كيف غير الإنجليز توجه السلطان تيمور في تعليم ابنه سعيد؟

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

فكما تعلمون أن تربية أبناء السلاطين والملوك كانت ولا تزال ذات أهمية بالغة، وذلك لأن أولياء العهود سيتولون زمام الحكم وعليهم تعول إدارة بلدان بأكملها وهذه الإدارة ليست مقتصرة على الداخل ولكن هناك إدارة خارجية يتوجب على ولي العهد أن يلم بكافة تفاصيلها والخلفيات التاريخية التي شكلتها على مدار السنين. ومن هذا المنطلق سندرك أن بعض البلدان كسلطنة عمان – التي كانت ولازالت ذات أهمية استراتيجية على المستويين السياسي والاقتصادي- تحظى باهتمام القوى الخارجية وخاصة البريطانيين الذين كانوا جزءاً لا يتجزء من المشهد السياسي العماني طيلة عقود خلت. وقد كتب البريطانيين على مدار هذه السنين الكثير عن عمان على شكل تقارير دوريه يبعثون بها لمسؤوليهم في حكومة الهند. وهذه التقارير تشكل اليوم مادة مهمة، فمادتها زاخرة بتفاصيل تلامس مختلف جوانب الحياة العمانية. وبعد مرور السنين المطلوبة للأفراج عن وثائق الحكومة البريطانية التي كانت في السابق ٣٠ عاماً و تم تقليصها إلى ٢٠ عاماً في ٢٠١٣ كما يذكر الموقع الرسمي للأرشيف الوطني البريطاني نجد بعضا من هذه الوثائق متاحة للقارئ رقمياً.

قبل أيام صادفني ملف عنوانه ( تعليم السيد سعيد بن تيمور ١٩١٦- ١٩٢٦) وربما سمعتم أن السلطان سعيد بن تيمور تلقى تعليمه في الهند وبغداد، ولكن هل ُترك أمر أختيار تعليم ولي العهد لوالده السلطان تيمور أم كان للبريطانيين وجة نظر أخرى؟

تشير الوثائق أن رغبة البريطانيين هي التي تحققت في النهاية. فالسلطان تيمور كان قد طلب من الأستاذ محمد رشيد رضا -صاحب مجلة المنار التي تصدر شهرياً من جمهورية مصر العربية- أن يبحث له عن شخص يصلح لمهمة تعليم ابنه سعيد. 

مراحل تعليم السيد سعيد بن تيمور :

تاريخ الميلاد : ١٣-٨-١٩١٠

الذهاب إلى الهند : ١٩٢٢

العودة من الهند: ١٩٢٧

الذهاب إلى بغداد: ٩-٩-١٩٢٧

التحفظات البريطانية

فور علم بريطانيا برغبة السلطان تيمور ونيته لاستجلاب رجل من مصر عن طريق الأستاذ محمد رشيد رضا الذي تتحفظ عليه بريطانيا لعدة أسباب تذكرها مراسلاتهم وأهمها رسالة بتاريخ ٩-١-١٩١٧ من إدارة الخارجية والسياسية البريطانية في  دلهي إلى  المقيم السياسي في بوشهر التي توضح  مخاطر اختيار محمد رشيد رضا لمن يشرف على تعليم السيد سعيد، والأسباب هي :

١-  قرب محمد رشيد رضا وتودده للفرنسيين حيث علمت بريطانيا أنه قال للفرنسيين أن كل المصريين يمقتون الأنجليز وأن السوريون سعيدون بمناصرة فرنسا للحراك العربي كحليف وصديق.

٢- كما أن رضا أثناء تواجده بمكة قام بتوزيع منشورات داعية للتطرف وتثير فتنه المسلمين على المسيحيين وأنه يسعى إلى محاربه النفوذ الإنجليزي. كما أن شريف مكة ممتعض من وجوده وقد سمح بدخوله لمكة كونه وهابياً فقط.

ذرائع بريطانيا لاختيار تعليم السيد سعيد

ترى بريطانيا أهمية تدخلها لاختيار تعليم السيد سعيد منطلقة من مبدأ الوصاية حيث ترى أن السلطان تيمور الذي لم يكن متعلماً وأنه قضى سنوات معدودة تعلم القراءة والكتابة ( كتبت هذه الملاحظة في رسالة مؤرخة في عام ١٩٢٠ أي أن السلطان تيمور تعلم قبل هذا التاريخ بسنوات معدودة القراءة والكتابة ). و تذكر الوثائق أن الأمية بين السلاطين وأمراء المنطقة لم يكن أمراً غريباً بل هو السائد حينها، و إن كان السلطان تيمور تعلم القراءة والكتابة في سن متأخر جداً فإن لديه أخوة غير متعلمين إطلاقاً بينما لديه بعض الأخوة المتعلمين. إن المعيشة في كنف الأسرة المالكة وتنشأة الأطفال في محيط غير متعلم ومعزول عن الخارج بحكم وضع مسقط بشكل عام هي كالعيش في الظل فهي بطبيعتها السياسية بل حتى الجغرافية نائية ومنعزلة. هذا الجو بلا شك لن يساعد على تنشأة صحيحة لسلاطين سيتولون مهام عظيمة في المستقبل وتحديات كثيرة. فالطفل الذي ينشئ  محاطاً بالنساء فقط في القصر لن  تشغله سوى همومه الصغيرة وعناده للحصول على ما يريد فهو لا يعي الخلافات في الخارج فكيف نتوقع منه التصرف أمام تحديات القبائل ومشاكلهم؟!. وهناك ملاحظة مهمة تذكرها الوثائق عن أثر هذه التنشأة على شخصية السلاطين، فقد ورد أن السلاطين بسبب عدم حصولهم على قدر من التعليم كانوا يُسّيرون من قبل بطانتهم و عديمي الضمير من الوزراء الذين ساهموا في إقصائهم عن عامة الناس وتشويه سمعتهم أمامهم ونزع الاحترام والمحبة لهم من قلوبهم.

