ندوة ترجمة الأدب العماني: ما لها… وما عليها

انتهت الورقة الخامسة، ومع ضيق الوقت، وانطفاء أجهزة التكييف قررنا إلغاء جلسة النقاش الثانية والانتقال مباشرة إلى التكريم حيث قام راعي الحفل بتكريم الفريق الأول لـBeacon والجهات المشاركة مثل جريدة “Times of Oman” ودائرة العلاقات العامة والإعلام بالجامعة وأيضا جماعتي الفنون التشكيلية والتصوير بجامعة السلطان قابوس اللتين زودتا الملحق باللوحات الفنية ليخرج بشكله اللائق.

DSC01193

ندوة ترجمة الأدب العماني: ما لها… وما عليها

بدر الجهوري

خرج الجميع.. لم يبق إلا ثلاثة من مقدمي الأوراق ينظرون إلى ساعاتهم وقد تخطت عقاربها العاشرة، يحاولون التملص من المذيع وحامل المدفع الذي يتبعه في محاولة يائسة لعدم تكرار ما قالوا اليوم وبالأمس.. على الهامش صحفية تجري حوارا مع أحد الحضور الذي بدوره يحاول التملص لكي لا تفوته مباراة الأرجنتين… بالخارج، عامل النظافة يكظم غيظه وهو ينتظر خروجنا ليغلق القاعة رغم علمه أن الباص المتجه إلى غلا الصناعية قد فاته، وأن عليه – مثل ما حدث البارحة – أن يبحث عن فاعل خير يعيده إلى “كارافانه” لينام ساعتين أو ثلاث قبل أن يعود مرة أخرى صباح الغد. نعم.. هكذا انتهت ندوة Beacon لترجمة الأدب العماني.. بدأت بهدوء وانتهت بهدوء.

ما ستقرؤونه بعد قليل هو نظرة انطباعية للندوة، واستعداداتها، والأهداف المرجوة (التي تحققت ولم تتحقق) وكيف سارت الأمور. هي نظرة من الداخل، أو كما يقول أصدقاؤنا في بلاد العم سام (an insider point of view).

الفكرة والاستعداد

الثالث من نوفمبر 2009.. صدور العدد الثالث عشر من ملحق Beacon الشهري ليعلن انقضاء سنة من النجاح (رغم أنه حتى النجاح يبقى نسبيا مثل ما يقول عمنا أينشتاين) وبداية سنة جديدة. أعضاء الفريق الذين يمكن عدهم على أصابع اليدين (أقصد النشيطين طبعا بينما العدد المسجل يفوق ذلك بكثير) يفكرون في إقامة فعالية احتفالية بإطفاء الشمعة الأولى، لكن مع غياب بعض أعمدة الفريق ومحاولة الإدارة الجديدة البحث عن دماء جديدة لإكمال المشوار، أصبحت فكرة الاحتفال مجرد عبء آخر يضاف إلى كاهل الفريق الذي أثبت فعلا أن العمل التطوعي في عمان ليس خرافة.

اقتربت الإجازة الصيفية، وعادت الطيور إلى أعشاشها، عادت بعض الأعمدة المؤسسة للفريق وأعادت فكرة الاحتفاء، ولكن هذه المرة قرروا الابتعاد عن جو البهرجة وتقديم الهدايا والتغني بالمنجزات، وإنما أرادوه احتفالا للجميع.. ندوة.. نعم، ستكون ندوة يحتفل فيها الجميع. قررنا أن تكون قرب نهاية يونيو، وبالتالي يكون لدينا ما يقارب الخمسين يوما للاستعداد.. لكن هل التوقيت جيد؟ قال أحدهم: لكن لا توجد فعاليات بالصيف… رددنا عليهم: وهل المواطن العماني كنظيره الكويتي أو القطري ليصيّف كل يوم في بلد؟ (حده صلالة!). قال آخر: ولكن سيتعارض هذا مع نهائيات كأس العالم. رددنا عليهم: التوقيت سيكون في نهاية الدور الأول، بمعنى أن الفرق المتأهلة إلى الدور الثاني قد تحددت مسبقا ومباريات هذين اليومين “تحصيل حاصل”. قال ثالث: لكن بإقامتها في الجامعة بالصيف لن يكون هناك طلبة. رددنا عليهم: ستكون الندوة في الأسبوع الأول من الفصل الصيفي ولن تكون هناك ضغوطات على الطلبة، ثم من قال أن الندوة للطلبة فحسب؟ ألن يحضر بقية المثقفين الذين “يتشممون” الفعاليات الثقافية من أقاصي البلاد؟

