صدمتُ زجاج النهار
اليوم والبارحة والغد
همسةٌ مثل قبلة
كأنّ الحياة تنويعات يوم واحد
تشظّت خلفي أشعة الشمس
احتضنني نهر “مِتّهي”
وانفصل جسدي عن الروح.
أنا وما أعنيه الآن، ما كنته وأنساه
الذي سأكونه وأجهله
وجوهري
روحي موجة أنفاسٍ متغرّبة
وخطى جسدي
تقطع
جريان الضياء في الطرقات.
أطوف طيوراً حائمة
فوق بحيرة “بندره”
ولا أدرك الطافي على المياه
انعكاس الشمس أم زهور اللوتس.
مسعاي شارع “سوامي فيفكاندا”
الممتد يَداً فوق الأرض
أشارك أمواجاً من الأرواح والأجساد
أحدنا يقرأ مياهاً غامضة
ونحن نتحد بشفتيه.
اشترتني امرأة بحبة أناناس
في سوق المحطة،
تصدّقت عليّ بالشاي
صبية متسولة
على كورنيش “كُلابه”،
وفي يدِ رجل
ينثر الأرز في البحر للأسماك
بزغتُ ظل وردة.
قطعتُ جسوراً قلقة
واجهتني تقاطعات مخيفة
حطمتني أزمنة خشية
انتثرت بِدداً
وتركتني أغصاني وحيداً
فسهرت متبعثراً هكذا
على نجمتي
في الليالي العصيبة.
مرّت خفقاتُ أزمنة مديدة
بين خفقان قلبي
دون أن أنتبه.
انتظرت موعد الراحة في المقهى
تحول انتظاري موجتين
تجسدتا رجلاً وامرأة
الذكر طاقة الكون “شَكتي”
والأنثى بدرُ التّم “بُنيم”
استأمنت لطفهما زهوري
في بيت سدهارتا
المزدحم.
جسدٌ بلا روح
يناديني أجناس الناس
أخوض بحاراً من البشرية
عابراً شارع “محمد علي”
مفتشاً كل صباح
عن روحي الهائمة
في حديقة “تلة الملِبار”.
روحٌ بلا جسد
أشرقت ألف شمسٍ في شمسٍ واحدة
طلع النهار حلماً شفافاً
السماء طاقات قماش ملوّنة
مزخرفة الحواشي
نقوش دراويز
بين عوالم متباينة ومتداخلة.
جسدٌ بلا روح
مقيداً بسلاسلي
أجوب الضواحي
ابتسامات وعيون في بيوت صفيح، عطور حديثة في مصاعد عمارات زجاجية، خردة مركبات تحت الجسر، أحلام يقظة في مدارس حديثة، أمتعة شخصية في قمامة الضفاف، عشاق جدد على السواحل، عشاق قدماء في أسواق خضار، عجائز في معابد ذهبية،
باعة متجولون أمام فخامة معمار انجليزي، لمعان بلاط حجري أمام خرسانات الكورنيش، لحى بحنائها في مساجد كبرى، سكينة حدائق، أجانب يطلبون العافية في مستشفيات ضخمة،
تحديقات جذابة في زخارف هندوسية،
إدمان مراهنات خائبة في سباقات خيول، هبّيز في كنائس هائلة، همهمة حية في متاحف، صمت واجهة مبنى الجريدة،
مجمع أنهار هادرة
بينما تمثال بتنجالي غارق في جلسة اليوغا
وسط العشب.
ارتعشت في نسيم الصبح
هيأتُ ابتسامتي للحظة القادمة
وأنا أحبو بأطراف متقطعة
طَفَت على سطح ذاكرتي
من الأورديّة.
لمستُ اللغة المهراتّية في مياه “النافورة”
طفتُ المكتبات ومعارض الفن
بحثاً عن جسدي
متعللة بالسؤال عن دواوين شعر
وخرجت بقصائد “كبير”
ابتسامتي الحائرة
في وجه أحد المارة
هزة خفيفة
تسكن رأسي.
أنا نذرٌ يتحقق
جسدي مدهون بالعسل والحليب
تنتظره النسور والصقور
فوق “برج الصمت” الزرادشتي.
أنا المنذور
عما قليل سأشعل النار
في محرقة جثتي.
صدعتُ للأذان
أصغيت لقرع أجراس الصلوات
سمعتُ “السلام عليكم”
تتردد في فم السلاطين
مئات السنين
في الهواء المبتسم.
قلبي ألف قطعة مضيئة
تبعثرت في اللوحات والزخارف
مناشير ألوان
شربت مياه الغرابة
قرب سوق البلدية
قطعت ظلال المباني الكولونيالية
كالصليب
حول محطة “فكتوريا”
عرض النسيم أجنحته
ركبتها وطرت
فوق “نريمَن بوينت”
لمعتُ بين لآلئ “عقد الملكات”
على أغصان أشجار ساحة الكريكت
حول تمثال صاحب الدَّبّة.
سرتُ في أحلام أفلام هندية قديمة
جُبت حدائق كتب غارقة في المستقبل
وسط رؤوس تماثيل ضخمة
في خيال النحاتين.
تعددت أذرعي
لي أربعة أوجه
على ضفة النهر
أخذ كريشنا نايه
وبدأ يغني:
بين الفصول أنا الربيع.
صخبٌ محتدم
في الليل والنهار
واللحظة العابرة
تخفي مئات السنين.
الوجود يذوب داخلي
وأنا مصب الزمن
اكتشفت غرقي الأول
فاجأتني متاهتي الأساسية.
رفعتْ رأسي فراشات الحديقة
نبّهني نعيق غربان الأشجار
تقابلنا عند الناصية
أنا وصباح الدروب.
(تفضّل الشاي)
احتسيت بجسدي كله
رحيق الحياة المائج
وعيناي
على بريق الدموع.
أحاول تذكر من أكون:
نسيم صباح، ظل شجرة، شروق شمس،
ذكرى زهور القطن في نول غاندي
مذاق بهار حريف في الأطعمة
حبيبةً في شعر طاغور
شجرةً في كتاب هومي ك. بابا
كلمة حادة في قصيدة عادل جوساوالا
نغمة وتر في السيتار
أغنية أعراس
دقة طبل متواترة وإيقاع البناجري
في رقصات خلاص.
أيقظني الفجر
أفقت في غرقي
انطلقت لاستقبال النقطة الذهبية
السابحة فوق جبين الهند.
دلفتِ الشمسُ “بوابة الهند”
غمرت وقفتي سيول فن
لبثتُ هنيهة قبالة تمثال “سوامي فيفكاندا”
فاكتشفت هوية الروح
وانكشفت للجسد.
من بعيد لمحت جسدي
مستنداً على تمثال براهما الرباعي الأوجه
وانطلقتُ نحوي
امتزجتُ بأنفاس وصال فلكي
انتشلتني موجة وجد صوفية
من بحر مسجد “الحاج علي”
استعدت ذاتي بالنور الذي أغرقني
مثل قبلة في همسة:
مُمبي.