآمال الكبيرة للشعوب أو “شعب” هذه المنظومة التعاونية السياسية الإقتصادية الاجتماعية الأمنية العسكرية ؟ … هل ذهبت أدراج الرياح ؟ و هل تبخرت هذه الآمال ؟ و هل أصبح قادة دول هذا المجلس يرتابون في أنفسهم ؟ و هل صاروا يخشون على عروشهم من قائد الدولة الشقيقة المجاورة المكملة له و لكيانه ؟

رغم حرية التنقل لمواطني دول المجلس ببطاقة الهوية و حرية التجارة و الاستثمار و التزاوج و المصاهرة و التعليم و تسهيل الإجراءات لمواطني هذه الدول زادت عدد المراكز الحدودية البرية و البحرية و الجوية و أصبح التنقل عن طريق البر بين دول هذا المجلس مصاحب له معاناة للتفتيش و التدقيق على هوية المسافرين و مرافقيهم من أجانب العاملين لديهم.

أصبحت القرارات التي يتم إتخاذها في لجان و اجتماعات و مؤتمرات دول المجلس ليست بالإجماع … بل يتم التحفظ عليها من قبل بعض الدول الأعضاء و يتم استثناء دولة ما من قرار معين أو إعتذار دولة ما من الإنضمام و الاشتراك في تنفيذ قرار وحدوي مهم.

ليس هذا ما حدث فقط … بل أصبحت الدولة الكبرى و التي تستمتع و تتلذذ حين يطلق عليها “الشقيقة الكبرى” … أصبحت تريد القيادة و أن تستحوذ على كل شيء مثل مقار المؤسسات و الصيت و توظيف أبناءها في مؤسسات مجلس التعاون بل أن أبناء الدول الأعضاء الخمس الأخرى ينظر إليهم بأنهم مواطني دول المجلس من الدرجة الثانية أو حتى “بدون” بينما أبناء الشقيقة الكبرى لهم الأولوية في التوظيف في مؤسسات دول مجلس التعاون.

هل هذا كان هو الحلم ؟

هل هذه كانت هي الطموحات ؟

و هل تتحقق الوحدة و التكامل و التجانس بهذا الشكل ؟

مجلس التعاون لدول الخليج العربية على خطى جامعة الدول العربية … فالشقيقة الكبرى تريد أن تلتهم “الكعكة” كلها و الشقيقة الصغرى تنظر إليها بجوع !!!

و الشقيقة الكبرى تريد أن تكون لها الريادة في كل شيء و أن تكون لها الزعامة و الولاء و أن على بقية الدول الأعضاء تقبل نزوات و رغبات طموح و تسيد الشقيقة الكبرى دون مساءلة أو ممانعة فهي العدل و هي الحكم … و إن كان ذلك وفق قنوات دبلوماسية سياسية منسقة.

و بتلك الأهواء و التصرفات و الرغبات فشلت جهود التكامل و التجانس و الإندماج بين دول مجلس التعاون مجتمعة … و أصبحت الآمال معلقة على العلاقات الثنائية بين هذه الدول الست لتحقيق ذلك التكامل و التجانس هذا إذا لم يكن هنالك طرف ثالث له مصلحة في عرقلة كل تفاهم بين هذه الدول مجتمعة أو منفردة.

لا نريد “جامعة دول عربية” أخرى و إن كانت بشكل مصغر … بل نريد تكاملا متجانسا و تعاونا حقيقيا يخدم مصالح “شعب منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية”.

كما نأمل أن يستمر التكامل بين دول المجلس الست – و إن كان عبر القنوات الثنائية – خدمة لمصالح شعب هذه الدول الواحد و خاصة ذلك التكامل و التعاون و التنسيق بين سلطنة عمان و دولة الإمارات العربية المتحدة و هما الدولتان اللتان تجمعهما معطيات و أمور جغرافية و تاريخية و إجتماعية و إقتصادية عدة التي تمكنهما من تحقيق تكامل و تعاون قائمين على أسس وثيقة متينة.

العدد الرابع سياسة

عن الكاتب

مازن الطائي

كاتب عماني وباحث في الشؤون التاريخية