تم وضع التصور، ويجب هنا أن أشكر الأخ جابر الرواحي الذي ساعدني في وضع الخطوط العريضة، ثم بدأ العمل في البحث عمن يقدم ورقة في هذا الوقت. كانت فكرة الندوة رائعة – في نظر معظم من تواصلنا معهم – لكن التوقيت كان يتعارض مع سفرة هنا وارتباط هناك… أسبوع واحد فقط واكتمل عقد أوراق العمل، ثمان ورقات تقدم على مدار يومين، كل ورقة لا تتعدى العشرين دقيقة، ستكون ندوة خفيفة سهلة الهضم. قبل أسبوعين من تاريخ الندوة، اعتذر أحد مقدمي الأوراق بسبب ظرف طارئ، ولكن – ولله الحمد – وجدنا بديلا، وهذه نقطة تحسب إلى ثيمة الندوة التي كانت حقا مثيرة للاهتمام.

انتقلنا إلى أصعب مهمتين يمكن أن تواجهان أي فريق عمل يحاول تنظيم فعالية، الدعم المالي والتعامل مع المؤسسات البيروقراطية، وأصدقكم القول أن الأولى أسهل من الثانية.

بدأنا بمراسلة الجهات التي “نعتقد” أنها قد تهتم بهكذا ندوة.. خابت آمالنا جزئيا، ولكن بقي أن نقول “الدنيا بعدها بخير”.. حصلنا على دعم مالي كاف (القناعة كنز لا يفنى) وبدأنا في المراسلات البيروقراطية، حجز القاعة يحتاج رسالة، الرعاية تحتاج رسالة، تمديد فترة فتح القاعة تحتاج رسالة، طلب كراسي وطاولات للمتحدثين يحتاج رسالة، طلب مساعدة فنية يحتاج رسالة، طلب تصوير فيديو يحتاج رسالة، طلب مشروبات روحية يحتاج رسالة… عفوا هذه الجملة في غير محلها، لكن الفكرة وصلتكم.

تمكنا بعد شد وجذب من كسر حصار الرسائل، والشكر كل الشكر للسعيدين (دنيا وآخرة إن شاء الله) الدكتورة سعيدة خاطر والصديق سعيد الهاشمي الذين تكفلا بكثير من هذه المراسلات. ولم يبق إلا يوم الندوة.

طبعا لم يفتنا مراسلة الجهات الإعلامية المتعطشة دوما لأي فعالية خاصة إن كانت ثقافية في ظل الشح المتواصل (كمًّا وكيفًا) للأنشطة الثقافية. ويجب أن نقدم الشكر لهذه الجهات سواء كانت متلفزة أم مذاعة، مطبوعة أم إلكترونية، التي ساعدت في الإعلان عن الندوة.

DSC01192

اليوم الأول

كان هناك تخوف من عدد الحضور، بسبب التوقيت الصيفي، لكن مع إصرارنا على رعاية من درجة “حقيبة وزارية” توافدت الجموع، وللأسف الشديد لا أقصد الجموع الثقافية والأكاديمية (رغم أنه كان لها حضور لا بأس به) ولكن أقصد هنا الجموع الرسمية الأخرى، فالوزير كان له بطانته، ورئيس لجنة الاستقبال كان له حاشيته، ومعظم من جلس في الصف الأمامي لم يكن يعلم عن الندوة إلا عنوانها. كانت جميع أوراق العمل في اليوم الأول وتوقعنا حضورا تستعصي عليه لغة الضاد وكنا مستعدين لهذا، فجهزنا معدات وطاقم للترجمة الفورية (علما أن الطاقم لم يكن إلا أعضاء ملحق Beacon وهذه نقطة تحسب لهم)..