صفات السيد سعيد بن تيمور

يذكر الوكيل السياسي بمسقط في إحدى رسائله المؤرخة في ٢٥-٦-١٩٢٠ أن السيد سعيد طفل ذكي يجيد القراءة والكتابة وسنه الآن بين الثامنة والعاشرة و تصرفاته مهذبة للغاية. ويقول الوكيل السياسي أن السيد سعيد تواق للذهاب إلى المدرسة وقد أخبره ذلك بنفسه. والوكيل السياسي كان ينتظر الفرصة المناسبة للحديث مع السلطان تيمور بخصوص تعليم السيد سعيد.

لماذا الهند وليس بريطانيا؟

لماذا لم يقع الأختيار على بريطانيا ليتلقى فيها السيد سعيد تعليمه. لماذا يختار البريطانيون الهند عوضاً عن بلادهم؟ هذا الأمر يجيب عليه المقيم السياسي في بوشهر الذي بعث برسالة إلى  إدارة الخارجية والسياسية البريطانية في الهند بتاريخ ٢٨-٧-١٩٢٠ يقول فيها ” أعتقد من دراسة السيد سعيد في كلية مايو  Mayo Ajmere Colllege  في الهند أفضل من دراسته في بريطانيا التي غالباً ما تكون عواقبها سيئة كما حدث لسلطان زنجبار السابق “. ويقصدون هنا السلطان علي بن حمود بن محمد البوسعيدي  ثامن سلاطين زنجبار الذي عرف بتذمره ومقاومته للوصاية البريطانية ونفوذها في زنجبار.

ذهب السيد سعيد للدراسة في الهند في ١٩٢٢ و أنهى دراسته بها في ١٩٢٦ وكان يبلغ من العمر ١٦ عاماً. وقد لازمه معلم ثقة يدعى خان بهادر سيد صديق حسن وهو هندي الجنسية يعمل لدى الحكومة البريطانية.

ماذا بعد الهند ؟

تذكر المراسلات أن بعد عودة السيد سعيد من الهند أصر السلطان تيمور أن يبتعثه إلى دولة عربية ليتمكن من اللغة العربية. و تذكر المراسلات أن السيد سعيد بعد عودته من الهند كانت لغته العربية ركيكة مقارنة مع أقرانه من نفس العمر. و هذا الضعف يتجلى بعدم إلمامه حتى ببعض الكلمات التي تستخدم بشكل يومي. غير أن السلطان تيمور أعاد فتح ملف مصر ورشح ابتعاثه للقاهرة لتعلم اللغة العربية حيث أن السلطان تيمور يعتبر القاهرة مقر الثقافة العربية الإسلامية. أما التوجه البريطاني فكان ميالاً إلى بيروت وبغداد. بالنسبة لمقترح كلية بيروت فلم يلاقي قبول السلطان تيمور. وعندها جاء الخيار الثاني وهو ابتعاثه إلى بغداد.

 إلى بغداد

تم قبول السيد سعيد للالتحاق في المدرسة الإعدادية بغداد بشرط انضباطه والتزامه بالقوانين والمنهج الذي يسري على جميع الطلاب دون استثناءات وهذا الشرط من المدرسة العراقية جاء بعد مالاحظته وزارة التعليم العراقية من عناد وصعوبة التعامل مع قريبه السيد محمود بن تركي الذي كان يدرس في كلية المعلمين ببغداد. لم يلقى خطاب المسؤولين البريطانيين من العراق رضى السلطان تيمور  في كون المدرسة الإعدادية لائقة بالسيد سعيد الذي تخرج مؤخراً من كلية مرموقة بالهند كما أن لغة الخطاب الذي يتضمن شروطاً باحترام القوانين وغيرها لم تكن في محلها وكان لها أثر سلبي على السلطان تيمور. تنتهي المراسلات في هذا الملف عند هذا الحد دون الإشارة إلى المقر النهائي الذي تلقى فيه السيد سعيد تعليمه في بغداد.

وقد غادر السيد سعيد مسقط بتاريخ ٩-٩-١٩٢٧ متجهاً إلى بغداد برفقه كل من الوزير توماس الذي كان وزيراً للمالية في سلطنة عمان حينها و خان بهادر أحمد شبيلي الذي سيلازم السيد سعيد و مندوب من العراق. والرحلة ليست مباشرة إلى العراق ولكنها ستتوقف في كراتشي وسوف تصل إلى بغداد بتاريخ ١٤-٩-١٩٢٧.

رسالة إلى قنصل الدولة البريطانية 1927

– تم إعداد هذه المادة من ملف تعليم السيد سعيد بن تيمور ١٩١٦- ١٩٢٦- مكتبة قطر الرقمية

صورة للشيخ محمد رشيد رضا نقلا عن الموقع الرسمي للتلفزيون السوري

صور لبعض مراسلات السلطان تيمور ومجلس الوزراء سلطنة عمان نقلا عن مكتبة قطر الوطنية

السادس بعد المئة سياسة

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة