ما إن تعرش الضجيج وتفاوتت الصرخات على مواقع التواصل الاجتماعي حول استضافة المفكر والباحث في الميثولوجيا وتاريخ الأديان فراس السواح حتى جاءت الشعرة التي بترت ضرع البقرة لتعلن اللجنة الثقافية بمهرجان مسقط عن عدم استضافة الكاتب والباحث السوري (لسبب إداري كما تم الإشارة إليه في الحساب الإلكتروني الخاص بالمهرجان).
غير أنه قد لا يختلف عاقلان بأن ما حدث كان تجاوبا وتماشيا مع ردات الفعل المؤلبة على عدم الاستضافة وذلك بعد أن غرد المذكور حول الحجاب وعن رفضه قبول صداقة المحجبات في صفحته الخاصة ونقول الخاصة من باب أن كل فرد حر في اختيار نوعية أصدقاءه ولكن أن يتم نسف تاريخ الرجل واغفال العين عن حسنات أخرى وأفكار أخرى ودراسات وبحوث تخص الانسانية والحضارة وذلك لأننا اختلفنا معه في نقطة فذلك هو ما يثير حنق الصمت ويستفز حوار المنطق ويجندل سخط الكلام.
على المؤسسات المجتمعية أولا أن تعي أننا لا نمضي وفق مزاج أفراد ولا أيديولوجياتهم ولا النظرة الأحادية القاصرة، وعلى المؤسسات أن تتبنى ذلك بحيث أنها تقود المجتمع وتهيئه للثقافة الجمعية لا أن تخضع تلك المنظمات إلى موجة تويترية يتنافس المتحمسون فيها والناطقين باسم الرب لفتل عضلات المثالية التي نعلم كلنا أنها زائفة هشة في عقر قعرها وأننا لسنا بمدينة أفلاطون الفاضلة التي يدّعون ، تتكلس الروح وتضمحل الأفكار ويطفو اللاتعقل على السطح وتثار زوبعة في باطن فنجان ، ناهيك أنه لن يحدث أي تغيير جزئي كان أم جذري ما لم تقف مؤسساتنا موقف واحد غير متذبذب يفضي بإرادته إلى التّسيد على رأي الجمهور ليحقق التطور المنشود من خلال تقبل جميع الأفكار وطرحها على طاولة (جدلية ديالكتيكية) بالمعنى الفكري والخروج بآراء تستند على قواعد ثابتة ومتينة وليس على موجة رأي.
نعم، هناك أفراد مبدعون وخلاقون في كل المجتمعات، لكن الفرد المبدع يبقى فرداً، فيبقى التعويل على المؤسسات الراعية التي يكمن فيها التغيير، فإذا كان حال المؤسسات مهترئاً، فكيف نتحدث عن التغيير والتنوير؟؟
فراس السواح لن تضيق به الأرض، لكن الأيام ستضيق بمن لا يعقل ولا يتأمل ما يدور حوله.. وليست قضية السواح هي القضية الأولى التي يرفض فيها شعب الله المتسامح والمختار حضور ضيف إلى بلده خوفا من انتشار أفكاره وخلقه خشية من تلطيخ العادات وخدش حياء العقيدة والتي تنتفض لينزاح ستر هشاشتها، فصاحب العقيدة الراسخة والقوية المطمئنة لا يخشى على إيمانه من ركام الأيام، مجتمع يخاف من كاتب، من كتاب، من فكرة مغايرة عن التفكير الجمعي السائد، هو مجتمع هش ويمكن أن يحطمه نسيم البحر، فماذا ستفعل بهم الرياح إذا عصفت؟؟
كان علينا أن ندحض الفكرة بالحجة، أن نتناقش ونناقش أن نستمع للرأي الأخر لا أن نقصيه أو نهرب هروباً يكتب علينا ضعفا أو عجزا أو حتى ربما جهلا.