بدأت الندوة بكلمة للدكتور صادق جواد رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وسلط الضوء على الأهداف الرئيسية للندوة، والتي يمكن تلخيصها في فكرتين أساسيتين: أولا.. تعريف القارئ العماني بالتعددية الثقافية واللغوية في سلطنة عمان، خاصة إن علمنا أنه في السلطنة – بخلاف العربية – هناك على الأقل عشر لغات أخرى (أكرر لغات وليست لهجات) وينبغي الحفاظ عليها من الاندثار. ثانيا.. تعريف القارئ العماني وغير العماني بالإنتاج الأدبي وترجمته في سلطنة عمان، وتسليط الضوء على أهم المنجزات في هذا المجال.

بدأت الندوة، وأدار الكاتب والقاص هلال البادي الجلسة الأولى حيث دعا الدكتور عبدالله الحراصي رئيس مشروع الموسوعة العمانية والأب الروحي لمجموعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس لتقديم ورقته والتي كانت عبارة عن استعراض عام للترجمة الأدبية في سلطنة عمان، وقد أعاد الحضور إلى عام 1835 حيث اصطدمت إحدى السفن الأمريكية بالحيز المرجاني قرب المنطقة الشرقية، فهب العمانيون للمساعدة، وكتب أحد أفراد السفينة قصيدة في مدح أهل عمان، وتمت ترجمة تلك القصيدة لتكون باكورة الترجمة الأدبية في سلطنة عمان.

استعرض الدكتور أيضا عددا من المشاريع الترجمية، الصغيرة والكبيرة، الفردية والمؤسساتية، كترجمة “مذكرات أميرة عربية” من الألمانية، و”مغامر عماني في أدغال أفريقيا” من السواحيلية، منتهيا بملحق الجسر وملحق Beacon.

وكان لأحمد المخيني الأمين العام المساعد للمعلومات والبحوث بمجلس الشورى سابقا بصمة خاصة في الندوة، فرغم أنه لم يقدم ورقة علمية متخصصة إلا أن شهادته كانت مثالا حيا للإنجاز الذي يمكن للفرد أن يحققه بالقراءة وتعلم اللغات الأخرى مما يكسر الحاجز اللغوي الذي يفصل بيننا والآخر.

بعدها قدم محمد الشحري ورقة عن ترجمة الأدب الشفاهي: اللغة الشحرية نموذجا، وتعد هذا الورقة من أهم الثيمات التي ركزت عليها الندوة وهي تسليط الضوء على الأقليات اللغوية في سلطنة عمان والحفاظ عليها إذ يشير تقرير اليونيسكو إلى وجود أربع لغات على الأقل في سلطنة عمان معرضة للانقراض، وتعد لغات جنوب شبه الجزيرة العربية (ومن بينها الشحرية) من ضمن هذه اللغات. صحيح أن الحفاظ عليها أمر صعب إذ أنها لغات منطوقة وليست مكتوبة وبالتالي تموت بموت الناطقين بها، لكن يمكن على أقل تقدير الحفاظ على التراث الثقافي لهذه اللغات بترجمته وإعطائه بعدا قرائيا ليكون بالإمكان الحفاظ عليها ومن ثم ترجمته إلى اللغات الأخرى.

بعد أن قدم الشحري ورقته، دعا مدير الجلسة مقدمي الأوراق الثلاث الأولى لجلسة نقاشية دارت معظم حواراتها – مثل ما كان متوقعا – على الأقليات اللغوية في السلطنة، والسبب وجود تيارات إما أنها تستنكر وجود هذه اللغات أو ترفض وجودها، ومما أثار جدلا سؤال أحد الحضور “لماذا لا تكون هناك مدارس في سلطنة عمان تدرس السواحيلية والبلوشية والشحرية وغيرها؟” وقد أجاب الدكتور الحراصي بدبلوماسية أن هذا يعتمد على السياسة اللغوية للدولة، فما دامت الدولة تعتبر اللغة العربية أساسا فإن بقية اللغات لا تكون سوى تراث ينبغي الحفاظ عليه ولكن ليس بالضرورة إعادة إحيائه.

بعد النقاش انتقلنا مباشرة إلى الورقة الرابعة للدكتور خالد البلوشي ليقدم للجمهور المنطلقات الوطنية والإنسانية لترجمة الشعر البلوشي واعتباره جزءا من التراث الأدبي للجزيرة العربية، واستعرض الدكتور خالد مجموعة من النصوص التي كتبت بالبلوشية والفارسية وترجمت إلى العربية وتم اعتبارها جزءا من التراث الأدبي العربي، وبالتالي فإن النصوص الشعرية التي كتبت بالبلوشية وتتحدث عن عمان وتاريخ عمان تعتبر جزءا من الأدب العماني وجب ترجمته إلى العربية ليتعرف عليه القارئ العماني.

بقيت ورقة واحدة، ولكن بسبب ضيق الوقت طلب من يونس الحراصي رئيس مجموعة الترجمة من عام 2005 إلى 2007 ونائب رئيس أسرة الترجمة المنكوبة في النادي الثقافي، طلب منه الاختصار في استعراضه لدور مجموعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس في الحراك الترجمي العماني، والحق يقال أن هذه المجموعة تعتبر علامة فارقة في مجال الترجمة وحالة استثنائية ليس على مستوى الجامعة بل في السلطنة وخارجها، فما قدمته هذه المجموعة الطلابية (دعوني أكرر.. الطلابية) كان المحرك الأساسي لكل ما له علاقة بالترجمة الأدبية في سلطنة عمان في القرن الحادي والعشرين. يونس الحراصي وافق على الاختصار – واختصر فعلا – ولكن رفض أن يختصر الجزئية المتعلقة بالصعوبات التي واجهت ولا تزال تواجه المجموعة، فبالإضافة إلى الانشغالات الأكاديمية والمهنية للأعضاء إلا أنهم ما زالوا يقدمون الكثير والكثير للإبقاء على المستوى الراقي الذي وصلت إليه المجموعة، ولكن مع تدشين قسم الموسيقى بجامعة السلطان قابوس وجد الأعضاء مكتبهم (وهو مقر المجموعة) وقد أزيلت منه المكتبة واستبدلت ببيانو، ليجدوا أنفسهم تائهين من مقر لآخر، تارة يجتمعون في مكاتب أحد الأساتذة، وتارة يحجزون قاعة دراسية (وهذه قصة بحالها) وتارة يلتقون بأحد المطاعم في الخوض طبعا مع غياب اللمسة الأنثوية التي تشكل أكثر من ثلاثة أرباع المجموعة. أذكر أنني انطلقت بعد نهاية اليوم الأول لمبنى التلفزيون للمشاركة في برنامج “هنا عمان” وسألني المذيع عن التوصيات التي ستنبثق من هذه الندوة، فأجبته: “الأستاذ أحمد المخيني طالبَ بمركز قومي للترجمة، لكن قبل سبع سنوات طالبنا بهكذا مركز، والسنة التي تليها والتي تليها ولم نرَ شيئا. بالنسبة لي لا أريد مركزا للترجمة وإنما أطالب جامعة السلطان قابوس بتوفير مقر لمجموعة الترجمة لتعود إلى نشاطها المعهود، وهذا ليس بالأمر الصعب!”

انتهت الورقة الخامسة، ومع ضيق الوقت، وانطفاء أجهزة التكييف قررنا إلغاء جلسة النقاش الثانية والانتقال مباشرة إلى التكريم حيث قام راعي الحفل بتكريم الفريق الأول لـBeacon والجهات المشاركة مثل جريدة “Times of Oman” ودائرة العلاقات العامة والإعلام بالجامعة وأيضا جماعتي الفنون التشكيلية والتصوير بجامعة السلطان قابوس اللتين زودتا الملحق باللوحات الفنية ليخرج بشكله اللائق.

DSC01198

اليوم الثاني

توجهت في اليوم الثاني قبل الفعالية بساعتين إلى القاعة رقم 1 ووضعت ورقة على الباب كتبت عليها بالخط العريض “تم نقل الندوة إلى القاعة رقم 2”. لماذا يا ترى؟ سأخبركم لماذا…

مثلما أسلفت، كان معظم الحضور في اليوم الأول ممن يحترفون لغة المتسلقين، وإن لم يكن الوزير موجودا فلا حاجة لأن يحضروا، هذا من جهة… من جهة أخرى – وللأسف الشديد – كان هناك تعارض بين اليوم الثاني للندوة مع فعالية تقيمها سبلة عمان في (بوردرز) ويجعلنا هذا نتساءل حقا عن عملية التنسيق في أمر الفعاليات الثقافية خاصة أن سبلة عمان تربطها علاقة وطيدة بالجمعية، وخاصة أن الفعاليات الثقافية تشهد شحا في الحضور، والانقسام ليس سوى “زيادة الطين بلة”. أضف إلى هذا أن ثلاثة أوراق من أصل أربع ستكون باللغة الإنجليزية التي يتهرب منها مثقفونا لكي لا تظهر نقاط ضعفهم. كان كل هذا في الحسبان ولذا قررنا الانتقال إلى قاعة أصغر حجما لكي لا يحس المتحدثون بالغربة.

قام محدثكم هنا بإدارة هذه الجلسة وابتدأ بتقديم الدكتور توماس روش مساعد عميد الكليات الإنسانية بجامعة صحار، الذي يعمل على مشروع لتوثيق الأدب الشفاهي النسائي في سلطنة عمان، وتحدث توماس أولا عن فكرة الأدب الشفاهي وكيف أنه كانت هناك الكثير من التيارات المعارضة لفكرته على اعتبار أن لا وجود لأدب بدون كتابة. والحق يقال أن هذا المشروع من أهم المشاريع التي يجب أن تدعم لأنه يركز على ترجمة الأغاني والحكايا والأهازيج وحتى الأحاجي الشعبية إلى اللغة الإنجليزية لتوثق ولا تندثر مثلما اندثرت كثير من تقاليدنا العمانية بفعل الإمبريالية اللغوية للغة الإنجليزية.

بعدها قدمت الدكتورة رحمة المحروقي رئيسة مركز اللغات بجامعة السلطان قابوس سابقا ورقة تناقش انطباعات الطلبة للأعمال المترجمة، وكانت دراستها تجريبية إذ قامت باختيار قصة قصيرة من الأدب الإنجليزي ترجمت إلى العربية وطلب من الطلبة الإجابة عن بعض أسئلة الفهم والاستيعاب، ومن ثم أعطي الطلبة قصة قصيرة من الأدب العربي مترجمة إلى الإنجليزية وأيضا طلب منهم الإجابة على بعض أسئلة الفهم والاستيعاب، واتضح أن معظم الطلبة وجدوا القصة الثانية (رغم أنهم قرؤوها باللغة الإنجليزية) أسهل للفهم من الأولى، واستنتجت الدكتورة إلى أن الخلفية الثقافية للطلبة ساعدتهم على فهم القصة وأن حاجز اللغة لم يكن مهما بقدر أهمية الخلفية الثقافية للطلبة أنفسهم، وأوضحت أن هذا يدعو إلى أهمية ترجمة الأدب العربي عامة والعماني خاصة وتدريسه في مؤسسات التعليم العالي لأنه يصبح أسهل للفهم على الطلبة.

الورقة الثالثة كانت للدكتور منير بن زيد وهو أستاذ محاضر بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة السلطان قابوس وجل دراساته تنصب حول العلاقة بين علم اللغويات وتدريس الأدب، وكانت ورقته عن الاستراتيجيات الممكنة لترجمة الشعر العماني المعاصر إلى الإنجليزية والفرنسية، وضرب مثالا على ترجمات لثلاث قصائد لهلال العامري وسعيد الصقلاوي وبدر الشيباني، وكيف أن على المترجم أن يعمل على مرحلتين: الأولى هي نقل المعنى والأخرى هي ضبط الشكل الخارجي للنص، وأسمى هذه الإستراتجية (trans-creation)، واختتم ورقته بمقولة مشهورة لأحد الأدباء “ترجمة الشعر كالمرأة، إما أن تكون جميلة أو مخلصة… ولكن ليس كلاهما” والذكي هنا من يحسن التوفيق بينهما.

ورقة عزة الكندي كانت خير ختام الندوة، فعزة أحد الأعضاء المؤسسين لفريق Beacon للأدب العماني المترجم وقد أشرفت على تحريره منذ إبريل 2009 ولغاية مارس 2010 حيث تستعد للسفر للولايات المتحدة لدراسة الماجستير في علم اللغويات.

ورقة عزة الكندي كان تعريفا شاملا لملحق Beacon، كيف بدأ كفكرة وحقيقة، آلية اختيار النصوص والترجمة والمراجعة والإخراج. تحدثت عزة عن ثقافة العمل التطوعي الذي كان – ولا يزال – شعار الفريق. ولو لخصنا الآليات سنتحدث أولا عن اختيار النصوص وهو من أصعب المهام، إذ أنه أولا ليس كل ما ينشر يستحق الترجمة سواء من ناحية الموضوع أو اللغة، كما أن بعض النصوص المنشورة متعلقة بأوقات ومناسبات معينة، ومع آلية الترجمة – الطويلة نوعا ما – فإنه عندما يكون النص المترجم جاهزا للنشر تكون تلك المناسبة في عداد الماضي. وآلية الترجمة تعمل على أربعة مراحل: الترجمة والمراجعة والتدقيق اللغوي والمراجعة النهائية، كل هذا لتظهر الترجمة بأفضل شكل ممكن.

بعد أن انتهت الكندية من ورقتها تمت دعوة المتحدثين من أجل جلسة نقاشية ختامية دارت معظمها عن ثقافة العمل التطوعي في سلطنة عمان واقتراحات لفريق Beacon لأن يتواصل مع المدارس حيث يمكن إيجاد مواهب صغيرة قادرة على العطاء ويمكن صقلها منذ الصغر لتساهم في عملية الحراك الترجمي في السلطنة، كما جرى نقاش حاد حول نظريات الترجمة وعلاقتها بترجمة الشعر، إذ أن هناك من لا يؤمن بالنظريات عندما يتعلق الموضوع بالشعر، وطبعا هذه قضية شائكة تحتاج لندوة بذاتها، إن كان هذا يكفي.

كلمة أخيرة

ما أسلف كان عرضا سريعا لندوة Beacon لترجمة الأدب العماني التي وإن لم يحالفها نصيب وافر من الحضور إلا أن الأوراق المقدمة جعلتها ندوة ناجحة بكل المقاييس. بقى أن نقول أن الحراك الترجمي في سلطنة عمان لم يزل يحبو (وهو يحبو من سنين إذ أنه ولد خديجا) ولكن مع الدعم – المعنوي أكثر من المادي – فإنه سيقف على قدميه يوما ما.

العدد الخامس ثقافة وفكر

عن الكاتب

بدر الجهوري

كاتب ومترجم عماني